بسم الله الرحمن الرحيم
الإخلاص والنية ([1])
قال
الله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا
نُوَفِّ إِلَيْهِم ْأَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَ هُمْ فِيهَا لاَيُبْخَسُون.
أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَ
حَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا و َبَاطِل ٌمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}([2]) .
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن
كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا
يصيبها أو امرأةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" متفق عليه([3]).
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم، يقول:
"إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمه
فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، لكنك
قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في
النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها،
قال: فما فعلت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت،
ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم
أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من
أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما
تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت
ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار" أخرجه
مسلم ([4]).
الشرح :
النية
أساس العمل، فعمل الإنسان إنما يكون قبوله ورده بحسب نية عامله، فمن عمل
عملاً أخلص فيه لله تعالى وأراد به ثواب الآخرة، وكان عمله على السنة قبل
منه، ومن نوى غير الله، أو لم يخلص علمه له بأن أشرك معه غيره، فعمله مردود
وهو وبال على صاحبه.
الفوائد :
- أن من شروط العمل الإخلاص، وهو أن يقصد به وجه الله تعالى.
- أهمية الإخلاص، إذ العمل من دونه وبال على صاحبه.
- أن صلاح صورة العمل لا تكفي لقبوله.
- وجوب تصحيح النية في كل عمل والحرص على ذلك.
فضل العلم ([1])
قال تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } ([2]) ،
وقال سبحانه : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَ الَّذِين َأُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } ([3])
وقال جل شأنه : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }( [4]).
وعن معاوية رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" متفق عليه([5]).
وعن
أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يقول: "من سلك سبيلاً يبتغي به علماً، سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن
الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليتستغفر له
كل شيء حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر
الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا
درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" أخرجه أبو داود
والترمذي([6]).
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا
من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" أخرجه مسلم.
الـــشرح:
للعلم
الشرعي منزلة عظيمة في الدين، حث الله عليه ورغب فيه وفضل أهله على غيرهم،
وجعل طلبه من أفضل القربات ومن أعظم أسباب دخول الجنة، لما في العلم
والتعلم من معرفة الله ومعرفة أوامره ونواهيه، وقيام الدين، فالعلماء بهذا
هم ورثة الأنبياء، فالأنبياء ورثوا للناس علم الشرع فمن أخذ به فهو الوارث
لهم، وإذا أراد الله بعبد خيراً يسره لتعلم أمور دينه.
الفـــوائد:
- فضل العلم والعلماء حيث إنهم ورثة الأنبياء.
- إن الفقه في الدين دليل على إرادة الله بالعبد خيراً.
- إن طلب العلم من أسباب دخول الجنة.
فضل تعليم الناس ودعوتهم إلى الخير ([1])
قال
الله تعالى : { هُوَالَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّين َرَسُولاً مِّنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَ الْحِكْمَةَ } ([2])
وقال تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍأ ُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } ([3]) .
عن
أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" أخرجه مسلم([4]) .
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "من دعا
إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً،
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من
آثامهم شيئاً" أخرجه مسلم([5]) .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله
عنه قال : "قا لرسول الله صلى الله عليه و سلم: "إن الله وملائكته وأهل
السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلمي الناس الخير" أخرجه
الترمذي وقال حسن صحيح([6]).
ومعنى يُصلون عليه : أي يدعون ويستغفرون له.
الشرح
تعليم
الناس أمور دينهم ودعوتهم إلى الخير هو عمل الأنبياء الذين أرسلهم الله
لأجله، فهي أعظم وظيفة. واختار الله لها أفضل خلقه، فمن وفقه الله للسير
على طريقهم في تعليم الناس دينهم وإرشادهم إلى الخير فقد نال خيراً كثيراً
لما يحصل بسبب نشر العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الخير في
الأرض، ولما فيه من إقامة حجة الله على الناس.
الفوائد
- إن تعليم الناس الخير من عمل الأنبياء.
- فضل تعليم الناس أمور دينهم حيث إن من علم علماً أو دعا إلى هدى فله مثل أجور العاملين به.
- عظم أجر معلم الناس الخير حيث يثني عليه الله تعالى ويستغفر له أهل السماوات والأرض لما يحصل في الأرض من الخير من نشر العلم.
- فضل الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- إن من خير ما يورثه الإنسان العلم النافع لأن أجره يستمر له بعد موته.