هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyالآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
من عادة القرآن الكريم في بلاغه أن يردف ذكر البشارة بالنذارة، والرحمة
بالعذاب، والرغبة بالرهبة، والعزيمة بالرخصة، والحديث عن الحق وأهله
بالحديث عن الباطل وأتباعه، وما شابه ذلك من الثنائيات المتقابلة .ومن
هذا القبيل، ما ذكره سبحانه في سورة النور من صفات للمؤمنين من أنهم رجال
قلوبهم معلقة في المساجد، يذكرون الله فيها بالغدو والآصال، وأنهم {رِجَالٌ
لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (النور:37).
ثم أتبع ذلك بالحديث عن أعمال
الكافرين، فوصفها سبحانه بأنها {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ
الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ
اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ
كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ
مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ
يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا
فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (النور:39-40) .
فهاتان الآيتان تضمنتا
مثلين، يتعلقان بأعمال الكفار؛ وبيان أن تلك الأعمال لا قيمة لها عند الله،
ولا وزن لها يوم الحساب، بل هي أعمال خاسرة؛ لأنها لم تؤسس على تقوى من
الله ورضوان، ولم تأت على وفق ما شرع الله .
فشبه سبحانه في المثل
الأول أعمال الكافرين بالسراب الذي يبدو للظمآن من بعيد في الصحراء الجرداء
القاحلة، حيث يحسب الظمآن ذلك الشراب ماء، فيلهث إليه مسرعاً؛ أملاً في
الوصول إليه، لينال منه بغيته، ويطفئ به ظمأ جوفه.
بيد أنه لا يلبث
أن يتحقق بعد ذلك الجري الحثيث، واللهاث الشديد، أن ما ظنه ماء لم يكن في
الحقيقة سوى سراب، لا يروي جوفاً، ولا يطفئ ظمأ، فخاب ظنه، وضاع سعيه،
وأخذته الحسرة من كل جانب.
وهكذا أعمال الكفار، يحسب أصحابها أنها
نافعة لهم، مغنية عنهم شيئاً، حتى إذا كان يوم الجزاء والحساب خانتهم تلك
الأعمال، وهم أحوج ما يكونون إليها؛ لأنها في الحقيقة أعمال خاسرة بائرة،
لا تنفع أصحابها في شيء.
فهي إما أنها فاقدة لعنصر الإخلاص لله، وإما
أنها فاقدة لعنصر الصواب، وهما شرطا صحة قبول الأعمال عند الله سبحانه.
وهكذا حال كل صاحب باطل، فإنه يخونه باطله أحوج ما يكون إليه، فإن الباطل
لا حقيقة له، وهو كاسمه باطل، لا يعني شيئاً، ولا يساوي شيئاً، ولا يغني من
الحق شيئاً .
وهذا التمثيل في الآية شبيه بقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا
إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}
(الفرقان:23) .
وقد جاء في "الصحيحين" في حديث طويل، وفيه: (...
إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان
يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق
إلا من كان يعبد الله بر أو فاجر وغبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال
لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً بن الله، فيقال لهم: كذبتم،
ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا؟ عطشنا ربنا فاسقنا،
فيشار، ألا تردون، فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً،
فيتساقطون في النار. ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا:
كنا نعبد المسيح بن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا
ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون، فكذلك مثل الأول... ) الحديث .
وفي
المثل الثاني، يشبه سبحانه أعمال الكفار بحال من وُجد في بحر عميق لا ساحل
له، فهو في وسط ظلمات ثلاث: ظلمة البحر العميق من تحته، وظلمة الأمواج
العاتية من حوله، وظلمة السحاب المنذر بالمطر من فوقه، بحيث إنه لا يستطيع
أن يرى يده، وهي أقرب شيء من ناظريه.
والبحر أخوف ما يكون إذا توالت
أمواجه، فإذا انضم إلى ذلك وجود السحاب من فوقه زاد الخوف شدة، لأنها تستر
النجوم التي يهتدي بها من في البحر، ثم إذا أمطرت تلك السحاب وهبت الريح
المعتادة في الغالب عند نزول المطر تكاثفت الهموم وترادفت الغموم. فهو يعيش
في ظلام دامس، تنعدم فيه الرؤية، ويعاني من الخوف والمرارة والألم ما لا
يطاق.
وهذا حال أهل الكفر والضلال، فهم يعيشون وسط ظلمات ثلاث؛ ظلمة
الكفر، وظلمة الجهل، وظلمة الضلال، فهم كافرون بخالقهم ورازقهم، لا يعترفون
له بعبودية، وهم جاحدون بأنعم الله عليهم، لا يقرون له بفضل ولا نعمة، وهم
ضالون عن سواء السبيل، لا يعرفون إلى الحق طريقاً، ولا يهتدون إلى الخير
سبيلاً، وهم تائهون في هذه الحياة، لا يدرون أين يسيرون، ولا يعلمون إلى أي
اتجاه يتجهون .
على أنه ليس هناك ما يمنع من أن يكون هذان المثلان
صفتين لموصوف واحد، فهما ينطبقان على كل كافر؛ أو أن يكون كل مثل مضروباً
لبيان حال طائفة من الكفار؛ فيكون المثل الأول مضروباً للمبتدعين من أئمة
الضلال والداعين إلى كفرهم، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال
والاعتقادات، وليسوا في حقيقة الأمر على شيء.


والثاني مضروباً للأتباع والمقلدين على غير هدى وبصيرة. وهذا ما ذهب إليه ابن كثير في توجيه هذين المثلين .
أو
أن يكون المثل الأول مضروباً لبيان حال الذين عملوا على غير علم ولا
بصيرة، بل على جهل وعماية وحسن ظن بالأسلاف، فكانوا يحسبون أنهم يحسنون
صنعاً، وهم ليسوا كذلك. وأصحاب المثل الثاني، هم الذين استحبوا الضلالة على
الهدى، وآثروا الباطل على الحق، وعموا عنه بعد إذ أبصروه، وجحدوه بعد أن
عرفوه. وهذا ما ذهب إليه ابن القيم .
وهكذا يضرب لنا سبحانه مثلين
لبيان حال المعرضين عن نور الحق، وهدي الإيمان، الذين يحسبون أنهم على شيء،
وهم في الحقيقة ليسوا على شيء، فأعمالهم لا قيمة لها في ميزان الحق، كما
وصفهم سبحانه وتعالى بقوله: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف:104)

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyرد: الآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
شكرا جزيلا لك

الآيات 37 : 40 من سورة النور  886773 الآيات 37 : 40 من سورة النور  886773

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyرد: الآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
شكر للمرور
الآيات 37 : 40 من سورة النور  886773

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyرد: الآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
جزاك الله كل خير

ويجعله فى ميزان حسناتك

تقبل مرورى المتواضع

الآيات 37 : 40 من سورة النور  235873

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyرد: الآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
شكر لللمرور

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyرد: الآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
بارك الله فيك اخي العزيز
بانتظار مواضيعك الرائعهـ دائمــآ


gg444g

descriptionالآيات 37 : 40 من سورة النور  Emptyرد: الآيات 37 : 40 من سورة النور

more_horiz
جزاك الله خيرا



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي