هناك أحاديث يرويها أبو إسحاق الهمداني ، فمن هو أبو إسحاق الهمداني هذا ، وما هي إسهاماته في الأحاديث ، وما صحة أحاديثه ؟
الجواب :
الحمد لله
أبو إسحاق الهمداني هو عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد ، المشهور بـ " أبي إسحاق
السبيعي " نسبة إلى " سبيع " جده البعيد ، من أكابر حفاظ مدينة الكوفة في العراق ،
ومن أعظم علمائها الذين رووا الحديث ، وأفنوا أعمارهم في سبيله .
وهو من الطبقة الوسطى من التابعين ، فقد ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان
رضي الله عنه ، وبالتحديد سنة (34 أو 35هـ) فأدرك بذلك كثيرا من الصحابة الحفاظ
المكثرين من الرواية ، كابن عباس ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ،
وزيد بن أرقم ، وأسامة بن زيد ، وغيرهم كثير ، حيث بلغ تعدادهم ثمانية وثلاثين
صحابيا من شيوخ أبي إسحاق ، بل ورد عنه أنه قال : " رأيت علي بن أبي طالب يخطب "،
ولكنه لم يدرك الرواية عنه .
ولا شك أن إدراك هذا العدد من محدثي الصحابة دافع عظيم للاجتهاد في سماع الحديث
وروايته والعمل به ، فهم خير القرون ، وسادة الناس ، وأصحاب الأثر العظيم في قلوب
طلابهم ومتبعيهم .
لهذا تأثرت شخصية أبي إسحاق السبيعي بأئمة الهدى والدين ، فاجتهد في طلب العلم
والأخذ عن الشيوخ ، وكثر شيوخه الذين روى عنهم حتى بلغوا العشرات ، بل قال علي بن
المديني رحمه الله : " روى أبو إسحاق عن سبعين رجلا أو ثمانين لم يرو عنهم غيره ،
وأحصيت مشيخته نحوا من ثلاث مائة شيخ "، وكان منهم كبار التابعين كعلقمة بن قيس ،
ومسروق بن الأجدع ، والضحاك بن قيس ، وعمرو بن شرحبيل الهمداني ، وعبد الله بن عتبة
بن مسعود ، وعمرو بن ميمون ، وشريح القاضي ، وخلق كثير من كبراء التابعين كما قال
الإمام الذهبي رحمه الله .
وأخذ الفقه عن كبار شيوخ مدرسة الكوفة التي اتبعت في منهجها العام الفقه المروي عن
عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبرز أبو إسحاق في حفظه فقهَ
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حتى كان يقال : " من جالس أبا إسحاق
فقد جالس عليا رضي الله عنه ".
قال علي بن المديني رحمه الله : " حفظ العلم على الأمة ستة : فلأهل الكوفة : أبو
إسحاق والأعمش ، ولأهل البصرة : قتادة ويحيى بن أبي كثير . ولأهل المدينة : الزهري
، ولأهل مكة عمرو بن دينار " .
فلم يكن أهل العلم يقدمون على أبي إسحاق أحدا من أهل طبقته .
واشتهر أبو إسحاق بالإمامة في الدين ، والتقوى والزهد والعبادة ، فكان يختم القرآن
الكريم في كل ثلاثة أيام مرة ، فقد أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي ، حتى صار
إماما في القراءة أيضا ، وهو أكبر شيوخ القارئ المعروف حمزة بن حبيب الزيات ، ولم
يشغله العلم عن الجهاد في سبيل الله ، فاشترك في غزو الروم زمن معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه ، وأخبر عن نفسه أنه اشترك في ست غزوات أو سبع غزوات زمن زياد بن أبيه
.
وكان صواما قواما لا ينام من الليل إلا قليلا ، وقد حكى ذلك عن نفسه رحمه الله فقال
: " ما أقلت عيني غمضا منذ أربعين سنة "، وحكى ابنه يونس – الحافظ الكبير – عن أبيه
أنه كان يقرأ كل ليلة ألف آية .
وأوصى مرة معشر الشباب فقال لهم : " يا معشر الشباب ، اغتنموا – يعني قوَّتكم –
قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية ، وإني لأقرأ البقرة في ركعة ، وإني
لأصوم الأشهر الحرم ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والاثنين والخميس " .
وتحلى بالأخلاق العظيمة ، بالكرم والسماحة والوفاء والمروءة ، فما سُمع يَعيبُ أحدا
قط ، ولا يتفاخر على الناس بعلمه ، بل يتواضع ويقول : "وددت أني أنجو من علمي كفافا
"
وهكذا عرف بالعبادة والتقوى حتى قال من أدركه في زمانه : " كنت إذا رأيت أبا إسحاق
ذكرت به الضرب الأول "، يعني الصحابة رضوان الله عليهم .
ومن كان هذا حاله في العلم والعبادة حري أن يكون إمام هدى يقصده طلبة العلم من كل
حدب وصوب ، فأخذ عنه أئمة علم الحديث كشعبة وسفيان الثوري – وكانا أوثق أصحابه في
الرواية عنه – وكان من تلاميذه أيضا ، منصور ، والأعمش ، وزكريا بن أبي زائدة ،
وولده يونس ، وحفيده إسرائيل ، وزائدة بن قدامة ، وجرير بن حازم ، وزهير بن معاوية
، وخلق كثيرون آخرون يشق تعدادهم وحصرهم .
واستمر عطاء أبي إسحاق السبيعي في العلم والعمل على مدى ثلاث وتسعين سنة ، حتى كبر
في آخر عمره ، وضعفت قوته ، وابتلي بفقد البصر حتى كان يستعين بأبنائه في هداية
الطريق ، ومع ذلك بقي حافظا للحديث ، مثابرا في تعليمه ، ولم يأخذ عليه العلماء
اضطرابا أو اختلاطا فاحشا ، وإنما كما قال الإمام الذهبي رحمه الله : " هو ثقة حجة
بلا نزاع...كبر وتغير حفظه تغير السن ، ولم يختلط "، وإن كان ذهب بعض أهل العلم
أيضا إلى وقوع الاختلاط في حديثه ، لكنه محصور وقليل ، كما أخذ عليه العلماء وقوع
التدليس أحيانا عند إسناده بالعنعنة ، حتى سماه الحافظ ابن حجر في "المرتبة
الثالثة" في كتاب " مراتب المدلسين " (رقم/91)، ولكن ذلك لا يضعف ما يصرح فيه
بالتحديث ( حدثنا ، أخبرنا ، سمعت .. ) ، لكن يوجب التحري فيما يرويه بصيغة العنعنة
( عن فلان ) من الأحاديث .
وكانت وفاته سنة (127هـ)، وخرج الناس في جنازته بالمئات ، وألقى الله على جنازته
المهابة ، حتى قال أمير الكوفة حين رأى كثرة الخلق المشيعين : " كأن هذا فيهم رباني
".
تنبيه: المعلومات الواردة في هذه الترجمة المختصرة
تجدها في كتاب : " سير أعلام النبلاء " (5/392-401)، وكتاب " تهذيب التهذيب "
(8/65)
والله أعلم .
الجواب :
الحمد لله
أبو إسحاق الهمداني هو عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد ، المشهور بـ " أبي إسحاق
السبيعي " نسبة إلى " سبيع " جده البعيد ، من أكابر حفاظ مدينة الكوفة في العراق ،
ومن أعظم علمائها الذين رووا الحديث ، وأفنوا أعمارهم في سبيله .
وهو من الطبقة الوسطى من التابعين ، فقد ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان
رضي الله عنه ، وبالتحديد سنة (34 أو 35هـ) فأدرك بذلك كثيرا من الصحابة الحفاظ
المكثرين من الرواية ، كابن عباس ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ،
وزيد بن أرقم ، وأسامة بن زيد ، وغيرهم كثير ، حيث بلغ تعدادهم ثمانية وثلاثين
صحابيا من شيوخ أبي إسحاق ، بل ورد عنه أنه قال : " رأيت علي بن أبي طالب يخطب "،
ولكنه لم يدرك الرواية عنه .
ولا شك أن إدراك هذا العدد من محدثي الصحابة دافع عظيم للاجتهاد في سماع الحديث
وروايته والعمل به ، فهم خير القرون ، وسادة الناس ، وأصحاب الأثر العظيم في قلوب
طلابهم ومتبعيهم .
لهذا تأثرت شخصية أبي إسحاق السبيعي بأئمة الهدى والدين ، فاجتهد في طلب العلم
والأخذ عن الشيوخ ، وكثر شيوخه الذين روى عنهم حتى بلغوا العشرات ، بل قال علي بن
المديني رحمه الله : " روى أبو إسحاق عن سبعين رجلا أو ثمانين لم يرو عنهم غيره ،
وأحصيت مشيخته نحوا من ثلاث مائة شيخ "، وكان منهم كبار التابعين كعلقمة بن قيس ،
ومسروق بن الأجدع ، والضحاك بن قيس ، وعمرو بن شرحبيل الهمداني ، وعبد الله بن عتبة
بن مسعود ، وعمرو بن ميمون ، وشريح القاضي ، وخلق كثير من كبراء التابعين كما قال
الإمام الذهبي رحمه الله .
وأخذ الفقه عن كبار شيوخ مدرسة الكوفة التي اتبعت في منهجها العام الفقه المروي عن
عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبرز أبو إسحاق في حفظه فقهَ
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حتى كان يقال : " من جالس أبا إسحاق
فقد جالس عليا رضي الله عنه ".
قال علي بن المديني رحمه الله : " حفظ العلم على الأمة ستة : فلأهل الكوفة : أبو
إسحاق والأعمش ، ولأهل البصرة : قتادة ويحيى بن أبي كثير . ولأهل المدينة : الزهري
، ولأهل مكة عمرو بن دينار " .
فلم يكن أهل العلم يقدمون على أبي إسحاق أحدا من أهل طبقته .
واشتهر أبو إسحاق بالإمامة في الدين ، والتقوى والزهد والعبادة ، فكان يختم القرآن
الكريم في كل ثلاثة أيام مرة ، فقد أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي ، حتى صار
إماما في القراءة أيضا ، وهو أكبر شيوخ القارئ المعروف حمزة بن حبيب الزيات ، ولم
يشغله العلم عن الجهاد في سبيل الله ، فاشترك في غزو الروم زمن معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه ، وأخبر عن نفسه أنه اشترك في ست غزوات أو سبع غزوات زمن زياد بن أبيه
.
وكان صواما قواما لا ينام من الليل إلا قليلا ، وقد حكى ذلك عن نفسه رحمه الله فقال
: " ما أقلت عيني غمضا منذ أربعين سنة "، وحكى ابنه يونس – الحافظ الكبير – عن أبيه
أنه كان يقرأ كل ليلة ألف آية .
وأوصى مرة معشر الشباب فقال لهم : " يا معشر الشباب ، اغتنموا – يعني قوَّتكم –
قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية ، وإني لأقرأ البقرة في ركعة ، وإني
لأصوم الأشهر الحرم ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والاثنين والخميس " .
وتحلى بالأخلاق العظيمة ، بالكرم والسماحة والوفاء والمروءة ، فما سُمع يَعيبُ أحدا
قط ، ولا يتفاخر على الناس بعلمه ، بل يتواضع ويقول : "وددت أني أنجو من علمي كفافا
"
وهكذا عرف بالعبادة والتقوى حتى قال من أدركه في زمانه : " كنت إذا رأيت أبا إسحاق
ذكرت به الضرب الأول "، يعني الصحابة رضوان الله عليهم .
ومن كان هذا حاله في العلم والعبادة حري أن يكون إمام هدى يقصده طلبة العلم من كل
حدب وصوب ، فأخذ عنه أئمة علم الحديث كشعبة وسفيان الثوري – وكانا أوثق أصحابه في
الرواية عنه – وكان من تلاميذه أيضا ، منصور ، والأعمش ، وزكريا بن أبي زائدة ،
وولده يونس ، وحفيده إسرائيل ، وزائدة بن قدامة ، وجرير بن حازم ، وزهير بن معاوية
، وخلق كثيرون آخرون يشق تعدادهم وحصرهم .
واستمر عطاء أبي إسحاق السبيعي في العلم والعمل على مدى ثلاث وتسعين سنة ، حتى كبر
في آخر عمره ، وضعفت قوته ، وابتلي بفقد البصر حتى كان يستعين بأبنائه في هداية
الطريق ، ومع ذلك بقي حافظا للحديث ، مثابرا في تعليمه ، ولم يأخذ عليه العلماء
اضطرابا أو اختلاطا فاحشا ، وإنما كما قال الإمام الذهبي رحمه الله : " هو ثقة حجة
بلا نزاع...كبر وتغير حفظه تغير السن ، ولم يختلط "، وإن كان ذهب بعض أهل العلم
أيضا إلى وقوع الاختلاط في حديثه ، لكنه محصور وقليل ، كما أخذ عليه العلماء وقوع
التدليس أحيانا عند إسناده بالعنعنة ، حتى سماه الحافظ ابن حجر في "المرتبة
الثالثة" في كتاب " مراتب المدلسين " (رقم/91)، ولكن ذلك لا يضعف ما يصرح فيه
بالتحديث ( حدثنا ، أخبرنا ، سمعت .. ) ، لكن يوجب التحري فيما يرويه بصيغة العنعنة
( عن فلان ) من الأحاديث .
وكانت وفاته سنة (127هـ)، وخرج الناس في جنازته بالمئات ، وألقى الله على جنازته
المهابة ، حتى قال أمير الكوفة حين رأى كثرة الخلق المشيعين : " كأن هذا فيهم رباني
".
تنبيه: المعلومات الواردة في هذه الترجمة المختصرة
تجدها في كتاب : " سير أعلام النبلاء " (5/392-401)، وكتاب " تهذيب التهذيب "
(8/65)
والله أعلم .