السؤال:
لقد أبدى أخ رغبته في الزواج بي ، وهو متزوج بالفعل ، ولديه طفلان ، ويريدني أن أكون زوجة ثانية له ، وكان الأخ سيتقدم لخطبتي من وليي ، لكنى كنت أرغب في أن أتحدث مع أسرتي أولا ، وقد تحدثت مع والدتي ، وأنا أعرف أنها ليست وليي ، وقالت والدتي إنها لن تسمح مطلقا بزواجي منه ، لأنه متزوج ولديه أطفال ، ولم أتحدث مع وليي الذي هو أبى بسبب رد فعل والدتي ، وأنا أرغب في الزواج بهذا الأخ ؛ لأني اشعر أني سأستفيد منه في ديني ودنياي وآخرتي والله اعلم . فهل بوسعكم رجاءً إخباري ما هي الخيارات المتاحة أمامي لإنجاز هذه الزيجة ؟ هل أنا بحاجة للتحدث مع والدي؟ وإذا رفض والدي زواجي بهذا الأخ ، فهل يجوز لي مع ذلك الزواج به إذا كان الإمام وليي؟ برجاء الإجابة على هذا السؤال بأسرع وقت ممكن ، وجزاكم الله خيرا .
الجواب
الحمد لله
إذا كان هذا الرجل مرضيا في دينه وخلقه ، ورغبت في الزواج منه ، فأرشديه إلى أن يتقدم لوليك ، واذكري أنت ما فيه من المزايا والفضائل ، وأنك راضية به ، فإن قبل والدك به زوجا ، فالحمد لله ، وإن أبى وذكر لذلك سببا مقبولا ، لم يجز لك السعي في الزواج منه عن طريق إمام المسجد أو غيره ؛ لقيام الأدلة الصحيحة على أن الولي شرط لصحة النكاح ، وأنه لا يجوز تجاوزه ما لم يكن عاضلا ، والعضل هو منع المرأة من الزواج من الكفء الذي رضيت به .
ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
وإذا ثبت العضل ، انتقلت الولاية لمن بعد الأب من العصبة ، كالجد ، ثم الأخ ، وابن الأخ ، والعم ... الخ ، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء ، أو امتنعوا عن تزويج المرأة ، زوجها القاضي المسلم إن وجد ، وإلا زوجها إمام المسجد ونحوه من ذوي المكانة بين المسلمين .
لكن رفض الولي تزويج الفتاة من رجل متزوج لديه أولاد ، لا يعد عضلا ، إذا رأى أنه لا يناسبها، أو خاف عليها الضيم ، أو خشي وقوع المشكلات بينها وبين الزوجة الأولى ، كما هو واقع في كثير من حالات التعدد ، وكثير منها – أيضا - ينتهي بفشل التجربة ، وانتهاء الحياة الزوجية .
فالولي يلزمه أن ينظر في مصلحة موليته ، وهو أقدر منها - غالبا - على تغليب العقل والحكمة على العاطفة ، ولهذا أعطته الشريعة هذا الحق .
وقد روى النسائي (3221) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ ) فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ . والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي .
قال السندي في حاشيته على النسائي : " قَوْله ( فَخَطَبَهَا عَلِيّ ) أَيْ عَقِب ذَلِكَ بِلَا مُهْلَة كَمَا تَدُلّ عَلَيْهِ الْفَاء ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَاحَظَ الصِّغَر بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمَا [أي إلى أبي بكر وعمر] وَمَا بَقِيَ ذَاكَ بِالنَّظَرِ إِلَى عَلِيّ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ ، فَفِيهِ أَنَّ الْمُوَافَقَة فِي السِّنّ أَوْ الْمُقَارَبَة مَرْعِيَّة لِكَوْنِهَا أَقْرَب إِلَى الْمُؤَالَفَة " انتهى .
وبه يُعلم أنه يمكن رد صاحب الخلق والدين ، إن كان يرى الولي أن ابنته لا تناسبه من جهة السن ، أو خوفا عليها من لحوق الضيم ، أو التنغيص عليها من قبل الضرة ، أو رجاء أن يخطبها من هو أولى بها .
قال في "أسنى المطالب" (3/ 108) : " قال في الإحياء : وكما يستحب نكاح البكر يستحب أن لا يزوج ابنته إلا من بكر لم يتزوج قط ; لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف " انتهى .
فلا تعترضي على والديك إن رفضا هذا الخاطب ، فإنهما أبصر بالحياة الزوجية منك ، وهما أحرص الناس على جلب الخير لك ، ورأيهما ينشأ عن الخبرة والتعقل ، لا العاطفة ، ولعل الله يرزقك خيرا بطاعتك لوالديك .
والله أعلم .