من الضروريات الخمس الذي جاء الإسلام بحفظها الأعراض، فهي من أعظم مقاصد الإسلام، ومنها إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات، والبعد عن الرذائل والقبائح والموبقات.
ومن أجل تحقيق العفاف والطهارة، وبث الحياء والنزاهة جاءت الشريعة بما يكفل تلك المقاصد العظيمة، ويحقق هذه الأغراض النبيلة، بوسائل شتى، وطرق عظمى منها أمر الله تعالى ورسوله بغض الأبصار وحفظ الفروج فقال سبحانه: ﴿قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ ورتب الله على ذلك دخول الجنة فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وفي البخاري عن سَهْلِ بن سَعْدٍ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "من يَضْمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ له الْجَنَّةَ" ومنها تحريم الزنا فقال تعالى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ وقال ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ وبالتأمل في هذه الآية نلحظ أن "ولا تقربوا الزنا" يعنى ذلك أن كل سبيل وطريق يوصل إلى الزنا يجب أن يسد ليبقى للمجتمع طهره ونقاؤه وعفافه، ومن ذلك تحريم الدخول على النساء والخلوة بهن وسفر المرأة بدون محرم وتحريم اختلاط الجنسين بشتى صوره وأشكاله قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ قال ابن كثير: أي: الْزَمْن بُيُوتكن فلا تخرجن لغَيْر حاجة.وفي الصحيحين عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ فقال رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ يا رَسُولَ اللَّهِ فرأيت الْحَمْوَ قال الْحَمْوُ الْمَوْتُ " والحمو: هو قريب الزَّوج شبَّهه النبي صلى الله عليه وسلم بالموت لخطورته وتساهُل الناس فيه. وإذا كان الرجالُ ممنوعين من الدُّخول على النساء، وممنوعين من الخلوة بهنَّ بطريق الأَولى كما ثبت بأحاديثَ أخرى، صار سؤالهن متاعًا لا يكون إلا من وراء حجاب ومن دخل عليهن فقد خرق الحجاب".
قال العلامة ابن باز رحمه الله: "ولا ريب أن تَمْكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصْلُ كلِّ بلية وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العُقُوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاطُ الرجال بالنساء سببٌ لكثْرة الفواحش والزِّنا وبناء على ما تقدَّم فإن ما يحصل من اختلاط بين الرجال والنساء، سواء كان في اجتماع أو ندوة أو حفل، أو تصوير بين الرجال والنساء أو غير ذلك من صور الاختلاط، ونشْره في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، أمْرٌ مُحَرَّم لا يجوز بل يجب إنكارُه فإنه بوابة شر، ومفتاح فتن، وتعرُّض لعُقُوبة الله تعالى وسخطه وإذا نزلت العقوبةُ عمَّت الجميعَ نسأل الله اللُّطْف والعافية في الدنيا والآخرة.
فالاختلاط قضيةٌ قديمة تتجدَّد في هذا العصر، حيث يقف المروّجون له بالمرصاد لخيرية أمة الإسلام، ويحسدونها على ما كرّمها الله وفضلها به على سائر الأمم.
إن دعاة الاختلاط لا يهمّهم صيانة الأعراض، ولا يفهمون معنىً للشَّرف والعرض، إنما هي في نظرهم كلماتٌ فقدت معانيَها القديمة، ووأدتها الحضارةُ والانطلاق من القيود المتحجِّرة زعموا. إنها أصواتٌ شاذة تدَّعي أن الاختلاط يساعد على إقامة علاقة نظيفة، وأنه ضرورةٌ نفسية واجتماعية واقتصادية، وبه يرشَّد الإنفاق، ونقول لهؤلاء جميعاً: اسألوا الحضارة الغربية المتهالكة: ماذا جنته من الاختلاط؟ ستجيبكم الإحصاءات المذهلة والأرقام المفجعة عن نسبة الحوامل من الزنا، وألوف الأطفال الذين وُلدوا بطرق غير شرعية، ناهيك عن حالات الإجهاض، ونسبة جرائم الخطف والاغتصاب، مع انحطاطٍ خلقي، وآثار مدمرة في الاقتصاد والاجتماع، تُنذر بانهيار المجتمعات، مع كثرة العوانس، ذلك أن وجود السبل الميسرة لقضاء الوطر صرفتهم عن تبعات الزواج وتكاليفه زعموا.
يدَّعي بعضُهم أن الاختلاط يكسر الشهوة، ويهذب الغريزة، ويقي من الكبت والعقد النفسية، وواقع الحال في البلاد الإباحية يكذّب ذلك وينقضه، فلم يزد الناس إلا سعاراً بهيمياً، وهتكاً للأعراض، وتوقّداً للشهوة، لا يرتوي ولا يهدأ، وينتهي إلى شذوذ لا يقيّدهُ قيدٌ ولا يقف عند حدّ.
ها هي الغرائز قد أطلقت، فلم تزد النفوس إلا تعقيداً، ولم تزد الأعصاب إلا توتراً، مع انتشار الأمراض الفتاكة، وأصبح القلق النفسي هو مرض العصر هناك. كيف نلقي إنساناً وسطَ أمواج متلاطمة، ثم نطلب منه أن يحافظ على ثوبه من البلل؟ كيف نلقي إنساناً وسطَ نيران متوقدة ثم نطلب منه أن يحافظ على جسمه من الاحتراق؟ إن عقلاءَ البلاد الإباحية التي جربت الاختلاطَ وذاقت ويلاتِه وقاست مساوئَه ينادون بقوة إلى منع اختلاط الرجال بالنساء في بلادهم، بعد أن أحسُّوا بالخطر الداهم، وأعلنوها صريحةً مدوِّية بعد طول عناء أن التعليم غير المختلط أفضل بكثير من التعليم المختلط، لم يؤدِّ الاختلاط إلى تصريف النظير إنما أدَّى إلى بهيمية كاملة، لم تؤدِّ التجربة إلى تماسك البيوت ولا استقرار ولا ثبات، وإنما أدَّى إلى تفكك دائم وطلاق متزايد وجوع مستمر.
والاختلاط من أكبر الأسباب الميسِّرة للفاحشة وارتكاب جريمة الزنا، فهو يحرّك في النفس نوازع الشر، ويشعل نارَ الشهوات الجامحة، ويولد الإغراء والإغواء.
والاختلاطُ يصرف شبابَ الأمة عن المعالي، ويؤدِّي إلى اضمحلال قواهم، ويوقعهم فريسة الشهوات البهيمية، ويحوّل المجتمع إلى لهو وعبث ومجون وخلاعة وهذا يولج المجتمع موالجَ الهلاك. لقد جاءت أحاديث صحيحة صريحة في تحريم الأسباب المفضية إلى الاختلاط وهتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ومنها تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، تحريم سفر المرأة بلا محرم، تحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر، تحريم دخول الرجال على النساء، تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية حتى المصافحة للسلام، تحريم تشبّه أحدهما بالآخر.
ومن قواعد الشرع المطهر أن الله إذا حرّم شيئاً حرم الأسباب والطرقَ والوسائل المفضية إليه، تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من القرب من حماه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾ يقول أحد العلماء: والنهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن مجرّد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، يقول ابن القيم رحمه الله: "واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا".
أيها المسلمون: إن من حرص الشارع عن التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم أن رغّب في ذلك حتى في أماكن العبادة، كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا، فعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا" مسلم، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شرَّ الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خيرَ الصفوف، قال النووي رحمه الله: "وإنما فُضِّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهنّ عن مخالطة الرجال، وذُمّ أولُ صفوفهن لعكس ذلك". وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد فرأى اختلاطَ الرجال بالنساء في الطريق قال للنساء: اسْتَأْخِرْنَ فأنه ليس لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حتى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ من لُصُوقِهَا بِهِ" أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري. وعلى هذا صارت نساء المسلمين لا عهد لهن بالاختلاط الرجال وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في مسجدها عن بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" ومن حِرص الشارع على عدم الاختلاط منعُ المرأة إذا خرجت للمسجد أن تتطيَّب له فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة" مسلم ولما رأت عائشة رضي الله عنها التغيّر الذي حدث في أحوال النساء بعد عصر النبوة قالت: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساءُ لمنعهنَّ المسجدَ كما مُنعت نساءُ بني إسرائيل. مسلم. وهذا في زمن عائشة رضي الله عنها وعهدُ النبوة قريب، فكيف بهذا الزمن الذي كثر فيه الفساد، وظهر فيه التبرج، وشاع فيه السفور، وقلّ فيه الورع؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم،
خطر الاختلاط
الاختلاط من أعظم الفتن التي أطلت برأسها على أهل هذا البلد أخرس الله ألسنة الداعين إليها والذين يسعون جادين عبر وسائل الإعلام إشاعة الحديث عنها والمطالبة بالاختلاط في مدارسنا وكم هو مؤلم لكل مسلم غيور أن تتبنى وزارة التربية والتعليم العزم على تطبيقه في المدارس الابتدائية وهذه خطوة جريئة في مخالفة شرع الله الذي يحرم الاختلاط وينهى عنه ومخالفة صريحة لسياسة هذه البلاد التي جعلت القرآن دستورا لها فقد صرح خادم الحرمين وفقه الله في أول كلمة له بعد توليه الحكم في البلاد بأن القرآن دستورها حيث قال: أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوري "وهي مخالفة صريحة لما أخذه خادم الحرمين على نفسه أمام العلماء بأن الاختلاط لن يتم في هذه البلاد ما دام خادما للحرمين" وهي سبب مباشر لزعزعة أمن هذا البلد في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى وحدة الصف والبعد عن الإثارة لمشاعر الناس خصوصاً فيما يتعلق بدينهم وقيمهم وأخلاقهم فهل يريد القائمون على الوزارة أن تثور في هذا البلد المظاهرات والفتن ألا يعتبرون بما حولنا من البلاد المجاورة التي أصبحت مرتعا خصبا للفتن وضياع الأمن. أم يريدون من أولياء الأمور منع أبنائهم وبناتهم من التعليم خوفا على أعراضهم وهذا أقل شيء يفعلونه حيال هذا المنكر العظيم فعندما يساوم شخص على عقيدة هذه البلاد، بدعوى حرية الرأي ويتيح الفرصة لأعداء الله ورسوله الذين يريدون إفساد هذه البلاد رجالا ونساء شبابا وشابات فإن ذلك مما يؤجج النفوس، ويثير كوامن القلوب في وقت نحتاج فيه إلى حفظ الأمن، ودرء المفاسد وإغلاق أبواب الشر وسد ذرائع الفتنة وتأسيس أصول العقيدة الصحيحة السليمة من شوائب الشرك والبدعة والانحراف.
هذه البلاد إنما ترتفع رايتها بشهادة التوحيد وتطمئن أركانها بعقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وتنال الريادة والقيادة بفضل الله تعالى ثم بفضل التزامها بالشريعة المطهّرة «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله» وهذه البلاد الإسلام قدرها وخيارها الوحيد مهما حاول المفسدون أهل النفاق والعلمنة واللبرالية. فهذه جزيرة الإسلام والإسلام يأرز إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها فعن بن عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بَدَأَ وهو يَأْرِزُ بين الْمَسْجِدَيْنِ كما تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا" مسلم برقم 146ج1ص131.
براءة للذمة وعذرا أمام الله وحرصا على أمن هذا البلد وحرصا على أعراض المسلمين أن تنتهك أقول:
أولا: يجب على العلماء وطلبة العلم والدُّعاة أن يُبَيِّنوا للناس أُمورَ دينهم، حتى لا يلتبس الحقُّ بالباطل والمعروف بالمنكر قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾ ويبينوا لهم خطر الاختلاط والعواقب الوخيمة المترتبة على إشاعته في المجتمع المحافظ.
ثانيا: يجب على من ولاَّه الله أمر المسلمين أن يمنع الاختلاط بشتَّى صوره وأشكاله حماية للأعراض وقطعًا لدابر الشر ونصرة للعفَّة والفضيلة.
ثالثا: يجب على كل من ولاه الله أمر امرأة من الآباء والأزواج، أن يتَّقوا الله فيما ولوا من أمر النساء وأن يعملوا الأسباب لحفظهنَّ من التبَرُّج والاختلاط وليعلموا أن فساد النساء سببُه تساهُل الرجال. ولينكروا هذا المنكر المشين بكل وسيلة شرعية متاحة حتى يسلموا من عقاب الله إن نزل.
رابعا: يجب على الذين يمجِّدون الاختلاط والسفور، ويستهزئون بالحجاب الشرعي ويطعنون في ثوابت الأمة أن يتقوا الله، ويحذروا من سخطه وعقابه، وألا يكونوا باب سوء على أهليهم وأمتهم، ومن استمر منهم في غيِّه وضلاله، فنطالب بإحالته إلى المحاكم الشرعية ليَلقَى جزاءه الرادع وفْق شرع الله المُطَهَّر.
خامسا: يجب على كل مسلم الحذر من وسائل الإعلام المفسدة التي دأبت على نشر الفساد والرذيلة في بلاد المسلمين. ويجب على كل مسلم الحذرُ من إشاعة الفاحشة ونشرها وليعلم أن محبتها لا تكون بالقول والفعل فقط بل تكون بذلك وبالتحدُّث بها وبالقلب وميله إليها وبالسكوت عنها فإن هذه المحبة تمكِّن من انتشارها وتمكن من الدفع في وجْه من ينكرها من المؤمنين، فليتَّق اللهَ كل امرئ مسلمٌ من محبة إشاعة الفاحشة قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
خطبة بتصرف يسير للشيخ منديل الفقيه
ومن أجل تحقيق العفاف والطهارة، وبث الحياء والنزاهة جاءت الشريعة بما يكفل تلك المقاصد العظيمة، ويحقق هذه الأغراض النبيلة، بوسائل شتى، وطرق عظمى منها أمر الله تعالى ورسوله بغض الأبصار وحفظ الفروج فقال سبحانه: ﴿قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ ورتب الله على ذلك دخول الجنة فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وفي البخاري عن سَهْلِ بن سَعْدٍ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "من يَضْمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ له الْجَنَّةَ" ومنها تحريم الزنا فقال تعالى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ وقال ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ وبالتأمل في هذه الآية نلحظ أن "ولا تقربوا الزنا" يعنى ذلك أن كل سبيل وطريق يوصل إلى الزنا يجب أن يسد ليبقى للمجتمع طهره ونقاؤه وعفافه، ومن ذلك تحريم الدخول على النساء والخلوة بهن وسفر المرأة بدون محرم وتحريم اختلاط الجنسين بشتى صوره وأشكاله قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ قال ابن كثير: أي: الْزَمْن بُيُوتكن فلا تخرجن لغَيْر حاجة.وفي الصحيحين عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ فقال رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ يا رَسُولَ اللَّهِ فرأيت الْحَمْوَ قال الْحَمْوُ الْمَوْتُ " والحمو: هو قريب الزَّوج شبَّهه النبي صلى الله عليه وسلم بالموت لخطورته وتساهُل الناس فيه. وإذا كان الرجالُ ممنوعين من الدُّخول على النساء، وممنوعين من الخلوة بهنَّ بطريق الأَولى كما ثبت بأحاديثَ أخرى، صار سؤالهن متاعًا لا يكون إلا من وراء حجاب ومن دخل عليهن فقد خرق الحجاب".
قال العلامة ابن باز رحمه الله: "ولا ريب أن تَمْكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصْلُ كلِّ بلية وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العُقُوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاطُ الرجال بالنساء سببٌ لكثْرة الفواحش والزِّنا وبناء على ما تقدَّم فإن ما يحصل من اختلاط بين الرجال والنساء، سواء كان في اجتماع أو ندوة أو حفل، أو تصوير بين الرجال والنساء أو غير ذلك من صور الاختلاط، ونشْره في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، أمْرٌ مُحَرَّم لا يجوز بل يجب إنكارُه فإنه بوابة شر، ومفتاح فتن، وتعرُّض لعُقُوبة الله تعالى وسخطه وإذا نزلت العقوبةُ عمَّت الجميعَ نسأل الله اللُّطْف والعافية في الدنيا والآخرة.
فالاختلاط قضيةٌ قديمة تتجدَّد في هذا العصر، حيث يقف المروّجون له بالمرصاد لخيرية أمة الإسلام، ويحسدونها على ما كرّمها الله وفضلها به على سائر الأمم.
إن دعاة الاختلاط لا يهمّهم صيانة الأعراض، ولا يفهمون معنىً للشَّرف والعرض، إنما هي في نظرهم كلماتٌ فقدت معانيَها القديمة، ووأدتها الحضارةُ والانطلاق من القيود المتحجِّرة زعموا. إنها أصواتٌ شاذة تدَّعي أن الاختلاط يساعد على إقامة علاقة نظيفة، وأنه ضرورةٌ نفسية واجتماعية واقتصادية، وبه يرشَّد الإنفاق، ونقول لهؤلاء جميعاً: اسألوا الحضارة الغربية المتهالكة: ماذا جنته من الاختلاط؟ ستجيبكم الإحصاءات المذهلة والأرقام المفجعة عن نسبة الحوامل من الزنا، وألوف الأطفال الذين وُلدوا بطرق غير شرعية، ناهيك عن حالات الإجهاض، ونسبة جرائم الخطف والاغتصاب، مع انحطاطٍ خلقي، وآثار مدمرة في الاقتصاد والاجتماع، تُنذر بانهيار المجتمعات، مع كثرة العوانس، ذلك أن وجود السبل الميسرة لقضاء الوطر صرفتهم عن تبعات الزواج وتكاليفه زعموا.
يدَّعي بعضُهم أن الاختلاط يكسر الشهوة، ويهذب الغريزة، ويقي من الكبت والعقد النفسية، وواقع الحال في البلاد الإباحية يكذّب ذلك وينقضه، فلم يزد الناس إلا سعاراً بهيمياً، وهتكاً للأعراض، وتوقّداً للشهوة، لا يرتوي ولا يهدأ، وينتهي إلى شذوذ لا يقيّدهُ قيدٌ ولا يقف عند حدّ.
ها هي الغرائز قد أطلقت، فلم تزد النفوس إلا تعقيداً، ولم تزد الأعصاب إلا توتراً، مع انتشار الأمراض الفتاكة، وأصبح القلق النفسي هو مرض العصر هناك. كيف نلقي إنساناً وسطَ أمواج متلاطمة، ثم نطلب منه أن يحافظ على ثوبه من البلل؟ كيف نلقي إنساناً وسطَ نيران متوقدة ثم نطلب منه أن يحافظ على جسمه من الاحتراق؟ إن عقلاءَ البلاد الإباحية التي جربت الاختلاطَ وذاقت ويلاتِه وقاست مساوئَه ينادون بقوة إلى منع اختلاط الرجال بالنساء في بلادهم، بعد أن أحسُّوا بالخطر الداهم، وأعلنوها صريحةً مدوِّية بعد طول عناء أن التعليم غير المختلط أفضل بكثير من التعليم المختلط، لم يؤدِّ الاختلاط إلى تصريف النظير إنما أدَّى إلى بهيمية كاملة، لم تؤدِّ التجربة إلى تماسك البيوت ولا استقرار ولا ثبات، وإنما أدَّى إلى تفكك دائم وطلاق متزايد وجوع مستمر.
والاختلاط من أكبر الأسباب الميسِّرة للفاحشة وارتكاب جريمة الزنا، فهو يحرّك في النفس نوازع الشر، ويشعل نارَ الشهوات الجامحة، ويولد الإغراء والإغواء.
والاختلاطُ يصرف شبابَ الأمة عن المعالي، ويؤدِّي إلى اضمحلال قواهم، ويوقعهم فريسة الشهوات البهيمية، ويحوّل المجتمع إلى لهو وعبث ومجون وخلاعة وهذا يولج المجتمع موالجَ الهلاك. لقد جاءت أحاديث صحيحة صريحة في تحريم الأسباب المفضية إلى الاختلاط وهتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ومنها تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، تحريم سفر المرأة بلا محرم، تحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر، تحريم دخول الرجال على النساء، تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية حتى المصافحة للسلام، تحريم تشبّه أحدهما بالآخر.
ومن قواعد الشرع المطهر أن الله إذا حرّم شيئاً حرم الأسباب والطرقَ والوسائل المفضية إليه، تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من القرب من حماه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾ يقول أحد العلماء: والنهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن مجرّد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، يقول ابن القيم رحمه الله: "واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا".
أيها المسلمون: إن من حرص الشارع عن التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم أن رغّب في ذلك حتى في أماكن العبادة، كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا، فعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا" مسلم، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شرَّ الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خيرَ الصفوف، قال النووي رحمه الله: "وإنما فُضِّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهنّ عن مخالطة الرجال، وذُمّ أولُ صفوفهن لعكس ذلك". وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد فرأى اختلاطَ الرجال بالنساء في الطريق قال للنساء: اسْتَأْخِرْنَ فأنه ليس لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حتى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ من لُصُوقِهَا بِهِ" أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري. وعلى هذا صارت نساء المسلمين لا عهد لهن بالاختلاط الرجال وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في مسجدها عن بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" ومن حِرص الشارع على عدم الاختلاط منعُ المرأة إذا خرجت للمسجد أن تتطيَّب له فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة" مسلم ولما رأت عائشة رضي الله عنها التغيّر الذي حدث في أحوال النساء بعد عصر النبوة قالت: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساءُ لمنعهنَّ المسجدَ كما مُنعت نساءُ بني إسرائيل. مسلم. وهذا في زمن عائشة رضي الله عنها وعهدُ النبوة قريب، فكيف بهذا الزمن الذي كثر فيه الفساد، وظهر فيه التبرج، وشاع فيه السفور، وقلّ فيه الورع؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم،
خطر الاختلاط
الاختلاط من أعظم الفتن التي أطلت برأسها على أهل هذا البلد أخرس الله ألسنة الداعين إليها والذين يسعون جادين عبر وسائل الإعلام إشاعة الحديث عنها والمطالبة بالاختلاط في مدارسنا وكم هو مؤلم لكل مسلم غيور أن تتبنى وزارة التربية والتعليم العزم على تطبيقه في المدارس الابتدائية وهذه خطوة جريئة في مخالفة شرع الله الذي يحرم الاختلاط وينهى عنه ومخالفة صريحة لسياسة هذه البلاد التي جعلت القرآن دستورا لها فقد صرح خادم الحرمين وفقه الله في أول كلمة له بعد توليه الحكم في البلاد بأن القرآن دستورها حيث قال: أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوري "وهي مخالفة صريحة لما أخذه خادم الحرمين على نفسه أمام العلماء بأن الاختلاط لن يتم في هذه البلاد ما دام خادما للحرمين" وهي سبب مباشر لزعزعة أمن هذا البلد في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى وحدة الصف والبعد عن الإثارة لمشاعر الناس خصوصاً فيما يتعلق بدينهم وقيمهم وأخلاقهم فهل يريد القائمون على الوزارة أن تثور في هذا البلد المظاهرات والفتن ألا يعتبرون بما حولنا من البلاد المجاورة التي أصبحت مرتعا خصبا للفتن وضياع الأمن. أم يريدون من أولياء الأمور منع أبنائهم وبناتهم من التعليم خوفا على أعراضهم وهذا أقل شيء يفعلونه حيال هذا المنكر العظيم فعندما يساوم شخص على عقيدة هذه البلاد، بدعوى حرية الرأي ويتيح الفرصة لأعداء الله ورسوله الذين يريدون إفساد هذه البلاد رجالا ونساء شبابا وشابات فإن ذلك مما يؤجج النفوس، ويثير كوامن القلوب في وقت نحتاج فيه إلى حفظ الأمن، ودرء المفاسد وإغلاق أبواب الشر وسد ذرائع الفتنة وتأسيس أصول العقيدة الصحيحة السليمة من شوائب الشرك والبدعة والانحراف.
هذه البلاد إنما ترتفع رايتها بشهادة التوحيد وتطمئن أركانها بعقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وتنال الريادة والقيادة بفضل الله تعالى ثم بفضل التزامها بالشريعة المطهّرة «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله» وهذه البلاد الإسلام قدرها وخيارها الوحيد مهما حاول المفسدون أهل النفاق والعلمنة واللبرالية. فهذه جزيرة الإسلام والإسلام يأرز إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها فعن بن عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بَدَأَ وهو يَأْرِزُ بين الْمَسْجِدَيْنِ كما تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا" مسلم برقم 146ج1ص131.
براءة للذمة وعذرا أمام الله وحرصا على أمن هذا البلد وحرصا على أعراض المسلمين أن تنتهك أقول:
أولا: يجب على العلماء وطلبة العلم والدُّعاة أن يُبَيِّنوا للناس أُمورَ دينهم، حتى لا يلتبس الحقُّ بالباطل والمعروف بالمنكر قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾ ويبينوا لهم خطر الاختلاط والعواقب الوخيمة المترتبة على إشاعته في المجتمع المحافظ.
ثانيا: يجب على من ولاَّه الله أمر المسلمين أن يمنع الاختلاط بشتَّى صوره وأشكاله حماية للأعراض وقطعًا لدابر الشر ونصرة للعفَّة والفضيلة.
ثالثا: يجب على كل من ولاه الله أمر امرأة من الآباء والأزواج، أن يتَّقوا الله فيما ولوا من أمر النساء وأن يعملوا الأسباب لحفظهنَّ من التبَرُّج والاختلاط وليعلموا أن فساد النساء سببُه تساهُل الرجال. ولينكروا هذا المنكر المشين بكل وسيلة شرعية متاحة حتى يسلموا من عقاب الله إن نزل.
رابعا: يجب على الذين يمجِّدون الاختلاط والسفور، ويستهزئون بالحجاب الشرعي ويطعنون في ثوابت الأمة أن يتقوا الله، ويحذروا من سخطه وعقابه، وألا يكونوا باب سوء على أهليهم وأمتهم، ومن استمر منهم في غيِّه وضلاله، فنطالب بإحالته إلى المحاكم الشرعية ليَلقَى جزاءه الرادع وفْق شرع الله المُطَهَّر.
خامسا: يجب على كل مسلم الحذر من وسائل الإعلام المفسدة التي دأبت على نشر الفساد والرذيلة في بلاد المسلمين. ويجب على كل مسلم الحذرُ من إشاعة الفاحشة ونشرها وليعلم أن محبتها لا تكون بالقول والفعل فقط بل تكون بذلك وبالتحدُّث بها وبالقلب وميله إليها وبالسكوت عنها فإن هذه المحبة تمكِّن من انتشارها وتمكن من الدفع في وجْه من ينكرها من المؤمنين، فليتَّق اللهَ كل امرئ مسلمٌ من محبة إشاعة الفاحشة قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
خطبة بتصرف يسير للشيخ منديل الفقيه