الموقف من اختلاف ألفاظ الحديث الواردة المتقاربة والمتغايرة وذِكر أمثلة منهما.
السؤال:
هناك
أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ترد روايات ألفاظها مختلفة ولا أعلم
ما الأصح بينها : الحديث الأول : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ
وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا
لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ) . * قال النبي
صلى الله عليه وسلم ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ
لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ
فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي
وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) . . . . . . . . . .
. . . . . . . الحديث الثاني : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ،
قَالَت : قلتُ يَا رَسُول الله ، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ لَيْلَة الْقدر
مَا أَقُول فِيهَا ؟ قَالَ : ( قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ تحب
الْعَفْو فَاعْفُ عني ) . * ( اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب
الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) صحيح الترمذي . . . . . . . . . . . . . . . .
. الحديث الثالث : عند الاستيقاظ من النوم ليلا ًوالدعاء بالمأثور في ذلك
وهو قوله : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ
الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ
أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ
وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ) . هناك روايات أخرى له . . . . . . . . . .
. . . . . . الحديث الرابع : عن عائشة : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه في شيء يخفيه من عائشة ،
وعائشة تصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ -
أَوْ : كَلِمَةً أُخْرَى - فَلَمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةُ سَأَلَتْهُ
عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا : ( قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا
قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ
وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ
مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا ) . *
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( عَلَيْكِ
بِالْجَوَامِعِ الْكَوَامِلِ ، قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا
قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ
وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ
مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا
بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) . . . . . . . . . . . . . . .
. . * عَنْ أبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ (
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي
كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ
وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) صحيح مسلم . * ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ
بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَاي
وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ) البخاري مع " الفتح " . . . . . . . .
. . . . . . . . . * عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا
نَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ
عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سنن أبي داود ، والترمذي
، وصححه الألباني . * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الغَفُورُ ) صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه . *** فما هي
الرواية الأصح من بين الروايات لهذه الأحاديث لأني أريد العمل بها ؟ .
وجزاكم الله خيراً .
الاجابة:
أولاً:
تختلف
ألفاظ الروايات في الأمر الواحد ، ويكون بين تلك الروايات مغايرة في
الألفاظ أحياناً ، ومن أشهر تلك الأسباب التي ينبغي معرفتها : تعدد الرواة
النقَلة لألفاظ ذلك الحديث الواحد المتكرر .
وأما الاختلاف الحاصل في ألفاظ رواياتهم فهو لا يخرج عن حالين :
أ. أن يكون اختلافاً يسيراً في حروف يسيرة ، وسبب ذلك الاختلاف في الألفاظ المنقولة يكون تبعاً لحفظهم ، ولضبطهم .
وفي
هذه الحال يتساهل في العمل بأية رواية من تلك الروايات ، إلا أن البحث عن
أصح الروايات ، وأضبط الرواة ، والعمل برواية من يروي باللفظ لا بالمعنى :
هو الذي ينبغي على العامل عند الترجيح بين تلك الروايات .
ب. أن تكون
الألفاظ متغايرة فيما ينقلونه بعضهم عن بعض ، وسبب ذلك أن يكون ذلك الأمر
، أو تلك العبادة لها ألفاظ متعددة في أدعيتها ، وأذكارها ، كألفاظ الأذان
، والإقامة ، وأدعية الاستفتاح ، وأذكار النوم ، فالحديث في كل ذلك واحد ،
ولكنه لما كان متكرراً تعددت الألفاظ فيه ، ونتج من ذلك تعدد الروايات
والنقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله - :
فهذا
القسم أمره هيِّن ، وإشكاله سهل ؛ لأنه قد علم أنه صلى الله عليه وآله
وسلم في الأفعال المتكررة مثل أذكار الصلاة - التي ذكرنا - كان يعلمهم ،
فمن روى رواية وصحت أو حسنت طرقها كتشهد ابن عباس – مثلاً - ، وتشهد ابن
مسعود : فهما حديثان صحيحان اختلفت ألفاظهما والكل مرفوع ، فمثل هذا ومثل
ألفاظ الأذان وغير ذلك محمول على تعداد التعليم منه صلى الله عليه وآله ،
وعلِم كل ما رآه صلى الله عليه وآله وسلم توسعة على العباد ، فهم مخيرون
بأي رواية عملوا أجروا واقتدوا وامتثلوا ، فمن ربَّع في التكبير ورجَّع :
فليس عليه نكير ، ومن ترك التربيع : فكذلك ، إذ الكل مروي بأحاديث معمول
بها دالة على التخيير للعباد ، وكذلك ألفاظ التشهد والتوحيد من أتى بأيها
ممن روى بطرق معمول بها : فهو بالخيار في ذلك .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
وهي رسالة علمية قيمة ، قليلة الصفحات ، عظيمة النفع .
ثانياً:
لاختلاف الألفاظ في العبادة والشعيرة الواحدة حِكَمٌ متعددة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
العبادات
التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع يشرع فعلها على جميع تلك
الأنواع لا يكره منها شيء ، وذلك مثل أنواع التشهدات ، وأنواع الاستفتاح ،
ومثل الوتر أول الليل وآخره ، ومثل الجهر بالقراءة في قيام الليل
والمخافتة ، وأنواع القراءات التي أنزل القرآن عليها ، والتكبير في العيد
، ومثل الترجيع في الأذان وتركه ، ومثل إفراد الإقامة وتثنيتها .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 335 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعلماءُ
رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة ، هل الأفضل
الاقتصار على واحدة منها ، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى ، أو
الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه ؟ والصَّحيح : القول الثاني الوسط ،
وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ ،
ومرَّة على الوجه الآخر ، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه ،
ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه ؛ وكُلٌّ سُنَّة ، والأفضل : أن تَفعلَ هذا
مرَّة ، وهذا مرَّة ؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين ، ولبقاء
السُّنَّةِ حيَّة ؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ وتركت الآخر : مات الوجهُ الآخر ،
فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة ،
وبهذا مرَّة ، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة وبهذا مرَّة : صار
قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة ، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه
يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة ، وهذا شيء مشاهَد ، ولهذا مَن لزم
الاستفتاح بقوله : " سبحانك اللهمَّ وبحمدك " دائماً : تجده مِن أول ما
يُكبِّر يشرع بـ " سبحانك اللهم وبحمدك " مِن غير شعور ؛ لأنه اعتاد ذلك ،
لكن لو كان يقول هذا مرَّة ، والثاني مرَّة صار منتبهاً ، ففي فِعْلِ
العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد :
1 . اتِّباعُ السُّنَّة .
2. إحياءُ السُّنَّة .
3. حضورُ القلب .
وربما
يكون هناك فائدة رابعة : إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى - كما
في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ - فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في
الانصراف ؛ فيقتصر على " سبحان الله " عشر مرات ، و " الحمد لله " عشر
مرات ، و " الله أكبر " عشر مرات ، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة قاضياً
لحاجته ، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة ، كما قال
تعالى في الحُجَّاج : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) البقرة/ 198 .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 3 / 8 ) .
ثالثاً:
أما
اختلاف الرواة في روايتهم للحدث الواحد غير المتكرر ، وللقصة الواحدة غير
المتعددة : فهنا لا يمكن لطالب العلم والعامل إلا أن يرجح بين الروايات ،
فيأخذ أقواها ، ويعمل بأصحها إسناداً ، إذا كان المعنى يختلف باختلاف تلك
الروايات
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله – بعد أن فصَّل في السبب الأول - :
الثاني من الوجوه : أن تتحد القصة وتختلف الألفاظ فيها :
وهذا
هو المشكل ، وذلك واقع كثيراً ، كقضية بيع جمَل جابر وشرائه صلى الله عليه
وسلم له منه ، فإنه اختلف لفظه في القيمة ، وفي اشتراطه ركوبه إلى المدينة
، وكاختلافهم في ركوعات صلاة الكسوف مع أنه لم يصلها إلا مرة واحدة ،
بخلاف صلاة الخوف فإنه صلاها مراراً على وجوه مختلفة فهي من القسم الأول ،
وكاختلافهم في حجه ، وكل منهم روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم حجّاً
مفرداً ، وآخرون رووا أنه تمتع ، وآخرون أنه قارن ، وهي في واقعة واحدة ،
وحجة واحدة ، ونحو هذه الصور ، وهو كثير : فهذا لا بد فيه من النظر في
الروايات وطرقها ، والصحيح منها والراجح من المرجوح ، وهو شيء عسير إلا
على من سهله الله .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
رابعاً:
أما بخصوص الأحاديث التي ذكرها الأخ السائل :
1.
فاللفظ الأول في الحديث الأول : رواه النسائي ( 1305 ) ، وصححه الألباني
في " صحيح النسائي " من حديث عمَّار بن ياسر رضي الله عنه .
واللفظ الثاني : رواه البخاري ( 5990 ) ومسلم ( 2680 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
وكلا
الحديثين مختلفان في المخرج ، وليس أحدهما بأولى بالعمل من الآخر ، بل
يُعمل بكليهما ، لكن لا يقال هذا الدعاء إلا عند وقوع الضرر وخشية الفتنة
على الدين .
قال أبو الحسن المباركفوري – رحمه الله - :
قوله (
أحيني ) إلى قوله ( خيرًا لي ) ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ ( اللهم
أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ) وهو يدل
على جواز الدعاء بهذا ، لكن عند نزول الضرر ، كما وقع التقييد بذلك في
حديث أنس المذكور .
" مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 8 / 278 ) .
2.
واللفظ الأول في الحديث الثاني : رواه الترمذيّ ( 3513 ) وصححه ،
والنَّسائيّ في " الكبرى " ( 6 / 218 ) وابن ماجه ( 3850 ) ، وصححه
الألباني في " صحيح الترمذي " .
وأما اللفظ الثاني وهو ( اللَّهُمَّ
إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) : فإن الزيادة
الواردة في الحديث وهي " كريم " : زيادة لا أصل لها ، ونسبتها للترمذي خطأ
– وهي موجودة في كثير من نسخ سنن الترمذي - ، ولم يروها الترمذي – في
الواقع - ولا غيره .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
وقع في
"سنن الترمذي " بعد قوله : ( عفو ) زيادة : " كريم " ! ولا أصل لها في شيء
من المصادر المتقدمة ، ولا في غيرها ممن نقل عنها ، فالظاهر أنها مدرجة من
بعض الناسخين ، أو الطابعين ؛ فإنها لم ترِد في الطبعة الهندية من " سنن
الترمذي " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " للمباركفوري ( 4 / 264 ) ، ولا
في غيرها ، وإن مما يؤكد ذلك : أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق
التي أخرجها الترمذي ، كلاهما عن شيخهما " قتيبة بن سعيد " بإسناده دون
الزيادة .
وكذلك وقعت هذه الزيادة في رسالة أخينا الفاضل علي الحلبي :
" مهذب عمل اليوم والليلة لابن السني " ( 95 / 202 ) ، وليست عند ابن
السني ؛ لأنه رواه عن شيخه النسائي - كما تقدم - عن قتيبة ، ثم عزاه
للترمذي ، وغيره ! ولقد كان اللائق بفن التخريج أن توضع الزيادة بين
معكوفتين كما هو المعروف اليوم [ ] ، وينبَّه أنها من أفراد الترمذي ،
وأما التحقيق : فيقتضي عدم ذكرها مطلقاً ؛ إلا لبيان أنه لا أصل لها ،
فاقتضى التنبيه .
" السلسلة الصحيحة " ( 13 / 140 ) .
فالرواية الثانية فيها كلام ، فعليك بالأولى ؛ فإنها أصح .
3. وأما الحديث الثالث : فقد رواه البخاري ( 1103 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
وقولك
" هناك روايات أخرى له " : فالجواب عليه : أن الحديث ليس فيه روايات
مختلفة ، ولو وُجد : فعليك برواية الإمام البخاري ، وتكفيك .
4. وأما
اللفظ الأول في الحديث الرابع : فقد رواه الحاكم ( 1 / 702 ) ، وباختلاف
يسير في أوله – فقط - رواه أحمد ( 42 / 67 ) وصححه محققوه .
ورواه ابن ماجه ( 3846 ) بنحو تلك الألفاظ ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وأما
اللفظ الثاني : فهو الحديث السابق نفسه لكن من غير زيادة ( بِرَحْمَتِكَ
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) ، وقد نسبها الحافظ العراقي في " تخريج
إحياء علوم الدين " لابن ماجه ، والحاكم ، وليس فيهما تلك الجملة .
ولم نجد سبباً يجعلنا نقول بصحة هذه الزيادة ، فيُكتفى بالرواية السابقة دونها .
5. وأما اللفظ الأول في الحديث الخامس : فليس هو في " مسلم " وحده ، بل هو في الصحيحين : البخاري ( 6035 ) ومسلم ( 2719 ) .
وأما اللفظ الثاني : فرواه البخاري ( 6036 ) وهو ذات الحديث السابق لكنه أخصر منه .
وقد علَّق الحافظ ابن حجر رحمه الله على لفظة ( خَطَاياي ) فقال :
قوله
( اغفر لي خطاياي وعمدي ) وقع في رواية " الكشميهني " في طريق إسرائيل (
خطئي ) ، وكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بالسند الذي في الصحيح ،
وهو المناسب لذكر العمد ، ولكن جمهور الرواة على الأول .
والخطايا جمع
خطيئة ، وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام ؛ فإن الخطيئة أعم من أن
تكون عن خطأ وعن عمد ، أو هو من عطف أحد العامين على الآخر .
" فتح الباري " ( 11 / 198 ) .
فلا تعارض بين الروايتين ، وليس ثمة صحيح وأصح ، فاذكر ربك تعالى بأي الصيغتين شئت ، ولا يخفى أن الرواية الأولى أوسع .
6.
وأما اللفظ الأول في الحديث السادس : فرواه أبو داود ( 1516 ) وابن ماجه (
3814 ) والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) ، ولم يروه الترمذي بهذا اللفظ
.
وأما اللفظ الثاني : رواه الترمذي ( 3434 ) والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) .
وكلا الروايتين صحيحة ، وليس مخرجهما واحداً ، وهو من اختلاف التنوع ، وبأي الصيغتين استغفرت ربَّك تعالى أُجرت إن شاء الله .
والله أعلم .
السؤال:
هناك
أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ترد روايات ألفاظها مختلفة ولا أعلم
ما الأصح بينها : الحديث الأول : ( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ
وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا
لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ) . * قال النبي
صلى الله عليه وسلم ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ
لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ
فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي
وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) . . . . . . . . . .
. . . . . . . الحديث الثاني : عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ،
قَالَت : قلتُ يَا رَسُول الله ، أرأيتَ إنْ علمتُ أيَّ لَيْلَة الْقدر
مَا أَقُول فِيهَا ؟ قَالَ : ( قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ تحب
الْعَفْو فَاعْفُ عني ) . * ( اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب
الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) صحيح الترمذي . . . . . . . . . . . . . . . .
. الحديث الثالث : عند الاستيقاظ من النوم ليلا ًوالدعاء بالمأثور في ذلك
وهو قوله : ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ
الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ
أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ
وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ) . هناك روايات أخرى له . . . . . . . . . .
. . . . . . الحديث الرابع : عن عائشة : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه في شيء يخفيه من عائشة ،
وعائشة تصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَلَيْكِ بِالْكَوَامِلِ -
أَوْ : كَلِمَةً أُخْرَى - فَلَمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةُ سَأَلَتْهُ
عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا : ( قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا
قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ
وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ
مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا ) . *
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : ( عَلَيْكِ
بِالْجَوَامِعِ الْكَوَامِلِ ، قُولِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ
أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا
قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ مِنْ
الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْتَعِيذُكَ مِمَّا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ
وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُكَ
مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا
بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) . . . . . . . . . . . . . . .
. . * عَنْ أبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ (
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي
كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ
وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) صحيح مسلم . * ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ
بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَاي
وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ) البخاري مع " الفتح " . . . . . . . .
. . . . . . . . . * عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا
نَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ
عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سنن أبي داود ، والترمذي
، وصححه الألباني . * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الغَفُورُ ) صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه . *** فما هي
الرواية الأصح من بين الروايات لهذه الأحاديث لأني أريد العمل بها ؟ .
وجزاكم الله خيراً .
الاجابة:
أولاً:
تختلف
ألفاظ الروايات في الأمر الواحد ، ويكون بين تلك الروايات مغايرة في
الألفاظ أحياناً ، ومن أشهر تلك الأسباب التي ينبغي معرفتها : تعدد الرواة
النقَلة لألفاظ ذلك الحديث الواحد المتكرر .
وأما الاختلاف الحاصل في ألفاظ رواياتهم فهو لا يخرج عن حالين :
أ. أن يكون اختلافاً يسيراً في حروف يسيرة ، وسبب ذلك الاختلاف في الألفاظ المنقولة يكون تبعاً لحفظهم ، ولضبطهم .
وفي
هذه الحال يتساهل في العمل بأية رواية من تلك الروايات ، إلا أن البحث عن
أصح الروايات ، وأضبط الرواة ، والعمل برواية من يروي باللفظ لا بالمعنى :
هو الذي ينبغي على العامل عند الترجيح بين تلك الروايات .
ب. أن تكون
الألفاظ متغايرة فيما ينقلونه بعضهم عن بعض ، وسبب ذلك أن يكون ذلك الأمر
، أو تلك العبادة لها ألفاظ متعددة في أدعيتها ، وأذكارها ، كألفاظ الأذان
، والإقامة ، وأدعية الاستفتاح ، وأذكار النوم ، فالحديث في كل ذلك واحد ،
ولكنه لما كان متكرراً تعددت الألفاظ فيه ، ونتج من ذلك تعدد الروايات
والنقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله - :
فهذا
القسم أمره هيِّن ، وإشكاله سهل ؛ لأنه قد علم أنه صلى الله عليه وآله
وسلم في الأفعال المتكررة مثل أذكار الصلاة - التي ذكرنا - كان يعلمهم ،
فمن روى رواية وصحت أو حسنت طرقها كتشهد ابن عباس – مثلاً - ، وتشهد ابن
مسعود : فهما حديثان صحيحان اختلفت ألفاظهما والكل مرفوع ، فمثل هذا ومثل
ألفاظ الأذان وغير ذلك محمول على تعداد التعليم منه صلى الله عليه وآله ،
وعلِم كل ما رآه صلى الله عليه وآله وسلم توسعة على العباد ، فهم مخيرون
بأي رواية عملوا أجروا واقتدوا وامتثلوا ، فمن ربَّع في التكبير ورجَّع :
فليس عليه نكير ، ومن ترك التربيع : فكذلك ، إذ الكل مروي بأحاديث معمول
بها دالة على التخيير للعباد ، وكذلك ألفاظ التشهد والتوحيد من أتى بأيها
ممن روى بطرق معمول بها : فهو بالخيار في ذلك .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
وهي رسالة علمية قيمة ، قليلة الصفحات ، عظيمة النفع .
ثانياً:
لاختلاف الألفاظ في العبادة والشعيرة الواحدة حِكَمٌ متعددة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
العبادات
التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع يشرع فعلها على جميع تلك
الأنواع لا يكره منها شيء ، وذلك مثل أنواع التشهدات ، وأنواع الاستفتاح ،
ومثل الوتر أول الليل وآخره ، ومثل الجهر بالقراءة في قيام الليل
والمخافتة ، وأنواع القراءات التي أنزل القرآن عليها ، والتكبير في العيد
، ومثل الترجيع في الأذان وتركه ، ومثل إفراد الإقامة وتثنيتها .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 335 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعلماءُ
رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة ، هل الأفضل
الاقتصار على واحدة منها ، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى ، أو
الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه ؟ والصَّحيح : القول الثاني الوسط ،
وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ ،
ومرَّة على الوجه الآخر ، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه ،
ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه ؛ وكُلٌّ سُنَّة ، والأفضل : أن تَفعلَ هذا
مرَّة ، وهذا مرَّة ؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين ، ولبقاء
السُّنَّةِ حيَّة ؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ وتركت الآخر : مات الوجهُ الآخر ،
فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة ،
وبهذا مرَّة ، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة وبهذا مرَّة : صار
قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة ، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه
يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة ، وهذا شيء مشاهَد ، ولهذا مَن لزم
الاستفتاح بقوله : " سبحانك اللهمَّ وبحمدك " دائماً : تجده مِن أول ما
يُكبِّر يشرع بـ " سبحانك اللهم وبحمدك " مِن غير شعور ؛ لأنه اعتاد ذلك ،
لكن لو كان يقول هذا مرَّة ، والثاني مرَّة صار منتبهاً ، ففي فِعْلِ
العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد :
1 . اتِّباعُ السُّنَّة .
2. إحياءُ السُّنَّة .
3. حضورُ القلب .
وربما
يكون هناك فائدة رابعة : إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى - كما
في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ - فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في
الانصراف ؛ فيقتصر على " سبحان الله " عشر مرات ، و " الحمد لله " عشر
مرات ، و " الله أكبر " عشر مرات ، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة قاضياً
لحاجته ، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة ، كما قال
تعالى في الحُجَّاج : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) البقرة/ 198 .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 3 / 8 ) .
ثالثاً:
أما
اختلاف الرواة في روايتهم للحدث الواحد غير المتكرر ، وللقصة الواحدة غير
المتعددة : فهنا لا يمكن لطالب العلم والعامل إلا أن يرجح بين الروايات ،
فيأخذ أقواها ، ويعمل بأصحها إسناداً ، إذا كان المعنى يختلف باختلاف تلك
الروايات
قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني – رحمه الله – بعد أن فصَّل في السبب الأول - :
الثاني من الوجوه : أن تتحد القصة وتختلف الألفاظ فيها :
وهذا
هو المشكل ، وذلك واقع كثيراً ، كقضية بيع جمَل جابر وشرائه صلى الله عليه
وسلم له منه ، فإنه اختلف لفظه في القيمة ، وفي اشتراطه ركوبه إلى المدينة
، وكاختلافهم في ركوعات صلاة الكسوف مع أنه لم يصلها إلا مرة واحدة ،
بخلاف صلاة الخوف فإنه صلاها مراراً على وجوه مختلفة فهي من القسم الأول ،
وكاختلافهم في حجه ، وكل منهم روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم حجّاً
مفرداً ، وآخرون رووا أنه تمتع ، وآخرون أنه قارن ، وهي في واقعة واحدة ،
وحجة واحدة ، ونحو هذه الصور ، وهو كثير : فهذا لا بد فيه من النظر في
الروايات وطرقها ، والصحيح منها والراجح من المرجوح ، وهو شيء عسير إلا
على من سهله الله .
انتهى من " رسالة في اختلاف ألفاظ الحديث النبوي " .
رابعاً:
أما بخصوص الأحاديث التي ذكرها الأخ السائل :
1.
فاللفظ الأول في الحديث الأول : رواه النسائي ( 1305 ) ، وصححه الألباني
في " صحيح النسائي " من حديث عمَّار بن ياسر رضي الله عنه .
واللفظ الثاني : رواه البخاري ( 5990 ) ومسلم ( 2680 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
وكلا
الحديثين مختلفان في المخرج ، وليس أحدهما بأولى بالعمل من الآخر ، بل
يُعمل بكليهما ، لكن لا يقال هذا الدعاء إلا عند وقوع الضرر وخشية الفتنة
على الدين .
قال أبو الحسن المباركفوري – رحمه الله - :
قوله (
أحيني ) إلى قوله ( خيرًا لي ) ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ ( اللهم
أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ) وهو يدل
على جواز الدعاء بهذا ، لكن عند نزول الضرر ، كما وقع التقييد بذلك في
حديث أنس المذكور .
" مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 8 / 278 ) .
2.
واللفظ الأول في الحديث الثاني : رواه الترمذيّ ( 3513 ) وصححه ،
والنَّسائيّ في " الكبرى " ( 6 / 218 ) وابن ماجه ( 3850 ) ، وصححه
الألباني في " صحيح الترمذي " .
وأما اللفظ الثاني وهو ( اللَّهُمَّ
إِنَّك عَفْوٌّ كَرِيمٌ تحب الْعَفْو فَاعْفُ عَنِّي ) : فإن الزيادة
الواردة في الحديث وهي " كريم " : زيادة لا أصل لها ، ونسبتها للترمذي خطأ
– وهي موجودة في كثير من نسخ سنن الترمذي - ، ولم يروها الترمذي – في
الواقع - ولا غيره .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
وقع في
"سنن الترمذي " بعد قوله : ( عفو ) زيادة : " كريم " ! ولا أصل لها في شيء
من المصادر المتقدمة ، ولا في غيرها ممن نقل عنها ، فالظاهر أنها مدرجة من
بعض الناسخين ، أو الطابعين ؛ فإنها لم ترِد في الطبعة الهندية من " سنن
الترمذي " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " للمباركفوري ( 4 / 264 ) ، ولا
في غيرها ، وإن مما يؤكد ذلك : أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق
التي أخرجها الترمذي ، كلاهما عن شيخهما " قتيبة بن سعيد " بإسناده دون
الزيادة .
وكذلك وقعت هذه الزيادة في رسالة أخينا الفاضل علي الحلبي :
" مهذب عمل اليوم والليلة لابن السني " ( 95 / 202 ) ، وليست عند ابن
السني ؛ لأنه رواه عن شيخه النسائي - كما تقدم - عن قتيبة ، ثم عزاه
للترمذي ، وغيره ! ولقد كان اللائق بفن التخريج أن توضع الزيادة بين
معكوفتين كما هو المعروف اليوم [ ] ، وينبَّه أنها من أفراد الترمذي ،
وأما التحقيق : فيقتضي عدم ذكرها مطلقاً ؛ إلا لبيان أنه لا أصل لها ،
فاقتضى التنبيه .
" السلسلة الصحيحة " ( 13 / 140 ) .
فالرواية الثانية فيها كلام ، فعليك بالأولى ؛ فإنها أصح .
3. وأما الحديث الثالث : فقد رواه البخاري ( 1103 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
وقولك
" هناك روايات أخرى له " : فالجواب عليه : أن الحديث ليس فيه روايات
مختلفة ، ولو وُجد : فعليك برواية الإمام البخاري ، وتكفيك .
4. وأما
اللفظ الأول في الحديث الرابع : فقد رواه الحاكم ( 1 / 702 ) ، وباختلاف
يسير في أوله – فقط - رواه أحمد ( 42 / 67 ) وصححه محققوه .
ورواه ابن ماجه ( 3846 ) بنحو تلك الألفاظ ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
وأما
اللفظ الثاني : فهو الحديث السابق نفسه لكن من غير زيادة ( بِرَحْمَتِكَ
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) ، وقد نسبها الحافظ العراقي في " تخريج
إحياء علوم الدين " لابن ماجه ، والحاكم ، وليس فيهما تلك الجملة .
ولم نجد سبباً يجعلنا نقول بصحة هذه الزيادة ، فيُكتفى بالرواية السابقة دونها .
5. وأما اللفظ الأول في الحديث الخامس : فليس هو في " مسلم " وحده ، بل هو في الصحيحين : البخاري ( 6035 ) ومسلم ( 2719 ) .
وأما اللفظ الثاني : فرواه البخاري ( 6036 ) وهو ذات الحديث السابق لكنه أخصر منه .
وقد علَّق الحافظ ابن حجر رحمه الله على لفظة ( خَطَاياي ) فقال :
قوله
( اغفر لي خطاياي وعمدي ) وقع في رواية " الكشميهني " في طريق إسرائيل (
خطئي ) ، وكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بالسند الذي في الصحيح ،
وهو المناسب لذكر العمد ، ولكن جمهور الرواة على الأول .
والخطايا جمع
خطيئة ، وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام ؛ فإن الخطيئة أعم من أن
تكون عن خطأ وعن عمد ، أو هو من عطف أحد العامين على الآخر .
" فتح الباري " ( 11 / 198 ) .
فلا تعارض بين الروايتين ، وليس ثمة صحيح وأصح ، فاذكر ربك تعالى بأي الصيغتين شئت ، ولا يخفى أن الرواية الأولى أوسع .
6.
وأما اللفظ الأول في الحديث السادس : فرواه أبو داود ( 1516 ) وابن ماجه (
3814 ) والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) ، ولم يروه الترمذي بهذا اللفظ
.
وأما اللفظ الثاني : رواه الترمذي ( 3434 ) والنسائي في " الكبرى " ( 6 / 119 ) .
وكلا الروايتين صحيحة ، وليس مخرجهما واحداً ، وهو من اختلاف التنوع ، وبأي الصيغتين استغفرت ربَّك تعالى أُجرت إن شاء الله .
والله أعلم .