دليل الإشهار العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

إذا كانت هذه أول زيارة لك في الإشهار العربي، نرجوا منك مراجعة قوانين المنتدى من خلال الضغط هنا وأيضاً يشرفنا انضمامك إلى أسرتنا الضخمة من خلال الضغط هنا.

descriptionموقفُ الناس من إلإلهام(1)  Emptyموقفُ الناس من إلإلهام(1)

more_horiz
. فَلَمْ يُؤَثِّمْ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ ؛ بَلْ جَعَلَ لَهُ أَجْرًا عَلَى اجْتِهَادِهِ وَجَعَلَ خَطَأَهُ مَغْفُورًا لَهُ، وَلَكِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُصِيبَ لَهُ أَجْرَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يَغْلَطَ لَمْ يَجِبْ عَلَى النَّاسِ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ مَنْ هُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ لِئَلَّا يَكُونَ نَبِيًّا ؛ بَلْ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ اللَّهِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَا يُلْقَى إلَيْهِ فِي قَلْبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا [ لِلشَّرْعِ ]، وَعَلَى مَا يَقَعُ لَهُ مِمَّا يَرَاهُ إلْهَامًا وَمُحَادَثَةً وَخِطَابًا مِنَ الْحَقِّ ؛ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبْلَهُ وَإِنْ خَالَفَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَمُوَافِقٌ هُوَ أَمْ مُخَالِفٌ ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ .
- - - - - - - - - - - - - -
موقفُ الناس من إلإلهام(1)
__________
(1) - وفي مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 469)
فَمَضْمُونُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ النَّاسَ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمُلْكِ وَالْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ " : قَوْمٌ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا إلَّا بِحُكْمِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ . وَهُوَ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ حَالُ الْعَبْدِ الرَّسُولِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ . وَ قَوْمٌ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِحُكْمِ إرَادَتِهِمْ وَالشَّهْوَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً . وَهَذَا حَالُ النَّبِيِّ الْمَلِكِ . وَهُوَ حَالُ الْأَبْرَارِ أَهْلِ الْيَمِينِ . وَقَوْمٌ لَا يَتَصَرَّفُونَ بِهَذَا وَلَا بِهَذَا . أَمَّا " الْأَوَّلُ " فَلِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ . وَأَمَّا " الثَّانِي " فَلِزُهْدِهِمْ فِيهِ ؛ بَلْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِحُكْمِ الْقَدَرِ الْمَحْضِ اتِّبَاعًا لِإِرَادَةِ اللَّهِ الْخِلْقِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ حِينَ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةُ الْأَمْرِيَّةُ وَهَذَا كَالتَّرْجِيحِ بِالْقُرْعَةِ إذَا تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ بِسَبَبِ شَرْعِيٍّ مَعْلُومٍ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِإِلْهَامِ يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ وَخِطَابٍ . وَكَلَامُ " الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ " - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ؛ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالزُّهْدِ فِي إرَادَةِ النَّفْسِ وَهَوَاهَا حَتَّى لَا يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْإِرَادَةِ وَالنَّفْسِ وَهَذَا رَفْعٌ لَهُ عَنْ حَالِ الْأَبْرَارِ أَهْلِ الْيَمِينِ وَعَنْ طَرِيقِ الْمُلُوكِ مُطْلَقًا وَمَنْ حَصَلَ هَذَا وَتَصَرَّفَ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ الْمُحَمَّدِيِّ الْقُرْآنِيِّ فَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ لَكِنَّ هَذَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا عَلَى التَّفْصِيلِ قَدْ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَلَا تَرَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَكَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَكَمَ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ ، وَبِسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةِ أَمْوَالِهِمْ . قَالَ : لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ } " . وَذَلِكَ أَنَّ تَخْيِيرَ وَلِيِّ الْأَمْرِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ ، وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ لَيْسَ تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ بَلْ تَخْيِيرَ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ ، فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ حُكْمَ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَا . وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَخْفَى كَثِيرًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " { إذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك ، وَحُكْمِ أَصْحَابِك } " وَالْحَاكِمُ الَّذِي يُنْزِلُ أَهْلَ الْحِصْنِ عَلَى حُكْمِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمَّا أَمَرَ سَعْدًا بِمَا هُوَ الْأَرْضَى لِلَّهِ وَالْأَحَبُّ إلَيْهِ حَكَمَ بِحُكْمِهِ وَلَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَنَفَذَ حُكْمُهُ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي الْبَاطِنِ . فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي لَا يَتَبَيَّنُ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ فِي الْوَاقِعَةِ الْمُعَيَّنَةِ يَأْمُرُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الشُّيُوخِ : " تَارَةً " بِالرُّجُوعِ إلَى الْأَمْرِ الْبَاطِنِ وَالْإِلْهَامِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَ " تَارَةً " بِالرُّجُوعِ إلَى الْقَدَرِ الْمَحْضِ لِتَعَذُّرِ الْأَسْبَابِ الْمُرَجِّحَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَمَا يُرَجِّحُ الشَّارِعُ بِالْقُرْعَةِ . فَهُمْ يَأْمُرُونَ أَلَّا يُرَجِّحَ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِ وَهَوَاهُ فَإِنَّ هَذَا إمَّا مُحَرَّمٌ وَإِمَّا مَكْرُوهٌ وَإِمَّا مُنْقِصٌ ، فَهُمْ فِي هَذَا النَّهْيِ كَنَهْيِهِمْ عَنْ فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ . ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ وَجَبَ التَّرْجِيحُ بِهِ وَإِلَّا رَجَّحُوا : إمَّا " بِسَبَبِ بَاطِنٍ " مِنْ الْإِلْهَامِ وَالذَّوْقِ وَإِمَّا " بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ " الَّذِي لَا يُضَافُ إلَيْهِمْ . وَمَنْ يُرَجِّحُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ " بِاسْتِخَارَةِ اللَّهِ " كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَصَابَ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ أَدِلَّةُ " الْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ " عِنْدَ النَّاظِرِ الْمُجْتَهِدِ وَعِنْدَ الْمُقَلِّدِ الْمُسْتَفْتِي فَإِنَّهُ لَا يُرَجِّحُ شَيْئًا . بَلْ مَا جَرَى بِهِ الْقَدَرُ أَقَرُّوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ . وَتَارَةً يُرَجِّحُ أَحَدُهُمْ : إمَّا بِمَنَامِ وَإِمَّا بِرَأْيٍ مُشِيرٍ نَاصِحٍ وَإِمَّا بِرُؤْيَةِ الْمَصْلَحَةِ فِي أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ . وَأَمَّا التَّرْجِيحُ بِمُجَرَّدِ الِاخْتِيَارِ بِحَيْثُ إذَا تَكَافَأَتْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ يُرَجِّحُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ . فَهَذَا لَيْسَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَلَكِنْ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي الْعَامِّيِّ الْمُسْتَفْتِي : إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُفْتِينَ الْمُخْتَلِفِينَ . وَهَذَا كَمَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ السَّالِكِينَ إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ فِي الشَّرِيعَةِ رَجَّحَ بِمُجَرَّدِ ذَوْقِهِ وَإِرَادَتِهِ فَالتَّرْجِيحُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ الَّتِي لَا تَسْتَنِدُ إلَى أَمْرٍ عِلْمِيٍّ بَاطِنٍ وَلَا ظَاهِرٍ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ . فَأَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ لَا يَقُولُونَ هَذَا . وَلَكِنْ مَنْ جَوَّزَ لِمُجْتَهِدِ أَوْ مُقَلِّدٍ التَّرْجِيحَ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ شَرَعَ لِلسَّالِكِ التَّرْجِيحَ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِ وَذَوْقِهِ . لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : الْقَلْبُ الْمَعْمُورُ بِالتَّقْوَى إذَا رَجَّحَ بِإِرَادَتِهِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ شَرْعِيٌّ . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ مِنْ هَذَا فَمَنْ غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ إرَادَةُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَبُغْضُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ إذَا لَمْ يَدْرِ فِي الْأَمْرِ الْمُعَيَّنِ هَلْ هُوَ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ أَوْ مَكْرُوهٌ وَرَأَى قَلْبَهُ يُحِبُّهُ أَوْ يَكْرَهُهُ كَانَ هَذَا تَرْجِيحًا عِنْدَهُ . كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ صِدْقُهُ أَغْلَبُ مِنْ كَذِبِهِ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ بِخَبَرِ هَذَا عِنْدَ انْسِدَادِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحٌ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ . فَفِي " الْجُمْلَةِ " مَتَى حَصَلَ مَا يَظُنُّ مَعَهُ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أَحَبّ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ هَذَا تَرْجِيحًا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا كَوْنَ الْإِلْهَامِ طَرِيقًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَخْطَئُوا كَمَا أَخْطَأَ الَّذِينَ جَعَلُوهُ طَرِيقًا شَرْعِيًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ . وَلَكِنْ إذَا اجْتَهَدَ السَّالِكُ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا تَرْجِيحًا وَأُلْهِمَ حِينَئِذٍ رُجْحَانَ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ مَعَ حُسْنِ قَصْدِهِ وَعِمَارَتِهِ بِالتَّقْوَى فَإِلْهَامُ مِثْلِ هَذَا دَلِيلٌ فِي حَقِّهِ ؛ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْيِسَةِ الضَّعِيفَةِ ؛ وَالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالظَّوَاهِرِ الضَّعِيفَةِ وَالِاسْتِصْحَابات الضَّعِيفَةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ الْخَائِضِينَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْخِلَافِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى { إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } } وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : اقْتَرِبُوا مِنْ أَفْوَاهِ الْمُطِيعِينَ ؛ وَاسْمَعُوا مِنْهُمْ مَا يَقُولُونَ فَإِنَّهُ تَتَجَلَّى لَهُمْ أُمُورٌ صَادِقَةٌ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي } وَ ( أَيْضًا فَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ : وَهُوَ حُبّ الْمَعْرُوفِ وَبُغْضُ الْمُنْكَرِ فَإِذَا لَمْ تَسْتَحِلْ الْفِطْرَةُ فَالْقُلُوبُ مَفْطُورَةٌ عَلَى الْحَقِّ فَإِذَا كَانَتْ الْفِطْرَةُ مُقَوَّمَةٌ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ مُنَوَّرَةٌ بِنُورِ الْقُرْآنِ وَخَفِيَ عَلَيْهَا دَلَالَةُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ وَرَأَى قَلْبَهُ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَمَارَاتِ عِنْدَ مِثْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا } الْآيَةَ . ثُمَّ قَالَ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } وَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إيمَانًا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْأَمَانَةَ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ فَعَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ ، وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ } " وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ حَدِيثُ النَّوَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا . وَعَلَى جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ وَفِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ . فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ ، وَالسُّتُورُ حُدُودُ اللَّهِ ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ نَادَاهُ الْمُنَادِي - أَوْ كَمَا قَالَ - يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ . وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ } " . فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَاعِظٌ وَالْوَاعِظُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِتَرْغِيبِ وَتَرْهِيبٍ ؛ فَهَذَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الَّذِي يَقَعُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مُطَابِقٌ لِأَمْرِ الْقُرْآنِ وَنَهْيِهِ وَلِهَذَا يَقْوَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { نُورٌ عَلَى نُورٍ } قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي الْآيَةِ : هُوَ الْمُؤْمِنُ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فِيهَا بِأَثَرِ فَإِذَا سَمِعَ بِالْأَثَرِ كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ . نُورُ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ يُطَابِقُ نُورَ الْقُرْآنِ كَمَا أَنَّ الْمِيزَانَ الْعَقْلِيَّ يُطَابِقُ الْكِتَابَ الْمُنَزَّلَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ . وَقَدْ يُؤْتَى الْعَبْدُ أَحَدَهُمَا وَلَا يُؤْتَى الْآخَرَ . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ . وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا ؛ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ } .
وَالْإِلْهَامُ فِي الْقَلْبِ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلِ وَالْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالِاعْتِقَادِ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَالْحُبِّ وَالْإِرَادَةِ وَالطَّلَبِ فَقَدْ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرْجَحُ وَأَظْهَرُ وَأَصْوَبُ وَقَدْ يَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ } " وَالْمُحَدَّثُ الْمُلْهَمُ الْمُخَاطَبُ ، وَفِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ { : الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ وَسَكَنَ إلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك } " وَهُوَ فِي السُّنَنِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّوَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ } " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْإِثْمُ حِزَازُ الْقُلُوبِ . وَ ( أَيْضًا فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُورُ الْكَوْنِيَّةُ قَدْ تَنْكَشِفُ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا فَالْأُمُورُ الدِّينِيَّةُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ إلَى كَشْفِهَا أَحْوَجُ لَكِنَّ هَذَا فِي الْغَالِبِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَشْفًا بِدَلِيلِ وَقَدْ يَكُونُ بِدَلِيلِ يَنْقَدِحُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ وَهَذَا أَحَدُ مَا فُسِّرَ بِهِ مَعْنَى " الِاسْتِحْسَانِ " . وَقَدْ قَالَ مَنْ طَعَنَ فِي ذَلِكَ - كَأَبِي حَامِدٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ - : مَا لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ فَهُوَ هَوَسٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ إبَانَةَ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِقَلْبِهِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُبَيِّنُهَا بَيَانًا نَاقِصًا وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ يُلْقَى فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ حَرَامٌ أَوْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَبِالْعَكْسِ قَدْ يُلْقَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةُ شَخْصٍ وَأَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ أَوْ أَنَّ هَذَا الْمَالَ حَلَالٌ . وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانَ أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ؛ لَكِنْ إنَّ مِثْلَ هَذَا يَكُونُ تَرْجِيحًا لِطَالِبِ الْحَقِّ إذَا تَكَافَأَتْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ الظَّاهِرَةُ . فَالتَّرْجِيحُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ قَطْعًا فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا بَاطِلَةٌ قَطْعًا . كَمَا قُلْنَا : إنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ ظَاهِرٍ أَوْ قِيَاسٍ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ بِنَقِيضِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَجُوزُ تَكَافُؤُ الْأَدِلَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ قَدْ تَتَكَافَأُ عِنْدَ النَّاظِرِ لِعَدَمِ ظُهُورِ التَّرْجِيحِ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ : أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ بَلْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ عَالِمٍ بِالْحَقِّ الْبَاطِنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَزِيَّةٌ فِي عِلْمٍ وَلَا عَمَلٍ فَهَؤُلَاءِ قَدْ يُجَوِّزُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ تَكَافُؤَ الْأَدِلَّةِ وَيَجْعَلُونَ الْوَاجِبَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى الظَّنِّ دَلِيلٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ وَإِنَّمَا رُجْحَانُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ هُوَ مِنْ بَابِ الرُّجْحَانِ بِالْمَيْلِ وَالْإِرَادَةِ كَتَرْجِيحِ النَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ لِلِانْتِقَامِ وَالنَّفْسِ الْحَلِيمَةِ لِلْعَفْوِ . وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ حَقٍّ مُعَيَّنٍ يُصِيبُهُ الْمُسْتَدِلُّ تَارَةً وَيُخَطِّئُهُ أُخْرَى . كَالْكَعْبَةِ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَالْمُجْتَهِدُ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالصَّلَاةِ إلَيْهَا كَالْمُجْتَهِدِ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى قَوْلٍ فَعَمِلَ بِمُوجِبِهِ كِلَاهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَهُوَ مُصِيبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَلَهُ أَجْرٌ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَلَيْسَ مُصِيبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلِمَ الْحَقَّ الْمُعَيَّنَ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا وَمُصِيبُهُ لَهُ أَجْرَانِ وَهَذَا فِي كَشْفِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَكِنْ قَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَبْدِ . فَإِنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ ( الْأَحْكَامَ الْكُلِّيَّةَ ) . وَأَمَّا ( الْأَحْكَامُ الْمُعَيَّنَاتُ الَّتِي تُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ " مِثْلُ كَوْنِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مُؤْمِنًا أَوْ مُنَافِقًا أَوْ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ عَدُوًّا لَهُ وَكَوْنِ هَذَا الْمُعَيَّنِ عَدُوًّا لِلْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ ، وَكَوْنِ هَذَا الْعَقَارِ لِيَتِيمِ أَوْ فَقِيرٍ يَسْتَحِقُّ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ ، وَكَوْنِ هَذَا الْمَالِ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمِ ظَالِمٍ فَإِذَا زَهِدَ فِيهِ الظَّالِمُ انْتَفَعَ بِهِ أَهْلُهُ فَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا يَجِبُ أَنْ تُعْلَمَ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ بَلْ تُعْلَمُ بِأَدِلَّةِ خَاصَّةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا . وَمِنْ طُرُقِ ذَلِكَ " الْإِلْهَامُ " فَقَدْ يُلْهِمُ اللَّهُ بَعْضَ عِبَادِهِ حَالَ هَذَا الْمَالِ الْمُعَيَّنِ وَحَالَ هَذَا الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ . وَقِصَّةُ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطُّ لِأَحَدٍ لَا نَبِيٍّ وَلَا وَلِيٍّ أَنْ يُخَالِفَ شَرْعَ اللَّهِ لَكِنْ فِيهَا عِلْمُ حَالِ ذَاكَ الْمُعَيَّنِ بِسَبَبِ بَاطِنٍ يُوجِبُ فِيهِ الشَّرْعُ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرُ كَمَنْ دَخَلَ إلَى دَارٍ وَأَخَذَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَالِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ صَاحِبَهَا أَذِنَ لَهُ وَغَيْرُهُ لَمْ يَعْلَمْ ، وَمِثْلُ مَنْ رَأَى ضَالَّةً أَخَذَهَا وَلَمْ يُعَرِّفْهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ أَتَى بِهَا هَدِيَّةً لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْإِلْهَامِ الصَّحِيحِ . وَ ( النَّوْعُ الثَّانِي ) عَكْسُ هَذَا . وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتْبَعُونَ هَوَاهُمْ لَا أَمْرَ اللَّهِ ؛ فَهَؤُلَاءِ لَا يَفْعَلُونَ وَلَا يَأْمُرُونَ إلَّا بِمَا يُحِبُّونَهُ بِهَوَاهُمْ وَلَا يَتْرُكُونَ وَيَنْهَوْنَ إلَّا عَنْ مَا يَكْرَهُونَهُ بِهَوَاهُمْ وَهَؤُلَاءِ شَرُّ الْخَلْقِ . قَالَ تَعَالَى : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } قَالَ الْحَسَنُ : هُوَ الْمُنَافِقُ لَا يَهْوَى شَيْئًا إلَّا رَكِبَهُ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْحَقَّ إذَا وَافَقَ هَوَاهُ وَيُخَالِفُهُ إذَا خَالَفَ هَوَاهُ فَإِذَا أَنْتَ لَا تُثَابُ عَلَى مَا اتَّبَعْته مِنْ الْحَقِّ وَتُعَاقَبُ عَلَى مَا خَالَفْته . وَهُوَ كَمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا قَصَدَ اتِّبَاعَ هَوَاهُ لَمْ يَعْمَلْ لِلَّهِ . أَلَا تَرَى أَنَّ " أَبَا طَالِبٍ " نَصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَبَّ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ لَا لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَتَقَبَّلْ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يُثِبْهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعَانَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ ؛ فَقَالَ اللَّهُ فِيهِ : { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى } { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } { إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى } { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } . ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) : الَّذِي يُرِيدُ تَارَةً إرَادَةً يُحِبُّهَا اللَّهُ ؛ وَتَارَةً إرَادَةً يُبْغِضُهَا اللَّهُ . وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ يُطِيعُونَ اللَّهَ تَارَةً وَيُرِيدُونَ مَا أَحَبَّهُ وَيَعْصُونَهُ تَارَةً وَيُرِيدُونَ مَا يَهْوُونَهُ وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُهُ .
وَ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) : أَنْ يَخْلُوَ عَنْ الْإِرَادَتَيْنِ فَلَا يُرِيدُ لِلَّهِ وَلَا لِهَوَاهُ وَهَذَا يَقَعُ لِكَثِيرِ مِنْ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَيَقَعُ لِكَثِيرِ مِنْ الزُّهَّادِ وَالنُّسَّاكِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ . وَأَمَّا خُلُوُّ الْإِنْسَانِ عَنْ الْإِرَادَةِ مُطْلَقًا فَمُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ مَفْطُورٌ عَلَى إرَادَةِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَعَلَى كَرَاهَةِ مَا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ وَالزَّاهِدُ النَّاسِكُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ أَشْيَاءَ يُحِبُّهَا اللَّهُ : مِثْلُ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ ، وَتَرْكِ الْمَحَارِمِ ؛ بَلْ وَكَذَلِكَ عُمُومُ الْمُؤْمِنِينَ لَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ أَشْيَاءَ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَإِلَّا فَمَنْ لَمْ يُحِبّ اللَّهَ وَلَا أَحَبّ شَيْئًا لِلَّهِ فَلَمْ يُحِبّ شَيْئًا مِنْ الطَّاعَاتِ لَا الشَّهَادَتَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا ، وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ إرَادَةٌ لِبَعْضِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ؛ وَأَمَّا إرَادَةُ الْعَبْدِ لِمَا يَهْوَاهُ وَلَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فَهَذَا لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَإِنَّهُ أَرَادَ الْمَعْصِيَةَ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا . وَأَمَّا الْخُلُوُّ عَنْ الْإِرَادَتَيْنِ الْمَحْمُودَةِ وَالْمَذْمُومَةِ فَيَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ :
( أَحَدُهُمَا ) : مَعَ إعْرَاضِ الْعَبْدِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا وَلَا يَكْرَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِعْلَهَا وَإِذَا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِانْتِصَارِ هَؤُلَاءِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَلَا لِانْتِصَارِ هَؤُلَاءِ الَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ .
وَ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) : يَقَعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الزُّهَّادِ الْعُبَّادِ الْمُمْتَثِلِينَ لِمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ الْمُجْتَنِبِينَ لِمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْهُ وَأُمُورٌ أُخْرَى لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا وَلَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَلَا يُرِيدُونَهَا وَلَا يَكْرَهُونَهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَقَدْ يَرْضَوْنَهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً مُقَدَّرَةً وَقَدْ يُعَاوِنُونَ عَلَيْهَا وَيَرَوْنَ هَذَا مُوَافَقَةً لِلَّهِ وَأَنَّهُمْ لَمَّا خَلَوْا عَنْ هَوَى النَّفْسِ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالرِّضَا بِكُلِّ حَادِثٍ ؛ بَلْ وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَيْهِ . وَهَذَا مَوْضِعٌ يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ فَإِنَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَعَلَيْنَا أَنْ نُبْغِضَ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَكْلِيفَ فِيهَا مِثْلُ أَفْعَالِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ فَهَذَا إذَا كَانَ اللَّهُ لَا يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا وَلَا يَكْرَهُهَا وَيَذُمُّهَا فَالْمُؤْمِنُ أَيْضًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّهَا وَيَرْضَاهَا وَلَا يَكْرَهَهَا . وَأَمَّا كَوْنُهَا مَقْدُورَةً وَمَخْلُوقَةً لِلَّهِ فَذَاكَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ مَا خَلَقَهُ لَمَّا شَاءَ مِنْ حِكْمَتِهِ وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ .
وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ " ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " :
( أَحَدُهَا ) الرِّضَا بِالطَّاعَاتِ ؛ فَهَذَا طَاعَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا .
وَ ( الثَّانِي ) : الرِّضَا بِالْمَصَائِبِ فَهَذَا مَأْمُورٌ بِهِ : إمَّا مُسْتَحَبٌّ وَإِمَّا وَاجِبٌ .
وَ ( الثَّالِثُ ) : الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ فَهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِالرِّضَا بِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِبُغْضِهِ وَسَخَطِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } وَقَالَ : { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } وَقَالَ : { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } وَقَالَ : { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . وَهُوَ وَإِنْ خَلَقَهُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْلُقَ مَا لَا يُحِبُّهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا كَمَا خَلَقَ الشَّيَاطِينَ . فَنَحْنُ رَاضُونَ عَنْ اللَّهِ فِي أَنْ يَخْلُقَ مَا يَشَاءُ وَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا نَفْسُ هَذَا الْفِعْلِ الْمَذْمُومِ وَفَاعِلُهُ فَلَا نَرْضَى بِهِ وَلَا نَحْمَدُهُ . وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَمَا يُرَادُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمَحْبُوبِ مَعَ كَوْنِهِ مُبْغِضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْوَاحِدَ يُرَادُ مِنْ وَجْهٍ وَيُكْرَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ . كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ ؛ فَإِنَّهُ يُبْغِضُ الدَّوَاءَ وَيَكْرَهُهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمَحْبُوبِ لَا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَحْبُوبٌ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا كَرِهَ مُسَاءَةَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَكْرَهُ الْمَوْتَ كَانَ هَذَا مُقْتَضِيًا أَنْ يَكْرَهَ إمَاتَتَهُ مَعَ أَنَّهُ يُرِيدُ إمَاتَتَهُ ؛ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . فَالْأُمُورُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْهَى عَنْهَا لَا تُحَبُّ وَلَا تُرْضَى ؛ لَكِنْ نَرْضَى بِمَا يَرْضَى اللَّهُ بِهِ حَيْثُ خَلَقَهَا لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَةِ فَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَا يُحِبُّهَا وَلَا يُبْغِضُهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُحَبّ وَلَا تُرْضَى كَمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُبْغَضَ . وَالرِّضَا الثَّابِتُ بِالنَّصِّ هُوَ أَنْ يَرْضَى بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ } " وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَدَرِ فَيَرْضَى عَنْ اللَّهِ إذْ لَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَاهُ مِنْ الْحِكْمَةِ الَّتِي خَلَقَ لِأَجْلِهَا مَا خَلَقَ وَإِنْ كُنَّا نُبْغِضُ مَا يُبْغِضُهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَحَيْثُ انْتَفَى الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ أَوْ خَفِيَ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ لَا يَكُونُ الِامْتِثَالُ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ كَمَا يَكُونُ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْدُورًا . وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ خَاصَّةِ " السَّالِكِينَ " وَشُيُوخِهِمْ فَضْلًا عَنْ عَامَّتِهِمْ وَيَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَطَاعَتِهِمْ لَهُ . فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَأَطْوَعُ لَهُ فَهَذَا تَكُونُ حَالُهُ أَحْسَنَ مِمَّنْ يَقْصُرُ عَنْهُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَالطَّاعَةِ لَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْعُدُ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَيَسْتَرْسِلُ حَتَّى يَنْسَلِخَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَبْقَى وَاقِفًا مَعَ هَوَاهُ وَالْقَدَرِ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ فَاسِقًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ . وَهَؤُلَاءِ يَنْظُرُونَ إلَى الْحَقِيقَةِ الْقَدَرِيَّةِ مُعْرِضِينَ عَنْ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ اتِّبَاعِ أَمْرِ وَنَهْيِ غَيْرِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ إمَّا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إذْ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ الْقَدَرِ مُطْلَقًا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ مَفْطُورٌ عَلَى مَحَبَّةِ أَشْيَاءَ وَبُغْضِ أَشْيَاءَ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : " إنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ مَعَ اللَّهِ كَالْمَيِّتِ مَعَ الْغَاسِلِ " لَا يَصِحُّ وَلَا يَسُوغُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ؛ وَمَعَ هَذَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِخَفَاءِ أَمْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَإِذَا عَلِمَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَحَبَّهُ . فَلَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَيُبْغِضَ مَا أَبْغَضَهُ .

descriptionموقفُ الناس من إلإلهام(1)  Emptyرد: موقفُ الناس من إلإلهام(1)

more_horiz
يسسلمَو

descriptionموقفُ الناس من إلإلهام(1)  Emptyرد: موقفُ الناس من إلإلهام(1)

more_horiz
موقفُ الناس من إلإلهام(1)  74121578ic9ep7

الف شكر لك على المواضيع {الرائعة} و المفيدة لكونها ~إسلامية~ ونفتخر بها في {المنتدى}
موقفُ الناس من إلإلهام(1)  Pjr3gdyi9walo9sxnsg

اتمنى في الأخير ان تبقى مبدعا بيننا بمواضيعك الإسلامية الرائعة


موقفُ الناس من إلإلهام(1)  Byebye

descriptionموقفُ الناس من إلإلهام(1)  Emptyرد: موقفُ الناس من إلإلهام(1)

more_horiz
شكرا لك ع الموضوع ،،
جزاك الله خيرا أخي الحبيب
موقفُ الناس من إلإلهام(1)  886773

descriptionموقفُ الناس من إلإلهام(1)  Emptyرد: موقفُ الناس من إلإلهام(1)

more_horiz
جزاك الله خير وجعله فى ميزان حسناتك ::shokranarab::



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي