وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ : يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1)، وَإِنْ كَانُوا مُتَفَاضِلِينَ فِي الْهُدَى وَالنُّورِ وَالْإِصَابَةِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُحَدِّثِ ،لِأَنَّ الصِّدِّيقَ يَأْخُذُ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا شَيْئًا مَعْصُومًا مَحْفُوظًا . وَأَمَّا الْمُحَدِّثُ فَيَقَعُ لَهُ صَوَابٌ وَخَطَأٌ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ تَمَيَّزَ صَوَابُهُ مِنْ خَطَئِهِ ؛ وَبِهَذَا صَارَ جَمِيعُ الْأَوْلِيَاءِ مُفْتَقِرِينَ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا بُدَّ لَهُمْ أَنْ يَزِنُوا جَمِيعَ أُمُورِهِمْ بِآثَارِ الرَّسُولِ، فَمَا وَافَقَ آثَارَ الرَّسُولِ فَهُوَ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُهُمْ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَعْظَمُ اهْتِدَاءً وَاتِّبَاعًا لِلْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ فَهُمْ أَعْظَمُ إيمَانًا وَتَقْوَى ".اهـ
وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة بقوله عز وجل: ِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً {المائدة: 3}. وبموته صلى الله عليه وسلم انقطع عن الدنيا وعن اتصاله بالخلق، فمن ادعى أن له صلة به صلى الله عليه وسلم أو أنه يجالسه أو يأخذ عنه العلم أو يتلقى منه الأوامر فقد افترى إثما مبينا وكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال شيخ الإسلام في موضع آخر(2):" وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَشْخَاصًا فِي الْيَقَظَةِ يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَيْخٌ مِنْ الصَّالِحِينَ وَقَدْ جَرَى هَذَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ بَعْضَ الْأَكَابِرِ : إمَّا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ غَيْرُهُ قَدْ قَصَّ شَعْرَهُ أَوْ حَلَقَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ طَاقِيَّتَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَيُصْبِحُ وَعَلَى رَأْسِهِ طَاقِيَّةٌ وَشَعَرُهُ مَحْلُوقٌ أَوْ مُقَصَّرٌ وَإِنَّمَا الْجِنُّ قَدْ حَلَقُوا شَعْرَهُ أَوْ قَصَّرُوهُ وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ تَحْصُلُ لِمَنْ خَرَجَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " .
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفرقُ بين الوليِّ ومدَّعي الولايةَ(3)
المفهوم الشرعي لكلمة (ولي الله) يتجلى واضحاً في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) }[يونس/62، 63]، فكل من كان مؤمناً تقيًا فهو من أولياء الله تعالى. وليست الولاية محصورةً في أشخاص معينين، ولا يشترط لحصولها وقوع الكرامة.
قال القرطبي رحمه الله(4):" قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ - : وَمَنْ أَظْهَرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ كَرَامَات وَخَوَارِق لِلْعَادَاتِ فَلَيْسَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى وِلَايَته , خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّة وَالرَّافِضَة حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ , إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا مَا أَظْهَرَ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ مَا أَظْهَرَ .
وَدَلِيلنَا أَنَّ الْعِلْم بِأَنَّ الْوَاحِد مِنَّا وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحّ إِلَّا بَعْد الْعِلْم بِأَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا , وَإِذَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا لَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الْوَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى مَنْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُوَافِي إِلَّا بِالْإِيمَانِ .
وَلَمَّا اِتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّنَا لَا يُمْكِننَا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل يُوَافِي بِالْإِيمَانِ , وَلَا الرَّجُل نَفْسه يَقْطَع عَلَى أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ , عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَدُلّ عَلَى وِلَايَته لِلَّهِ ".
__________
(1) - انظر الأحكام للآمدي - (ج 1 / ص 10) والأحكام لابن حزم - (ج 6 / ص 857) والأحكام لابن حزم - (ج 6 / ص 883) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 52) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 2 / ص 32) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 2 / ص 73) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 3 / ص 72) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 175) والخلاف بين العلماء - الرقمية - (ج 1 / ص 32) وشرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام - (ج 1 / ص 2) والموافقات - (ج 5 / ص 134) وقوت القلوب - (ج 1 / ص 225)
(2) - مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 289)
(3) - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 1934)-رقم الفتوى 4445 الفرق بين الولي ومدعي الولاية -تاريخ الفتوى : 03 ربيع الثاني 1422
(4) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 122)
وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة بقوله عز وجل: ِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً {المائدة: 3}. وبموته صلى الله عليه وسلم انقطع عن الدنيا وعن اتصاله بالخلق، فمن ادعى أن له صلة به صلى الله عليه وسلم أو أنه يجالسه أو يأخذ عنه العلم أو يتلقى منه الأوامر فقد افترى إثما مبينا وكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال شيخ الإسلام في موضع آخر(2):" وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَشْخَاصًا فِي الْيَقَظَةِ يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَيْخٌ مِنْ الصَّالِحِينَ وَقَدْ جَرَى هَذَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ بَعْضَ الْأَكَابِرِ : إمَّا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ غَيْرُهُ قَدْ قَصَّ شَعْرَهُ أَوْ حَلَقَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ طَاقِيَّتَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَيُصْبِحُ وَعَلَى رَأْسِهِ طَاقِيَّةٌ وَشَعَرُهُ مَحْلُوقٌ أَوْ مُقَصَّرٌ وَإِنَّمَا الْجِنُّ قَدْ حَلَقُوا شَعْرَهُ أَوْ قَصَّرُوهُ وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ تَحْصُلُ لِمَنْ خَرَجَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " .
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفرقُ بين الوليِّ ومدَّعي الولايةَ(3)
المفهوم الشرعي لكلمة (ولي الله) يتجلى واضحاً في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) }[يونس/62، 63]، فكل من كان مؤمناً تقيًا فهو من أولياء الله تعالى. وليست الولاية محصورةً في أشخاص معينين، ولا يشترط لحصولها وقوع الكرامة.
قال القرطبي رحمه الله(4):" قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ - : وَمَنْ أَظْهَرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ كَرَامَات وَخَوَارِق لِلْعَادَاتِ فَلَيْسَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى وِلَايَته , خِلَافًا لِبَعْضِ الصُّوفِيَّة وَالرَّافِضَة حَيْثُ قَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ , إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا مَا أَظْهَرَ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ مَا أَظْهَرَ .
وَدَلِيلنَا أَنَّ الْعِلْم بِأَنَّ الْوَاحِد مِنَّا وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحّ إِلَّا بَعْد الْعِلْم بِأَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا , وَإِذَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهُ يَمُوت مُؤْمِنًا لَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّهُ وَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الْوَلِيّ لِلَّهِ تَعَالَى مَنْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُوَافِي إِلَّا بِالْإِيمَانِ .
وَلَمَّا اِتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّنَا لَا يُمْكِننَا أَنْ نَقْطَع عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل يُوَافِي بِالْإِيمَانِ , وَلَا الرَّجُل نَفْسه يَقْطَع عَلَى أَنَّهُ يُوَافِي بِالْإِيمَانِ , عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَدُلّ عَلَى وِلَايَته لِلَّهِ ".
__________
(1) - انظر الأحكام للآمدي - (ج 1 / ص 10) والأحكام لابن حزم - (ج 6 / ص 857) والأحكام لابن حزم - (ج 6 / ص 883) وإعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 4 / ص 52) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 2 / ص 32) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 2 / ص 73) وكتب وليد بن راشد السعيدان - (ج 3 / ص 72) ومن أصول الفقه على منهج أهل الحديث - الرقمية - (ج 1 / ص 175) والخلاف بين العلماء - الرقمية - (ج 1 / ص 32) وشرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام - (ج 1 / ص 2) والموافقات - (ج 5 / ص 134) وقوت القلوب - (ج 1 / ص 225)
(2) - مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 289)
(3) - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 1934)-رقم الفتوى 4445 الفرق بين الولي ومدعي الولاية -تاريخ الفتوى : 03 ربيع الثاني 1422
(4) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 122)