<blockquote class="postcontent restore ">
هنا سؤال يتردد في الأذهان، لماذا ستر الله عنا عذاب القبر؟
والإجابة عن هذا السؤال تظهر في قول الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم
"لولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسْمعَكم من عذاب القبر"
فكتم الله
تعالى عنّا عذاب القبر حتى نستطيع أن نتدافن، ولو أسمعنا سبحانه عذاب
القبر، ما دفن أحدٌ منا أحداً، وما استعطنا أن نقترب من القبر، فالحمد لله
الذي ستر عنا عذاب القبر بلطفه وكرمه لعلمه سبحانه وتعالى بضعفنا، ولو كشف
لنا لصعقنا من هوله وشدته.
قال القرطبي في "التذكرة" صـ 163:
فكتمه الله
سبحانه وتعالى عنا حتى نتدافن بحكمته الإلهية ولطائفه الربانية؛ لغلبة
الخوف عند سماعه، فلا نقدر على القرب من القبر للدفن، أو يهلك الحي عند
سماعه. إذ لا يُطاق سماع شيء من عذاب الله في هذه الدار، لضعف هذه القوى،
ألا نرى أنه إذا سمع الناس صعقة الرعد القاصف أو الزلازل الهائلة هلك كثير
من الناس، وأين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملائكة بمطارق الحديد التي
يسمعها كل من يليه؟!.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
" إذا وُضِعت
الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني،
وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا
الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق"، وهذا وهو على رءوس الرجال، وهي صيحة من
غير ضرب ولا هوان، فكيف إذا حل به الخزي والنكال؟! واشتد عليه الضرب
والوبال؟!
فنسأل الله معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته بِمنِّه. أهـ بتصرف
وصدق القرطبي:
فإذا كانت هذه الصيحة على رءوس الرجال من غير ضرب ولا هوان، فكيف بهذه
الصيحة المدوية عندما يضرب المقبور بمطرقة من حديد لو ضرب بها الجبل لصار
تراباً؟!، وهذه الصيحة ـ كما مرَّ بنا ـ يسمعها جميع الخلائق إلا الثقلين.
كما جاء عند الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث طويل وفيه:
"ثم يقمعُه قمعة بالمطراق، فيصيح صيحة يسمعها خلق الله عز وجل كلهم غير الثقلين"
أيها الأحبة...استعيذوا بالله من عذاب القبر
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّمهم هذا الدعاء كما يُعلِّمهم السورة من القرآن، قولوا:
اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"
وكان يدعو بها في آخر التشهد وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا تشهَّد أحدكم فيَتعوَّذ من أربع: من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"
وأخرج الإمام مسلم عن أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
"سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وأنا أقول: اللهم متعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبى سفيان، وبأخي معاوية، فقال: سألت الله لآجال مضروبة(2)، وأيام معدودة(3)، وأرزاق مقسومة(4)، لن يُعجِّل شيئاً منها قبل أجله ولا يُؤخِّره، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من النار، وعذاب القبر كان خيراً وأفضل(5)"
(1)يعنى بحياته فهو دعاء له بطول العمر.
(2)أي محدودة مسماه لا يزاد فيها ولا ينقص منها.
(3)أي معلومة معينة.
(4)أي مقدرة قد قسمها الله عز وجل بين عباده فلا يموت أحد منهم حتى يستوفي رزقه.
(5)أي لو كنت في دعائك قد طلبت من الله عز وجل أن يجيرك من النار أو عذاب القبر لكان أنفع لك؛ لأنه دعاء شيء ممكن الحصول.
أخي واختي أما علمت أن هذه القبور مليئة ظلمة ووحشة، ولا ينور قبرك ولا يؤنس وحشتك إلا العمل الصالح، فهو جليسك إلى يوم القيامة.
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال:
"إن امرأة سوداء كـانت تَقمُّ المسجد ـ أو شاباً ـ ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها
ـ أو عنه ـ فقـالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتُمُوني؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها
ـ أو أمره ـ فقال: دلوني على قبره، فدلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل يُنوِّرُها لهم بصلاتي عليهم"
فاللهم نَوِّر قبورنا... لكن كيف وقد ذهب عنا النبي؟! فحيل بيننا وبين أن يُصلِّي علينا؟!
والجواب: ليس لنا إلا أن نعود إلى سنته ونقتفي أثره ونهتدي بهديه، وهذا هو سبيل لإنارة القبور.
رُوي عن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ:
أنه كان في جنازة في مقبرة، فرأى قوماً يهربون من الشمس إلى الظلِّ، فأنشد يقول بعد الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم:
من كان حين تصيب الشمسُ جبهته
أو الغـبار يخاف الشَّين والشَّعَثَا
ويـألف الظـلَّ كي تبقى بشـاشته
فسوف يسكن يوماً راغماً جَدَثَـا
فـي ظل مقفرة غـبـراء مظلمة
يطيـل تحت الثَّرى في غمِّه اللبثا
تجـهَّزي بجـهـاز تبلغـين بـه
يا نفسُ قبل الردى لم تخلقي عبثاً
أو الغـبار يخاف الشَّين والشَّعَثَا
ويـألف الظـلَّ كي تبقى بشـاشته
فسوف يسكن يوماً راغماً جَدَثَـا
فـي ظل مقفرة غـبـراء مظلمة
يطيـل تحت الثَّرى في غمِّه اللبثا
تجـهَّزي بجـهـاز تبلغـين بـه
يا نفسُ قبل الردى لم تخلقي عبثاً
أيها الأحبة...لمثل هذا اليوم نستعد؛ عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: "لمثل هذا اليوم فأعدُّوا"
فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
"بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة، فقال: علام أجتمع هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرُونه، قال: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي أصحابه مسرعاً حتى انتهي إلى القبر فجثَى عليه، يقول البراء رضي الله عنه:
فاستقبلته من بين يديه لأنظر ماذا يصنع، فبكى حتى بلَّ الثَّرى من دموعِه،
ثم أقبل علينا فقال: " أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا "
(الصحيحة:1751) و(صحيح الجامع:2659)
فالعاقل هو
الذي يستعد لهذه اللحظة، ويسعى أن يُعمِّر بيته الذي فيه مقامه، وكل من لا
يستعد لهذه اللحظة فقد فرط وضيع وليس من العقلاء.
قال عبد الله بن العيزار:
"لابن آدم
بيتان، بيت على ظهر الأرض، وبيت في بطن الأرض، فعمد إلى الذي على الأرض
فزخرفه وزيَّنه، وجعل فيه أبواباً للشمال وأبواباً للجنوب، وصنع فيه ما
يصلحه لشتائه وصيفه.
ثم عمد إلى
الذي في بطن الأرض فخرَّبه، فأتى عليه آتٍ، فقال: أرأيت هذا الذي أراك قد
أصلحته كم تقيم فيه؟ قال لا أدري (ولعله قليل)، قال: فالذي خرَّبته كم تقيم
فيه؟ قال: فيه مقامي، قال: تقر بهذا على نفسك وأنت رجل تعقل؟"
فلتستعد لهذا اليوم من الآن، فمَن دخل القبر أصبح مرهوناً بما قدم، فلا هو إلى دنياه عائد، ولا في حسناته زائد.
سألتُ الدارَ تخبرني
عن الأحبـاب ما فعلوا
فقالت لي أقام القومُ
أيـاماً وقـد رحلـوا
فقلتُ وأين أطـلبهم
وأي منـازلٍ نزلـوا
فقـالت في القبور
ثُووا رهاناً بالذي فعلوا
عن الأحبـاب ما فعلوا
فقالت لي أقام القومُ
أيـاماً وقـد رحلـوا
فقلتُ وأين أطـلبهم
وأي منـازلٍ نزلـوا
فقـالت في القبور
ثُووا رهاناً بالذي فعلوا
· غاية أمنية الأموات
إن غاية
أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة، يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعمل
صالح، وأهل الدنيا يُفرِّطون في حياتهم، فتذهب أعمارهم في الغفلة ضياعاً،
ومنهم من يقطعها بالمعاصي.
(لطائف المعارف: صـ 355)
فالبصير هو
الذي ينظر إلى قبر غيره فيعتبر، فقد كان أطول منه عمراً، وأعمر دياراً،
وأبعد آثاراً، والآن أصبحت أصواتهم هامدة، ورياحهم راكدة، وأجسادهم بالية،
وديارهم خالية، وآثارهم عافية
يتمنون أن لو رجعوا إلى الدنيا؛ ليصلحوا الزاد ليوم الميعاد، وقد عرفوا قيمة العمر بعد انقطاعه.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه قال:"مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر دُفِن حديثاً فقال: ركعتان خفيفتان مما تُحقِّرون وتَنْفلون، يزيدهما هذا في عمله أحبّ إليه من بقية دنياكم" (صحيح الجامع:3518)
ومرَّ الحسن البصري بجنازة، وكان معه رجل مُسرفٌ على نفسِه، فقال الحسن:
" ترى ما أمنية هذا الميت؟ فقال الرجل: أن يعود إلى الدنيا ليتوبَ ويصلحَ الزاد، فقال الحسن:
فكن هذا الرجل"
قال إبراهيم التيمي:
مثلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم
مثلتُ نفسي في النار آكل من زقُّومها، وأشرب من صديدها وحميمها، وأعالج
سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي أي شيء تريدين؟ فقلت لها: فأنت في
الأمنية فاعملي"
فالبدار... البدار قبل مجيء هادم اللذات، والحذار... الحذار من يوم الحسرات.
قبل أن يقول المذنب: رب ارجعون فيقال له: فات.
· محاسبة النفس
فهيا أخي..وهيا أختي . يا من فرطت وضيعت!
حاسب نفسك
وقل لها: إلى متى التفريط والتضييع والتقصير، حاسب نفسك واعلم أن محاسبة
النفس هي طريق السالكين إلى ربهم، وزاد المؤمنين في آخرتهم، ورأس مال
الفائزين في دنياهم ومعادهم
فما نجا من
نجا يوم القيامة إلا بمحاسبة النفس ومخالفة الهوى، فمَن حاسب نفسه قبل أن
يحاسب خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه.
ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.
ولقد حثنا ربنا سبحانه وتعالى على محاسبة النفس فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ
لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(الحشر: 18)
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية{ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }:
أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وانظروا ماذا ادَّخَرْتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى:
{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الإسراء:36)
فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحَاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر يومئذ تُعرضُون لا تخفى منكم خافية".
فبادر إلى الخيرات قبل فواتها
وخالف مراد النفسِ قبل مماتها
ستبكي نفوسٌ في القيامة حسرة
على فوتِ أوقاتٍ زمان حياتها
فلا تغتَرَّ بالعزِّ والمـالِ والمُنى
فكم قد بلينا بانقـلاب صفاتها
وخالف مراد النفسِ قبل مماتها
ستبكي نفوسٌ في القيامة حسرة
على فوتِ أوقاتٍ زمان حياتها
فلا تغتَرَّ بالعزِّ والمـالِ والمُنى
فكم قد بلينا بانقـلاب صفاتها
فهيا... هيا أخي... قف من نفسك وقفة صدق وقل لها:
يا نفس... كيف أنت مني غداً ؟! وقد رأيت ركاب أهل الجنة يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم.
كيف بك وقد حيل بينك وبينهم؟!
هل سينفع الندم؟! هل ستغنى الحسرات ؟! أم هل سينفع طلب الرجوع بعد الممات؟!
ويحك يا نفس...
تنشغلين بعمارة دنياك مع كثرة خطاياك، كأنك من المُخلَّدين، أما تنظرين
إلى أهل القبور كيف جمعوا كثيراً فصار جمعهم بوراً، وكيف أمَّلوا بعيداً
فصار أملُهم زوراً، وكيف بنوا مشيداً فصار بنيانهم قبوراً!!
ويحك يا نفس... أما لكِ بهم عبرة، أما لك إليهم نظرة؟!
أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة، وأنت من المخلدين؟!
هيهات... هيهات!! ساء ما تتوهمين، ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك.
ويحك يا نفس..تعرضين عن الآخرة وهي مقلبة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي فارّة معرضة عنك!!
فكم من مستقبل يوماً لا يستكمله، وكم من مؤمل لغد لا يبلغه؟!
ويحك يا نفس... ما أعظم جهلك، أما تعرفين أن بين يديك جنة أو نار، وأنت سائرة إلى أحدهما؟!
فما لك تمرحين وتفرحين، وباللهو تنشغلين، وأنت مطلوبة لهذا الأمر الجسيم؟!
عساك اليوم أو غداً بالموت تُخْتطفين.
ويحك يا نفس... أراك ترينَّ الموت بعيداً، والله يراه قريباً، فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب؟ أما تتدبرين؟!
يا نفس... انظري واعتبري بمن سكن القبور بعد القصور، واعلمي أن الفرصة واحدة لا تتكرر
فإذا جاءت السكرة فلا رجعة ولا عودة.
فأنت في دار المهلة، فجاهدي قبل النقلة، قبل أن تقولي:
{... رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} (المؤمنون:99-100)
يا نفس قد أزف الرحيلُ
وأظلَّك الخطبُ الجليلُ
فتأهبي يا نفسُ لا يلعبنَّ
بك الأمـلُ الـطويلُ
فلتنزلنَّ بمنزلٍ ينـسى
الخليـل فيه الخليـل
وليركب عـليـك فـيه
من الثَّرى ثقلٌ ثقيـلٌ
وأظلَّك الخطبُ الجليلُ
فتأهبي يا نفسُ لا يلعبنَّ
بك الأمـلُ الـطويلُ
فلتنزلنَّ بمنزلٍ ينـسى
الخليـل فيه الخليـل
وليركب عـليـك فـيه
من الثَّرى ثقلٌ ثقيـلٌ
يا نفس توبي قبل أن تقولي: { يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ } (الزمر:56)
يا نفس توبي قبل أن تقولي: {... رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}(المؤمنون:99-100)
يا نفس توبي قبل أن تقولي: { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } (الزمر:58)
يا نفس توبي قبل أن تقولي: { رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } (المنافقون:10)
يا نفس توبي قبل أن تقولي: { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } (الفجر:24)
يا نفسُ توبي فإن الموتَ قد حانا
واعصِ الهوى فالهوى مازال فتَّانا
فـي كل يـومٍ لنا ميت نُشيِّعه
ننسى بمصرعه آثـار موتَـانا
يا نفسُ مـالي وللأموال أكنزُها
خلفي وأخرج من دنـياي عُريانا
مـالنا نتعامى عن مصارعِنا؟
ننسى بغفلتِنا من ليس ينسـانا
واعصِ الهوى فالهوى مازال فتَّانا
فـي كل يـومٍ لنا ميت نُشيِّعه
ننسى بمصرعه آثـار موتَـانا
يا نفسُ مـالي وللأموال أكنزُها
خلفي وأخرج من دنـياي عُريانا
مـالنا نتعامى عن مصارعِنا؟
ننسى بغفلتِنا من ليس ينسـانا
يقول يحيى بن أبي كثير: كان أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته:
أين الوجوه الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، الذين كانوا لا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟
أين الذين بنوا المدائن وحصَّنوها بالحيطان؟ قد تضعضع بهم الدهر، وصاروا في ظلمة القبور، الوحا... الوحا([1])، النجا... النجا
فأين الـلائذ بالجنـاب
أيـن المتعـرض بالـباب
أين الباكي على ما جنى
أين المستغفر لأمر قد دنا
أيـن المتعـرض بالـباب
أين الباكي على ما جنى
أين المستغفر لأمر قد دنا
{قُلْ يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
(الزمر:53)
وهو القائل سبحانه: "يا
ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن
آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن
آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك
بقرابها مغفرة " (رواه الترمذي)
ـ قراب الأرض: أي ما يعادل ملء الأرض.
ـ العنان: ما عَنَّ منها، أي ظهر، والمقصود هو: السحاب.
فهيا... هيا... توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
فمن تاب وأناب ورجع إلى ربه واستقام، واستكثر من الحسنات، نجا من هذه الأهوال وتلكم الكربات، ورزقه جنة عرضها الأرض والسماوات.
يروى أن على ابن أبى طالب رضي الله عنه دخل على القبور ذات يوم فقال:
يا أهل
القبور... حدثونا أخباركم، نحدثكم أخبارنا، ثم قال: أمّا أخبارنا: فإن
نساءكم قد تزوجت، وإن أموالكم قد قُسِّمت، وإن أولادكم قد حشروا في زمرة
اليتامى والمساكين، وإن ما شيَّدتُموه وبنيتُمُوه قد سكنه غيركم.
فما هي
أخباركم؟ ثم أطرق ساعة فقال: كأني بكم لو تكلمتم لقلتم: قد تخرَّقت
الأكفان، وبليت الأجساد، وسالت الحِدق على الوَجَنَات، وامتلئت الأفواه
بالصديد، ورتع الدود والهوام في هذه الأجساد النضرة، وكأني بكم لو تكلمتم
لقلتم: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة:197)"
وأخيرا أيها الأحبة... لابد أن نعلم جميعاً
أن العبد له ربَّاً هو ملاقيه، وبيتاً هو ساكنه، فعليه أن يسترضي ربه قبل أن يلقاه، وعليه أن يُعمِّر بيته قبل أن ينتقل إليه.
واسـأل الله عز وجل أن يُعيذَنـا وإيَّـاكم من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم
وأن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يرزقنا الجنة والزيادة.آمين... آمين... آمين.
وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ مع " شرك القبور، والفتنة بالمقبور"
[1])) الوحا: البدار، البدار وهي كلمة تقال في الاستعجال .
</blockquote>