بسم الله الرحمن الرحيم
السير وليم مودير
لقد وصف (السير وليم موير) في كتابه (حياة محمد) فشل الحركات الثلاث التي قام بها أصحابها لإصلاح جزيرة العرب وما حولها، وهي الحركة اليهودية، والحركة المسيحية، والحركة الحنيفية (وكانت هذه من طرف طائفة بقوا علىعقيدة إبراهيم الخيل (عليه السلام) على عقيدة التوحيد، أرادوا تعميم هذه العقيدة).
ثم قال:
(إن الجزيرة العربية كانت قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم) في أسوأ الأحوال، وربما لم يكن الإصلاح ميئوساً في أي مدة مضت كما كان في ذلك الحين، ولكن ما ظهر محمد نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) حتى هبت العرب في الحال تلبية للدعوة الروحية الجديدة، ومن هنا جاء الاعتقاد بأن العرب كانوا مهيئين للإسلام، مستعدين لقبوله).
توماس أرنولد
وقال (توماس أرنولد) في كتابه (الدعوة إلى الإسلام):
(تمكن محمد أن يجعل نفسه (بعد أن هاجر إلى المدينة) على رأس جماعة من أتباعه كبيرة العدد آخذة في النمو، يتطلعون إليه زعيماً وقائداً، وهكذا باشر محمد (صلى الله عليه وسلم) سلطة زمنية كالتي كان يمكن أن يباشرها أي زعيم آخر مستقل مع فارق واحد، وهو أن الرباط الديني بين المسلمين كان يقوم مقام رابطة الدم والأسرة، فأصبح الإسلام نظاماً سياسياً بقدر ما هو نظام ديني، وكما نشر محمد (صلى الله عليه وسلم) ديناً جديداً أقام نظاماً سياسياً له صبغة متميزة تماماً.
وكانت جهوده موفقة إلى اعتقاد بني وطنه بوحدانية الله، وإلى هدم نظام الحكومة القديم في مكة مسقط رأسه، فقضى على الحكومة الارستقراطية القبلية، التي كانت الأسر الحاكمة تنتزع سياسة الشؤون العامة تحت لوائها).
البروفيسور عبد المسيح الأنطاكي
وقال البروفيسور عبد المسيح الأنطاكي ما نصه:
(إن المصطفى محمداً (صلى الله عليه وسلم) تدرج في دعوته تدرجاً، حيث ابتدأ بإعلان دعوته مسالماً، ثم أوجد الله له في الأوس والخزرج أنصاراً بالمدينة، هاجر من مكة إليهم باصحابه تخلصاً من أذى قريش، فأبى القريشيون إلا أن يعملوا على النكاية بهم، فأرسلوا أولا من يتتبع خطواته وهو فار إلى المدينة من ظلمهم، ليعيدوه إلى مكة فيسجنوه أو يقتلوه، ولما فشلوا في هذه الرغبة أخذوا يجمعون كلمة العرب على قتاله. حينئذ أذن الله له ولأصحابه وأنصاره بمقاتلة المشركين، لسببين:
أولهما: الدفاع عن النفس بإزاء المعتدين.
وثانيهما: الدفاع عن الدعوة بإزاء الذين تعرضوا لها، فقد كانوا يفتنون المهتدين (يعني الذي آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وسلم) بالاضطهاد والتعذيب، ويصدون الآخرين عن الهدى عنوة، ويقومون بمحاولة منع الداعي عن تبليغ دعوته بالسخرية به وغيره، ثم بمحاولة قتله.
أما أمر الله بالقتال فقد جاء في مواضع شتى من القرآن منها إذ قال الله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله قوي عزيز،الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عنن المنكر، ولله عاقبة الأمور).
وأنت ترى في هذه الآية الكريمة أن سبب إذن الله للمسلمين بالقتال هو ظلم المشركين لهم، وما ذنبهم إلاقولهم (ربنا الله) فاخرجوا من ديارهم لهذا الاعتقاد (اعتقاد التوحيد).
ومضى البروفيسور يقول:
وجاء في القرآن أيضاً في سبيل القتال قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، واخرجوهم من حيث اخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم، كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين، الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).
وأنت ترى في هذه الآيات الكريمة ما يخلق ويجدر أن يصدر عن الإله الواحد العادل المؤدب القهار الرحيم، وذلك لجمعها بين الدفاع عن النفس وتأديب المعتدين وإبطال الفتنة، والانتصار لدين الله، وفي القرآن أشباه لهذه الآيات الكريمة العادلة التي أنزلت على محمد بن عبد الله لعزة الدين وردع الظالمين المعتدين.
وفي الختام قال البروفيسور:
(لا جرم أن الاسلام كان لا يزال مسالماً من سالم أهله، إذ قال الله سبحانه: (لا ينهاكم الله عن الذين لا يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم، وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
وفي هذه الآيات الكريمة تتجلى روح الإسلام العادلة بأجل تجليها لدى المنصفين).
أحد المستشرقين
ونقل صاحب كتاب (المستشرقون والإسلام)(11) عن أحد المستشرقين قوله:
(لو لم يكن لمحمد معجزة إلا أنه صنع أمة من البدو، فجعلها أمة كبرى في التاريخ، لكفته معجزة في العالمين).
ونقل عن آخر أيضاً يقول
(لو أن كتاب محمد وجد في صحراء لكان الذي يعثر عليه جديراً بالخلود، ولو جاء محمد بالقرآن من عنده لكان جديراً أن تدين له الإنسانية بالولاء، فرسالة محمد في قرآن كريم أو حديث شريف حكمة بالغة في الحياة، وقد أحاطت بالمادة والروح، وأعطت صورة سكون في أرضه وسمائه، وصورة للوجود في بدئه ومختتمه، وأملاً عالياً في الخلود في طاقات عليا بعد جمود المادة واضطرابها. ثم تحدثت عن الخالق الأعظم في أروع صورة للواحد الأحد الفرد الصمد، لم يسبق إليها في فلسفة أو كتاب بهذه الصورة الجامعة الكاملة).
الفيلسوف وولتر
وقال الفيلسوف والأديب الفرنسي الثائر وولتر(12):
(والذي يظهر لي أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لم يكوِّن هذا الشعب الإسلامي، إلا للتناسل والعبادة والجهاد.
فالسنن (التعليمات) التي أتى بها كانت كلها – ما عدا إباحة تعدد الزوجات – قاهرة للنفس، ومهذبة لها فجمال تلك الشريعة وبساطة القواعد الأصلية جذبا للدين المحمدي غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال.
أتى هذا الدين بعقيدة وحدانية الخالق في صورة مقبولة للعقل البشري أي خالية عن كل غامضة، ولهذا أسلمت عدة عديدة من أمم الأرض حتى زنوج أواسط أفريقيا وسكان جزر البحر الهندي.
فهذه الديانة تدعى الإسلام أي الاستسلام لإرادة الخالق (سبحانه)، وهذا الاسم كاف لهداية العدد الوافر من البشر، وليس بصحيح ما يدعى من أن الإسلام استولى قهراً بالسيف على أكثر من نصف الكرة الأرضية، بل كان سبب انتشاره شدة رغبة الناس إليه بعد أن أقنع عقولهم، وأكبر سلاح استعمله المسلمون لبث الدعوة، هو اتصافهم بالشيم العالية ولا يخفى لوع المغلوب بتقليد الغالب.
وقد انخرط في الإسلام أقوام لم تبلغهم سلطة المسلمين ولم تصلهم).
ومضى وولتر يقول:
(وهذا القول النزر - القليل - مني يكفي لتفنيد كل ما ذكره لنا مؤرخونا وخطباؤنا، فارتكزت في ضمائرنا الأوهام الباطلة والأراجيف المتوارثة بشان الإسلام والمسلمين، ومن الواجب أن يدحض الباطل بالحق).
ولنذكر دائماً هذه الحقيقة التاريخية، وهي:
إن المشرع((المشرع هو الله وحده )) الإسلامي محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان ذا يقين راسخ وقوة عزم هائلة، فأقام دينه ببسالة وثبات جنان، ثم فيما بعد ظهر الدين الإسلامي بشفقة وسماحة لم تعهد من غيره). وفي الختام قال وولتر:
(ومن الغريب المشاهد أن مؤسس الدين النصراني -عيسى (عليه السلام)- كانت حياته كلها خضوعاً واستكانة ومسالمة، وكان يأمر بالتجاوز عن ا لزلات، والحال أن ديانته اللينة صارت بحماقتنا وبغينا (يريد النصرانيين) ابعد الأديان عن السماحة، وأقربها للقساوة والطغيان).
نقول: وهنا انتهى ما قاله الفيلسوف الأديب وولتر حول محمد (صلى الله عليه وسلم) وحول دينه الإسلام من تصريحات، ولكنها كما ترى ناشئة عن التحقيق والفهم العميق، ولا سيما قوله: (وليس بصحيح ما يدعى من أن الإسلام استولى قهراً بالسيف.. إلخ)
إلا أن قوله: (.. لم يكِّون هذا الشعب الإسلامي إلا للتناسل والعبادة والجهاد) تعبير ناقص، فإن هناك أغراضً سامية من تكوين الشعب الإسلامي الا وهي: ليكون أمة تنظر إلى سائر الأمم نظرة الأخوة بين بني آدم وحواء، وتريد لها الخير وترشدها نحو طريق الخير، أمة تقوم بإصلاح المجتمع الإنساني في كل شؤونه الحيوية، أمة تقوم بتطوير الحياة البشرية إلى حياة أفضل، أمة تقوم بنشر العلوم والمعارف في ربوع هذا العالم، أمة تقدم رجالاً لخدمة البشرية العامة ولصالح الإنسانية العام وذلك في جميع شؤونها العلمية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا سيما في توجيه الإنسان نحو الإيمان بالله وحده ونحو المثل العليا التي ترفع مقامه من حضيض المادية إلى ذرورة الروحانية التي تمتعه بسعادة الدارين، أمة تساهم في عمران الدنيا في شتى نواحيها وتسوقها إلى حضارة جديدة غير مسبوقة ومدنية لم ير مثلها في الحياة، أمة تمثل الأخلاق العالية والخصال الكريمة في جميع أدوارها، لتكون فيها اسوة حسنة لسائر الأمم في هذا الكون، أمة تصنع للحياة الإنسانية قوانين تستمد أصولها من الوحي السماوي وتتكفل السعادة الابدية.
هذه هي جملة من الأغراض السامية لتكوين الشعب الإسلامي العظيم الذي كونه محمد رسول الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وسلم)، وقد قام بتنفيذها عبر القرون ويقوم ما دام في ساحة الحياة إلى انقراض الدنيا، وبهذا أصبحت أمة رافعة الرأس، ومرهوبة الجانب لدى الامم، وقد سجلها التاريخ بأحرف ذهبية في صفحاته الخالدة، واعترف بأنها حقاً أمة كما وصفها ربها سبحانه في كتابه المجيد حيث خاطبها وقال: (كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
ثانياً: نرى من واجبنا أن نقدر كل تصريحات الفيلسوف في هذا الباب وأن نبين الحقيقة حيال قوله:
(فالسنن التي أتى بها محمد كانت كلها – ما عدا إباحة تعدد الزوجات- قاهرة للنفس ومهذبة لها).
نقول: يظهر أن الفيلسوف وولتر، لم يحقق موضوع تعدد الزوجات فيما اتى به محمد (صلى الله عليه وسلم) من السنن، وإنما نظر إليه سطحياً فأخطأ في اثر النظر، الحقيقة هي أن تعدد الزوجات لم يكن تشريعاً جديداً من الدين الإسلامي،لأن التعدد كان أمراً شائعاً في الجاهلية، فكان من حق الرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء بدون تحديد عدد حسب اقتداره المالي، ويطلق منهن ما يشاء، بدون مبرر للطلاق ليبدلهن بزوجات أخر، بحيث كان الزواج تابعاً لهوى الرجل، لا يوجد له قانون مانع أو امر سماوي رادع، فجاء محمد بن عبد الله بالدين الإسلامي وقام عن طريق الوحي بإصلاح المجتمع في ناحية تعدد الزوجات، كما قام بالإصلاح في سائر النواحي لحياة المجتمع الإنساني.
فقد قضى على تعدد الزوجات، الغير محدود عدده، قضاء بحكم قطعي، حيث حدد تعدد الزوجات، مثنى وثلاث إلى رباع مع أنه اشترط للزواج فوق الواحدة، العدل بين الزوجتين و الزوجات في المبيت والمسكن والمأكل والملبس وغيرها من شؤون بيت الزوجية، أما إذا خاف الرجل عدم اقتداره العدل، فلا يجوز له أن يزيد على الواحدة.
وحرم الإسلام على الرجل أن يتزوج فوق أربع زوجات مهما كان له اقتدار من ناحية المال، حتى إن رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أمر ابن عمر غيلان بن سلمة الثقفي عندما أسلم وله عشر نسوة تزوجهن في الجاهلية، وقد أسلمن معه، أمره أن يختار منهن أربعاً ويخلي سبيل الباقيات يتزوجن بمن يردن زواجهم، كما أمر قيساً بن الحارث بعدما اسلم وله ثمان نسوة، أن يختار منهن أربعاً كذلك ومن هنا يعلم أن الإسلام لم يكن بادئاً في تشريع تعدد الزوجات، بل قام بالإصلاح الاجتماعي في هذه المسألة الحيوية مما يستحق كل إجلال.
أما تقرير الإسلام لبقاء التعدد إلى أربع زوجات فله أسبابه التي تبرر الإبقاء وربما تقتضي ظروف الحالات الاجتماعية تعدد الزوجات:
أولاً: إن الرجال في أغلب الأحوال لا يردعهم عن المضي في حب النساء رادع، ولا ينفعهم من الناصحين ناصح، وحتى أن العقوبات أيضاً لا تفيد في كبح شهواتهم النفسية، ولهذا يقعون في كثير من الحرج وفساد الأخلاق مع ضياع العمر والمال في سبيل الحرام، ففي إبقاء التعدد المحدد المشروط حكمة بالنسبة لأولئك الرجال حيث يكون من حقهم أن يتزوجوا فوق الواحدة،ن حتى لا يقعوا في الحرج والفساد وضياع العمر والمال في سبيل الحرام.
مع أن أولئك الرجال لا يضرون أنفسهم فحسب بالاندفاع نحو الشهوات وتمتيع النفس بالحرام (بالسفاح) بل يفسدون من يقع في شبكتهم من الفتيات والنساء، يستمتعون منهن استمتاعاً غير شرعيين إلى وقت، ثم يتركونهن، وقد تعودن على عرض جمالهن على الرجال وبيع أعراضهن، مما يؤدي إلى فساد، و(حتى) اختلال أمن وفتنة وجرائم في المجتمع. وفي إبقاء تعدد الزوجات سد (ولو إلى حد) أمام هذه الموبقات.
ثم إن النساء اللاتي أصبحن وسيلة لتسلية أولئك الرجال، يصبحن محرومات من كل شروط الحماية والحقوق الشرعية، ولا يستطعن من مطالبتها أمام القضاء، فيعشن في مجتمع الحياة، وقد سقطت كرامتهن الجنسية إلى حضيض النسوة العاهرات والمجردات عن الحقوق الاجتماعية.
وفي إبقاء تعدد الزوجات، حماية للنساء ورعاية لعدد كثير منهن.
هذا - ثم إنه بمقتضى الطبيعة، ورغم الحذر والالتجاء إلى موانع التناسل يولد أولاد (بناتاً وأبناء) غير شرعيين يلقون هنا وهناك، وليس لهم من يعولهم، لأنه لا آباء لهم، وإنما يقعون عالة على الحكومة ويكلفونها مبالغ لو صرفت في سبيل الخير لعاد بالخير.
وفوق ذلك يبقى في جباههم عار لا يقدرون إزالته، وتستمر طول الحياة في ضمائرهم وخزته المؤلمة، ولا سبيل للمعالجة والتخلص وفي إبقاء تعدد الزوجات تخفيف لهذه المصيبة وحماية النسل الإنساني الشريف.
ثانياً: إن الإنسان عرضة في خلقته للأمراض، على هذا الاساس الطبيعي فإن المرأة (زوجة الرجل) قد تصاب بمرض مزمن أو معد، وفي النتيجة ربما يقع الرجل (زوج المرأة) في التمتع بالحرام، وذلك حينما لا يجد أمامه سماحاً قانونياً للزواج على زوجته.
ثالثاً: إن بعض الزوجات يصبن بالعقم (أو تخلقن عقيمة) والأزواج يريدون الأولاد، وبهذا يقع خلاف أو نزاع بين الرجل وزوجته وربما يؤدي إلى الطلاق وحرمان المرأة من العائل الذي يعولها ويقوم بتوفير طلبات حياتها. نعم: يؤدي إلى الطلاق وما يعقبه وإنما ذلك بسبب عدم سماح قانوني لزواج الرجل على زوجته العقيمة، أما السماح بالتعدد فإنه يحفظ كيان هذه المرأة في حياتها، وربما ترضى أن تعيش مع الضرة حذراً من سوء الحياة لها.
رابعاً: مما ثبت في الإحصاءات العالمية، أن عدد النساء يزيد على عدد الرجال في أغلب البلدان. ذلك لأن الرجال يمارسون الأعمال المرهقة، ويشتغلون بأشغال شاقة، مما يؤدي إلى إنهاك القوى، بل إلى زوال الأرواح، فمن الحكمة أن يبقى باب تعدد الزوجات مفتوحاً أمام الناس، وإلا فإن عدداً غير قليل من النساء لا يجدن أزواجاً يحصنونهن، ويقومون بإصلاح شؤونهن، ومن المعلوم أنه لا غنى لهن عن الأزواج لضرورة الإحصان، حتى لا يكثر الفاسد، ولا يحلق العار الأسر، ولا تتسرب الفتنة بين الناس فيختل الأمن في المجتمع.
خامساً: إن العالم لا يخلو في أي وقت من نشوب الحرب في أنحاءه، والرجال هم الذين يدخلون ميادين النضال، ويبارزون في معارك القتال، مما يؤدي إلى نقص كبير في عددهم حيال عدد النساء فإبقاء تعدد الزوجات في المجتمع البشري مما تمس إليه الحاجة، ومما يذكر هنا: أن دول أوربا ولا سيما الالمان، قد أصيبوا بالنقص الواضح نتيجة للحرب العالمية الثانية وتكدست الأرامل إلى جنب البنات لا يجدن الأزواج، لتسلية أنفسهن كبشر ولحفظ أعراضهن كإنسان شريف، فلو أبيح تعدد الزوجات للرجال، لأدى ذلك إلى تخفيف هذه الأزمة في المجتمع.
وقد اقترح بعض علماء الاجتماع في ألمانيا بسن قانون تقسيم الأرامل إلى أسر لم تفقد رجالها، ولكنهم فشلوا، ثم إن معالجة أزمة المادة التي تعيش بها الأرامل أمكن بتعيينهن كعاملات في المصانع أو المعامل، أو كموظفات على حسب مؤهلاتهن في مصالح الحكومة، ليعشن على مهنهن، وكد يمينهن، ولكن أزمة تسلية شهوة النفس كبشر، وحفظ أعراضهن كإنسان (يريد أن يحيى حياة شريفة) لم يمكن معالجتها، وذلك لقلة عدد الرجال نتيجة الحرب وقحط الشباب مع أن ما هنالك من أزمة زواج البنات بعد الأرامل الشابات كانت مصيبة أخرى.
هذا وقد طلبت فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، عمالاً كثيرين من مصر تسمح لهم الحكومة بهجرتهم إلى فرنسا، ليعملوا ويتزوجوا هناك بالأرامل الشابات والبنات الفرنسيات وكان ذلك لمعالجة أزمة قحط الرجال).
ونحن نقول تعليقاً على هذا الخبر ففي بقاء تعدد الزوجات حكمة، وله أثر لمصلحة المجتمع في مثل هذه الحالات.
ومن الحقائق الواقعة بعد الحرب العالمية الثانية، أن أزمة تسلية شهوة النفس البشرية (بسبب قلة الرجال وكثرة البنات مع النساء الأرامل اللائي يبقين بلا أزواج) أصبحت أشد من الأزمة المادية، فقد انتشرت الدعارة والفسوق والتهتك، حيث كثرت العلاقات الغير الشرعية بين النساء والرجال والفتيات والفتيان، وذلك في بلاد أوربا وأمريكا، وكان الانتشار هائلا يهدد المجتمع، مما أوجب على المفكرين وعلماء الاجتماع أن يفكروا في حل هذه الأزمة الخطيرة، التي لطخت سمعة الأسر والعائلات، حتى أدت إلى كثرة الأولاد الغير الشرعيين الذين لا عائل لهم يعولهم ويقوم بتربيتهم. كما أن هذه الأزمة أثقلت أعباء الحكومات وزادت في مسؤولياتها الرسمية، ولكن المفكرين الرسميين وغير الرسميين قد فشلوا في معالجة الأزمة، وعجزوا عن رد جماحها، حيث لم يجدوا لها علاجاً ناجحاً.
وهنا، وفي حين اليأس قام الكاتب الثائر والمفكر الأوربي الكبير برنارد شو سنة 1918، وأبلغ إلى المجتمع الأوربي إباحة تعدد الزوجات في الدين الإسلامي، وأثنى على هذا النظام السماوي، قال فيما قال: (إن أوربا لو أخذت بهذا النظام، لوفرت على شعوبها كثيراً من أسباب هذا الانحلال والسقوط الخلقي والتفكك العائلي).
سادساً: إن الغرض الأول من الزواج هو المحافظة على النسل الإنساني عن الفناء، والقلة، وفي تعدد الزوجات (بحده وشرطه) كثرة النسل ونمو العدد. ولا شك في أن شوكة الأمة وقوتها، بكثرة عددها، فإن كثرة العدد يحمي الأمة بالجنود ويساعدها في ميادين خدمة الدولة، وفي المصانع والمعامل والشركات، ومعاهد العلوم، وذلك في سبيل تقدم الأمة نحو النهضة والازدياد في الإنتاج والرقي في شتى شؤونها وبهذا تستطيع أن تعيش كأمة ذات كيان وسيادة وحرية واستقلال سياسي واقتصادي بين أمم الارض.
وقد وقعت طائفة من عقلاء الأمم الغربية في أسف شديد وقلق عظيم مما شاهدوه فيها من سوء المنقلب، وذلك بسبب ما عراها من النقص في النسل لعدم مشروعية تعدد الزوجات في قوانينها الوضعية المتبعة، مع إعراض كثير من أبنائها عن أصل الزواج والاكتفاء بالحرام السفاح، فراراً منهم عن حقوق الزوجات وأعباء الاولاد، وتبعات العائلة.
نعم: وقعوا في اسف شديد وقلق عظيم، ولكن دون جدوى، إنما ذلك لانسداد طريق العلاج للأزمة الخطيرة والوصول إلى حل يريح القلوب، ويفرج عن المشاكل والكروب.
هذا ما وجب بيانه من الحقيقة والواقع في هذا الباب بياناً يكفي لإقناع أولي الألباب من المفكرين والباحثين المنصفين، الذين ينظرون إلى شؤون هذه الحياة نظرة المخلصين، وإن من كبارهم الفيلسوف وولتر الذي ثار في فرنسا ضد التقاليد المسيحية الفاسدة، ودافع عن الإسلام وكتابه ونبيه، بكل جرأة في القرن الثامن عشر الميلادي، أما في القرن العشرين فقد انكشفت حقائق الإسلام بين الانام، ولا تزال تنكشف كلما تمر الايام، وذلك شأن الحق كلما بحثوا حوله يزيد ظهوراً لدى الباحثين، وكلما نضج العقل البشري يشتهر نفوذاً في قلوب العارفين ولهذا فإني أقول في ختام التعليق:
فلو كان وولتر على قيد الحياة في هذا العصر لاعترف قائلاً:
(فالسنن التي أتى بها محمد كانت كلها قاهرة للنفس مهذبة لها).
نعني: بدون استثناء تعدد الزوجات. وقد قال العالم المعاصر، ولينز في محاضرة له عن الإسلام: (إن نظام تعدد الزوجات صان الممالك الإسلامية من نساء نبذهن المجتمع، فصرن يتجول في شوارع لندن وباريس وفينا وكلكتا، ولا ريب في ان نظام تعدد الزوجات المحكم خير ألف مرة من ارتباط المرأة برجال لا يحصيهم العد، وشتان بين زوج وخليل).
مجلة الصراط المستقيم
نشرت مجلة (الصراط المستقيم) في بغداد (العدد ربيع الأول سنة 1351 ه ) مقالاً بقلم عربي مسيحي بعنوان (رسول الوحدة) يقول فيه:
(في حياة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أسطع دليل يحمله تاريخ الحضارة إلينا ويدل على ما للعقيدة الراسخة في قلب المؤمن من قوة تجمع شتات الناس، وتوحد كلمة أخلاطهم (قبائلهم المختلطة) وتخلق من بدو الصحارى ورجل القفار أبطالاً أفذاذاً، لا يقوى على الوقوف في سبيل جهادهم من أجل المبدأ السامي واقف.
أطل محمد الأمين من منافذ الحياة فاقداً أمه واباه، فشاهد أنقاض حِميَر وخراب سبأ، وقد شخص عليها اللات والعزى، ورأى قومه غارقين في سبات الجاهلية العميق متفرقين في طرائق، ولم يبق لهم من حضارتهم الدارسة وعزهم الغابر غير (كعبة) يحجون إليها وشعر حماسي تافه جله ينشدونه في أسواق اختلط فيها حابل الحضر بنابل البدو.
وفي قلب بيئة أظلمت فيها عقول الخاصة، وانحطت فيها اخلاق العامة، رفع النبي العربي صوته العالي يدعو أمته إلى الوحدة بالتوحيد، وإلى المجد بالجهاد، مستمداً قوته من وحي وإلهام فياض في نفسه الكبيرة، فرفعه فوق الناس وجعله أعظم زعيم رآه البشر في تاريخ الإصلاح والحرب والسياسة، لا يذكر في جانبه نبي ولا زعيم ولا مصلح آخر.
قال محمد (صلى الله عليه وسلم) كلمته، فسخر قومه من دعوته وسفهوا نبوته، وناصبوه العداء، حتى ألجأوه إلى الهجرة من وطنه، فهرب من مكة(13) متوجهاً إلى المدينة، ولما تسرب اليأس إلى قلب رفيقه في السفر أوصاه أن لا يحزن لأن الله معهما، وحقاً إن الله كان معه.
كان في قلبه مبعث إيمانه الراسخ بمبدأه القويم مبدأ توحيد أمته في اعتقادها وفي مسعاها.
لقد وقف فتى قريش يومئذ فريقاً وحده، لا نصير له غير الله الواحد، ولا عون له غير قوة إيمانه.
ووقف العالم برمته، بعربه وأعرابه وعجمه، فريقاً ثانياً عليه، ابن عبد الله في صف واحد، والجزيرة العربية والإمبراطوريتان الرومانية والفارسية في صف آخر متألبة عليه.
ولكن خيبة الأمل لم تكن في معجم النبي العربي وقاموسه، ففي وقعة بدر ضرب أعداءه الضربة القاضية، فتم له ما أراد من توحيد كلمة الجزيرة العربية موطن أمته.
وفي وقعتي اليرموك والقادسية، انفتحت أبواب العالم على مصراعيها أمام العرب، غرباً إلى الأندلس وفرنسا، وشرقاً إلى الهند والصين، حتى دان العالم القديم كله لذلك الفتى العربي القوي بإيمانه وعزمه، ولا يزال حتى اليوم يوجه ملايين من البشر وجوههم شطر قبلته المسجد الحرام، وما انفك العالم المثقف بأسره يرى فيه أعظم بطل، عرفه التاريخ بلا جدل).
بارتلمي سنت هيلر
وقال (بارتلمي سنت هيلر في حديثه عن أثر الإسلام في الشعوب التي اعتنقته:
(كان محمد نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) أكثر عرب زمانه ذكاء وأشدهم تديناً، وأعظمهم رأفة، وقد نال محمد سلطانه الكبير بفضل تفوقه عليهم). ثم قال بارتلمي:
(ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده، جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته).
نقول: إن رسول الإسلام، محمداً عليه أفضل الصلاة والسلام لم يبعث إلى قومه العرب فحسب، بل بعث إلى شعوب العالم عامة، والله سبحانه يقول (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) ولهذا فإن الله العليم الحكيم الذي أرسله قد أعده قبل أن يرسله لتحمل هذه الرسالة العالمية بالصفات العظيمة التي تتطلبها رسالته من كثرة الذكاء، وشدة التدين والتقوى، وعظمة الرأفة وغيره، وقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا الإعداد، وإلى ما كان عليه من الإستعداد، حيث قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي) ثم وصفه الله ربه وقال: (وإنك لعلى خلق عظيم). وقد أنصف (بارتلمي) فاعترف بما هو الحق الذي لا يجوز إنكاره بقوله الأخير: (ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده، جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته) لأن بعثته بهذا الدين كانت (في الحقيقة) رحمة لجميع العالم، وقد قال الله عز وجل في وصف هذه البعثة: (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) والحمد لله على ذلك أولاً وآخراً.
طوراندريه وجورج مارسيه
وقال (طوراندريه) و(جورج مارسيه) في كتابهما (العالم الشرقي):
(كان محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شجاعاً يخوض المعركة بنفسه ليرد الثبات إلى قلوب الذين يضعفون، وكان رحيماً بالضعفاء يؤوي في بيته عدداً كبيراً من المحتاجين (يشير إلى أهل الصفة، كأبي هريرة وغيره) وكان مع احتفاظه بهيبة كاملة بسيط الحركات لا يتكلف شيئاً، وبشوشاً سهل المعاملة، رقيق الحاشية، لا يثير غضبة أهل الفضول وكان محمد رجلاً (بشيراً) كان فيه لا شك كثير من الخصال التي اتسم بها رجال عصره، لكنه حمل إلى هؤلاء الرجال مثلاً رفيعاً في الدين والأخلاق، وسما سمواً بالغاً عن الآراء القديمة التي كانوا يرزحون تحت ثقلها (يشيران إلى التقاليد الجاهلية).
ثم قالا: (وهو إذ جمعهم عصبة واحدة تحت راية ذلك المثل الرفيع (الدين والأخلاق وسائر التعاليم السماوية) قد صنع منهم قوة قدر لها فيما بعد، أن تهز أركان العالم القديم).
دائرة المعارف البريطانية
وكتبت (دائرة المعارف البريطانية، الطبعة الحادية عشرة:
(كان محمد أظهر الشخصيات الدينية العظيمة، وأكثرها نجاحاً وتوفيقاً، ظهر النبي محمد في وقت كان العرب فيه قد هووا إلى الحضيضِ، فما كان لهم تعاليم دينية محترمة، ولا مبادئ مدنية أو سياسية أو إجتماعية، ولم يكن لهم ما يفاخرون به من الفن أو العلوم، وما كانوا على اتصال بالعالم الخارجي، وكانوا مفككين لا رابط بينهم، كل قبيلة وحدة مستقلة، وكل منها في قتال مع الأخرى.
وقد حاولت اليهودية أن تهديهم فما استطاعت، وباءت محاولات المسيحية بالخيبة، كما خابت جميع المحاولات السابقة للإصلاح، ولكن ظهر النبي (محمد) الذي أرسل هدى العالمين، فاستطاع في سنوات معدودات أن يقتلع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، وأن يرفعها من الوثنية المنحطة إلى التوحيد.
وحول أبناء العرب الذين كانوا أنصاف برابرة، إلى طريق الهدى والفرقان، فأصبحوا دعاة هدى ورشاد، بعد أن كانوا دعاة وثنية وفساد، وانتشروا في الارض يعملون على رفع كلمة الله.. الخ.
نقول: إن اعتراف دائرة المعارف البريطانية، اعتراف بالحقيقة، اعتراف يستحق حسن التقدير، اعتراف يستوجبه الإنصاف ويقتضيه واجب الخدمة للعلم والتاريخ، وليس هذا الاعتراف اعترافاً فردياً أو شخصياً، وإنما هو اعتراف عن لسان دائرة المعارف التي تنسب إلى بريطانيا، وتؤلف وتطبع على نفقات حكومتها الملكية.
نعم: إن يستحق حسن التقدير.
أما نجاح نبي الإسلام، محمد (عليه الصلاة والسلام) (مع فشل محاولة اليهودية والمسيحية، والمحاولات السابقة) في إصلاح تلك الحياة الجاهلية، واقتلاع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، وتحويل أبناء العرب إلى دعاة الهدى والإرشاد (بل انتشار دعوته بسرعة غير مسبوقة إلى ربوع العالم) فإن كله بسبب أن الدين الذي جاء به دين فطري ترحب به الفطرة البشرية على اختلاف أجناسها وألوانها (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، لكن أكثر الناس لا يعلمون) (الآية 30 من سورة الروم)
الأديب جونس أوركس
وقال جونس أوركس الأديب الإنجليزي:
(لم نعلم أن محمداً نبي الإسلام (صلوات الله وسلامه عليه) تسربل باي رذيلة مدة حياته).
غوستاف لوبون
وقال غوستاف لوبون الفرنسي:
(إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) رغم ما يشاع عنه (يعني من قبل المخالفين له في أوربا) قد ظهر بمظهر الحلم الوافر والرحابة الفسيحة إزاء أهل الذمة جميعاً).
المسيو جان سبيرو
وقال المسيو جان سبيرو السويسري:
(إنه مهما زاد الإنسان اطلاعاً على سيرة محمد النبي (عليه الصلاة والسلام) لا بكتب أعدائه وشانئيه بل بتأليفات معاصريه، وبالكتاب والسنة، إلا وأدرك اسباب إعجاب الملايين من البشر في الماضين وحتى الآن بهذا الرجل، وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه).
السير فلكد
وقال السير فلكد الأمريكي:
(كان عقل محمد النبي (صلى الله عليه وسلم) من العقول الكبيرة التي قلما يجود بها الزمان، فقد كان يدرك الأمر ويدرك كنهه من مجرد النظرة البسيطة، وكان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في معاملاته الخاصة على جانب كبير من إيثار العدل فقد كان يعامل الصديق وغيره، والقريب والبعيد، والغني والفقير، والقوي والضعيف بالمساواة والإنصاف).
ثم قال السير فلكد (بعد ان تحدث عن غزوات محمد (صلى الله عليه وسلم) وانتصاراته) ما ترجمته:
(وكل هذه الإنتصارات والفتوحات لم توقظ في محمد النبي أي شعور بالعظمة والكبرياء، كما يفعل ذلك من كان يتأثر بالأغراض الشخصية، ففي هذا الوقت الذي وصل فيه إلى غاية القوة والسطوة، كان على حالته الأولى في معاملته ومظهره، حتى كان يغضب عندما يرى من أهل المجلس الذي يقدم عليه احتراماً أكثر من العادة، وكانت الثروة تنهال عليه من الغنائم وغيرها، ولكنه كان يصرفها على نشر دعوته ومساعدة الفقراء.
وفي الختام قال السير فلكد: وكان محمد يجد راحته وعزاءه في أوقات الشدة والمحنة، في الثقة بالله ورحمته معتمداً دائماً على الله ليتمتع بالحياة الأخرى).
الكاتب برنارد شو
وقال برنارد شو الكاتب الإنجليزي المعروف:
(إن أوربا الآن ابتدأت تحسّ بحكمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدأت تعشق دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمتها به من أراجيف رجال أوربا في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد هو النظام الذي يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة ويستند على فلسفته في حل المعضلات وفك المشكلات والعقد).
ثم قال: (وإن كثيرين من مواطني ومن الأوربيين الآخرين يقدسون تعاليم الإسلام، ولذلك يمكنني أن أوكد نبؤتي فأقول: إن بوادر العصر الإسلامي قريبة لا محالة!).
نقول: إن اعتراف برنارد شو تعبير عن الحقيقة الجارية في قارة أوربا اليوم، وأما نبوءته بشأن العصر الإسلامي الأوربي فإنها ستتحقق نظراً لما في الدين المحمدي من مبادئ وتعاليم تتمشى مع روح العصر وتقتضيها الطبيعة البشرية مما يؤدي بالمنصفين إلى اعتناقه بكل رغبة وافتخار.
وإن أوربا اليوم لفي أشد حاجة إلى الدين الإسلامي، في حل مشكلات الحياة التي أحاطت بها، وأعجزت عقول المفكرين عن حلها وإنقاذها منها.
وقال برناردشو:
(إني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم، لتم النجاح له في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام، والسعادة المنشودة).
بورست سميث
وقال بورست سميث:
(إني صميم الاعتقاد على أنه سيأتي يوم يتفق فيه القوم وزعماء النصرانية الحقة على أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي، وأن الله (عز وجل) قد بعثه حقاً).
نقول: إن اعتراف هذا الأوربي المنصف بشأن سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) يستحق التقدير، كما أن قوله: (النصرانية الحقة) قول له رمزه ومغزاه.
نعم: إن زعماء النصرانية الباطلة لا يخضعون لدى الحق ويقودون أقوامهم النصرانيين ضد الحق، وأما زعماء النصرانية الحقة فإنهم لا يستكبرون، كما وصفهم الله عز وجل في كتابه وقال (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، ومالنا لا نؤمن بالله، وما جاءنا من الحق، ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين؟) (الآية 83-84 من سورة البقرة).
القس لوزان
وقال القس لوزان بعد بيان عن أوصاف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
(فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا التباس ولا نكران من النبيين والصديقين، بل وإنه نبي عظيم جليل القدر والشأن، لقد أمكنه بإرادة الله سبحانه تكوين الملة الإسلامية وإخراجها من العدم إلى الوجود، بما صار أهلها ينيفون (يزيدون) عن الثلاثمائة مليون (يعني على ظنه في زمانه) من النفوس، وراموا بجدهم سلطنة الرومان، وقطعوا برماحهم دابر أهل الضلالة إلى أن صارت ترتعد من ذكرهم فرائض الشرق والغرب.
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
من بريدي
-----------------------------
منقول وعذرا على الاطالة
السير وليم مودير
لقد وصف (السير وليم موير) في كتابه (حياة محمد) فشل الحركات الثلاث التي قام بها أصحابها لإصلاح جزيرة العرب وما حولها، وهي الحركة اليهودية، والحركة المسيحية، والحركة الحنيفية (وكانت هذه من طرف طائفة بقوا علىعقيدة إبراهيم الخيل (عليه السلام) على عقيدة التوحيد، أرادوا تعميم هذه العقيدة).
ثم قال:
(إن الجزيرة العربية كانت قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم) في أسوأ الأحوال، وربما لم يكن الإصلاح ميئوساً في أي مدة مضت كما كان في ذلك الحين، ولكن ما ظهر محمد نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) حتى هبت العرب في الحال تلبية للدعوة الروحية الجديدة، ومن هنا جاء الاعتقاد بأن العرب كانوا مهيئين للإسلام، مستعدين لقبوله).
توماس أرنولد
وقال (توماس أرنولد) في كتابه (الدعوة إلى الإسلام):
(تمكن محمد أن يجعل نفسه (بعد أن هاجر إلى المدينة) على رأس جماعة من أتباعه كبيرة العدد آخذة في النمو، يتطلعون إليه زعيماً وقائداً، وهكذا باشر محمد (صلى الله عليه وسلم) سلطة زمنية كالتي كان يمكن أن يباشرها أي زعيم آخر مستقل مع فارق واحد، وهو أن الرباط الديني بين المسلمين كان يقوم مقام رابطة الدم والأسرة، فأصبح الإسلام نظاماً سياسياً بقدر ما هو نظام ديني، وكما نشر محمد (صلى الله عليه وسلم) ديناً جديداً أقام نظاماً سياسياً له صبغة متميزة تماماً.
وكانت جهوده موفقة إلى اعتقاد بني وطنه بوحدانية الله، وإلى هدم نظام الحكومة القديم في مكة مسقط رأسه، فقضى على الحكومة الارستقراطية القبلية، التي كانت الأسر الحاكمة تنتزع سياسة الشؤون العامة تحت لوائها).
البروفيسور عبد المسيح الأنطاكي
وقال البروفيسور عبد المسيح الأنطاكي ما نصه:
(إن المصطفى محمداً (صلى الله عليه وسلم) تدرج في دعوته تدرجاً، حيث ابتدأ بإعلان دعوته مسالماً، ثم أوجد الله له في الأوس والخزرج أنصاراً بالمدينة، هاجر من مكة إليهم باصحابه تخلصاً من أذى قريش، فأبى القريشيون إلا أن يعملوا على النكاية بهم، فأرسلوا أولا من يتتبع خطواته وهو فار إلى المدينة من ظلمهم، ليعيدوه إلى مكة فيسجنوه أو يقتلوه، ولما فشلوا في هذه الرغبة أخذوا يجمعون كلمة العرب على قتاله. حينئذ أذن الله له ولأصحابه وأنصاره بمقاتلة المشركين، لسببين:
أولهما: الدفاع عن النفس بإزاء المعتدين.
وثانيهما: الدفاع عن الدعوة بإزاء الذين تعرضوا لها، فقد كانوا يفتنون المهتدين (يعني الذي آمنوا بمحمد (صلى الله عليه وسلم) بالاضطهاد والتعذيب، ويصدون الآخرين عن الهدى عنوة، ويقومون بمحاولة منع الداعي عن تبليغ دعوته بالسخرية به وغيره، ثم بمحاولة قتله.
أما أمر الله بالقتال فقد جاء في مواضع شتى من القرآن منها إذ قال الله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره، إن الله قوي عزيز،الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عنن المنكر، ولله عاقبة الأمور).
وأنت ترى في هذه الآية الكريمة أن سبب إذن الله للمسلمين بالقتال هو ظلم المشركين لهم، وما ذنبهم إلاقولهم (ربنا الله) فاخرجوا من ديارهم لهذا الاعتقاد (اعتقاد التوحيد).
ومضى البروفيسور يقول:
وجاء في القرآن أيضاً في سبيل القتال قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، واخرجوهم من حيث اخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم، كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين، الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).
وأنت ترى في هذه الآيات الكريمة ما يخلق ويجدر أن يصدر عن الإله الواحد العادل المؤدب القهار الرحيم، وذلك لجمعها بين الدفاع عن النفس وتأديب المعتدين وإبطال الفتنة، والانتصار لدين الله، وفي القرآن أشباه لهذه الآيات الكريمة العادلة التي أنزلت على محمد بن عبد الله لعزة الدين وردع الظالمين المعتدين.
وفي الختام قال البروفيسور:
(لا جرم أن الاسلام كان لا يزال مسالماً من سالم أهله، إذ قال الله سبحانه: (لا ينهاكم الله عن الذين لا يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم، وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
وفي هذه الآيات الكريمة تتجلى روح الإسلام العادلة بأجل تجليها لدى المنصفين).
أحد المستشرقين
ونقل صاحب كتاب (المستشرقون والإسلام)(11) عن أحد المستشرقين قوله:
(لو لم يكن لمحمد معجزة إلا أنه صنع أمة من البدو، فجعلها أمة كبرى في التاريخ، لكفته معجزة في العالمين).
ونقل عن آخر أيضاً يقول
(لو أن كتاب محمد وجد في صحراء لكان الذي يعثر عليه جديراً بالخلود، ولو جاء محمد بالقرآن من عنده لكان جديراً أن تدين له الإنسانية بالولاء، فرسالة محمد في قرآن كريم أو حديث شريف حكمة بالغة في الحياة، وقد أحاطت بالمادة والروح، وأعطت صورة سكون في أرضه وسمائه، وصورة للوجود في بدئه ومختتمه، وأملاً عالياً في الخلود في طاقات عليا بعد جمود المادة واضطرابها. ثم تحدثت عن الخالق الأعظم في أروع صورة للواحد الأحد الفرد الصمد، لم يسبق إليها في فلسفة أو كتاب بهذه الصورة الجامعة الكاملة).
الفيلسوف وولتر
وقال الفيلسوف والأديب الفرنسي الثائر وولتر(12):
(والذي يظهر لي أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لم يكوِّن هذا الشعب الإسلامي، إلا للتناسل والعبادة والجهاد.
فالسنن (التعليمات) التي أتى بها كانت كلها – ما عدا إباحة تعدد الزوجات – قاهرة للنفس، ومهذبة لها فجمال تلك الشريعة وبساطة القواعد الأصلية جذبا للدين المحمدي غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال.
أتى هذا الدين بعقيدة وحدانية الخالق في صورة مقبولة للعقل البشري أي خالية عن كل غامضة، ولهذا أسلمت عدة عديدة من أمم الأرض حتى زنوج أواسط أفريقيا وسكان جزر البحر الهندي.
فهذه الديانة تدعى الإسلام أي الاستسلام لإرادة الخالق (سبحانه)، وهذا الاسم كاف لهداية العدد الوافر من البشر، وليس بصحيح ما يدعى من أن الإسلام استولى قهراً بالسيف على أكثر من نصف الكرة الأرضية، بل كان سبب انتشاره شدة رغبة الناس إليه بعد أن أقنع عقولهم، وأكبر سلاح استعمله المسلمون لبث الدعوة، هو اتصافهم بالشيم العالية ولا يخفى لوع المغلوب بتقليد الغالب.
وقد انخرط في الإسلام أقوام لم تبلغهم سلطة المسلمين ولم تصلهم).
ومضى وولتر يقول:
(وهذا القول النزر - القليل - مني يكفي لتفنيد كل ما ذكره لنا مؤرخونا وخطباؤنا، فارتكزت في ضمائرنا الأوهام الباطلة والأراجيف المتوارثة بشان الإسلام والمسلمين، ومن الواجب أن يدحض الباطل بالحق).
ولنذكر دائماً هذه الحقيقة التاريخية، وهي:
إن المشرع((المشرع هو الله وحده )) الإسلامي محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان ذا يقين راسخ وقوة عزم هائلة، فأقام دينه ببسالة وثبات جنان، ثم فيما بعد ظهر الدين الإسلامي بشفقة وسماحة لم تعهد من غيره). وفي الختام قال وولتر:
(ومن الغريب المشاهد أن مؤسس الدين النصراني -عيسى (عليه السلام)- كانت حياته كلها خضوعاً واستكانة ومسالمة، وكان يأمر بالتجاوز عن ا لزلات، والحال أن ديانته اللينة صارت بحماقتنا وبغينا (يريد النصرانيين) ابعد الأديان عن السماحة، وأقربها للقساوة والطغيان).
نقول: وهنا انتهى ما قاله الفيلسوف الأديب وولتر حول محمد (صلى الله عليه وسلم) وحول دينه الإسلام من تصريحات، ولكنها كما ترى ناشئة عن التحقيق والفهم العميق، ولا سيما قوله: (وليس بصحيح ما يدعى من أن الإسلام استولى قهراً بالسيف.. إلخ)
إلا أن قوله: (.. لم يكِّون هذا الشعب الإسلامي إلا للتناسل والعبادة والجهاد) تعبير ناقص، فإن هناك أغراضً سامية من تكوين الشعب الإسلامي الا وهي: ليكون أمة تنظر إلى سائر الأمم نظرة الأخوة بين بني آدم وحواء، وتريد لها الخير وترشدها نحو طريق الخير، أمة تقوم بإصلاح المجتمع الإنساني في كل شؤونه الحيوية، أمة تقوم بتطوير الحياة البشرية إلى حياة أفضل، أمة تقوم بنشر العلوم والمعارف في ربوع هذا العالم، أمة تقدم رجالاً لخدمة البشرية العامة ولصالح الإنسانية العام وذلك في جميع شؤونها العلمية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا سيما في توجيه الإنسان نحو الإيمان بالله وحده ونحو المثل العليا التي ترفع مقامه من حضيض المادية إلى ذرورة الروحانية التي تمتعه بسعادة الدارين، أمة تساهم في عمران الدنيا في شتى نواحيها وتسوقها إلى حضارة جديدة غير مسبوقة ومدنية لم ير مثلها في الحياة، أمة تمثل الأخلاق العالية والخصال الكريمة في جميع أدوارها، لتكون فيها اسوة حسنة لسائر الأمم في هذا الكون، أمة تصنع للحياة الإنسانية قوانين تستمد أصولها من الوحي السماوي وتتكفل السعادة الابدية.
هذه هي جملة من الأغراض السامية لتكوين الشعب الإسلامي العظيم الذي كونه محمد رسول الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وسلم)، وقد قام بتنفيذها عبر القرون ويقوم ما دام في ساحة الحياة إلى انقراض الدنيا، وبهذا أصبحت أمة رافعة الرأس، ومرهوبة الجانب لدى الامم، وقد سجلها التاريخ بأحرف ذهبية في صفحاته الخالدة، واعترف بأنها حقاً أمة كما وصفها ربها سبحانه في كتابه المجيد حيث خاطبها وقال: (كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
ثانياً: نرى من واجبنا أن نقدر كل تصريحات الفيلسوف في هذا الباب وأن نبين الحقيقة حيال قوله:
(فالسنن التي أتى بها محمد كانت كلها – ما عدا إباحة تعدد الزوجات- قاهرة للنفس ومهذبة لها).
نقول: يظهر أن الفيلسوف وولتر، لم يحقق موضوع تعدد الزوجات فيما اتى به محمد (صلى الله عليه وسلم) من السنن، وإنما نظر إليه سطحياً فأخطأ في اثر النظر، الحقيقة هي أن تعدد الزوجات لم يكن تشريعاً جديداً من الدين الإسلامي،لأن التعدد كان أمراً شائعاً في الجاهلية، فكان من حق الرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء بدون تحديد عدد حسب اقتداره المالي، ويطلق منهن ما يشاء، بدون مبرر للطلاق ليبدلهن بزوجات أخر، بحيث كان الزواج تابعاً لهوى الرجل، لا يوجد له قانون مانع أو امر سماوي رادع، فجاء محمد بن عبد الله بالدين الإسلامي وقام عن طريق الوحي بإصلاح المجتمع في ناحية تعدد الزوجات، كما قام بالإصلاح في سائر النواحي لحياة المجتمع الإنساني.
فقد قضى على تعدد الزوجات، الغير محدود عدده، قضاء بحكم قطعي، حيث حدد تعدد الزوجات، مثنى وثلاث إلى رباع مع أنه اشترط للزواج فوق الواحدة، العدل بين الزوجتين و الزوجات في المبيت والمسكن والمأكل والملبس وغيرها من شؤون بيت الزوجية، أما إذا خاف الرجل عدم اقتداره العدل، فلا يجوز له أن يزيد على الواحدة.
وحرم الإسلام على الرجل أن يتزوج فوق أربع زوجات مهما كان له اقتدار من ناحية المال، حتى إن رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أمر ابن عمر غيلان بن سلمة الثقفي عندما أسلم وله عشر نسوة تزوجهن في الجاهلية، وقد أسلمن معه، أمره أن يختار منهن أربعاً ويخلي سبيل الباقيات يتزوجن بمن يردن زواجهم، كما أمر قيساً بن الحارث بعدما اسلم وله ثمان نسوة، أن يختار منهن أربعاً كذلك ومن هنا يعلم أن الإسلام لم يكن بادئاً في تشريع تعدد الزوجات، بل قام بالإصلاح الاجتماعي في هذه المسألة الحيوية مما يستحق كل إجلال.
أما تقرير الإسلام لبقاء التعدد إلى أربع زوجات فله أسبابه التي تبرر الإبقاء وربما تقتضي ظروف الحالات الاجتماعية تعدد الزوجات:
أولاً: إن الرجال في أغلب الأحوال لا يردعهم عن المضي في حب النساء رادع، ولا ينفعهم من الناصحين ناصح، وحتى أن العقوبات أيضاً لا تفيد في كبح شهواتهم النفسية، ولهذا يقعون في كثير من الحرج وفساد الأخلاق مع ضياع العمر والمال في سبيل الحرام، ففي إبقاء التعدد المحدد المشروط حكمة بالنسبة لأولئك الرجال حيث يكون من حقهم أن يتزوجوا فوق الواحدة،ن حتى لا يقعوا في الحرج والفساد وضياع العمر والمال في سبيل الحرام.
مع أن أولئك الرجال لا يضرون أنفسهم فحسب بالاندفاع نحو الشهوات وتمتيع النفس بالحرام (بالسفاح) بل يفسدون من يقع في شبكتهم من الفتيات والنساء، يستمتعون منهن استمتاعاً غير شرعيين إلى وقت، ثم يتركونهن، وقد تعودن على عرض جمالهن على الرجال وبيع أعراضهن، مما يؤدي إلى فساد، و(حتى) اختلال أمن وفتنة وجرائم في المجتمع. وفي إبقاء تعدد الزوجات سد (ولو إلى حد) أمام هذه الموبقات.
ثم إن النساء اللاتي أصبحن وسيلة لتسلية أولئك الرجال، يصبحن محرومات من كل شروط الحماية والحقوق الشرعية، ولا يستطعن من مطالبتها أمام القضاء، فيعشن في مجتمع الحياة، وقد سقطت كرامتهن الجنسية إلى حضيض النسوة العاهرات والمجردات عن الحقوق الاجتماعية.
وفي إبقاء تعدد الزوجات، حماية للنساء ورعاية لعدد كثير منهن.
هذا - ثم إنه بمقتضى الطبيعة، ورغم الحذر والالتجاء إلى موانع التناسل يولد أولاد (بناتاً وأبناء) غير شرعيين يلقون هنا وهناك، وليس لهم من يعولهم، لأنه لا آباء لهم، وإنما يقعون عالة على الحكومة ويكلفونها مبالغ لو صرفت في سبيل الخير لعاد بالخير.
وفوق ذلك يبقى في جباههم عار لا يقدرون إزالته، وتستمر طول الحياة في ضمائرهم وخزته المؤلمة، ولا سبيل للمعالجة والتخلص وفي إبقاء تعدد الزوجات تخفيف لهذه المصيبة وحماية النسل الإنساني الشريف.
ثانياً: إن الإنسان عرضة في خلقته للأمراض، على هذا الاساس الطبيعي فإن المرأة (زوجة الرجل) قد تصاب بمرض مزمن أو معد، وفي النتيجة ربما يقع الرجل (زوج المرأة) في التمتع بالحرام، وذلك حينما لا يجد أمامه سماحاً قانونياً للزواج على زوجته.
ثالثاً: إن بعض الزوجات يصبن بالعقم (أو تخلقن عقيمة) والأزواج يريدون الأولاد، وبهذا يقع خلاف أو نزاع بين الرجل وزوجته وربما يؤدي إلى الطلاق وحرمان المرأة من العائل الذي يعولها ويقوم بتوفير طلبات حياتها. نعم: يؤدي إلى الطلاق وما يعقبه وإنما ذلك بسبب عدم سماح قانوني لزواج الرجل على زوجته العقيمة، أما السماح بالتعدد فإنه يحفظ كيان هذه المرأة في حياتها، وربما ترضى أن تعيش مع الضرة حذراً من سوء الحياة لها.
رابعاً: مما ثبت في الإحصاءات العالمية، أن عدد النساء يزيد على عدد الرجال في أغلب البلدان. ذلك لأن الرجال يمارسون الأعمال المرهقة، ويشتغلون بأشغال شاقة، مما يؤدي إلى إنهاك القوى، بل إلى زوال الأرواح، فمن الحكمة أن يبقى باب تعدد الزوجات مفتوحاً أمام الناس، وإلا فإن عدداً غير قليل من النساء لا يجدن أزواجاً يحصنونهن، ويقومون بإصلاح شؤونهن، ومن المعلوم أنه لا غنى لهن عن الأزواج لضرورة الإحصان، حتى لا يكثر الفاسد، ولا يحلق العار الأسر، ولا تتسرب الفتنة بين الناس فيختل الأمن في المجتمع.
خامساً: إن العالم لا يخلو في أي وقت من نشوب الحرب في أنحاءه، والرجال هم الذين يدخلون ميادين النضال، ويبارزون في معارك القتال، مما يؤدي إلى نقص كبير في عددهم حيال عدد النساء فإبقاء تعدد الزوجات في المجتمع البشري مما تمس إليه الحاجة، ومما يذكر هنا: أن دول أوربا ولا سيما الالمان، قد أصيبوا بالنقص الواضح نتيجة للحرب العالمية الثانية وتكدست الأرامل إلى جنب البنات لا يجدن الأزواج، لتسلية أنفسهن كبشر ولحفظ أعراضهن كإنسان شريف، فلو أبيح تعدد الزوجات للرجال، لأدى ذلك إلى تخفيف هذه الأزمة في المجتمع.
وقد اقترح بعض علماء الاجتماع في ألمانيا بسن قانون تقسيم الأرامل إلى أسر لم تفقد رجالها، ولكنهم فشلوا، ثم إن معالجة أزمة المادة التي تعيش بها الأرامل أمكن بتعيينهن كعاملات في المصانع أو المعامل، أو كموظفات على حسب مؤهلاتهن في مصالح الحكومة، ليعشن على مهنهن، وكد يمينهن، ولكن أزمة تسلية شهوة النفس كبشر، وحفظ أعراضهن كإنسان (يريد أن يحيى حياة شريفة) لم يمكن معالجتها، وذلك لقلة عدد الرجال نتيجة الحرب وقحط الشباب مع أن ما هنالك من أزمة زواج البنات بعد الأرامل الشابات كانت مصيبة أخرى.
هذا وقد طلبت فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، عمالاً كثيرين من مصر تسمح لهم الحكومة بهجرتهم إلى فرنسا، ليعملوا ويتزوجوا هناك بالأرامل الشابات والبنات الفرنسيات وكان ذلك لمعالجة أزمة قحط الرجال).
ونحن نقول تعليقاً على هذا الخبر ففي بقاء تعدد الزوجات حكمة، وله أثر لمصلحة المجتمع في مثل هذه الحالات.
ومن الحقائق الواقعة بعد الحرب العالمية الثانية، أن أزمة تسلية شهوة النفس البشرية (بسبب قلة الرجال وكثرة البنات مع النساء الأرامل اللائي يبقين بلا أزواج) أصبحت أشد من الأزمة المادية، فقد انتشرت الدعارة والفسوق والتهتك، حيث كثرت العلاقات الغير الشرعية بين النساء والرجال والفتيات والفتيان، وذلك في بلاد أوربا وأمريكا، وكان الانتشار هائلا يهدد المجتمع، مما أوجب على المفكرين وعلماء الاجتماع أن يفكروا في حل هذه الأزمة الخطيرة، التي لطخت سمعة الأسر والعائلات، حتى أدت إلى كثرة الأولاد الغير الشرعيين الذين لا عائل لهم يعولهم ويقوم بتربيتهم. كما أن هذه الأزمة أثقلت أعباء الحكومات وزادت في مسؤولياتها الرسمية، ولكن المفكرين الرسميين وغير الرسميين قد فشلوا في معالجة الأزمة، وعجزوا عن رد جماحها، حيث لم يجدوا لها علاجاً ناجحاً.
وهنا، وفي حين اليأس قام الكاتب الثائر والمفكر الأوربي الكبير برنارد شو سنة 1918، وأبلغ إلى المجتمع الأوربي إباحة تعدد الزوجات في الدين الإسلامي، وأثنى على هذا النظام السماوي، قال فيما قال: (إن أوربا لو أخذت بهذا النظام، لوفرت على شعوبها كثيراً من أسباب هذا الانحلال والسقوط الخلقي والتفكك العائلي).
سادساً: إن الغرض الأول من الزواج هو المحافظة على النسل الإنساني عن الفناء، والقلة، وفي تعدد الزوجات (بحده وشرطه) كثرة النسل ونمو العدد. ولا شك في أن شوكة الأمة وقوتها، بكثرة عددها، فإن كثرة العدد يحمي الأمة بالجنود ويساعدها في ميادين خدمة الدولة، وفي المصانع والمعامل والشركات، ومعاهد العلوم، وذلك في سبيل تقدم الأمة نحو النهضة والازدياد في الإنتاج والرقي في شتى شؤونها وبهذا تستطيع أن تعيش كأمة ذات كيان وسيادة وحرية واستقلال سياسي واقتصادي بين أمم الارض.
وقد وقعت طائفة من عقلاء الأمم الغربية في أسف شديد وقلق عظيم مما شاهدوه فيها من سوء المنقلب، وذلك بسبب ما عراها من النقص في النسل لعدم مشروعية تعدد الزوجات في قوانينها الوضعية المتبعة، مع إعراض كثير من أبنائها عن أصل الزواج والاكتفاء بالحرام السفاح، فراراً منهم عن حقوق الزوجات وأعباء الاولاد، وتبعات العائلة.
نعم: وقعوا في اسف شديد وقلق عظيم، ولكن دون جدوى، إنما ذلك لانسداد طريق العلاج للأزمة الخطيرة والوصول إلى حل يريح القلوب، ويفرج عن المشاكل والكروب.
هذا ما وجب بيانه من الحقيقة والواقع في هذا الباب بياناً يكفي لإقناع أولي الألباب من المفكرين والباحثين المنصفين، الذين ينظرون إلى شؤون هذه الحياة نظرة المخلصين، وإن من كبارهم الفيلسوف وولتر الذي ثار في فرنسا ضد التقاليد المسيحية الفاسدة، ودافع عن الإسلام وكتابه ونبيه، بكل جرأة في القرن الثامن عشر الميلادي، أما في القرن العشرين فقد انكشفت حقائق الإسلام بين الانام، ولا تزال تنكشف كلما تمر الايام، وذلك شأن الحق كلما بحثوا حوله يزيد ظهوراً لدى الباحثين، وكلما نضج العقل البشري يشتهر نفوذاً في قلوب العارفين ولهذا فإني أقول في ختام التعليق:
فلو كان وولتر على قيد الحياة في هذا العصر لاعترف قائلاً:
(فالسنن التي أتى بها محمد كانت كلها قاهرة للنفس مهذبة لها).
نعني: بدون استثناء تعدد الزوجات. وقد قال العالم المعاصر، ولينز في محاضرة له عن الإسلام: (إن نظام تعدد الزوجات صان الممالك الإسلامية من نساء نبذهن المجتمع، فصرن يتجول في شوارع لندن وباريس وفينا وكلكتا، ولا ريب في ان نظام تعدد الزوجات المحكم خير ألف مرة من ارتباط المرأة برجال لا يحصيهم العد، وشتان بين زوج وخليل).
مجلة الصراط المستقيم
نشرت مجلة (الصراط المستقيم) في بغداد (العدد ربيع الأول سنة 1351 ه ) مقالاً بقلم عربي مسيحي بعنوان (رسول الوحدة) يقول فيه:
(في حياة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أسطع دليل يحمله تاريخ الحضارة إلينا ويدل على ما للعقيدة الراسخة في قلب المؤمن من قوة تجمع شتات الناس، وتوحد كلمة أخلاطهم (قبائلهم المختلطة) وتخلق من بدو الصحارى ورجل القفار أبطالاً أفذاذاً، لا يقوى على الوقوف في سبيل جهادهم من أجل المبدأ السامي واقف.
أطل محمد الأمين من منافذ الحياة فاقداً أمه واباه، فشاهد أنقاض حِميَر وخراب سبأ، وقد شخص عليها اللات والعزى، ورأى قومه غارقين في سبات الجاهلية العميق متفرقين في طرائق، ولم يبق لهم من حضارتهم الدارسة وعزهم الغابر غير (كعبة) يحجون إليها وشعر حماسي تافه جله ينشدونه في أسواق اختلط فيها حابل الحضر بنابل البدو.
وفي قلب بيئة أظلمت فيها عقول الخاصة، وانحطت فيها اخلاق العامة، رفع النبي العربي صوته العالي يدعو أمته إلى الوحدة بالتوحيد، وإلى المجد بالجهاد، مستمداً قوته من وحي وإلهام فياض في نفسه الكبيرة، فرفعه فوق الناس وجعله أعظم زعيم رآه البشر في تاريخ الإصلاح والحرب والسياسة، لا يذكر في جانبه نبي ولا زعيم ولا مصلح آخر.
قال محمد (صلى الله عليه وسلم) كلمته، فسخر قومه من دعوته وسفهوا نبوته، وناصبوه العداء، حتى ألجأوه إلى الهجرة من وطنه، فهرب من مكة(13) متوجهاً إلى المدينة، ولما تسرب اليأس إلى قلب رفيقه في السفر أوصاه أن لا يحزن لأن الله معهما، وحقاً إن الله كان معه.
كان في قلبه مبعث إيمانه الراسخ بمبدأه القويم مبدأ توحيد أمته في اعتقادها وفي مسعاها.
لقد وقف فتى قريش يومئذ فريقاً وحده، لا نصير له غير الله الواحد، ولا عون له غير قوة إيمانه.
ووقف العالم برمته، بعربه وأعرابه وعجمه، فريقاً ثانياً عليه، ابن عبد الله في صف واحد، والجزيرة العربية والإمبراطوريتان الرومانية والفارسية في صف آخر متألبة عليه.
ولكن خيبة الأمل لم تكن في معجم النبي العربي وقاموسه، ففي وقعة بدر ضرب أعداءه الضربة القاضية، فتم له ما أراد من توحيد كلمة الجزيرة العربية موطن أمته.
وفي وقعتي اليرموك والقادسية، انفتحت أبواب العالم على مصراعيها أمام العرب، غرباً إلى الأندلس وفرنسا، وشرقاً إلى الهند والصين، حتى دان العالم القديم كله لذلك الفتى العربي القوي بإيمانه وعزمه، ولا يزال حتى اليوم يوجه ملايين من البشر وجوههم شطر قبلته المسجد الحرام، وما انفك العالم المثقف بأسره يرى فيه أعظم بطل، عرفه التاريخ بلا جدل).
بارتلمي سنت هيلر
وقال (بارتلمي سنت هيلر في حديثه عن أثر الإسلام في الشعوب التي اعتنقته:
(كان محمد نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) أكثر عرب زمانه ذكاء وأشدهم تديناً، وأعظمهم رأفة، وقد نال محمد سلطانه الكبير بفضل تفوقه عليهم). ثم قال بارتلمي:
(ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده، جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته).
نقول: إن رسول الإسلام، محمداً عليه أفضل الصلاة والسلام لم يبعث إلى قومه العرب فحسب، بل بعث إلى شعوب العالم عامة، والله سبحانه يقول (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) ولهذا فإن الله العليم الحكيم الذي أرسله قد أعده قبل أن يرسله لتحمل هذه الرسالة العالمية بالصفات العظيمة التي تتطلبها رسالته من كثرة الذكاء، وشدة التدين والتقوى، وعظمة الرأفة وغيره، وقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا الإعداد، وإلى ما كان عليه من الإستعداد، حيث قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي) ثم وصفه الله ربه وقال: (وإنك لعلى خلق عظيم). وقد أنصف (بارتلمي) فاعترف بما هو الحق الذي لا يجوز إنكاره بقوله الأخير: (ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتقاده، جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته) لأن بعثته بهذا الدين كانت (في الحقيقة) رحمة لجميع العالم، وقد قال الله عز وجل في وصف هذه البعثة: (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) والحمد لله على ذلك أولاً وآخراً.
طوراندريه وجورج مارسيه
وقال (طوراندريه) و(جورج مارسيه) في كتابهما (العالم الشرقي):
(كان محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شجاعاً يخوض المعركة بنفسه ليرد الثبات إلى قلوب الذين يضعفون، وكان رحيماً بالضعفاء يؤوي في بيته عدداً كبيراً من المحتاجين (يشير إلى أهل الصفة، كأبي هريرة وغيره) وكان مع احتفاظه بهيبة كاملة بسيط الحركات لا يتكلف شيئاً، وبشوشاً سهل المعاملة، رقيق الحاشية، لا يثير غضبة أهل الفضول وكان محمد رجلاً (بشيراً) كان فيه لا شك كثير من الخصال التي اتسم بها رجال عصره، لكنه حمل إلى هؤلاء الرجال مثلاً رفيعاً في الدين والأخلاق، وسما سمواً بالغاً عن الآراء القديمة التي كانوا يرزحون تحت ثقلها (يشيران إلى التقاليد الجاهلية).
ثم قالا: (وهو إذ جمعهم عصبة واحدة تحت راية ذلك المثل الرفيع (الدين والأخلاق وسائر التعاليم السماوية) قد صنع منهم قوة قدر لها فيما بعد، أن تهز أركان العالم القديم).
دائرة المعارف البريطانية
وكتبت (دائرة المعارف البريطانية، الطبعة الحادية عشرة:
(كان محمد أظهر الشخصيات الدينية العظيمة، وأكثرها نجاحاً وتوفيقاً، ظهر النبي محمد في وقت كان العرب فيه قد هووا إلى الحضيضِ، فما كان لهم تعاليم دينية محترمة، ولا مبادئ مدنية أو سياسية أو إجتماعية، ولم يكن لهم ما يفاخرون به من الفن أو العلوم، وما كانوا على اتصال بالعالم الخارجي، وكانوا مفككين لا رابط بينهم، كل قبيلة وحدة مستقلة، وكل منها في قتال مع الأخرى.
وقد حاولت اليهودية أن تهديهم فما استطاعت، وباءت محاولات المسيحية بالخيبة، كما خابت جميع المحاولات السابقة للإصلاح، ولكن ظهر النبي (محمد) الذي أرسل هدى العالمين، فاستطاع في سنوات معدودات أن يقتلع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، وأن يرفعها من الوثنية المنحطة إلى التوحيد.
وحول أبناء العرب الذين كانوا أنصاف برابرة، إلى طريق الهدى والفرقان، فأصبحوا دعاة هدى ورشاد، بعد أن كانوا دعاة وثنية وفساد، وانتشروا في الارض يعملون على رفع كلمة الله.. الخ.
نقول: إن اعتراف دائرة المعارف البريطانية، اعتراف بالحقيقة، اعتراف يستحق حسن التقدير، اعتراف يستوجبه الإنصاف ويقتضيه واجب الخدمة للعلم والتاريخ، وليس هذا الاعتراف اعترافاً فردياً أو شخصياً، وإنما هو اعتراف عن لسان دائرة المعارف التي تنسب إلى بريطانيا، وتؤلف وتطبع على نفقات حكومتها الملكية.
نعم: إن يستحق حسن التقدير.
أما نجاح نبي الإسلام، محمد (عليه الصلاة والسلام) (مع فشل محاولة اليهودية والمسيحية، والمحاولات السابقة) في إصلاح تلك الحياة الجاهلية، واقتلاع جميع العادات الفاسدة من جزيرة العرب، وتحويل أبناء العرب إلى دعاة الهدى والإرشاد (بل انتشار دعوته بسرعة غير مسبوقة إلى ربوع العالم) فإن كله بسبب أن الدين الذي جاء به دين فطري ترحب به الفطرة البشرية على اختلاف أجناسها وألوانها (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، لكن أكثر الناس لا يعلمون) (الآية 30 من سورة الروم)
الأديب جونس أوركس
وقال جونس أوركس الأديب الإنجليزي:
(لم نعلم أن محمداً نبي الإسلام (صلوات الله وسلامه عليه) تسربل باي رذيلة مدة حياته).
غوستاف لوبون
وقال غوستاف لوبون الفرنسي:
(إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) رغم ما يشاع عنه (يعني من قبل المخالفين له في أوربا) قد ظهر بمظهر الحلم الوافر والرحابة الفسيحة إزاء أهل الذمة جميعاً).
المسيو جان سبيرو
وقال المسيو جان سبيرو السويسري:
(إنه مهما زاد الإنسان اطلاعاً على سيرة محمد النبي (عليه الصلاة والسلام) لا بكتب أعدائه وشانئيه بل بتأليفات معاصريه، وبالكتاب والسنة، إلا وأدرك اسباب إعجاب الملايين من البشر في الماضين وحتى الآن بهذا الرجل، وفهم علة تفانيهم في محبته وتعظيمه).
السير فلكد
وقال السير فلكد الأمريكي:
(كان عقل محمد النبي (صلى الله عليه وسلم) من العقول الكبيرة التي قلما يجود بها الزمان، فقد كان يدرك الأمر ويدرك كنهه من مجرد النظرة البسيطة، وكان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في معاملاته الخاصة على جانب كبير من إيثار العدل فقد كان يعامل الصديق وغيره، والقريب والبعيد، والغني والفقير، والقوي والضعيف بالمساواة والإنصاف).
ثم قال السير فلكد (بعد ان تحدث عن غزوات محمد (صلى الله عليه وسلم) وانتصاراته) ما ترجمته:
(وكل هذه الإنتصارات والفتوحات لم توقظ في محمد النبي أي شعور بالعظمة والكبرياء، كما يفعل ذلك من كان يتأثر بالأغراض الشخصية، ففي هذا الوقت الذي وصل فيه إلى غاية القوة والسطوة، كان على حالته الأولى في معاملته ومظهره، حتى كان يغضب عندما يرى من أهل المجلس الذي يقدم عليه احتراماً أكثر من العادة، وكانت الثروة تنهال عليه من الغنائم وغيرها، ولكنه كان يصرفها على نشر دعوته ومساعدة الفقراء.
وفي الختام قال السير فلكد: وكان محمد يجد راحته وعزاءه في أوقات الشدة والمحنة، في الثقة بالله ورحمته معتمداً دائماً على الله ليتمتع بالحياة الأخرى).
الكاتب برنارد شو
وقال برنارد شو الكاتب الإنجليزي المعروف:
(إن أوربا الآن ابتدأت تحسّ بحكمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدأت تعشق دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمتها به من أراجيف رجال أوربا في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد هو النظام الذي يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة ويستند على فلسفته في حل المعضلات وفك المشكلات والعقد).
ثم قال: (وإن كثيرين من مواطني ومن الأوربيين الآخرين يقدسون تعاليم الإسلام، ولذلك يمكنني أن أوكد نبؤتي فأقول: إن بوادر العصر الإسلامي قريبة لا محالة!).
نقول: إن اعتراف برنارد شو تعبير عن الحقيقة الجارية في قارة أوربا اليوم، وأما نبوءته بشأن العصر الإسلامي الأوربي فإنها ستتحقق نظراً لما في الدين المحمدي من مبادئ وتعاليم تتمشى مع روح العصر وتقتضيها الطبيعة البشرية مما يؤدي بالمنصفين إلى اعتناقه بكل رغبة وافتخار.
وإن أوربا اليوم لفي أشد حاجة إلى الدين الإسلامي، في حل مشكلات الحياة التي أحاطت بها، وأعجزت عقول المفكرين عن حلها وإنقاذها منها.
وقال برناردشو:
(إني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم، لتم النجاح له في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام، والسعادة المنشودة).
بورست سميث
وقال بورست سميث:
(إني صميم الاعتقاد على أنه سيأتي يوم يتفق فيه القوم وزعماء النصرانية الحقة على أن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) نبي، وأن الله (عز وجل) قد بعثه حقاً).
نقول: إن اعتراف هذا الأوربي المنصف بشأن سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) يستحق التقدير، كما أن قوله: (النصرانية الحقة) قول له رمزه ومغزاه.
نعم: إن زعماء النصرانية الباطلة لا يخضعون لدى الحق ويقودون أقوامهم النصرانيين ضد الحق، وأما زعماء النصرانية الحقة فإنهم لا يستكبرون، كما وصفهم الله عز وجل في كتابه وقال (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، ومالنا لا نؤمن بالله، وما جاءنا من الحق، ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين؟) (الآية 83-84 من سورة البقرة).
القس لوزان
وقال القس لوزان بعد بيان عن أوصاف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
(فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا التباس ولا نكران من النبيين والصديقين، بل وإنه نبي عظيم جليل القدر والشأن، لقد أمكنه بإرادة الله سبحانه تكوين الملة الإسلامية وإخراجها من العدم إلى الوجود، بما صار أهلها ينيفون (يزيدون) عن الثلاثمائة مليون (يعني على ظنه في زمانه) من النفوس، وراموا بجدهم سلطنة الرومان، وقطعوا برماحهم دابر أهل الضلالة إلى أن صارت ترتعد من ذكرهم فرائض الشرق والغرب.
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد
من بريدي
-----------------------------
منقول وعذرا على الاطالة