بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
عبقرية الغباء!
تعجّ ساحات الدعوة بدعاة جهلة ودعاة كذَبة، سدّوا علينا الآفاق.
أما الدعاة الكذبة من المتاجرين بالدين، فإصابتهم مركّبة:
إصابةٌ في العقل.. وإصابة في الضمير.. وأظن أن إصلاح هؤلاء عسير.
وأما الدعاة الجهلة، فإصابتهم قد تركّزت في العقل وفي التفكير.
هم يحبّون الإسلام، ولكنه ذلك "الحبّ البارد الذي يقتل الحبيب بعناق حار!" على حد تعبير المفكر علي عزت بيغوفتش -رحمه الله تعالى-.
هم يحبون الإسلام، ولكنه حبّ الصديق الجاهل، ضررُه أكبر من نفعه!
كثير منهم قد فقدوا أدوات الاستشعار التي يفرقون بها بين العدو والصديق، وبين ماينفع الدعوة وما يضرها.
ومما يؤسف له أنّ أرض الدعوة قد غدت حمى مستباحًا للوعاظ من غير المتخصصين الذين اتصفوا بالفوضى في التبليغ.
وكم يتصدّر مجالسنا من القصّاص المخرفين رواة الأحاديث المكذوبة والأباطيل، ممن ينصب الفاعل ويرفع المفعول، مع أن "العربية من الدين" كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.
وعّاظنا، هداهم الله، لايكادون يتقنون إلا ثقافة أحادية الجانب، والطائر لا يحلّق بجناح واحد، ومن زهرة واحدة لا يُصنَع الربيع..
وعّاظنا، هداهم الله، قلبوا لنا شجرة الإسلام وسلّم الأولويات، فصار المهم قبل الأهم، وصارت الفروع قبل الأصول..
خطباؤنا الذين واراهم عنا المنبر المرصّع بالمرمر، لايكادون يتقنون سوى "الوظيفة الشفوية"، التي تخاطب العواطف، وتعفّ عن العقول..
ومن عجبٍ أنه كلما ارتفعت أصواتنا على منابرنا انخفض صوتنا بين الأمم!
لقد تفتّحت في حقولنا الدعوية أزهار العاطفة، فمتى سنُعمّق جذور الوعي كي تثمر هذه الأزهار؟!
ألا إن دين الله لن يحمله إلا "أولو الألباب" من المخلصين المتخصّصين الذين جمعوا الحق مع الصواب، والذين باعوا أعمارَهم وجهودهم ومواهبهم لله -تعالى- فربحوا مرتين، إذ البضاعة منه والثمن..
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]..
نحن -إلا النادر- لانطيق التفكير لأنه أشق أعمال العقل..
ولقد حصرْنا معركتنا الحضارية الكبيرة في معارك منهِكة صغيرة، ونسينا أن معركة الدم -ولا أهوِّن من أمرها- ليست بأهم من معركة الدمع والعرق والمداد..
ونسينا أن يمين النبي -عليه الصلاة والسلام- التي حفرت الخندق في الجهاد، هي اليمين ذاتها التي حملت لبِنات المسجد فأعلت البناء.
نحن -إلا النادر- لانعرف ثمنًا للزمن الهارب، وكم نضيع الأعمار النفيسة في أعمال صغيرة وآمال زهيدة!، ثم ننتظر أكبر النتائج من ضعيف الهمم و الأفكار.
وكم نفشل لأننا لم نعتد أن نخطّط للمستقبل، وكأننا لانخطط إلا للفشل!..
نحن -إلا النادر- نكاد نقدّس الأشخاص وننفي الخطأ عنهم، فلكلٍّ منا إمامُه المعصوم الذي يُستدَّلُ بقوله، ولا يُستدَّل له!..
نحن من نحفظ أكثر مما نفكّر، و نفرّق أكثر مما نجمع، و نبرّر للصديق ولا ننصحُه، ونُطريه ولا ننقدُه، ونظلم الخصم ولا ننصفُه..
وفي تاريخنا الأزهر نقرأ أن حذيفة بن اليمان وقع في الأسر قبيل غزوة بدر، ثم أطلق المشركون سراحه بعد أن عاهدهم بألا يقاتلهم، ولما ألقى الخبر على الحبيب الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، فكّر الرسول ملياّ، ثم رفع رأسه وقال: «نفي بعهدهم، ونستعين الله عليهم» [رواه مسلم]..
كيف! والموقف جلل، والمسلمون قلة!
إنه الإسلام.
نحن من تغرينا الثمرة، وننسى أن هناك ثمة بذرة..
نحن من نتطلع إلى العناوين ونتعامى عن المضامين..
نحن من ننظر إلى الداعية لا إلى الدعوة.. و إلى الأشخاص لا إلى الأفكار.. وننظر إلى الذات وليس إلى الموضوع..
نحن نحترم "عاطفيًا" فروض العين، ولا نعير أدنى اهتمام لفروض الكفاية.
مع أن الأولى تتوقف عليها نجاة الفرد، والأخيرة يتوقف عليها بقاء الأمة..
نحن لا نكاد نلقي بالًا للجمال الذي بثّته رحمة الله في أمداء الكون وفي أطواء الحياة..
ولا يستوقفنا الذوق النبوي الرفيع، ولايغرينا جمال إماطة الأذى عن طريق المؤمنين.
وحتى في المسجد ننسى الأخوّة والنظام، فلا نفسح لإخواننا إلا إذا أمرَنا الإمام!
نحن الذين لا نبالي بسمعة الإسلام في العالم..
وإذا مافتنَنا الغربيون ببريق حضارتهم، فقد فتنّاهم بظلام تخلّفنا..
وشكّلنا بتخلفنا مرآةً مبعِّدة مشوِّهة لا تعكس أنوار الإسلام، بل ظلماتِ المسلمين..
لقد كنا بحق فتنةً للقوم الظالمين..
نحن من نحب التجهّم والعبوس والغرق في بحار الدموع، مع أن ديننا هو الدين الوحيد الذي أدخل الابتسام في برنامج العبادات.
وكثير منا إذا ما التزم بالدين يتراجع؛ فإن كان قوياًّ يغدو ضعيفا، وإن كان غنياًّ يضحي فقيرا.
وإن كان بسّامًا يغدو عبوسًا قمطريرا، وإن كان متميزًا في النجاح يصبح متميزًا في الفشل والانحسار!
فما الذي دهانا؟!
أجبّارون في الجاهلية، خوّارون في الإسلام؟!
نحن من أسقطنا القلم، فأسقطنا من بعده اللواء.
أمة القرآن، لم تعد تقرأ!
وأمة سورة الحديد، صارت أضعف الأمم..
وأمة سورة العصر، لا يحلو لها العيش إلا خارج العصر..
إن متوسط قراءة الطفل العربي خمس دقائق في اليوم!
وإن دار نشرٍ واحدةً في فرنسا، تنشر أكثر مما تنشر مطابع الوطن العربي كلها!
وإن رواية واحدة للكاتبة البريطانية "ج. رولنج" طُبع منها مائتا مليون نسخة بستين لغة عالمية.
فهل استطعنا نحن أن نوصل صوت نبينا إلى العالم؟!
وهل نفّذنا وصية الرسول الكريم خَلّوا بيني وبين الناس؟!
الجواب مرعبٌ ومخزٍ وحزين..
يا ويلتنا! أعجزنا أن نكون مثل باقي الأمم؟!.
نحن من نبدّد الوقت وكأنه عدو لنا! مع أنه أغلى من الجوهر، فبحسن استغلاله يُنال رضوان الله.
أوقاتنا وهبناها للمجالس الأرائكية، وللتدخين و شرب الشاي..
ولم يُبعِد ذلك المستشرق حين قال: "لن تقنع العربي إذا نزل عن دابته أنّ هناك في الدنيا عملا آخر غير أن يجلس القرفصاء ليشرب الشاي"!
وفي يوم نزل الغزالي -رحمه الله- ضيفًا على قوم، فتبرع عشرة منهم بالقيام بعمل "مؤسّسي" هو إعداد الشاي!
وعلِم الغزالي سببًا آخر لضياع فلسطين!..
ومن أيام أرّقني خبر يقول: إن اليابان قد حددت جائزة مالية لمن يَقبل بإجازة عن العمل!
وذلك بسبب فائض الإنتاج، ولأنهم قوم لا يحبون إلا العمل!
أما نحن العرب، فمتوسط مدة العمل عندنا نصف ساعة من النهار!.
نحن من ننام في النور، وهم من يستيقظون في الظلام!
بأيديهمُ نوران؛ ذكرٌ وسُنةٌ *** فما بالهمْ في أحلك الظلماتِ؟!
وليت شعري من أولى بالنصر؛ أهل الباطل العاملون، أم أهل الحق الخاملون؟
أخي الذي تقرأ كلماتي: هل تشعر معي بعذاب هذه الكلمات؟!
أخي الذي تبصر عبراتي: هل تندّت عيناك بندى هذه العبرات؟!
***
من حُرقتي أطلقتُ أقصى صرختي.. دمعًا لأوقظ أمتي
من حرقتي.. بدّلتُ بالدمع المحابرْ
من حرقتي.. قطّعتُ أوتار المشاعرْ
يا إخوتي.. لأهزَّ أعماق الضمائرْ
"ماحيلتي في أمتي!
لا يستقيم لها اعوجاجْ"
ما حيلتي يا إخوتي؟!
أنا والمدامعُ في تناجْ
لو كان عندي شمعةٌ لأضأتُ ليلَ المسلمينْ
لو كان عندي شعلةٌ أحرقتُ كلّ الغافلينْ
لهبٌ لهبْ.. يشتاق للناس الخشبْ
"يا أمةً نامت على جمر الغضبْ"!
***
نحن الورثةُ الغثاء.. لترِكةٍ كلّها علمٌ ونورٌ ونقاء..
نحن من انطفأت في آفاقنا شموس العبقرية، حتى لا نكاد نلمح إلا عبقرية الغباء!.
اللهم إني أبرأ إليك مما صنع أولئك.. وأعتذر إليك عما صنع هؤلاء..
اللهم أنت تعلم أني ما اغتبتُ أبناء أمتي إلا فيك..
وتعلم أنه لا ثقةَ لنا إلا في رحمتك..
فأنت وحدك القادر على أن تردّ شباب هذه الأمة وبناتها إلى أنوار الكتاب، وإلى عالم المحراب.
اللّهم فزيّنْ أقلامهم باليقين.. وثبّت أقدامهم في الميادين..
وأعنهم كي يُخرجوا من أغوارهم كلّ طاقاتٍ خفين..
اللّهم هبّ عوامنا العلم.. وهب علماءنا العمل.. وهب عاملينا الإخلاص.. وهب مخلصينا الصوابَ والتميّز في النجاح..
السلام عليكم ورحمة الله
عبقرية الغباء!
تعجّ ساحات الدعوة بدعاة جهلة ودعاة كذَبة، سدّوا علينا الآفاق.
أما الدعاة الكذبة من المتاجرين بالدين، فإصابتهم مركّبة:
إصابةٌ في العقل.. وإصابة في الضمير.. وأظن أن إصلاح هؤلاء عسير.
وأما الدعاة الجهلة، فإصابتهم قد تركّزت في العقل وفي التفكير.
هم يحبّون الإسلام، ولكنه ذلك "الحبّ البارد الذي يقتل الحبيب بعناق حار!" على حد تعبير المفكر علي عزت بيغوفتش -رحمه الله تعالى-.
هم يحبون الإسلام، ولكنه حبّ الصديق الجاهل، ضررُه أكبر من نفعه!
كثير منهم قد فقدوا أدوات الاستشعار التي يفرقون بها بين العدو والصديق، وبين ماينفع الدعوة وما يضرها.
ومما يؤسف له أنّ أرض الدعوة قد غدت حمى مستباحًا للوعاظ من غير المتخصصين الذين اتصفوا بالفوضى في التبليغ.
وكم يتصدّر مجالسنا من القصّاص المخرفين رواة الأحاديث المكذوبة والأباطيل، ممن ينصب الفاعل ويرفع المفعول، مع أن "العربية من الدين" كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.
وعّاظنا، هداهم الله، لايكادون يتقنون إلا ثقافة أحادية الجانب، والطائر لا يحلّق بجناح واحد، ومن زهرة واحدة لا يُصنَع الربيع..
وعّاظنا، هداهم الله، قلبوا لنا شجرة الإسلام وسلّم الأولويات، فصار المهم قبل الأهم، وصارت الفروع قبل الأصول..
خطباؤنا الذين واراهم عنا المنبر المرصّع بالمرمر، لايكادون يتقنون سوى "الوظيفة الشفوية"، التي تخاطب العواطف، وتعفّ عن العقول..
ومن عجبٍ أنه كلما ارتفعت أصواتنا على منابرنا انخفض صوتنا بين الأمم!
لقد تفتّحت في حقولنا الدعوية أزهار العاطفة، فمتى سنُعمّق جذور الوعي كي تثمر هذه الأزهار؟!
ألا إن دين الله لن يحمله إلا "أولو الألباب" من المخلصين المتخصّصين الذين جمعوا الحق مع الصواب، والذين باعوا أعمارَهم وجهودهم ومواهبهم لله -تعالى- فربحوا مرتين، إذ البضاعة منه والثمن..
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]..
نحن -إلا النادر- لانطيق التفكير لأنه أشق أعمال العقل..
ولقد حصرْنا معركتنا الحضارية الكبيرة في معارك منهِكة صغيرة، ونسينا أن معركة الدم -ولا أهوِّن من أمرها- ليست بأهم من معركة الدمع والعرق والمداد..
ونسينا أن يمين النبي -عليه الصلاة والسلام- التي حفرت الخندق في الجهاد، هي اليمين ذاتها التي حملت لبِنات المسجد فأعلت البناء.
نحن -إلا النادر- لانعرف ثمنًا للزمن الهارب، وكم نضيع الأعمار النفيسة في أعمال صغيرة وآمال زهيدة!، ثم ننتظر أكبر النتائج من ضعيف الهمم و الأفكار.
وكم نفشل لأننا لم نعتد أن نخطّط للمستقبل، وكأننا لانخطط إلا للفشل!..
نحن -إلا النادر- نكاد نقدّس الأشخاص وننفي الخطأ عنهم، فلكلٍّ منا إمامُه المعصوم الذي يُستدَّلُ بقوله، ولا يُستدَّل له!..
نحن من نحفظ أكثر مما نفكّر، و نفرّق أكثر مما نجمع، و نبرّر للصديق ولا ننصحُه، ونُطريه ولا ننقدُه، ونظلم الخصم ولا ننصفُه..
وفي تاريخنا الأزهر نقرأ أن حذيفة بن اليمان وقع في الأسر قبيل غزوة بدر، ثم أطلق المشركون سراحه بعد أن عاهدهم بألا يقاتلهم، ولما ألقى الخبر على الحبيب الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، فكّر الرسول ملياّ، ثم رفع رأسه وقال: «نفي بعهدهم، ونستعين الله عليهم» [رواه مسلم]..
كيف! والموقف جلل، والمسلمون قلة!
إنه الإسلام.
نحن من تغرينا الثمرة، وننسى أن هناك ثمة بذرة..
نحن من نتطلع إلى العناوين ونتعامى عن المضامين..
نحن من ننظر إلى الداعية لا إلى الدعوة.. و إلى الأشخاص لا إلى الأفكار.. وننظر إلى الذات وليس إلى الموضوع..
نحن نحترم "عاطفيًا" فروض العين، ولا نعير أدنى اهتمام لفروض الكفاية.
مع أن الأولى تتوقف عليها نجاة الفرد، والأخيرة يتوقف عليها بقاء الأمة..
نحن لا نكاد نلقي بالًا للجمال الذي بثّته رحمة الله في أمداء الكون وفي أطواء الحياة..
ولا يستوقفنا الذوق النبوي الرفيع، ولايغرينا جمال إماطة الأذى عن طريق المؤمنين.
وحتى في المسجد ننسى الأخوّة والنظام، فلا نفسح لإخواننا إلا إذا أمرَنا الإمام!
نحن الذين لا نبالي بسمعة الإسلام في العالم..
وإذا مافتنَنا الغربيون ببريق حضارتهم، فقد فتنّاهم بظلام تخلّفنا..
وشكّلنا بتخلفنا مرآةً مبعِّدة مشوِّهة لا تعكس أنوار الإسلام، بل ظلماتِ المسلمين..
لقد كنا بحق فتنةً للقوم الظالمين..
نحن من نحب التجهّم والعبوس والغرق في بحار الدموع، مع أن ديننا هو الدين الوحيد الذي أدخل الابتسام في برنامج العبادات.
وكثير منا إذا ما التزم بالدين يتراجع؛ فإن كان قوياًّ يغدو ضعيفا، وإن كان غنياًّ يضحي فقيرا.
وإن كان بسّامًا يغدو عبوسًا قمطريرا، وإن كان متميزًا في النجاح يصبح متميزًا في الفشل والانحسار!
فما الذي دهانا؟!
أجبّارون في الجاهلية، خوّارون في الإسلام؟!
نحن من أسقطنا القلم، فأسقطنا من بعده اللواء.
أمة القرآن، لم تعد تقرأ!
وأمة سورة الحديد، صارت أضعف الأمم..
وأمة سورة العصر، لا يحلو لها العيش إلا خارج العصر..
إن متوسط قراءة الطفل العربي خمس دقائق في اليوم!
وإن دار نشرٍ واحدةً في فرنسا، تنشر أكثر مما تنشر مطابع الوطن العربي كلها!
وإن رواية واحدة للكاتبة البريطانية "ج. رولنج" طُبع منها مائتا مليون نسخة بستين لغة عالمية.
فهل استطعنا نحن أن نوصل صوت نبينا إلى العالم؟!
وهل نفّذنا وصية الرسول الكريم خَلّوا بيني وبين الناس؟!
الجواب مرعبٌ ومخزٍ وحزين..
يا ويلتنا! أعجزنا أن نكون مثل باقي الأمم؟!.
نحن من نبدّد الوقت وكأنه عدو لنا! مع أنه أغلى من الجوهر، فبحسن استغلاله يُنال رضوان الله.
أوقاتنا وهبناها للمجالس الأرائكية، وللتدخين و شرب الشاي..
ولم يُبعِد ذلك المستشرق حين قال: "لن تقنع العربي إذا نزل عن دابته أنّ هناك في الدنيا عملا آخر غير أن يجلس القرفصاء ليشرب الشاي"!
وفي يوم نزل الغزالي -رحمه الله- ضيفًا على قوم، فتبرع عشرة منهم بالقيام بعمل "مؤسّسي" هو إعداد الشاي!
وعلِم الغزالي سببًا آخر لضياع فلسطين!..
ومن أيام أرّقني خبر يقول: إن اليابان قد حددت جائزة مالية لمن يَقبل بإجازة عن العمل!
وذلك بسبب فائض الإنتاج، ولأنهم قوم لا يحبون إلا العمل!
أما نحن العرب، فمتوسط مدة العمل عندنا نصف ساعة من النهار!.
نحن من ننام في النور، وهم من يستيقظون في الظلام!
بأيديهمُ نوران؛ ذكرٌ وسُنةٌ *** فما بالهمْ في أحلك الظلماتِ؟!
وليت شعري من أولى بالنصر؛ أهل الباطل العاملون، أم أهل الحق الخاملون؟
أخي الذي تقرأ كلماتي: هل تشعر معي بعذاب هذه الكلمات؟!
أخي الذي تبصر عبراتي: هل تندّت عيناك بندى هذه العبرات؟!
***
من حُرقتي أطلقتُ أقصى صرختي.. دمعًا لأوقظ أمتي
من حرقتي.. بدّلتُ بالدمع المحابرْ
من حرقتي.. قطّعتُ أوتار المشاعرْ
يا إخوتي.. لأهزَّ أعماق الضمائرْ
"ماحيلتي في أمتي!
لا يستقيم لها اعوجاجْ"
ما حيلتي يا إخوتي؟!
أنا والمدامعُ في تناجْ
لو كان عندي شمعةٌ لأضأتُ ليلَ المسلمينْ
لو كان عندي شعلةٌ أحرقتُ كلّ الغافلينْ
لهبٌ لهبْ.. يشتاق للناس الخشبْ
"يا أمةً نامت على جمر الغضبْ"!
***
نحن الورثةُ الغثاء.. لترِكةٍ كلّها علمٌ ونورٌ ونقاء..
نحن من انطفأت في آفاقنا شموس العبقرية، حتى لا نكاد نلمح إلا عبقرية الغباء!.
اللهم إني أبرأ إليك مما صنع أولئك.. وأعتذر إليك عما صنع هؤلاء..
اللهم أنت تعلم أني ما اغتبتُ أبناء أمتي إلا فيك..
وتعلم أنه لا ثقةَ لنا إلا في رحمتك..
فأنت وحدك القادر على أن تردّ شباب هذه الأمة وبناتها إلى أنوار الكتاب، وإلى عالم المحراب.
اللّهم فزيّنْ أقلامهم باليقين.. وثبّت أقدامهم في الميادين..
وأعنهم كي يُخرجوا من أغوارهم كلّ طاقاتٍ خفين..
اللّهم هبّ عوامنا العلم.. وهب علماءنا العمل.. وهب عاملينا الإخلاص.. وهب مخلصينا الصوابَ والتميّز في النجاح..