الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
عندما
ينسى المرء شيئا ويريد تذكره : هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم -
كما هو شائع - أم أن هناك دعاء معينا لتذكر ما نسيه المرء ؟
الحمد لله
من
نسي شيئا وأراد أن يستعين على تذكره واستحضاره ، فعليه أن يستعين بدعاء
الله تعالى وسؤاله ، ولم يثبت في الكتاب أو في السنة ـ فيما نعلم ـ ذكر
معين يمكن للمسلم أن يستعين به عند النسيان ، وقد ذكر بعض أهل العلم أمرين
اثنين نافعين عند النسيان :
الأمر الأول : ذكر الله تعالى ، بالتهليل أو التسبيح أو التكبير أو أي نوع من أنواع الذكر ،
قالوا : لأن النسيان من الشيطان ، وذكر الله طارد له.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : (
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ
يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) الكهف/23-24 .
قالوا : ومعنى قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي : إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه .
ذكر هذا القول : الماوردي في "النكت والعيون" (2/471) والقرطبي في تفسيره (10/386) وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/128) وغيرهم .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/61-62) :
" في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير :
الأول
: أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها ، والمعنى : أنك إن قلت سأفعل
غداً كذا ونسيت أن تقول : إن شاء الله ، ثم تذكرت فقل : إن شاء الله .
وهذا القول هو الظاهر ؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله ) الكهف/23 .
وهو قول الجمهور : وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم .
القول
الثاني : أن الآية لا تعلق لها بما قبلها ، وأن المعنى : إذا وقع منك
النسيان لشيء فاذكر الله ؛ لأن النسيان من الشيطان ، كما قال تعالى عن فتى
موسى : ( وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ ) الكهف/63 ، وكقوله : ( استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله ) المجادلة/19 ، وقال تعالى : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين ) الأنعام/68 وذكر الله تعالى يطرد الشيطان ، كما يدل لذلك قوله تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف/36 وقوله تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ الوسواس الخناس ) الناس/1-4.
أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله . الخَنَّاس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل
هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله
على وجه غير مخصوص ، كأن يقول لا إله إلا الله ، أستغفر الله ، لا إله إلا
الله والله أكبر ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يقول
بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة
الكهف في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة ؟
فأجاب:
"إذا
نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول : اللهم ذكرني
ما نسيت ، وعلمني ما جهلت ، أو ما أشبه ذلك من الأشياء .
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه ، والآية يحتمل معناها : اذكر ربك إذا نسيت ؛ لأن الله قال له : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين .
الأمر الثاني : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد
ورد في ذلك حديث ، ولكنه ضعيف جدا ، فلا يجوز العمل به ، رواه أبو موسى
المديني وذكره الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" في الموطن الثاني
والثلاثين من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : إذا نسي الشيء وأراد
ذكره .
قال :
" ذكره أبو موسى المديني ، وروى فيه من طريق محمد بن
عتّاب المروزي ، ثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي ، ثنا عبد الله بن
عبد الله العتكي ، أنبأنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : (إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء الله) انتهى .
وهذا سند ضعيف ، فيه علتان :
1-
عبيد الله بن عبد الله العتكي : جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/27)
: " قال البخاري : عنده مناكير . وقال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على
حديثه . وقال البيهقي : لا يحتج به " انتهى باختصار . وانظر بعض مناكيره
في "الكامل" لابن عدي (4/332) .
2- سعدان بن عبدة القداحي : قال ابن عدي في "الكامل" (4/332) : " غير معروف " انتهى.
ولذلك ضعف الحديث الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص/326)
وقد
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على مقدمة كتاب "الروض المربع"
(الشريط رقم 1/الدقيقة 18.35) عما يقوله بعض الناس إذا نسي شئيا صلى على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ رحمه الله :
" لا أعرف له أصلا يعتمد ، المستحب الذكر المطلق ؛ لأن الله تعالى قال : ( واذكر ربك اذا نسيت ) ، فمن نسي يذكر الله ، يقول : لا إله إلا الله ، سبحان الله "
والحاصل
: أن الاستعانة على التذكر تكون بدعاء الله تعالى وذكره مطلقا ، ولم يثبت
في ذلك ذكر معين أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
عندما
ينسى المرء شيئا ويريد تذكره : هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم -
كما هو شائع - أم أن هناك دعاء معينا لتذكر ما نسيه المرء ؟
الحمد لله
من
نسي شيئا وأراد أن يستعين على تذكره واستحضاره ، فعليه أن يستعين بدعاء
الله تعالى وسؤاله ، ولم يثبت في الكتاب أو في السنة ـ فيما نعلم ـ ذكر
معين يمكن للمسلم أن يستعين به عند النسيان ، وقد ذكر بعض أهل العلم أمرين
اثنين نافعين عند النسيان :
الأمر الأول : ذكر الله تعالى ، بالتهليل أو التسبيح أو التكبير أو أي نوع من أنواع الذكر ،
قالوا : لأن النسيان من الشيطان ، وذكر الله طارد له.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : (
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ
يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) الكهف/23-24 .
قالوا : ومعنى قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) أي : إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه .
ذكر هذا القول : الماوردي في "النكت والعيون" (2/471) والقرطبي في تفسيره (10/386) وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/128) وغيرهم .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/61-62) :
" في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير :
الأول
: أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها ، والمعنى : أنك إن قلت سأفعل
غداً كذا ونسيت أن تقول : إن شاء الله ، ثم تذكرت فقل : إن شاء الله .
وهذا القول هو الظاهر ؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله ) الكهف/23 .
وهو قول الجمهور : وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم .
القول
الثاني : أن الآية لا تعلق لها بما قبلها ، وأن المعنى : إذا وقع منك
النسيان لشيء فاذكر الله ؛ لأن النسيان من الشيطان ، كما قال تعالى عن فتى
موسى : ( وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ ) الكهف/63 ، وكقوله : ( استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله ) المجادلة/19 ، وقال تعالى : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين ) الأنعام/68 وذكر الله تعالى يطرد الشيطان ، كما يدل لذلك قوله تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف/36 وقوله تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ الوسواس الخناس ) الناس/1-4.
أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله . الخَنَّاس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله ، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل
هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله
على وجه غير مخصوص ، كأن يقول لا إله إلا الله ، أستغفر الله ، لا إله إلا
الله والله أكبر ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يقول
بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة
الكهف في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة ؟
فأجاب:
"إذا
نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول : اللهم ذكرني
ما نسيت ، وعلمني ما جهلت ، أو ما أشبه ذلك من الأشياء .
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه ، والآية يحتمل معناها : اذكر ربك إذا نسيت ؛ لأن الله قال له : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين .
الأمر الثاني : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد
ورد في ذلك حديث ، ولكنه ضعيف جدا ، فلا يجوز العمل به ، رواه أبو موسى
المديني وذكره الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" في الموطن الثاني
والثلاثين من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : إذا نسي الشيء وأراد
ذكره .
قال :
" ذكره أبو موسى المديني ، وروى فيه من طريق محمد بن
عتّاب المروزي ، ثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي ، ثنا عبد الله بن
عبد الله العتكي ، أنبأنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : (إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء الله) انتهى .
وهذا سند ضعيف ، فيه علتان :
1-
عبيد الله بن عبد الله العتكي : جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/27)
: " قال البخاري : عنده مناكير . وقال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على
حديثه . وقال البيهقي : لا يحتج به " انتهى باختصار . وانظر بعض مناكيره
في "الكامل" لابن عدي (4/332) .
2- سعدان بن عبدة القداحي : قال ابن عدي في "الكامل" (4/332) : " غير معروف " انتهى.
ولذلك ضعف الحديث الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص/326)
وقد
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على مقدمة كتاب "الروض المربع"
(الشريط رقم 1/الدقيقة 18.35) عما يقوله بعض الناس إذا نسي شئيا صلى على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ رحمه الله :
" لا أعرف له أصلا يعتمد ، المستحب الذكر المطلق ؛ لأن الله تعالى قال : ( واذكر ربك اذا نسيت ) ، فمن نسي يذكر الله ، يقول : لا إله إلا الله ، سبحان الله "
والحاصل
: أن الاستعانة على التذكر تكون بدعاء الله تعالى وذكره مطلقا ، ولم يثبت
في ذلك ذكر معين أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .