الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا أما بعد : فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ الحلقة التاسعة: حُسن الاسلام [size=21] [center][size=12][size=21]من أجمل وأعظم أنواع الحُسن حُسن الإسلام، [b][size=21]فليس كل إسلام حسناً فرُبّ إسلام يكون قبيحاً. والإسلام ثلاث مراحل: الإسلام المطلق مجرد كونك مسلماً، ثانياً الإسلام الحسن وثالثاً الإسلام الحنيف. الإسلام المطلق المجرد هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " إذا قالوها عصموا مني دماءهم" ورب اسلام كهذا يكون قبيحاً عند صاحبه فهو يرتكب كل ما يغضب الله ومع هذا هو مسلم حتى لو كان يصلي ويصوم لكن عباداته فيها شيء من القبح. أما الاسلام الحسن فهو [size=25]"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" إذا طبقت هذه القاعدة في أداءاتك التي تؤديها باعتبارك مسلماً تؤديها على هذا النوع وعلى هذا الوضع وكأنك ترى الله عز وجل وإن كنت لا تتصور كيف تراه فأنت موقن أنه يراك، هذا التوجه وهذا الشعور يوصلك إلى الإخلاص وإلى التوحيد المطلق وإلى حب الله ورسوله وإلى كل المنظومة التي تجعل إسلامك في غاية الحسن والجمال. ثم تأتي المرحلة الثالثة حنيفية الإسلام وهي أن تعتقد أن كل حكم من أحكام الإسلام فيه مجموعة خيارات ليس حكماً واحدة من صيام وصلاة وحج وبيع وشراء وزكاة وعقوبات، كل أحكام الإسلام تخضع لمحموعة خيارات لك الحق أن تفعل كذا وأن تفعل كذا وكل هذا من حنيفية الإسلام فالحنيفية هي الإنحراف إلى الداخل والأحنف هو الذي يمشي على ظهر قدميه بخلاف الأفلج الذي يمشي على الجانب الآخر يعني الإنحراف يكون للخارج. من أجل هذا إذا كنت تعتقد أن الإسلام ليس رأياً واحداً بذلك أنت تقبل وترضى بجميع المخالفين لك في الرأي بل تعتبرهم من ثروتك. هذا الذي يطبق هذا الحكم أو ذاك أو ذاك وكلها جائزة لأنها كلها من ثروة الإسلام وعليها أدلتها وكلها من الحق وإنما جعل الله فيها خيارات والخيارات هي سمت هذا الدين الذي جعله واسعاً فكل المذاهب المشروعة والمعترف بها والذي تقوم على دليل فهي من أهلك ومن دينك ومن مذهبك أما القول أنه لا يجب إلا أن تتبع مذهباً واحداً فهذا قول خرافة وساقط وضحك على الناس قروناً عديدة حتى تحارب المذاهب فيما بينهم وهم كلهم على صواب ووقعوا في هذه الورطة التي ما تزال آثارها إلى الآن. كل حكم له دليل فيه مجموعة خيارات: مسّتك امرأة تستطيع أن تتوضأ أو لا تتوضأ إلا إذا مستك بشهوة، هل تقرأ الفاتحة في الصلاة خلف الإمام إما أن تقرأ وإما لا تقرأ وإما أن تقرأها في ساعة سكوته، هكذا كل حكم من أحكام الفقه الإسلام فيه آراء مختلفة هي مجموعة خيارات فاختر لك ما يتناسب مع وضعك وحاجتك ويحل مشكلتك. وهذا الدين له حد أدنى (تلك حدود الله فلا تقربوها) وحد أعلى (نلك حدود الله فلا تعتدوها) وأنت فيما بينهما حر. فوقت صلاة الظهر من 12.15 إلى 3.15 أنت فيما بينهما حر إن صليت قبل 12.15 فأنت مخالف اقتربت من حدود الله وإذا صليت بعد 3.15 فأنت تعديت حدود الله. هذه هي الحنيفية خطان مستقيمان أنت بينهما حر ملتوي. حُسن الإسلام أن لك في هذا الدين خيارات عديدة أما أن تقتل الآخر المخالف فكلاكما في النار إذا كنتما تقتتلان فإن استسلم لك فهو في الجنة وأنت في النار وما أكثر المسلمين الذين في النار على امتداد التاريخ الإسلامي كله عندما تمسك كل واحد برأيه وأنكر الآراء الأخرى وجميع الآراء الأخرى هي ثروة الإسلام وفقه الإسلام و شريعة الإسلام لأن هذه الشريعة حنيفية الحكم الواحد يخضع لعدة خيارات وهذا من ميزان هذا الدين وهذه الشريعة. هكذا هو حسن الاسلام، حسن الإسلام في الأداء أن تؤدي العبادات كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك كما قال r لما سئل عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا الإحسان. وثانياً الحنيفية أن كل حكم من أحكام الإسلام يخضع لعدة خيارات هذا هو الاسلام الجميل الذي عليه معظم أهل السنة والجماعة. لهذا بعضهم يحترم بعضاً وهذه ليست مذاهب وإنما الأغبياء جعلوهم مذاهب هم مفكرون وعلماء وفقهاء كبار سئلوا فأفتوا برأي مخالف، هذا الرأي المخالف يضاف إلى جانب الرأي الآخر والرأي الآخر وكل هذه الآراء هي حكم الله عز وجل في هذه القضية فجاء الأغبياء وكل واحد اختار واحداً منها وكفّر الباقين وقتلهم وهذا ليس إسلاماً فالذي يشهر سيفه في وجه رجل يقول لا إله إلا الله هذا ليس مسلماً وإنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ولكنه يقول لا إله إلا الله فنحن مأمورون أن نعامله على أنه مسلم كما فعل سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لما صلى على الخوارج وهم قطعاً غير مسلمين كما قال r (يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) هؤلاء الناس فتنة كل عصر ليميز الله الخبيث من الطيب. حُسن الإسلام هو أولاً بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ثم بحنيفيته وإذا طبقت حسن الإسلام من حيث أنك تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهذا يجعلك منحصراً بطاعة الله إخلاصاً وتوحيداً ولا تستعين بغيره وآفة الإسلام ومطعنه هو أنك تستعين بغير الله وهذا ما وقعت فيه البشرية بشكل مرعب، فالنصارى يقولون المسيح ابن الله ويستعينون به واليهود يستعينون بالعزير والدهريون يستعينون بالكواكب والنجوم والسحر والصابئون يستعينون بيحيى وزكريا من حيث أن لهما تأثير في الكون وبعض المسلمين كالشيعة يستعينون بالحسين وقد فوضوا إليه الأمر كله وبعض الصوفية يستعينون بالبدوي والرفاعي وكأن لهم تأثيراً في هذا الكون وهذا كله مناف لحسن الإسلام وحسن الإسلام أن تعبد الله كأنك تراه فحينئذ لا شريك له ولا إستعانة بغيره بل تفوض الأمر كله إليه بهذا يكون الإسلام حسناً. الإسلام المجرّد أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وحسن الإسلام أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وحنيفية الإسلام مجموعة الخيارات التي وضعها الإسلام لكل حكم من أحكامه. حسن الاسلام أن تعبد الله كأنك تراه هذا الذي يجعلك تمحص العبودية لله عز وجل ولهذا تتبرأ من كل من يستعين بغير الله والقاسم المشترك بين الذين يستعينون بغير الله من جميع الطوائف أنهم كلهم قبوريون كأن الله تعالى يريد أن يرنا سذاجتهم في الدنيا قبل الآخرة والقبر لو فتحته لن تجد فيه شيئاً أكله الدود وأكلته الخنافس والأرواح في البرزخ هذا القبر ليس فيه شيء (رب لحد قد صار لحداً مراراً ضاحكاً من تزاحم الأضاد) الحفرة الواحدة يكون فيها الكافر والمؤمن والمجرم والطيب ومع هذا يُعبد هذا القبر دلالة على ضلال ينكره العقل كما قال تعالى (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم علسك حسيبا) لهذا الفرقة الوحيدة الذين يحبهم الله ورسوله والفرقة الوحيدة الذين هم على الإسلام الجميل الحسن هم الذي يمحصون التوحيد ولا يستعينون بغير الله عز وجل ويتبرأون من طريقة الاستعانة بغير الله فكمال العبودية والخضوع والانقياد لله عز وجل والتسليم لأمره. نتكلم عن حنيفية سيدنا ابراهيم u. هذا الدين حنيفي (واتبع ملة ابراهيم حنيفاً) وسيدنا ابراهيم هو القاسم المشترك بين الديانات الثلاثة التي كان من المفروض عليها أن تتضافر لأن كلاً منها ينتسب إلى سيدنا إبراهيم والغريب أنه ما من ديانة كرمت ألنبياء كهذا الدين. هذا الدين يقر بكل الأنبياء كيف يتكلم عن سيدنا موسى وكيف يتكلم عن سيدنا عيسى والقرآن هو الوحيد الذي برّأ مريم عليها السلام بينما قال عنها اليهود أنها زانية. كما قال سيدنا عيسى u (مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ما من دين أنصف الآخر كالاسلام حتى فرعون قال له (فقولا له قولاً ليناً) هذا الجين الذي تعايش مع جميع الديانات (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) هذا الدين الذين سمى أبناؤه بأسماء أنبياء بين إسرائيل داوود وسليمان وأيوب وموسى وعيسى واسحق ويعقوب. هذا الدين هو الأصل (وأنزلنا إليك الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) سيبقى القرآن صاحب السبق وله الكلمة العليا في هذا الكون إلى يوم القيامة ولن يأتي يوم واحد يتناقض هذا القرآن في قضية من قضايا الكون (قرآناً عربياً غير ذي عوج) لن ينحني يوماً ولن يتناقض مع بعضه يوماً ولن يخالف حقيقة علمية ثابتة هذا القرآن الذي يعجز الكون كله عن تحويره أو تزويره ولهذا سيبقى سائداً وما هذه الهجمة على الإسلام والمسلمين إلا مقدمة لنهضته من جديد بعد أن يتخلص هو من أشياع أساءوا إليه وانتقصوا من قدره وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وهم بدأوا يتساقطون في العالم الإسلامي كله حيث بدأ الإسلام الحقيقي يظهر على حقيقته عند الناس ولن يمر وقت طويل إلا والعالم كله ينحني لهذا الدين وقد بدأت بوادر هذا مئات الآلآف في العالم يعتنقون هذا الدين كل يوم لأنه الوحيد الذي يتناسب مع فطرة الإسلام. هكذا هو هذا الدين (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) دين جميل حنيفي حسن. حُسن هذا الدين أن تعبد الله كأنك تراه وهذه عبارة عظيمة لو تأملها المسلم وعود نفسه أن يعبد الله كأنه يراه لوصل إلى مقامات عالية، لو تعود كلما وقف في الصلاة وكلما صام أو أوشك أن يذنب تخيل نفسه أنه يرى الله وإذا لم يستطع بخياله وتأمله أن يفعل ذلك فليقنتع بأن الله تعالى يراه فإذا تعامل مع كل حركاته وسكناته لأن الله يراه فهذا الشعور سوف يولد فيه إبداعات عظيمة جداً وسوف يوصله إلى مقامات رفيعة كما أوصل النبيين والصديقين وأهل الله وأصحاب البصيرة الذين ملكوا زمام أنفسهم وأصبحوا عباد الله عز وجل الذين تغنى بهم في كتابه العزيز. فإذا وصلت لذلك بعدها تصل إلى الحنيفية وعندها يقف ويرضى ويتآلف مع كل المذاهب التي لها دليل صحيح ومع كل الأفكار ومع كل الأشياع وكل الزمر ولا يجد في نفسه حقداً على أحد كهذا الخبل الذي انتشر اليوم الذي يدل على فساد الأخلاق وفساد الضمائر وفساد الدين وقبح هذا المعتقد القبيح الذي لا يمت إلى الإسلام بصفة وإنما هو فكر مغولي أخذ صبغة الإسلام لكي ينال مراده من هذا الدين ولكنهم خسئوا جميعاً فهؤلاء يتساقطون ويلعنهم الناس ويلعنهم الله قبل الناس والدين باق إلى يوم القيامة. الصيغة المثالية في هذا الدين أن تطبقه ديناً حسناً حنيفياً حينئذ أنت يوم القيامة من المسلمين الحقيقيين الذين وعدهم الله عز وجل بما وعد به عباده الصالحين. (واتخذ الله ابراهيم خليلا) الخليل هو الذي يتخلل كل أسرارك وكل حياتك والله تعالى اتخذ سيدنا إبراهيم خليلاً كما جاء في الأثر قيل لابراهيم: لِم اتخذك الله خليلاً؟ قال لأني لا أشغل نفسي بشيء ليس من شأني. هذا هو التوكل وتمحيص العبودية نسأله تعالى أن يجعلنا من أحبابه ومن الذين يحبهم فمن أحبه الله تعالى نظر إليه ومن نظر إليه لا يعذبه أبداً. [/size][/size][/size] لفضيلة الشيخ الدكتور أحمد عبيد الكبيسي[/center] [/size] |