الهواء: ربما دل على اسمه. فمن رأى نفسه فيه قائماً أو جالساً أو ساعياً،
فيكون على هوى من دينه، أو في غرر من دنياه، وروحه في المشي الذي يدم عليه
عمله في الهواء أو حالة في اليقظة، وآماله فإن كان في بدعه، فهو بدعته، وإن
كان سلطان كافر، فسد معه دينه، وإلا خيف على روحه معه، فإن كان في سفينة
البحر، خيف عليه العطب. وإن كان في سفر، ناله فيه خوف. وإن كان مريضاً أشرف
على الهلاك، وإن سقط من مكانه، عطب في حاله وهوى في أعماله، لقوله تعالى: "
أو تَهْوِي بهِ الريحُ في مكانٍ سَحِيق " فإن مات في سقطته، كان ذلك أعلى
بلوغ غاية ما يدل عليه من يموت، أو بدعة أو قتل أو نحو ذلك. وأما أن يبني
الهواء بنياناً، أو يضرب فيه فسطاطاً، أو يركب فيه دابة أو عجلة، فإن كان
مريضاً مات، أوعنده مريض مات، وذلك نعشه وقبره، فإن كان أخضر اللون، كان
شهيد وإن رأى ذلك سلطان أو أمير أو حاكم، عزل على عمله، أو زال عن سلطانه
بموت أو حياة، وإن رأى ذلك من عقد نكاحاً أو بني بأهله، فهو في غرر معها،
وفي غير أمان منها، وإن رأى ذلك من هو في البحر، عطبت سفينته، أو أسره
عدوه، أو أشرف على الهلاك من أحد الأمرين. وقد يدل ذلك على عمل فاسد عمله
على غير علم،ولا سنة، إذا لم يكن بناه على أساس، ولا كان سرادقه أو فسطاطه
على قرار.
وأما الطيران في الهواء، فدال على السفر في البحر، أو في البر. فإن كان ذلك
بجناحِ، فهو أقوى لصاحبه وأسلم له وأظهر، فقد يكون جناحه مالاً ينهض به،
سلطاناً يسافر في كنفه وتحت جناحه.
وكذلك السباحة في الهواء، وقد يدل أيضاً إذا كان بغير جناح، على التغرير
فيما يدخل فيه من جهاد أو حسبة أو سفر فيِ غير أوان السفر، في بر أو بحر،
ومن رأى طار عرضاً في السماء، سافر سفراً بعيداً أو نال شرفاً.
وأما الوثب، فدال على النقلة مما هو فيه إلى غيره، أما من سوق إلى غيره، من
دار إلى محلة، أو من عمل إلى خلافه، على قدر المكانين، فإن وثب من مسجد
إلى سوق، آثر الدنيا على الآخرة، وإن كان من سوق إلى مسجد، فضدّ ذلك وقد
يترقى الطيران في الهواء لمن يكثر من الأماني والآمال، فيكون أضغاثاً. ومن
وثب مكان إلى مكان، تحول من حال إلى حال. والوثب البعيد سفر طويل، فإن
اعتمد وثبه على عصا، اعتمد على رجل قوي.
وأما ألوان الهواء، فإن اسودت عين الرائي حتى لم ير السماء، فإن كانت
الرؤيا خاصته أظلم ما بينه وبين من فوقه من الرؤساء، فإن لم يخصه برئيس،
عمي بصره وحجب من نور الهدى نظره، فإن كانت الرؤيا للعالم وكانوا يستغيثون
في المنام أو يبكون أو يتضرعون، نزلت بهم شدة على قدر الظلمة، إما فتنة أو
غمة أو جدب وقحط. وكذلك إحمرار، والعرب تقول لسنة الجدب: سنة غبراء، لتصاعد
الغبار إلىِ من شدة الجدب، فيكون الهواء في عين الجائع، ويتخايل له أن فيه
دخاناً، فكيف إن كان الذي أظلم الهواء منه دخاناً، فإنه عذاب من جدب أو
غيره، وأما الضباب فالتباس وفتنة وحيرة تغشى الناس.