الحمد لله الوهاب للمؤمنين سبيل الصواب والصلاة والسلام على سيدنا محمد الزاجرعن الاذناب الحاث الى طلب الثواب
وبعد :
وبعد :
[center][size=21][size=25][size=29]
التفسير الميسر
تم بحمد الله ومنته في شهر صفر من عام 1425 نقل هذا التفسير المهم من موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف نقله أحد محبي القرآن الكريم
فلا تنسوه من دعائكم ولا تنسوا من كان سببا في ذلك
جعلني الله وإياكم من أهل القرآن حقا
من وجد خطأ فليرسله على العنوان التالي bnm678@gawab,com
ونحن له من الشاكرين
ومن كان لديه اقتراح فليتفضل به على العنوان السابق
[/size][/size][/size]
[b]6- سورة الأنعام |
[size=25]وَلَوْ
أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى
وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا
إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)
ولو
أننا أجبنا طلب هؤلاء, فنزَّلنا إليهم الملائكة من السماء, وأحيينا لهم
الموتى, فكلموهم, وجمعنا لهم كل شيء طلبوه فعاينوه مواجهة, لم يصدِّقوا بما
دعوتهم إليه -أيها الرسول- ولم يعملوا به, إلا من شاء الله له الهداية,
ولكن أكثر هؤلاء الكفار يجهلون الحق الذي جئت به من عند الله تعالى.
وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ
رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)
وكما
ابتليناك -أيها الرسول- بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع الأنبياء -عليهم
السلام- بأعداء مِن مردة قومهم وأعداء من مردة الجن, يُلقي بعضهم إلى بعض
القول الذي زيَّنوه بالباطل; ليغتر به سامعه, فيضل عن سبيل الله. ولو أراد
ربك -جلَّ وعلا- لحال بينهم وبين تلك العداوة, ولكنه الابتلاء من الله,
فدعهم وما يختلقون مِن كذب وزور.
وَلِتَصْغَى
إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ
وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
ولِتميل
إليه قلوب الكفار الذين لا يصدقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها,
ولتحبَّه أنفسهم, وليكتسبوا من الأعمال السيئة ما هم مكتسبون. وفي هذا
تهديد عظيم لهم.
أَفَغَيْرَ
اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ
مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ
مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ
(114)
قل
-أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أغير الله إلهي وإلهكم أطلب حَكَمًا بيني
وبينكم, وهو سبحانه الذي أنزل إليكم القرآن مبينًا فيه الحكم فيما تختصمون
فيه من أمري وأمركم؟ وبنو إسرائيل الذين آتاهم الله التوراة والإنجيل
يعلمون علمًا يقينًا أن هذا القرآن منزل عليك -أيها الرسول- من ربك بالحق,
فلا تكونن من الشاكِّين في شيء مما أوحينا إليك.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)
وتمت
كلمة ربك -وهي القرآن- صدقًا في الأخبار والأقوال, وعدلا في الأحكام, فلا
يستطيع أحد أن يبدِّل كلماته الكاملة. والله تعالى هو السميع لما يقول
عباده, الحليم بظواهر أمورهم وبواطنها.
وَإِنْ
تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)
ولو
فُرض -أيها الرسول- أنك أطعت أكثر أهل الأرض لأضلُّوك عن دين الله, ما
يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم أسلافهم, وما هم إلا يظنون ويكذبون.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
إن ربك هو أعلم بالضالين عن سبيل الرشاد, وهو أعلم منكم ومنهم بمن كان على استقامة وسداد, لا يخفى عليه منهم أحد.
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)
فكلوا من الذبائح التي ذُكِرَ اسم الله عليها, إن كنتم ببراهين الله تعالى الواضحة مصدقين.
وَمَا
لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ
فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ
وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)
وأيُّ
شيء يمنعكم أيها المسلمون من أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه, وقد بيَّن
الله سبحانه لكم جميع ما حرَّم عليكم؟ لكن ما دعت إليه الضرورة بسبب
المجاعة, مما هو محرم عليكم كالميتة, فإنه مباح لكم. وإنَّ كثيرًا من
الضالين ليضلون عن سبيل الله أشياعهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال
بأهوائهم؛ جهلا منهم. إن ربك -أيها الرسول- هو أعلم بمن تجاوز حده في ذلك,
وهو الذي يتولى حسابه وجزاءه.
وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
واتركوا
-أيها الناس- جميع المعاصي, ما كان منها علانية وما كان سرًّا. إن الذين
يفعلون المعاصي سيعاقبهم ربهم; بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات.
وَلا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ
لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)
ولا
تأكلوا -أيها المسلمون- من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها عند
الذبح, كالميتة وما ذبح للأوثان والجن, وغير ذلك, وإن الأكل من تلك الذبائح
لخروج عن طاعة الله تعالى. وإن مردة الجن لَيُلْقون إلى أوليائهم من
شياطين الإنس بالشبهات حول تحريم أكل الميتة, فيأمرونهم أن يقولوا للمسلمين
في جدالهم معهم: إنكم بعدم أكلكم الميتة لا تأكلون ما قتله الله, بينما
تأكلون مما تذبحونه, وإن أطعتموهم -أيها المسلمون في تحليل الميتة- فأنتم
وهم في الشرك سواء.
أَوَمَنْ
كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)
أوَمن
كان ميتًا في الضلالة هالكا حائرا, فأحيينا قلبه بالإيمان, وهديناه له,
ووفقناه لاتباع رسله, فأصبح يعيش في أنوار الهداية, كمن مثله في الجهالات
والأهواء والضلالات المتفرقة, لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص له مما هو فيه؟
لا يستويان, وكما خذلتُ هذا الكافر الذي يجادلكم -أيها المؤمنون- فزيَّنْتُ
له سوء عمله, فرآه حسنًا, زيَّنْتُ للجاحدين أعمالهم السيئة; ليستوجبوا
بذلك العذاب.
وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا
وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)
ومثل
هذا الذي حصل مِن زعماء الكفار في "مكة" من الصدِّ عن دين الله تعالى,
جعلنا في كل قرية مجرمين يتزعمهم أكابرهم; ليمكروا فيها بالصد عن دين الله,
وما يكيدون إلا أنفسهم, وما يُحِسُّون بذلك.
وَإِذَا
جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا
أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ
بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)
وإذا
جاءت هؤلاء المشركين من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه
وسلم, قال بعض كبرائهم: لن نصدِّق بنبوته حتى يعطينا الله من النبوة
والمعجزات مثل ما أعطى رسله السابقين. فردَّ الله تعالى عليهم بقوله: الله
أعلم حيث يجعل رسالته أي: بالذين هم أهل لحمل رسالته وتبليغها إلى الناس.
سينال هؤلاء الطغاة الذل, ولهم عذاب موجع في نار جهنم; بسبب كيدهم للإسلام
وأهله.
فَمَنْ
يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا
يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125)
فمن
يشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق يشرح صدره للتوحيد والإيمان, ومن يشأ أن
يضله يجعل صدره في حال شديدة من الانقباض عن قَبول الهدى, كحال مَن يصعد في
طبقات الجو العليا, فيصاب بضيق شديد في التنفس. وكما يجعل الله صدور
الكافرين شديدة الضيق والانقباض, كذلك يجحل العذاب على الذين لا يؤمنون به.
وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)
وهذا الذي بيَّنَّاه لك -أيها الرسول- هو الطريق الموصل إلى رضا ربك وجنته. قد بينَّا البراهين لمن يتذكر من أهل العقول الراجحة.
لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)
للمتذكرين
عند ربهم جل وعلا يوم القيامة دار السلامة والأمان من كل مكروه وهي الجنة,
وهو سبحانه ناصرهم وحافظهم جزاءً لهم; بسبب أعمالهم الصالحة.
وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ
الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ
بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ
النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)
واذكر
-أيها الرسول- يوم يحشر الله تعالى الكفار وأولياءهم من شياطين الجن
فيقول: يا معشر الجن قد أضللتم كثيرًا من الإنس, وقال أولياؤهم من كفار
الإنس: ربنا قد انتفع بعضنا من بعض, وبلغنا الأجل الذي أجَّلْتَه لنا
بانقضاء حياتنا الدنيا, قال الله تعالى لهم: النار مثواكم, أي: مكان
إقامتكم خالدين فيها, إلا مَن شاء الله عدم خلوده فيها من عصاة الموحدين.
إن ربك حكيم في تدبيره وصنعه, عليم بجميع أمور عباده.
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)
وكما
سلَّطْنا شياطين الجن على كفار الإنس, فكانوا أولياء لهم, نسلِّط الظالمين
من الإنس بعضهم على بعض في الدنيا; بسبب ما يعملونه من المعاصي.
يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا
قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)
أيها
المشركون من الجن والإنس, ألم يأتكم رسل من جملتكم -وظاهر النصوص يدلُّ
على أنَّ الرسل من الإنس فقط-, يخبرونكم بآياتي الواضحة المشتملة على الأمر
والنهي وبيان الخير والشر, ويحذرونكم لقاء عذابي في يوم القيامة؟ قال
هؤلاء المشركون من الإنس والجن: شَهِدْنا على أنفسنا بأن رسلك قد بلغونا
آياتك, وأنذرونا لقاء يومنا هذا, فكذبناهم, وخدعت هؤلاء المشركين زينةُ
الحياة الدنيا, وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا جاحدين وحدانية الله تعالى
ومكذبين لرسله عليهم السلام.
ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)
إنما
أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب, لئلا يؤاخَذَ أحد بظلمه,
وهو لم تبلغه دعوة, ولكن أعذرنا إلى الأمم, وما عذَّبنا أحدًا إلا بعد
إرسال الرسل إليهم.
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)
ولكل
عامل في طاعة الله تعالى أو معصيته مراتب من عمله, يبلِّغه الله إياها,
ويجازيه عليها. وما ربك -أيها الرسول- بغافل عما يعمل عباده.
وَرَبُّكَ
الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ
بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ
آخَرِينَ (133)
وربك
-أيها الرسول- الذي أمر الناس بعبادته, هو الغني وحده, وكل خلقه محتاجون
إليه, وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة, لو أراد لأهلككم, وأوجد قومًا غيركم
يخلفونكم من بعد فنائكم, ويعملون بطاعته تعالى, كما أوجدكم من نسل قوم
آخرين كانوا قبلكم.
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)
إن
الذي يوعدكم به ربكم - أيها المشركون - من العقاب على كفركم واقع بكم, ولن
تُعجِزوا ربكم هربًا, فهو قادر على إعادتكم, وإن صرتم ترابًا وعظامًا.
قُلْ
يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ (135)
قل
-أيها الرسول- : يا قوم اعملوا على طريقتكم فإني عامل على طريقتي التي
شرعها لي ربي جل وعلا فسوف تعلمون -عند حلول النقمة بكم- مَنِ الذي تكون له
العاقبة الحسنة؟ إنه لا يفوز برضوان الله تعالى والجنة مَن تجاوز حده
وظلم, فأشرك مع الله غيره.
وَجَعَلُوا
لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا
هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ
لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ
يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)
وجعل
المشركون لله -جلَّ وعلا- جزءًا مما خلق من الزروع والثمار والأنعام
يقدمونه للضيوف والمساكين, وجعلوا قسمًا آخر من هذه الأشياء لشركائهم من
الأوثان والأنصاب, فما كان مخصصًا لشركائهم فإنه يصل إليها وحدها, ولا يصل
إلى الله, وما كان مخصصا لله تعالى فإنه يصل إلى شركائهم. بئس حكم القوم
وقسمتهم.
وَكَذَلِكَ
زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ
لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)
وكما
زيَّن الشيطان للمشركين أن يجعلوا لله تعالى من الحرث والأنعام نصيبًا,
ولشركائهم نصيبًا, زيَّنت الشياطين لكثير من المشركين قَتْلَ أولادهم خشية
الفقر; ليوقعوا هؤلاء الآباء في الهلاك بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا
بالحق, وليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس, فيضلوا ويهلكوا, ولو شاء الله ألا
يفعلوا ذلك ما فعلوه, ولكنه قدَّر ذلك لعلمه بسوء حالهم ومآلهم, فاتركهم
-أيها الرسول- وشأنهم فيما يفترون من كذب, فسيحكم الله بينك وبينهم.
وَقَالُوا
هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَشَاءُ
بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (138)
وقال
المشركون: هذه إبل وزرع حرام, لا يأكلها إلا مَن يأذنون له -حسب ادعائهم-
مِن سدنة الأوثان وغيرهم. وهذه إبل حُرِّمت ظهورها, فلا يحل ركوبها والحملُ
عليها بحال من الأحوال. وهذه إبل لا يَذكرون اسم الله تعالى عليها في أي
شأن من شئونها. فعلوا ذلك كذبًا منهم على الله, سيجزيهم الله بسبب ما كانوا
يفترون من كذبٍ عليه سبحانه.
وَقَالُوا
مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ
عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ
سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)
وقال
المشركون: ما في بطون الأنعام من أجنَّة مباح لرجالنا, ومحرم على نسائنا,
إذا ولد حيًّا, ويشركون فيه إذا ولد ميتًا. سيعاقبهم الله إذ شرَّعوا
لأنفسهم من التحليل والتحريم ما لم يأذن به الله. إنه تعالى حكيم في تدبير
أمور خلقه, عليم بهم.
قَدْ
خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا
وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)
قد
خسر وهلك الذين قتلوا أولادهم لضعف عقولهم وجهلهم, وحرموا ما رزقهم الله
كذبًا على الله. قد بَعُدوا عن الحق, وما كانوا من أهل الهدى والرشاد.
فالتحليل والتحريم من خصائص الألوهية في التشريع, والحلال ما أحله الله,
والحرام ما حرَّمه الله, وليس لأحد من خَلْقه فردًا كان أو جماعة أن يشرع
لعباده ما لم يأذن به الله.
وَهُوَ
الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ
وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ
وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ
إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ
لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)
والله
سبحانه وتعالى هو الذي أوجد لكم بساتين: منها ما هو مرفوع عن الأرض
كالأعناب, ومنها ما هو غير مرفوع, ولكنه قائم على سوقه كالنخل والزرع,
متنوعًا طعمه, والزيتون والرمان متشابهًا منظره, ومختلفًا ثمره وطعمه. كلوا
-أيها الناس- مِن ثمره إذا أثمر, وأعطوا زكاته المفروضة عليكم يوم حصاده
وقطافه, ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال في إخراج المال وأكل الطعام وغير ذلك.
إنه تعالى لا يحب المتجاوزين حدوده بإنفاق المال في غير وجهه.
وَمِنْ
الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)
وأوجد
من الأنعام ما هو مهيَّأ للحمل عليه لكبره وارتفاعه كالإبل, ومنها ما هو
مهيَّأ لغير الحمل لصغره وقربه من الأرض كالبقر والغنم, كلوا مما أباحه
الله لكم وأعطاكموه من هذه الأنعام, ولا تحرموا ما أحلَّ الله منها اتباعًا
لطرق الشيطان, كما فعل المشركون. إن الشيطان لكم عدو ظاهر العداوة.
ثَمَانِيَةَ
أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ
أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ
أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ
(143)
هذه
الأنعام التي رزقها الله عباده من الإبل والبقر والغنم ثمانية أصناف:
أربعة منها من الغنم, وهي الضأن ذكورًا وإناثًا, والمعز ذكورًا وإناثًا. قل
-أيها الرسول- لأولئك المشركين: هل حَرَّم الله الذكرين من الغنم؟ فإن
قالوا: نعم, فقد كذبوا في ذلك; لأنهم لا يحرمون كل ذكر من الضأن والمعز,
وقل لهم: هل حَرَّم الله الأنثيين من الغنم؟ فإن قالوا: نعم, فقد كذبوا
أيضًا; لأنهم لا يحرمون كل أنثى من ولد الضأن والمعز, وقل لهم: هل حَرَّم
الله ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضأن والمعز من الحمل؟ فإن قالوا:
نعم, فقد كذبوا أيضًا; لأنهم لا يحرمون كل حَمْل مِن ذلك, خبِّروني بعلم
يدل على صحة ما ذهبتم إليه, إن كنتم صادقين فيما تنسبونه إلى ربكم.
وَمِنْ
الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ
حَرَّمَ أَمْ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ
الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ
النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (144)
والأصناف
الأربعة الأخرى: هي اثنان من الإبل ذكورًا وإناثًا, واثنان من البقر
ذكورًا وإناثًا. قل -أيها الرسول- لأولئك المشركين: أحَرَّم الله الذكرين
أم الأنثيين؟ أم حرَّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ذكورًا وإناثًا؟ أم
كنتم أيها المشركون حاضرين, إذ وصاكم الد بهذا التحريم للأنعام, فلا أحد
أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب; ليصرف الناس بجهله عن طريق الهدى. إن
الله تعالى لا يوفق للرشد مَن تجاوز حدَّه, فكذب على ربه, وأضلَّ الناس.
قُلْ
لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ
فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ
اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
قل
-أيها الرسول- : إني لا أجد فيما أوحى الله إليَّ شيئًا محرمًا على من
يأكله مما تذكرون أنه حُرِّم من الأنعام, إلا أن يكون قد مات بغير تذكية,
أو يكون دمًا مراقًا, أو يكون لحم خنزير فإنه نجس, أو الذي كانت ذكاته
خروجًا عن طاعة الله تعالى; كما إذا كان المذبوح قد ذكر عليه اسم غير الله
عند الذبح. فمن اضطر إلى الأكل من هذه المحرمات بسبب الجوع الشديد غير طالب
بأكله منها تلذذًا, ولا متجاوز حد الضرورة, فإن الله تعالى غفور له, رحيم
به. وقد ثبت - فيما بعد - بالسنة تحريم كل ذي ناب من السباع, ومخلب من
الطير, والحمر الأهلية, والكلاب.
وَعَلَى
الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ
ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ
جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)
واذكر
-أيها الرسول- لهؤلاء المشركين ما حرمَّنا على اليهود من البهائم والطير:
وهو كل ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والنَّعام, وشحوم البقر والغنم, إلا
ما عَلِق من الشحم بظهورها أو أمعائها, أو اختلط بعظم الألْية والجنب ونحو
ذلك. ذلك التحرم المذكور على اليهود عقوبة مِنَّا لهم بسبب أعمالهم
السيئة, وإنَّا لصادقون فيما أخبرنا به عنهم.
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)
فإن
كذبك -أيها الرسول- مخالفوك من المشركين واليهود, وغيرهم, فقل لهم: ربكم
جل وعلا ذو رحمة واسعة, ولا يُدْفع عقابه عن القوم الذين أجرموا, فاكتسبوا
الذنوب, واجترحوا السيئات. وفي هذا تهديد لهم لمخالفتهم الرسول صلى الله
عليه وسلم.
[/size][/size]