السؤال :
في رد الشيخ على السؤال رقم 164 الخاص ببيع الخمر لغير المسلمين، قال ما معناه أن تحريم الله للشيء يعني تحريم قبض ثمنه.
لدي خدمة إنترنت يمكن لأي إنسان أن يشترك فيها بإرسال رسالة إلكترونية على
العنوان: xxxx ويتم في هذه الخدمة إرسال حديث واحد مترجم إلى الإنكليزية
في صحيح البخاري. وقد وصلني حديث صحيح البخاري رقم 11، المجلد 8، المروي
عن ابن عمر (رضي الله عنهما) الذي ذكر فيه قصة أبيه واللباس الحريري الذي
أعطاه لأخيه المشرك (قبل إسلامه) الذي كان يسكن مكة. ويبدو لي من ذلك
الحديث أن بيع الملابس الحريرية أو إعطائها لغير المسلمين جائز.
أرجو منكم توضيح هذه المسألة، وجزاكم الله خيرا.
الجواب :
الحمد لله
النصيحة باستمرار عند قراءة الأحاديث المُشكلة جمع طرق وروايات هذه
الأحاديث والرجوع إلى كلام أهل العلم من الشّراح لأنّ عندهم من الفقه
والفهم ما يُزيل اللبس والإشكال ، وفيما يلي جمع لبعض ألفاظ الحديث من
الروايات التي ساقها البخاري رحمه الله للقصة ثم تلخيص لشرح الحديث من
كلام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في كتابه
العظيم فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ومن كلام الإمام النووي رحمه الله
في تعليقه على صحيح مسلم في شرح الحديث المذكور :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى
حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ
إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ
ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا
حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا
حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ
فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ ( اسم البائع ) مَا قُلْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا
فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخًا لَهُ
بِمَكَّةَ مُشْرِكًا " صحيح البخاري 837
وفي رواية : تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ " البخاري 896
وفي رواية : " فَقَالَ إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا
إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ
لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا يَعْنِي تَبِيعَهَا " البخاري 1962
وفي رواية .. " فَقَالَ عُمَرُ كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا
مَا قُلْتَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا تَبِيعُهَا أَوْ
تَكْسُوهَا فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ " البخاري 2426
وفي رواية : " فَقَالَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ " البخاري 2826
وفي رواية : " قَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالا " البخاري 5617
قال ابن حجر رحمه الله :
قوله : ( لو ابتعتها فلبستها ) وكأن عمر أشار بشرائها وتمناه قوله : (
إنما يلبس هذه ) في رواية جرير بن حازم " إنما يلبس الحرير " . قوله : (
من لا خلاق له ) زاد مالك في روايته " في الآخرة " . والخلاق النصيب وقيل
: الحظ وهو المراد هنا ، ويحتمل أن يراد من لا نصيب له في الآخرة أي مِن
لُبس الحرير
قوله : ( كساها إياه ) .. قد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث إليه بها
ليلبسها , أو المراد بقوله كساه أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة , وفي رواية
مالك .. " ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر حلة "
وفي رواية .. " فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل
سيراء فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطى علي بن أبي
طالب حلة "
قوله : ( تبيعها وتصيب بها حاجتك ) ( أي ) تصيب بثمنها , ( أو ) المراد المقايضة أو أعم من ذلك
( تنبيه ) : وجه إدخال هذا الحديث في " باب الحرير للنساء " يؤخذ من قوله
لعمر " لتبيعها أو تكسوها " لأن الحرير إذا كان لبسه محرما على الرجال فلا
فرق بين عمر وغيره من الرجال في ذلك فينحصر الإذن في النساء , وأما كون
عمر كساها أخاه فلا يشكل على ذلك عند من يرى أن الكافر مخاطب بالفروع
ويكون أهدى عمر الحلة لأخيه ليبيعها أو يكسوها امرأة .
( و) في بعض طرق الحديث .. عن ابن عمر قال : " أبصر رسول الله صلى الله
عليه وسلم على عطارد حلة فكرهها له ثم أنه كساها عمر مثله " الحديث , وفيه
" إني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتُلْبِسها النساء " واستدل به على
جواز لبس المرأة الحرير الصِّرف من حرير محض
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنه قال : لَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ
نَزَعَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ
قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَهَانِي
عَنْهُ جِبْرِيلُ فَجَاءه عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي قَالَ إِنِّي لَمْ
أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ
بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ رواه مسلم 3861
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم :
وفي حديث عمر في هذه الحلة دليل لتحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء
, ( و ) إباحة هديته , وإباحة ثمنه , وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوبا
وغيره .
قوله : ( فكساها عمر أخا له مشركا بمكة ) هكذا رواه البخاري ومسلم , وفي
رواية البخاري في كتاب قال : أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن
يسلم , فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك . .. وفي هذا دليل لجواز صلة
الأقارب الكفار والإحسان إليهم , وجواز الهدية إلى الكفار , وفيه جواز
إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لا تتعين للبسهم , وقد يتوهم متوهم أن
فيه دليلا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير , وهذا وهم باطل , لأن
الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر ، وليس فيه الإذن له في لبسها , وقد بعث
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلى عمر وعلي وأسامة رضي الله عنهم , ولا
يلزم منه إباحة لبسها لهم , بل صرح صلى الله عليه وسلم بأنه إنما أعطاه
لينتفع بها بغير اللبس , والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن
الكفار مخاطبون بفروع الشرع , فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين .
والله أعلم .
وقد روى البخاري رحمه الله تعالى حديثا آخر يتعلّق بالمسألة المذكورة عَنْ
الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ يَا
بُنَيِّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهُوَ يَقْسِمُهَا فَاذْهَبْ
بِنَا إِلَيْهِ فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ لِي يَا بُنَيِّ ادْعُ لِي
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ
فَقُلْتُ أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ
وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ فَقَالَ يَا
مَخْرَمَةُ هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ " . رواه البخاري
: كتاب اللباس : باب المزرر بالذهب
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : قوله " فخرج وعليه قباء من ديباج
مزرر بالذهب " هذا يحتمل أن يكون وقع قبل التحريم , فلما وقع تحريم الحرير
والذهب على الرجال لم يبق هذا حجة لمن يبيح شيئا من ذلك , ويحتمل أن يكون
بعد التحريم فيكون أعطاه لينتفع به بأن يكسوه النساء أو ليبيعه . انتهى
وملخص الجواب عن الإشكال المطروح في السّؤال أن حلّة الحرير ما دام لها
استعمالات مباحة كلبسها من قِبَل النّساء جاز بيعها وأخذ ثمنها والله
تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
في رد الشيخ على السؤال رقم 164 الخاص ببيع الخمر لغير المسلمين، قال ما معناه أن تحريم الله للشيء يعني تحريم قبض ثمنه.
لدي خدمة إنترنت يمكن لأي إنسان أن يشترك فيها بإرسال رسالة إلكترونية على
العنوان: xxxx ويتم في هذه الخدمة إرسال حديث واحد مترجم إلى الإنكليزية
في صحيح البخاري. وقد وصلني حديث صحيح البخاري رقم 11، المجلد 8، المروي
عن ابن عمر (رضي الله عنهما) الذي ذكر فيه قصة أبيه واللباس الحريري الذي
أعطاه لأخيه المشرك (قبل إسلامه) الذي كان يسكن مكة. ويبدو لي من ذلك
الحديث أن بيع الملابس الحريرية أو إعطائها لغير المسلمين جائز.
أرجو منكم توضيح هذه المسألة، وجزاكم الله خيرا.
الجواب :
الحمد لله
النصيحة باستمرار عند قراءة الأحاديث المُشكلة جمع طرق وروايات هذه
الأحاديث والرجوع إلى كلام أهل العلم من الشّراح لأنّ عندهم من الفقه
والفهم ما يُزيل اللبس والإشكال ، وفيما يلي جمع لبعض ألفاظ الحديث من
الروايات التي ساقها البخاري رحمه الله للقصة ثم تلخيص لشرح الحديث من
كلام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في كتابه
العظيم فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ومن كلام الإمام النووي رحمه الله
في تعليقه على صحيح مسلم في شرح الحديث المذكور :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى
حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ
إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ
ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا
حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا
حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ
فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ ( اسم البائع ) مَا قُلْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا
فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخًا لَهُ
بِمَكَّةَ مُشْرِكًا " صحيح البخاري 837
وفي رواية : تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ " البخاري 896
وفي رواية : " فَقَالَ إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا
إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ
لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا يَعْنِي تَبِيعَهَا " البخاري 1962
وفي رواية .. " فَقَالَ عُمَرُ كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا
مَا قُلْتَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا تَبِيعُهَا أَوْ
تَكْسُوهَا فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ " البخاري 2426
وفي رواية : " فَقَالَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ " البخاري 2826
وفي رواية : " قَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالا " البخاري 5617
قال ابن حجر رحمه الله :
قوله : ( لو ابتعتها فلبستها ) وكأن عمر أشار بشرائها وتمناه قوله : (
إنما يلبس هذه ) في رواية جرير بن حازم " إنما يلبس الحرير " . قوله : (
من لا خلاق له ) زاد مالك في روايته " في الآخرة " . والخلاق النصيب وقيل
: الحظ وهو المراد هنا ، ويحتمل أن يراد من لا نصيب له في الآخرة أي مِن
لُبس الحرير
قوله : ( كساها إياه ) .. قد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث إليه بها
ليلبسها , أو المراد بقوله كساه أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة , وفي رواية
مالك .. " ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر حلة "
وفي رواية .. " فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل
سيراء فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطى علي بن أبي
طالب حلة "
قوله : ( تبيعها وتصيب بها حاجتك ) ( أي ) تصيب بثمنها , ( أو ) المراد المقايضة أو أعم من ذلك
( تنبيه ) : وجه إدخال هذا الحديث في " باب الحرير للنساء " يؤخذ من قوله
لعمر " لتبيعها أو تكسوها " لأن الحرير إذا كان لبسه محرما على الرجال فلا
فرق بين عمر وغيره من الرجال في ذلك فينحصر الإذن في النساء , وأما كون
عمر كساها أخاه فلا يشكل على ذلك عند من يرى أن الكافر مخاطب بالفروع
ويكون أهدى عمر الحلة لأخيه ليبيعها أو يكسوها امرأة .
( و) في بعض طرق الحديث .. عن ابن عمر قال : " أبصر رسول الله صلى الله
عليه وسلم على عطارد حلة فكرهها له ثم أنه كساها عمر مثله " الحديث , وفيه
" إني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتُلْبِسها النساء " واستدل به على
جواز لبس المرأة الحرير الصِّرف من حرير محض
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنه قال : لَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ
نَزَعَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ
قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَهَانِي
عَنْهُ جِبْرِيلُ فَجَاءه عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي قَالَ إِنِّي لَمْ
أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ
بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ رواه مسلم 3861
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم :
وفي حديث عمر في هذه الحلة دليل لتحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء
, ( و ) إباحة هديته , وإباحة ثمنه , وجواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوبا
وغيره .
قوله : ( فكساها عمر أخا له مشركا بمكة ) هكذا رواه البخاري ومسلم , وفي
رواية البخاري في كتاب قال : أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن
يسلم , فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك . .. وفي هذا دليل لجواز صلة
الأقارب الكفار والإحسان إليهم , وجواز الهدية إلى الكفار , وفيه جواز
إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لا تتعين للبسهم , وقد يتوهم متوهم أن
فيه دليلا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير , وهذا وهم باطل , لأن
الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر ، وليس فيه الإذن له في لبسها , وقد بعث
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلى عمر وعلي وأسامة رضي الله عنهم , ولا
يلزم منه إباحة لبسها لهم , بل صرح صلى الله عليه وسلم بأنه إنما أعطاه
لينتفع بها بغير اللبس , والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن
الكفار مخاطبون بفروع الشرع , فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين .
والله أعلم .
وقد روى البخاري رحمه الله تعالى حديثا آخر يتعلّق بالمسألة المذكورة عَنْ
الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ يَا
بُنَيِّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهُوَ يَقْسِمُهَا فَاذْهَبْ
بِنَا إِلَيْهِ فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ لِي يَا بُنَيِّ ادْعُ لِي
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ
فَقُلْتُ أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ
وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ فَقَالَ يَا
مَخْرَمَةُ هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ " . رواه البخاري
: كتاب اللباس : باب المزرر بالذهب
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : قوله " فخرج وعليه قباء من ديباج
مزرر بالذهب " هذا يحتمل أن يكون وقع قبل التحريم , فلما وقع تحريم الحرير
والذهب على الرجال لم يبق هذا حجة لمن يبيح شيئا من ذلك , ويحتمل أن يكون
بعد التحريم فيكون أعطاه لينتفع به بأن يكسوه النساء أو ليبيعه . انتهى
وملخص الجواب عن الإشكال المطروح في السّؤال أن حلّة الحرير ما دام لها
استعمالات مباحة كلبسها من قِبَل النّساء جاز بيعها وأخذ ثمنها والله
تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد .