المحاربة أم المحاربين
(نسيبة بنت كعب)
"ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني" .
يقول النبي ( عنها: "لمَقَاَم نسيبة بنت كعب اليومَ خيرٌ من مقامِ فلان وفلان" [ابن سعد].
وتقول عن نفسها: رأيتُنى وقد انكشف الناس عن النبي (، فما بقى إلا فى نفر
لا يتمُّون عشرة، وأنا وابناى وزوجى بين يديه نذبّ عنه (ندافع عنه)،
والناس يمرون به منهزمِين، ورآنى لا تِرْسَ معي، فرأى رجلاً موليًا معه
ترس، فقال ( لصاحب الترْس: "ألْقِ تِرْسَكَ إلى مَنْ يقاتل". فألقى
تِرْسَه، فأخذتُه، فجعلتُ أتَتَرَّسُ به عن النبي (، وإنما فعل بنا
الأفاعيل أصحابُ الخيل، لو كانوا رجالاً مثلنا، أصبناهم إن شاء اللّه،
فأقبل رجل على فرس، فضربنى وتترستُ له، فلم يصنع سيفُه شيئًا، وولَّي،
فضربتُ عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي ( يصيح: يا ابنَ أم عمارة،
أمك أمك، فعاوننى عليه حتى أوردته شَعُوب (الموت). فسمعـتُ رسول اللّه (
يقول: "بارك اللّه عليكم من أهل بيت، رحمكم اللّه -أهل البيت-" [ابن سعد].
وقال النبي ( : "اللهم اجعلهم رفقائى فى الجنة" [ابن سعد]. فقالت أم عمارة: ما أبالى ما أصابنى من الدنيا.
ويقول
ابنها عبد الله بن زيد: جُرِحْتُ يومئذٍ جرحًا، وجعل الدم لا يرقأ (لا
يسكن عن الانقطاع)، فقال النبي ( : "اعصب جرحك"، فتُقبل أمى إلي، ومعها
عصائب فى حقوها، فربطتْ جرحي، والنبى واقف ينظر إلي، فقال: "انهض بُنَى
فَضارب القوم". وجعل النبي ( يقول: "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة".
قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني، فقال (: "هذا ضارب ابنك". فاعترضتُُ له
فضربتُ ساقه، فبركَ. فرأيتُ النبي ( يبتسم حتى رأيتُ نواجذه، وقال :
"استقدتِ (أخذتِ ثأركِ) يا أم عمارة"، ثم أقبلنا نُعِلُّهُ (تتابع ضربه)
بالسلاح حتى أتينا على نَفَسِه. فقال (: "الحمد لله الذي ظفرك" [ابن سعد].
إنها
السيدة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصاري، المعروفة بأم عمارة، وأمها
الرباب بنت عبد الله بن حبيب بن زيد، أنموذج حـَى من نماذج النساء
المؤمنات المخلصات، وواحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة الثانية، وتقول فى
ذلك: كانت الرجال تصفِّق على يدى رسول الله ( ليلة العقبة، والعباس آخذ
بيد النبي ( ، فلما بقيتُ أنا وأم منيع أختي؛ نادى زوجى "غُزية بن عمرو":
يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك، فقال النبي (: "قد
بايعتُهما على ما بايعتُكم عليه، إنى لا أصافح النساء" [ابن سعد].
جاهدتْ
فى الله بكل ما أوتيتْ من قوة، ونذرت نفسها لإعلاء كلمة اللّه، فقاتلتْ
يوم أُحد وجُرِحت اثنتى عشرة جراحة، وداوت جرحًا فى عنقها لمدة سنة حتى قال
عنها النبي (: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان" [ابن
سعد]، ولما نادى النبي ( إلى حمراء الأسد، شدت عليها ثيابها، فما استطاعت
من نزف الدم، كما شهدت الحديبية وخيبر وحنينًا ويوم اليمامة.
وهى أخت عبد اللّه بن كعب الذي شهد بدرًا، وأخت أبى ليلى عبد الرحمن بن كعب -أحد البكّائين- لأبيها وأمها.
تزوجتْ
من زيد بن عاصم النجارى فولدتْ له عبدالله وحبيبًا، اللذين صحبا النبي (،
ثم تزوجت بعده غزية بن عمرو من بنى النجار، فولدت له تميمًا وخولة. وقد شهد
معها ومع ابنيها من زوجها الأول أُحُدًا.
كانت نسيبة تحافظ على حضور الجماعة مع النبي (؛ كبقية النساء آنذاك، فتسمع منه الدروس وتتعلم أدب الإسلام.
ولما
بلغها أن ابنها "حبيبًا" قتله مسيلمة الكذاب، ومثَّل به -حين بعثه أبو بكر
إليه؛ ليدعوه إلى الإسلام ويُرْجِعُهُ عن افتراءاته وكذبه- عاهدتْ الله أن
لا تموت دون هذا الكذَّاب؛ لهذا جاءت الصديق أبا بكر -عندما أراد إرسال
الجيش إلى اليمامة لمحاربة المرتدين ومسيلمة الكذاب- تستأذنه فى الخروج مع
الجيش، فقال لها: قد عرفنا بلاءَكِ فى الحرب، فاخرجى على اسم اللّه. وأوصى
خالدَ بن الوليد بها خيرًا، وفى المعركة جاهدت وأبلت أحسن البلاء، وجُرحت
أحد عشر جرحًا وقُطِعَتْ يدها، واستشهد ابنها الثانى عبد اللَّه، وذلك بعد
أن شارك معها فى قتل مسيلمة عدو اللّه.
ولما هدأت الحرب وصارت أم عمارة
إلى منزلها؛ جاءها خالد ابن الوليد يطلب من العرب مداواتها بالزيت المغلي،
فكان أشد عليها من القطع، ولهذا كان أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- يعودها -
وهو خليفة - بعدما عادت من اليمامة؛ لأنه أكرم فيها إيمانها وصدقها
وبطولتها، وعَرَفَ شهادة نبى الله( فيها؛ لهذا ظل يسأل عنها ويعودها، حتى
شُفِيَتْ بإذن الله.وكان خالد بن الوليد يزورها ويعرف حقها ويحفظ فيها وصية
سيد البشر (.
تلك هي المسلمة المجاهدة الداعية المربية، التي تعدُّ
الأبطال، وتربى الرجال، التي لا تعبأ بما يصيبها فى الدنيا، بعد أن دعا لها
النبي ( برفقته فى الجنة، فكانت فى طليعة المؤمنات الصادقات، ورصَّعَتْ
تاريخها على جبين التاريخ لتكون نموذجًا يُحتذي.
(نسيبة بنت كعب)
"ما التفتُّ يومَ أُحد يمينًا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني" .
يقول النبي ( عنها: "لمَقَاَم نسيبة بنت كعب اليومَ خيرٌ من مقامِ فلان وفلان" [ابن سعد].
وتقول عن نفسها: رأيتُنى وقد انكشف الناس عن النبي (، فما بقى إلا فى نفر
لا يتمُّون عشرة، وأنا وابناى وزوجى بين يديه نذبّ عنه (ندافع عنه)،
والناس يمرون به منهزمِين، ورآنى لا تِرْسَ معي، فرأى رجلاً موليًا معه
ترس، فقال ( لصاحب الترْس: "ألْقِ تِرْسَكَ إلى مَنْ يقاتل". فألقى
تِرْسَه، فأخذتُه، فجعلتُ أتَتَرَّسُ به عن النبي (، وإنما فعل بنا
الأفاعيل أصحابُ الخيل، لو كانوا رجالاً مثلنا، أصبناهم إن شاء اللّه،
فأقبل رجل على فرس، فضربنى وتترستُ له، فلم يصنع سيفُه شيئًا، وولَّي،
فضربتُ عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي ( يصيح: يا ابنَ أم عمارة،
أمك أمك، فعاوننى عليه حتى أوردته شَعُوب (الموت). فسمعـتُ رسول اللّه (
يقول: "بارك اللّه عليكم من أهل بيت، رحمكم اللّه -أهل البيت-" [ابن سعد].
وقال النبي ( : "اللهم اجعلهم رفقائى فى الجنة" [ابن سعد]. فقالت أم عمارة: ما أبالى ما أصابنى من الدنيا.
ويقول
ابنها عبد الله بن زيد: جُرِحْتُ يومئذٍ جرحًا، وجعل الدم لا يرقأ (لا
يسكن عن الانقطاع)، فقال النبي ( : "اعصب جرحك"، فتُقبل أمى إلي، ومعها
عصائب فى حقوها، فربطتْ جرحي، والنبى واقف ينظر إلي، فقال: "انهض بُنَى
فَضارب القوم". وجعل النبي ( يقول: "ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة".
قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني، فقال (: "هذا ضارب ابنك". فاعترضتُُ له
فضربتُ ساقه، فبركَ. فرأيتُ النبي ( يبتسم حتى رأيتُ نواجذه، وقال :
"استقدتِ (أخذتِ ثأركِ) يا أم عمارة"، ثم أقبلنا نُعِلُّهُ (تتابع ضربه)
بالسلاح حتى أتينا على نَفَسِه. فقال (: "الحمد لله الذي ظفرك" [ابن سعد].
إنها
السيدة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصاري، المعروفة بأم عمارة، وأمها
الرباب بنت عبد الله بن حبيب بن زيد، أنموذج حـَى من نماذج النساء
المؤمنات المخلصات، وواحدة من امرأتين حضرتا بيعة العقبة الثانية، وتقول فى
ذلك: كانت الرجال تصفِّق على يدى رسول الله ( ليلة العقبة، والعباس آخذ
بيد النبي ( ، فلما بقيتُ أنا وأم منيع أختي؛ نادى زوجى "غُزية بن عمرو":
يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك، فقال النبي (: "قد
بايعتُهما على ما بايعتُكم عليه، إنى لا أصافح النساء" [ابن سعد].
جاهدتْ
فى الله بكل ما أوتيتْ من قوة، ونذرت نفسها لإعلاء كلمة اللّه، فقاتلتْ
يوم أُحد وجُرِحت اثنتى عشرة جراحة، وداوت جرحًا فى عنقها لمدة سنة حتى قال
عنها النبي (: "لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان" [ابن
سعد]، ولما نادى النبي ( إلى حمراء الأسد، شدت عليها ثيابها، فما استطاعت
من نزف الدم، كما شهدت الحديبية وخيبر وحنينًا ويوم اليمامة.
وهى أخت عبد اللّه بن كعب الذي شهد بدرًا، وأخت أبى ليلى عبد الرحمن بن كعب -أحد البكّائين- لأبيها وأمها.
تزوجتْ
من زيد بن عاصم النجارى فولدتْ له عبدالله وحبيبًا، اللذين صحبا النبي (،
ثم تزوجت بعده غزية بن عمرو من بنى النجار، فولدت له تميمًا وخولة. وقد شهد
معها ومع ابنيها من زوجها الأول أُحُدًا.
كانت نسيبة تحافظ على حضور الجماعة مع النبي (؛ كبقية النساء آنذاك، فتسمع منه الدروس وتتعلم أدب الإسلام.
ولما
بلغها أن ابنها "حبيبًا" قتله مسيلمة الكذاب، ومثَّل به -حين بعثه أبو بكر
إليه؛ ليدعوه إلى الإسلام ويُرْجِعُهُ عن افتراءاته وكذبه- عاهدتْ الله أن
لا تموت دون هذا الكذَّاب؛ لهذا جاءت الصديق أبا بكر -عندما أراد إرسال
الجيش إلى اليمامة لمحاربة المرتدين ومسيلمة الكذاب- تستأذنه فى الخروج مع
الجيش، فقال لها: قد عرفنا بلاءَكِ فى الحرب، فاخرجى على اسم اللّه. وأوصى
خالدَ بن الوليد بها خيرًا، وفى المعركة جاهدت وأبلت أحسن البلاء، وجُرحت
أحد عشر جرحًا وقُطِعَتْ يدها، واستشهد ابنها الثانى عبد اللَّه، وذلك بعد
أن شارك معها فى قتل مسيلمة عدو اللّه.
ولما هدأت الحرب وصارت أم عمارة
إلى منزلها؛ جاءها خالد ابن الوليد يطلب من العرب مداواتها بالزيت المغلي،
فكان أشد عليها من القطع، ولهذا كان أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- يعودها -
وهو خليفة - بعدما عادت من اليمامة؛ لأنه أكرم فيها إيمانها وصدقها
وبطولتها، وعَرَفَ شهادة نبى الله( فيها؛ لهذا ظل يسأل عنها ويعودها، حتى
شُفِيَتْ بإذن الله.وكان خالد بن الوليد يزورها ويعرف حقها ويحفظ فيها وصية
سيد البشر (.
تلك هي المسلمة المجاهدة الداعية المربية، التي تعدُّ
الأبطال، وتربى الرجال، التي لا تعبأ بما يصيبها فى الدنيا، بعد أن دعا لها
النبي ( برفقته فى الجنة، فكانت فى طليعة المؤمنات الصادقات، ورصَّعَتْ
تاريخها على جبين التاريخ لتكون نموذجًا يُحتذي.