السلام عليكم ورحمة الله والصلاة والسلام على الحبيب محمد
وبعد..
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُم
{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ
رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ
تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا
تَكْفُرُونِ } البقرة (152).
قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ }
هذه الكاف للتشبيه وتحتاج إلى شيء يرجع إليه فقال بعضهم: ترجع إلى ما
قبلها معناه ولأتم نعمتي عليكم كما أرسلنا فيكم رسولا قال محمد بن جرير:
دعا إبراهيم عليه السلام بدعوتين -إحداهما -قال: "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك"( 128-البقرة ) والثانية قوله: "ربنا وابعث فيهم رسولا منهم"(
129-البقرة ) فبعث الله الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ووعد إجابة
الدعوة الثانية بأن يجعل في ذريته أمة مسلمة، يعني كما أجبت دعوته بأن
أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع الملة الحنيفية
وقال مجاهد وعطاء والكلبي: هي متعلقة بما بعدها وهو قوله "فاذكروني أذكركم" معناه كما أرسلنا فيكم رسولا منكم فاذكروني وهذه الآية خطاب لأهل مكة والعرب يعني كما أرسلنا فيكم يا معشر العرب.
{ رَسُولا مِنْكُمْ } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم { يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } يعني القرآن { وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } قيل: الحكمة السنة، وقيل: مواعظ القرآن { وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } الأحكام وشرائع الإسلام.
{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي، وقال سعيد بن جبير اذكروني في النعمة والرخاء، أذكركم في الشدة والبلاء، بيانه "فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون"( 144-الصافات ).
عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا
عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن
ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا،
وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" .
عن
الحسن عن أنس قال: إني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم
عدد أناملي هذه العشر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله
تعالى يقول: يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك
في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم، وإن دنوت مني شبرا
دنوت منك ذراعا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن مشيت إلي هرولت
إليك، وإن هرولت إلي سعيت إليك، وإن سألتني أعطيتك، وإن لم تسألني غضبت
عليك" .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه"
عن عبد الله بن بسر قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله تعالى" .
قوله تعالى: { وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } يعني واشكروا لي بالطاعة ولا تكفروني بالمعصية فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه فقد كفره.
.......................................
المرجع: كتاب التفسير : معالم التنزيل
المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي