ترجمة الشيخ أبوعبد المعز محمد علي بن بوزيد بن علي فركوس القبي
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمــالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هدي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنوُا اتَقُوا اللهَ حَقَ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَ إِلاَ وَأََنْتُمْ مُسْلِمُونْ﴾[آل عمران ۱۰۲]
﴿يَا
أَيُهَا النَاسُ اْتًقُوا رَبَكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَـالاً
كَثِيراً وَنِسَـاءً، وَاْتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَام إِنَ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء ۱]
﴿يَا
أَيُهَا الذِينَ آمَنوُا اْتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنوُبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب ٧١-٧٢].
أما
بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بـدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في
النار.
فقد ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية في العديد من
المواضع بيان فضل العلم والعلماء، فمن القرآن الكريم، قوله تعالى:
﴿يَرْفَعِ اللهَ الذِينَ آمَنوُا مِنْكمْ وَ الذِينَ أُوْتوُا العِلْمَ
دَرَجَات﴾[ المجادلة ۱۱]، وقوله: ﴿قـُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[الزمر ٩]، وقوله: ﴿إِنَمَا يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء﴾[فاطر ٢٨].
ومن السنة، قوله صلى
الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا
ولا درهما ولكن ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)أخرجه أبوداود كتاب
العلم رقم(٣٦٤٣) والترمذي كتاب العلم رقم(٢٨٩٨) والدرامي في مقدمة
سننه(٣٥١) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح
الجامع(٦٢٩٧)[/url]).
أهل العلم هم الذين أحرزوا قصبات
السبق إلى وراثة الأنبياء لعلمهم بفقه الكتاب والسنة وبهدي نبي هذه الأمة
صلى الله عليه وسلم ، فلا شرف فوق شرف وارث ميراث النبوة، نسأل الله تعالى
أن يكون شيخنا أبو عبد المعز ممن نالوا تلك المرتبة إذ يعد حفظه الله تعالى
حلقة وصل لمن مضى من سلف هذه الأمة المتبعين للدعوة المحمدية حقا: معتقدا
ومنهجا وفقها وعلما، فهو منذ أن حاز نصيبا من العلوم الشرعية ونبغ فيها قام
بالدعوة إلى الله، داعيا إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه
وسلم وفق منهج سلف هذه الأمة، لا يحابي في الحق أحدا، ولا يوالي على الباطل
قريبا ولا بعيدا، جمع بين علمي النقل والعقل، يؤصــل الأجوبة ويستدل لهـا
ويحقق المسائل دون تقليد لغير الدليل، ويدعو إلى السنة ويحارب البدعة
بلسانه وقلمه، له تآليف وشروحات وتعليقات بلغت الغاية في الدقة والتحرير،
فجزاه الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
هذا وقد طلبت من
شيخنا أن يزودني ببعض المعلومات حتى أترجم له، فوافق جزاه الله خيرا، فقمت
بإعداد هذه النبذة عن حياة شيخنا الطيبة وذلك في سطور، وسميتها بعد
استشارة شيخنا "ترجمة شيخنا الأعز أبي عبد المعز". فأقول وبالله التوفيق
۱- اسم شيخنا ونسبه ومولده:
هوشيخنا
أبوعبد المعز محمد علي بن بوزيد بن علي فركوس القبي، نسبة إلى القبة
القديمة بالجزائر (العاصمة) التي كانت مسقط رأسه بتاريخ: يوم الخميس ٢٩
ربيع الأول ١٣٧٤ﻫ المـوافق لـ: ٢٥ نوفمبر ١٩٥٤م في شهر وسنة اندلاع الثورة
التحريرية في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم.
٢ - نشأة شيخنا العلمية:
تدرج
شيخنا أبو عبد المعز في تحصيل مدارك العلوم بالدراسة -أولا- على الطريقة
التقليدية فأخذ نصيبه من القرآن الكريم وشيئا من العلوم الأساسية في مدرسة
قرآنية على يد الشيخ محمد الصغير معلم، ثم التحق بالمدارس النظامية الحديثة
التي أتم فيها المرحلة الثــانوية، وبالنظر إلى عدم وجود كليات ومعاهد
عليا في العلوم الشرعية في ذلك الوقت كانت أقرب كلية تدرس فيها جملة من
المواد الشرعية كلية الحقوق والعلوم الإدارية التي أنهى دراسته بها، ولا
تزال - طيلة مرحلته الجامعية - تشده رغبة أكيـدة وميول شديد للاستزادة من
العلوم الشرعية والنبوغ فيها، فأكرمه الله تعالى بالقبول في الجامعة
الإسلامية بالمدينة النبوية، فاستطاع أن يجد ضالته في هذا البلد الأمين،
وقد استفاد أثناء مرحلته الدراسية من أساتذة وعلماء كرام -سواء في الجامعة
الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف- ملازمة ومجالسة وحضورا، أمثال : الشيخ
عطية بن محمد سالم -رحمه الله- القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة النبوية
في موطأ مالك -رحمه الله- والشيخ عبد القادر بن شيبة الحمد، أستاذ الفقه
والأصول في كليـة الشريعة، والشيخ أبوبكر جابر الجزائري الواعظ بالمسجد
النبوي، وأستاذ التفسير بكلية الشريعة، والشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه
الله- أستاذ التفسير بكلية الشريعة، ومدرس كتب السنة بالمسجد النبوي،
والشيخ عبد الرؤوف اللبدي أستاذ اللغـة (نحو وصرف) بكلية الشريعة،
وأمثالهم، كما استفاد من المناقشات العلمية للرسائل الجامعية التي كان
يناقشها الأسـاتذة والمشايخ، وكذا المحاضرات التي كان يلقيها فحول العلماء
أمثال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- والشيخ حماد بن
محمد الأنصاري -رحمه الله- وغيرهم. ثم عاد إلى الجزائر سنة ١٤٠٢ﻫ/١٩٨٢م ،
فكان من أوائل الأساتذة الذين التحقوا بمعهد العلوم الإسلامية الذي اعتُمد
رسميا في تلك السنة، وتعين فيه بعد ذلك مديرا للدراسات والبرمجة، ثم انتقل
إلى جامعة محمد الخامس بالرباط -المغرب- قصد التفرغ لاستكمال أطروحة
الدكتوراه التي حولها بعد ذلك إلى الجزائر العاصمة، فكانت أول رسالة
دكتوراه الدولة التي نوقشت بالجزائر العاصمة في مجال العلوم الإسلامية،
وهولا يزال بنفس الكلية يستفيد منه طلبة العلم داخل الجامعة وخارجها.
۳ - صفات شيخنا الخلقية والخلقية :
وشيخنا
أبو عبد المعز _حفظه الله_ يتمتع بما وهبه الله من صفات بدنية وقوة جسمية
منيعة، تظهر صفاته الخلقية من خلالها من كمال الهيئة وحسن السمت وجمال
الوجه والمظهر، وهو قريب الشبه في شكله وصورته وصوته للشيخ محمد ناصر الدين
الألباني -رحمه الله تعالى- كمـا شهد بذلك من رآهما.
كما توجت سيرة
شيخنا أبي عبد المعز الذاتية والعلمية بجملة من مكارم الأخلاق التي يعرفها
طلبة العلم عنه، وهو على جانب كبير من التواضع وطيب الطبع وحسن الألفة
والمعاشرة وجمال الخلق، يتوخى في دعوته أسلوب اللين بالحكمة والموعظة
الحسنة، يدعو للحق سالكا منهج أهل السنة والجماعة، راكنا إلى أهلها يحبهم
ويميل إليهم ويواليهم ويشــد على من يبغضهم ويعادي من يدعو على خلافهم، وهو
قائم بالعدل، منصف مع الغير، يعظم العلم، يقبل النصيحة في الحق ويرجع
إليه، ولا ينصر العامة على العلمـاء، ولا يجرئهم على التجاسر، ويشفق عليهم
وهو رحيم بهم، ومن صفاته حسن الاستقبال والعشرة وعلو الهمة.
٤ - مؤلفات شيخنا العلمية :
هذا
ولشيخنا أبي عبد المعز _حفظه الله_ مؤلفات علمية صدرت مطبوعة من دور النشر
خارج الجزائر وداخلها وسلسلتين في الفقه، وتمتاز كتبه ورسائله بالدقة في
الأسلوب الممتزج بين الأسلوب الأصولي والأدبي، وعباراته علمية دقيقة
مسلسلة، بعيدة عن التعقيد اللفظي والتعصب المذهبي.
ومن مؤلفاته ورسائله:
١. تقريب الوصول إلى علم الأصول لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي المتوفى سنة ٧٤١ هـ، دار الأقصى _ القاهرة ١٤١٠ هـ.
٢. ذوو الأرحام في فقه المواريث _دار تحصيل العلوم ١٤٠۷هـ الموافق لـ ۱٩۸۷ م.
۳. الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل للإمام أبي الوليد الباجي المتوفى سنة ٤۷٤ هـ _ المكتبة المكية السعودية _
٤.
مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ويليه كتاب مثارات الغلط في
الأدلة للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني التلمساني (٧٧١هـ / ١٣٧٠م)
مؤسسة الريان، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ/ ١٩٩٨م، دار تحصيل العلوم ١٤٢٠هـ /
۱۹۹۹م.
٥. مختارات من نصوص حديثية في فقه المعاملات المالية _ دار الرغائب والنفائس ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م .
٦.
الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفى سنة
١٣٥٩هـ _ دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى: ١٤٢١هـ / ٢٠٠٠م.
سلسلة فقه أحاديث الصيام
۱. حديث تبييت النية _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م
٢. حديث النهي عن صوم يوم الشك _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م.
۳. حديث الأمر بالصوم والإفطار لرؤية الهلال _ دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى١٤٢٢هـ / ٢٠٠١م.
٤. حديث حكم صيام المسافر ومدى أفضليته في السفر _دار الرغـائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ / ۲٠٠۲م.
سلسلة ليتفقهوا في الدين
۱. طريق الاهتداء إلى حكم الائتمام والاقتداء _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م.
٢. المنية في توضيح ما أشكل من الرقية _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م.
٣. فرائد القواعد لحل معاقد المساجد _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤٢٣هـ/ ٢٠٠٢م.
٤. محاسن العبارة في تجلية مقفلات الطهارة _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى١٤٢٠هـ/ ١٩٩٩م.
١٥/٥. الإرشاد إلى مسائل الأصول والاجتهاد _ مكتبة دار الريان، الطبعة الأولى ١٤٢٠هـ / ٢٠٠٠ م.
٦. مجالس تذكيرية على مسائل منهجية _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٤هـ / ٢٠٠٣م.
٧. 40 سؤال في أحكام المولود _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٥هـ / ٢٠٠٤م.
٨. العادات الجارية في الأعراس الجزائرية _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٦هـ / ٢٠٠٥م.
.
مقالة في مجلة "الرسالة" الصادرة من وزارة الشؤون الدينية تحت عنوان [حكم
التسعير: هل التسعير واجب أم ضرورة في الشريعة الإسلامية؟].
. مقالة في مجلة "الموافقات" الصادرة من المعهد الوطني العالي لأصول الدين بالخروبة تحت عنوان [حكم بيع العينة]
. مقالة في مجلة "منابر الهدى" تحت عنوان [إعتبار إختلاف المطالع في ثبوت الأهلّة وآراء الفقهـاء فيه]
مؤلفات قيد الإصدار :
١. من سلسلة ليتفقهوا في الدين العدد التاسع (حول مسائل الحج).
٢. الإنارة في التعليق على كتاب الإشارة.
٣. شرح وتعليق على العقائد الإسلامية للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفى سنة ١٣٥٩هـ.
ولشيخنا
أبي عبد المعز _ حفظه الله _ مقالات نشرت ضمن أعداد من مجلة منابر الهدى
وله إجابات عن أسئلة وردت عليه من مختلف جهات بلدنا الجزائر ومن غيره، منها
المكتوب بخطه ومنها المسجل في أشرطة، فهي فتـاوى متنوعة ومؤصلة في العقيدة
والمنهج وفي الفقه وأصوله، مما يدل على سعة مداركه العلمية.
هذا
وليعلم أن الذي نكتبه عن شيخنا هو القليل من حياته العلمية، وإنا مما نشهد
على مـا رأيناه من شيخنا حفظه الله تعالى: هو حسن أخلاقه وسمته وتواضعه مع
طلبة العلم، ورحمته بهم كالوالد مع ولده، فهويقربهم إليه ويبسط لهم
المسائل ويؤصلها لهم، ويعلمهم الكيفية المثلى في الإجابة، ويعقد لهم
المجالس الخاصة فضلا عن العامة، في البيت والمسجد والجامعة، كما أنه
يتعاهدهم ويسأل عنهم ويساعدهم على قضاء حوائجهم المادية فإن لم يستطع
فبالتوجيه والكلمة الطيبة، كما أنه ينصحهم بما يفيدهم في دينهم ودنياهم،
ويرغبهم في التكتل على الحق واتباع منهج النبوة، ويرهبهم من التكتل على
الباطل واتباع منهج الضلال، فهو الشيخ الفقيه بدينه الفقيه بواقعه، فجزاه
الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء، وأثابه وإيانا الثواب الجزيل، وصلى
الله على نبينا محمد وآله وسلم.
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمــالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هدي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنوُا اتَقُوا اللهَ حَقَ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَ إِلاَ وَأََنْتُمْ مُسْلِمُونْ﴾[آل عمران ۱۰۲]
﴿يَا
أَيُهَا النَاسُ اْتًقُوا رَبَكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَـالاً
كَثِيراً وَنِسَـاءً، وَاْتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَام إِنَ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء ۱]
﴿يَا
أَيُهَا الذِينَ آمَنوُا اْتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنوُبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب ٧١-٧٢].
أما
بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بـدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في
النار.
فقد ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية في العديد من
المواضع بيان فضل العلم والعلماء، فمن القرآن الكريم، قوله تعالى:
﴿يَرْفَعِ اللهَ الذِينَ آمَنوُا مِنْكمْ وَ الذِينَ أُوْتوُا العِلْمَ
دَرَجَات﴾[ المجادلة ۱۱]، وقوله: ﴿قـُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[الزمر ٩]، وقوله: ﴿إِنَمَا يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء﴾[فاطر ٢٨].
ومن السنة، قوله صلى
الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا
ولا درهما ولكن ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)أخرجه أبوداود كتاب
العلم رقم(٣٦٤٣) والترمذي كتاب العلم رقم(٢٨٩٨) والدرامي في مقدمة
سننه(٣٥١) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح
الجامع(٦٢٩٧)[/url]).
أهل العلم هم الذين أحرزوا قصبات
السبق إلى وراثة الأنبياء لعلمهم بفقه الكتاب والسنة وبهدي نبي هذه الأمة
صلى الله عليه وسلم ، فلا شرف فوق شرف وارث ميراث النبوة، نسأل الله تعالى
أن يكون شيخنا أبو عبد المعز ممن نالوا تلك المرتبة إذ يعد حفظه الله تعالى
حلقة وصل لمن مضى من سلف هذه الأمة المتبعين للدعوة المحمدية حقا: معتقدا
ومنهجا وفقها وعلما، فهو منذ أن حاز نصيبا من العلوم الشرعية ونبغ فيها قام
بالدعوة إلى الله، داعيا إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه
وسلم وفق منهج سلف هذه الأمة، لا يحابي في الحق أحدا، ولا يوالي على الباطل
قريبا ولا بعيدا، جمع بين علمي النقل والعقل، يؤصــل الأجوبة ويستدل لهـا
ويحقق المسائل دون تقليد لغير الدليل، ويدعو إلى السنة ويحارب البدعة
بلسانه وقلمه، له تآليف وشروحات وتعليقات بلغت الغاية في الدقة والتحرير،
فجزاه الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
هذا وقد طلبت من
شيخنا أن يزودني ببعض المعلومات حتى أترجم له، فوافق جزاه الله خيرا، فقمت
بإعداد هذه النبذة عن حياة شيخنا الطيبة وذلك في سطور، وسميتها بعد
استشارة شيخنا "ترجمة شيخنا الأعز أبي عبد المعز". فأقول وبالله التوفيق
۱- اسم شيخنا ونسبه ومولده:
هوشيخنا
أبوعبد المعز محمد علي بن بوزيد بن علي فركوس القبي، نسبة إلى القبة
القديمة بالجزائر (العاصمة) التي كانت مسقط رأسه بتاريخ: يوم الخميس ٢٩
ربيع الأول ١٣٧٤ﻫ المـوافق لـ: ٢٥ نوفمبر ١٩٥٤م في شهر وسنة اندلاع الثورة
التحريرية في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم.
٢ - نشأة شيخنا العلمية:
تدرج
شيخنا أبو عبد المعز في تحصيل مدارك العلوم بالدراسة -أولا- على الطريقة
التقليدية فأخذ نصيبه من القرآن الكريم وشيئا من العلوم الأساسية في مدرسة
قرآنية على يد الشيخ محمد الصغير معلم، ثم التحق بالمدارس النظامية الحديثة
التي أتم فيها المرحلة الثــانوية، وبالنظر إلى عدم وجود كليات ومعاهد
عليا في العلوم الشرعية في ذلك الوقت كانت أقرب كلية تدرس فيها جملة من
المواد الشرعية كلية الحقوق والعلوم الإدارية التي أنهى دراسته بها، ولا
تزال - طيلة مرحلته الجامعية - تشده رغبة أكيـدة وميول شديد للاستزادة من
العلوم الشرعية والنبوغ فيها، فأكرمه الله تعالى بالقبول في الجامعة
الإسلامية بالمدينة النبوية، فاستطاع أن يجد ضالته في هذا البلد الأمين،
وقد استفاد أثناء مرحلته الدراسية من أساتذة وعلماء كرام -سواء في الجامعة
الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف- ملازمة ومجالسة وحضورا، أمثال : الشيخ
عطية بن محمد سالم -رحمه الله- القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة النبوية
في موطأ مالك -رحمه الله- والشيخ عبد القادر بن شيبة الحمد، أستاذ الفقه
والأصول في كليـة الشريعة، والشيخ أبوبكر جابر الجزائري الواعظ بالمسجد
النبوي، وأستاذ التفسير بكلية الشريعة، والشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه
الله- أستاذ التفسير بكلية الشريعة، ومدرس كتب السنة بالمسجد النبوي،
والشيخ عبد الرؤوف اللبدي أستاذ اللغـة (نحو وصرف) بكلية الشريعة،
وأمثالهم، كما استفاد من المناقشات العلمية للرسائل الجامعية التي كان
يناقشها الأسـاتذة والمشايخ، وكذا المحاضرات التي كان يلقيها فحول العلماء
أمثال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- والشيخ حماد بن
محمد الأنصاري -رحمه الله- وغيرهم. ثم عاد إلى الجزائر سنة ١٤٠٢ﻫ/١٩٨٢م ،
فكان من أوائل الأساتذة الذين التحقوا بمعهد العلوم الإسلامية الذي اعتُمد
رسميا في تلك السنة، وتعين فيه بعد ذلك مديرا للدراسات والبرمجة، ثم انتقل
إلى جامعة محمد الخامس بالرباط -المغرب- قصد التفرغ لاستكمال أطروحة
الدكتوراه التي حولها بعد ذلك إلى الجزائر العاصمة، فكانت أول رسالة
دكتوراه الدولة التي نوقشت بالجزائر العاصمة في مجال العلوم الإسلامية،
وهولا يزال بنفس الكلية يستفيد منه طلبة العلم داخل الجامعة وخارجها.
۳ - صفات شيخنا الخلقية والخلقية :
وشيخنا
أبو عبد المعز _حفظه الله_ يتمتع بما وهبه الله من صفات بدنية وقوة جسمية
منيعة، تظهر صفاته الخلقية من خلالها من كمال الهيئة وحسن السمت وجمال
الوجه والمظهر، وهو قريب الشبه في شكله وصورته وصوته للشيخ محمد ناصر الدين
الألباني -رحمه الله تعالى- كمـا شهد بذلك من رآهما.
كما توجت سيرة
شيخنا أبي عبد المعز الذاتية والعلمية بجملة من مكارم الأخلاق التي يعرفها
طلبة العلم عنه، وهو على جانب كبير من التواضع وطيب الطبع وحسن الألفة
والمعاشرة وجمال الخلق، يتوخى في دعوته أسلوب اللين بالحكمة والموعظة
الحسنة، يدعو للحق سالكا منهج أهل السنة والجماعة، راكنا إلى أهلها يحبهم
ويميل إليهم ويواليهم ويشــد على من يبغضهم ويعادي من يدعو على خلافهم، وهو
قائم بالعدل، منصف مع الغير، يعظم العلم، يقبل النصيحة في الحق ويرجع
إليه، ولا ينصر العامة على العلمـاء، ولا يجرئهم على التجاسر، ويشفق عليهم
وهو رحيم بهم، ومن صفاته حسن الاستقبال والعشرة وعلو الهمة.
٤ - مؤلفات شيخنا العلمية :
هذا
ولشيخنا أبي عبد المعز _حفظه الله_ مؤلفات علمية صدرت مطبوعة من دور النشر
خارج الجزائر وداخلها وسلسلتين في الفقه، وتمتاز كتبه ورسائله بالدقة في
الأسلوب الممتزج بين الأسلوب الأصولي والأدبي، وعباراته علمية دقيقة
مسلسلة، بعيدة عن التعقيد اللفظي والتعصب المذهبي.
ومن مؤلفاته ورسائله:
١. تقريب الوصول إلى علم الأصول لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي المتوفى سنة ٧٤١ هـ، دار الأقصى _ القاهرة ١٤١٠ هـ.
٢. ذوو الأرحام في فقه المواريث _دار تحصيل العلوم ١٤٠۷هـ الموافق لـ ۱٩۸۷ م.
۳. الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل للإمام أبي الوليد الباجي المتوفى سنة ٤۷٤ هـ _ المكتبة المكية السعودية _
٤.
مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ويليه كتاب مثارات الغلط في
الأدلة للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني التلمساني (٧٧١هـ / ١٣٧٠م)
مؤسسة الريان، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ/ ١٩٩٨م، دار تحصيل العلوم ١٤٢٠هـ /
۱۹۹۹م.
٥. مختارات من نصوص حديثية في فقه المعاملات المالية _ دار الرغائب والنفائس ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م .
٦.
الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفى سنة
١٣٥٩هـ _ دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى: ١٤٢١هـ / ٢٠٠٠م.
سلسلة فقه أحاديث الصيام
۱. حديث تبييت النية _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م
٢. حديث النهي عن صوم يوم الشك _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م.
۳. حديث الأمر بالصوم والإفطار لرؤية الهلال _ دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى١٤٢٢هـ / ٢٠٠١م.
٤. حديث حكم صيام المسافر ومدى أفضليته في السفر _دار الرغـائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ / ۲٠٠۲م.
سلسلة ليتفقهوا في الدين
۱. طريق الاهتداء إلى حكم الائتمام والاقتداء _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م.
٢. المنية في توضيح ما أشكل من الرقية _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م.
٣. فرائد القواعد لحل معاقد المساجد _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤٢٣هـ/ ٢٠٠٢م.
٤. محاسن العبارة في تجلية مقفلات الطهارة _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى١٤٢٠هـ/ ١٩٩٩م.
١٥/٥. الإرشاد إلى مسائل الأصول والاجتهاد _ مكتبة دار الريان، الطبعة الأولى ١٤٢٠هـ / ٢٠٠٠ م.
٦. مجالس تذكيرية على مسائل منهجية _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٤هـ / ٢٠٠٣م.
٧. 40 سؤال في أحكام المولود _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٥هـ / ٢٠٠٤م.
٨. العادات الجارية في الأعراس الجزائرية _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٦هـ / ٢٠٠٥م.
.
مقالة في مجلة "الرسالة" الصادرة من وزارة الشؤون الدينية تحت عنوان [حكم
التسعير: هل التسعير واجب أم ضرورة في الشريعة الإسلامية؟].
. مقالة في مجلة "الموافقات" الصادرة من المعهد الوطني العالي لأصول الدين بالخروبة تحت عنوان [حكم بيع العينة]
. مقالة في مجلة "منابر الهدى" تحت عنوان [إعتبار إختلاف المطالع في ثبوت الأهلّة وآراء الفقهـاء فيه]
مؤلفات قيد الإصدار :
١. من سلسلة ليتفقهوا في الدين العدد التاسع (حول مسائل الحج).
٢. الإنارة في التعليق على كتاب الإشارة.
٣. شرح وتعليق على العقائد الإسلامية للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفى سنة ١٣٥٩هـ.
ولشيخنا
أبي عبد المعز _ حفظه الله _ مقالات نشرت ضمن أعداد من مجلة منابر الهدى
وله إجابات عن أسئلة وردت عليه من مختلف جهات بلدنا الجزائر ومن غيره، منها
المكتوب بخطه ومنها المسجل في أشرطة، فهي فتـاوى متنوعة ومؤصلة في العقيدة
والمنهج وفي الفقه وأصوله، مما يدل على سعة مداركه العلمية.
هذا
وليعلم أن الذي نكتبه عن شيخنا هو القليل من حياته العلمية، وإنا مما نشهد
على مـا رأيناه من شيخنا حفظه الله تعالى: هو حسن أخلاقه وسمته وتواضعه مع
طلبة العلم، ورحمته بهم كالوالد مع ولده، فهويقربهم إليه ويبسط لهم
المسائل ويؤصلها لهم، ويعلمهم الكيفية المثلى في الإجابة، ويعقد لهم
المجالس الخاصة فضلا عن العامة، في البيت والمسجد والجامعة، كما أنه
يتعاهدهم ويسأل عنهم ويساعدهم على قضاء حوائجهم المادية فإن لم يستطع
فبالتوجيه والكلمة الطيبة، كما أنه ينصحهم بما يفيدهم في دينهم ودنياهم،
ويرغبهم في التكتل على الحق واتباع منهج النبوة، ويرهبهم من التكتل على
الباطل واتباع منهج الضلال، فهو الشيخ الفقيه بدينه الفقيه بواقعه، فجزاه
الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء، وأثابه وإيانا الثواب الجزيل، وصلى
الله على نبينا محمد وآله وسلم.