بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة فقه الدعوة (1)
فهم خاطئ في مسألة العلم الذي يحتاجه الدعاة
لا شك أن الدعوة إلى الله مشروط لها
العلم ، ولكن العلم ليس شيئاً واحدا لا يتجزأ ولا يتبعض ، وإنما هو
بطبيعته يتجزأ ويتبعض ، فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل
بالثانية ، ومعنى ذلك أنه يعد من جملة العلماء بالمسألة الأولى وبالتالي
يتوفر فيه شرط وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل ، ولا خلاف بين الفقهاء
إن من جهل شيئاً أو جهل حكمه أنه لا يدعو إليه ، لأن العلم بصحة ما يدعو
إليه الداعي شرط لصحة الدعوة .
وعلى هذا فكل مسلم يدعو إلى الله بالقدر
الذي يعلمه ، ويكون هذا المعنى هو المقصود من قولهم أن الدعوة تجب على
العلماء لا على غيرهم ، أي على من يعلم المسألة وحكمها التي يدعو إليها ،
سواء كان من عامة المسلمين أو ممن نال حظا كبيرا من العلم (1) .
وهذه
المسألة ( أي العلم ) هي من المداخل الكبرى التي يدخل بها الشيطان على
جمهور الدعاة ، ليصرفهم بهذه الشبه عن القيام بالدعوة (فربما يقول لك
الشيطان : أنت ما زلت قليل العلم ، والدعوة تحتاج إلى فقيه عالم يرد على
التساؤلات ويدفع الشبهات ويفحم المنافس والمجادل .. أخي : بلغ عن نبيك –
كما أوصاك – ولو آية ، لا ينكر أحد أهمية العلم ، ولكن من منا قد أنهى
العلم وهل هناك حد يعلم المرء عنده أنه أصبح لديه من العلم ما يكفيه
للدعوة ، وهل الناس يتطلبون كل ذلك التبحر كي ندلهم على ما طُبع في فطرهم
من الخير والهدى ؟ .. إننا دعاة ، ولو أخلصنا لعلمنا أن علملنا هو الدعوة
إلى الله وليس إثبات التفوق على الأقران وإفحامهم أو صرف وجوه الناس إلينا
أو الانتصار في المجادلات ، وأن التبحر في فنون العلم الفرعية فرض على
الكفاية ، وأن المرء يظل يطلب العلم من المهد إلى اللحد ، وأنه وكما قال
الإمام سعيد بن جبير ( لا يزال الرجل عالماً بالعلم ما تعلم فإن ترك العلم
وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون ) .
ثم إنك أخي
الداعية تمتاز بميزة عظيمة قد لا توجد عند كثير ممن امتلأت رؤوسهم بالعلوم
والمناظرات ، والجدل ، ذلك هو العزم الذي دفعك إلى البحث عن الطرق التي
تخدم بها الإسلام ( وإن رجلا ينفذ أفكاره القليلة بهمة وعزم لأفضل ممن
امتلأت رأسه بالأفكار وعجزت يداه عن تنفيذها) (2) .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي :
هل الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة ، أم تقتصر على العلماء وطلاب العلم فقط ؟ وهل يجوز للعامي أن يدعو إلى الله ؟
فأجاب
رحمه الله : إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن
يكون عالماً كبيراً يشار إليه أو طالب علم مجدّاً في طلبه ، أو عامياً ،
لكنه علم المسألة علماً يقيناً ، لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يقول
: ( بلغوا عنّي ولو آية ) أخرجه البخاري . ولا يشترط في الداعية أن يبلغ
مبلغاً كبيراً في العلم ، لكن يشترط أن يكون عالماً فيما يدعو إليه ، أما
أن يقوم عن جهل ويدعو بناءً على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز .
أما العامي فلا يدعو وهو لا يعلم بل لا بد أولاً من العلم لقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) .
فلا
بد أن يدعو إلى الله على بصيرة ، لكن الشيء المنكر البيّن أو المعروف
البيّن فله أن يأمر به إذا كان معروفاً وينهي عنه إذا كان منكراً .
أما الدعوة فلا بد أن تسبق بعلم ، لأن من دعا بلا علم فإنه يفسد أكثر مما يصلح ، كما هو ظاهر.
فالواجب
أن يتعلم الإنسان ما يريد أن يدعو إليه ، ثم يدعو ثانياً أما المنكرات
الظاهرات ، والأمر بالمعروف الظاهر ، فهذا يؤمر بالمعروف فيه ، وينهى عن
المنكر . أ هـ . (3) .
( وفعل الصحابة الكرام يدل على ذلك ، فالطفيل بن
عمرو الدَّوسي ، وأبو ذر الغفاري ، وهما من السابقين إلى الإسلام قاما
بمهمة الدعوة بما معهما من أصل التوحيد وبعض ما نزل من القرآن ، وهدى الله
بهما فئاماً من الناس ، ولم يصل أبو ذر الغفاري إلى المدينة ويلحق بالرسول
إلا في العام السابع للهجرة وكان معه قبيلة أسلم وقبيلة غفار قدم بهما
مسلمتين ، ونحن نعلم أن الرسول قال : ( بلغوا عني ولو آية ) وقال أيضاً
: ( نضر الله امرءا ً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها ، فرب حامل فقه إلى
من هو أفقه منه ) ) أخرجه الترمذي (4) .
المراجع :
(1) المنطلق ، محمد أحمد الراشد .
(2) فقه الدعوة إلى الله ، أحمد الطهطاوي .
(3) الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات ، للشيخ محمد بن صالح العثيمين .
(4) مقومات الداعية الناجح ، د/علي عمر بادحدح .
بقلم / حمد بن سالم الحربي
غفر الله له ولوالديه
سلسلة فقه الدعوة (1)
فهم خاطئ في مسألة العلم الذي يحتاجه الدعاة
لا شك أن الدعوة إلى الله مشروط لها
العلم ، ولكن العلم ليس شيئاً واحدا لا يتجزأ ولا يتبعض ، وإنما هو
بطبيعته يتجزأ ويتبعض ، فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل
بالثانية ، ومعنى ذلك أنه يعد من جملة العلماء بالمسألة الأولى وبالتالي
يتوفر فيه شرط وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل ، ولا خلاف بين الفقهاء
إن من جهل شيئاً أو جهل حكمه أنه لا يدعو إليه ، لأن العلم بصحة ما يدعو
إليه الداعي شرط لصحة الدعوة .
وعلى هذا فكل مسلم يدعو إلى الله بالقدر
الذي يعلمه ، ويكون هذا المعنى هو المقصود من قولهم أن الدعوة تجب على
العلماء لا على غيرهم ، أي على من يعلم المسألة وحكمها التي يدعو إليها ،
سواء كان من عامة المسلمين أو ممن نال حظا كبيرا من العلم (1) .
وهذه
المسألة ( أي العلم ) هي من المداخل الكبرى التي يدخل بها الشيطان على
جمهور الدعاة ، ليصرفهم بهذه الشبه عن القيام بالدعوة (فربما يقول لك
الشيطان : أنت ما زلت قليل العلم ، والدعوة تحتاج إلى فقيه عالم يرد على
التساؤلات ويدفع الشبهات ويفحم المنافس والمجادل .. أخي : بلغ عن نبيك –
كما أوصاك – ولو آية ، لا ينكر أحد أهمية العلم ، ولكن من منا قد أنهى
العلم وهل هناك حد يعلم المرء عنده أنه أصبح لديه من العلم ما يكفيه
للدعوة ، وهل الناس يتطلبون كل ذلك التبحر كي ندلهم على ما طُبع في فطرهم
من الخير والهدى ؟ .. إننا دعاة ، ولو أخلصنا لعلمنا أن علملنا هو الدعوة
إلى الله وليس إثبات التفوق على الأقران وإفحامهم أو صرف وجوه الناس إلينا
أو الانتصار في المجادلات ، وأن التبحر في فنون العلم الفرعية فرض على
الكفاية ، وأن المرء يظل يطلب العلم من المهد إلى اللحد ، وأنه وكما قال
الإمام سعيد بن جبير ( لا يزال الرجل عالماً بالعلم ما تعلم فإن ترك العلم
وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون ) .
ثم إنك أخي
الداعية تمتاز بميزة عظيمة قد لا توجد عند كثير ممن امتلأت رؤوسهم بالعلوم
والمناظرات ، والجدل ، ذلك هو العزم الذي دفعك إلى البحث عن الطرق التي
تخدم بها الإسلام ( وإن رجلا ينفذ أفكاره القليلة بهمة وعزم لأفضل ممن
امتلأت رأسه بالأفكار وعجزت يداه عن تنفيذها) (2) .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين السؤال التالي :
هل الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة ، أم تقتصر على العلماء وطلاب العلم فقط ؟ وهل يجوز للعامي أن يدعو إلى الله ؟
فأجاب
رحمه الله : إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن
يكون عالماً كبيراً يشار إليه أو طالب علم مجدّاً في طلبه ، أو عامياً ،
لكنه علم المسألة علماً يقيناً ، لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يقول
: ( بلغوا عنّي ولو آية ) أخرجه البخاري . ولا يشترط في الداعية أن يبلغ
مبلغاً كبيراً في العلم ، لكن يشترط أن يكون عالماً فيما يدعو إليه ، أما
أن يقوم عن جهل ويدعو بناءً على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز .
أما العامي فلا يدعو وهو لا يعلم بل لا بد أولاً من العلم لقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) .
فلا
بد أن يدعو إلى الله على بصيرة ، لكن الشيء المنكر البيّن أو المعروف
البيّن فله أن يأمر به إذا كان معروفاً وينهي عنه إذا كان منكراً .
أما الدعوة فلا بد أن تسبق بعلم ، لأن من دعا بلا علم فإنه يفسد أكثر مما يصلح ، كما هو ظاهر.
فالواجب
أن يتعلم الإنسان ما يريد أن يدعو إليه ، ثم يدعو ثانياً أما المنكرات
الظاهرات ، والأمر بالمعروف الظاهر ، فهذا يؤمر بالمعروف فيه ، وينهى عن
المنكر . أ هـ . (3) .
( وفعل الصحابة الكرام يدل على ذلك ، فالطفيل بن
عمرو الدَّوسي ، وأبو ذر الغفاري ، وهما من السابقين إلى الإسلام قاما
بمهمة الدعوة بما معهما من أصل التوحيد وبعض ما نزل من القرآن ، وهدى الله
بهما فئاماً من الناس ، ولم يصل أبو ذر الغفاري إلى المدينة ويلحق بالرسول
إلا في العام السابع للهجرة وكان معه قبيلة أسلم وقبيلة غفار قدم بهما
مسلمتين ، ونحن نعلم أن الرسول قال : ( بلغوا عني ولو آية ) وقال أيضاً
: ( نضر الله امرءا ً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها ، فرب حامل فقه إلى
من هو أفقه منه ) ) أخرجه الترمذي (4) .
المراجع :
(1) المنطلق ، محمد أحمد الراشد .
(2) فقه الدعوة إلى الله ، أحمد الطهطاوي .
(3) الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات ، للشيخ محمد بن صالح العثيمين .
(4) مقومات الداعية الناجح ، د/علي عمر بادحدح .
بقلم / حمد بن سالم الحربي
غفر الله له ولوالديه