هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

description الأمراض كفارات Empty الأمراض كفارات

more_horiz
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأمراض كفارات

نعمة العافية من أجل نعم الله -تعالى- على عبده، والتي
ينبغي عليه أن يشكر ربه عليها وأن يسأله دائماً دوامها وتمامها. عنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم -: ((الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، قَالَ:
فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) أخرجه أحمد 3/119(12224)، وأبو داود (521)،
والتِّرْمِذِيّ (212).


وعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (( سَلِ اللهَ الْعَفْوَ
وَالْعَافِيَةَ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، ثُمَّ أَتَاهُ الْغَدَ،
فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَلِ اللهَ
الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَإِذَا أُعْطِيتَ
الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَقَدْ أَفْلَحْتَ)) أخرجه أحمد
3/127(12316) والبُخَارِي في "الأدب المفرد"(637)، وابن ماجة (3848)،
والتِّرْمِذِيّ (3512).


وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ –رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ علمني شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ -عز وجل- قَالَ: ((سَلِ اللَّهَ
الْعَافِيَةَ، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، علمني شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ. فَقَالَ لِى: يَا عَبَّاسُ،
يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ)) أخرجه أحمد 1/209(1783)، والبُخَارِي في "الأدب المفرد"
(726)، والتِّرْمِذِيّ (3514).


قال المباركفوري في شرح الترمذي: "في أمره -صلى الله
عليه وسلم- للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه
شيئاً يسأل الله به دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من
الأدعية، ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام،
والعافية هي دفاع الله عن العبد، فالداعي بها قد سأل ربه دفاعه عن كل ما
ينويه، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عمه العباس منزلة أبيه
ويرى له من الحق ما يرى الولد لوالده، ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصره على
مجرد الدعاء بالعافية تحريك لهمم الراغبين على ملازمته، وأن يجعلوه من أعظم
ما يتوسلون به إلى ربهم - سبحانه وتعالى -، ويستدفعون به في كل ما يهمهم،
ثم كلمه - صلى الله عليه وسلم - بقوله ((سل الله العافية في الدنيا
والآخرة)) فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية قد صار عدة لدفع كل ضر وجلب كل
خير، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً". (تحفة الأحوذي بشرح جامع
الترمذي للمباركفوري: 9/395) بتصرف.


فالعافية من أفضل ما يعطى المرء في دنياه بعد حسن
الإيمان بخالقه ومولاه، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ
الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ،
آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ
الدُّنْيَا)) أخرجه البُخَارِي في "الأدب المفرد"(300)، وابن ماجة(4141)،
والتِّرمِذي (2346).


قال أحدهم:

إذا اشتدت البلوى تخفّفْ بالرضا *** عن الله قد فاز الرضيُّ المراقب

وكم نعمة مقرونة ببليّة *** على الناس تخفى والبلايا مواهب

يقول ابن الجوزي: "السعيد من ذل لله وسأل العافية، فإنه
لا يوهب العافية على الإطلاق، إذ لابد من بلاء، ولا يزال العاقل يسأل
العافية ليتغلب على جمهور أحواله، فيقرب الصبر على يسير البلاء، وفي الجملة
ينبغي للإنسان أن يعلم أنه لا سبيل لمحبوباته خالصة، ففي كل جرعة غصص وفي
كل لقمة شجأ، وعلى الحقيقة ما الصبر إلا على الأقدار، وقل أن تجري الأقدار
إلا على خلاف مراد النفس، فالعاقل من دارى نفسه في الصبر بوعد الأجر،
وتسهيل الأمر، ليذهب زمان البلاء سالماً من شكوى، ثم يستغيث بالله -تعالى-
سائلاً العافية، فأما المتجلد فما عرف الله قط، نعوذ بالله من الجهل به،
ونسأله عرفانه إنه كريم مجيب" (صيد الخاطر- ص: 233).


وعن بديل بن ميسرة قال: كان مطرف يقول: "لأن أعافى فأشكر
أحب إلي من أن ابتلى فأصبر"، وكان أخوه أبو العلاء يقول: "اللهم أي ذلك
كان خيراً فعجل لي".


وقال عمرو بن السكن: "كنت عند سفيان بن عيينة فقام إليه
رجل من أهل بغداد، فقال: يا أبا محمد، أخبرني عن قول مطرف: "لأن أعافى
فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر" أهو أحب إليك، أم قول أخيه أبي العلاء:
"اللهم رضيت لنفسي ما رضيت لي"؟ قال: فسكت سكتة ثم قال: "قول مطرف أحب إلي"
فقال الرجل: كيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضيه الله له! قال سفيان: إني قرأت
القرآن فوجدت صفة سليمان مع العافية التي كان فيها (نعم العبد إنه أواب)،
ووجدت صفة أيوب مع البلاء الذي كان فيه (نعم العبد إنه أواب) فاستوت
الصفتان، وهذا معافى وهذا مبتلى، فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر فلما
اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر". (حلية
الأولياء: 2/212).


عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ؛ قَالَ: "الْخَيْرُ الَّذِي لا شَرَّ فِيهِ: الشُّكْرُ مَعَ
الْعَافِيَةِ، وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ
عَلَيْهِ غَيْرِ شَاكِرٍ، وَمُبْتَلًى غَيْرِ صَابِرٍ؟!. (ابن عبد البر:
المجالسة وجواهر العلم: 6/313).


قالوا: رأت فأرة البيوت فأرة الصحراء في شدة ومحنة،
فقالت لها: ما تصنعين هاهنا؟ اذهبي معي إلى البيوت التي فيها أنواع النعيم
والخصب، فذهبت معها، وإذا رب البيت الذي كانت تسكنه قد هيأ لها الرصد لبنة
تحتها شحمة، فاقتحمت لتأخذ الشحمة، فوقعت عليها اللبنة فحطمتها فهزت الفأرة
البرية رأسها متعجبة وقالت: أرى نعمة كبيرة وبلاءً شديداً، العافية والفقر
أحب إلي، ففرت إلى البرية.


لكن ولأن الدنيا دار اختبار وبلاء قال -تعالى-: (الم *
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت:1-3].


فإن العاقل ينبغي عليه أن يدرك حقيقة الدنيا، ويعرف أن
الاختبار والابتلاء فيها يكون للتمحيص، وأن الابتلاء من الله -تعالى- قد
يكون دليلاً على محبته للعبد، فأكثر الناس ابتلاءً الأنبياء والرسل الكرام؛
لأن الله -تعالى- أراد أن يرفع درجتهم ويثبت حجتهم ويجعلهم قدوة للخلق.


ومن ابتلاء الله -تعالى- لعبده: الابتلاء بالمرض وهو من
أشد أنواع الابتلاء إذا طال أمده واستعصى علاجه، لكن المؤمن دائماً ما يرى
المنح في المحن والنور في الظلام الحالك والفرج بعد الضيق واليسر بعد العسر
والشفاء بعد المرض والمعافاة بعد البلاء.


والمؤمن -وحده - هو الذي يرى أن المرض:

1- سبب لتكفير السيئات:

الأمراض كفارات: وأول ما تكفر الخطايا والسيئات، قال
-تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30].


وعَنْ أَبي هُرَيْرَة -رضي الله عنه-: عَنِ النَّبِي
-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب، وَلاَ
وَصَب، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حَزن، وَلاَ أَذىً، وَلاَ غَمّ، حَتى الشوْكَةِ
يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)) أخرجه أحمد
2/303(8014)، والبُخَارِي 7/148ومسلم 8/16(6660).


وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ
بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى
يَلْقَى اللّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة)) أخرجه أحمد 2/287(7846)،
والبُخاري في الأدب المفرد (494)، والتِّرمِذي (2399).


وعَنْ عَبْد اللهِ بن مسعود -رضي الله عنه-: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا
شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ: إِنَّ
ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: ((أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يُصِيبُهُ أَذًى، إِلاَّ حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ
وَرَقُ الشَّجَرِ)) أخرجه أحمد 1/381 (3618) والبُخاري 7/149(5647)، ومسلم
8/14(6651).


وعَنْ جَابِر ٍبن عبد الله –رضي الله عنهما- قَالَ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أُمِّ
السَّائِبِ، أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: ((مَا لَكِ يَا أُمَّ
السَّائِبِ - أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ - تُزَفْزِفِينَ؟ قَالَتِ:
الْحُمَّى، لاَ بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: لاَ تَسُبِّي الْحُمَّى،
فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ
الْحَدِيدِ)) أخرجه البُخَارِي، في "الأدب المفرد" (516)، ومسلم
8/16(6662)، والنَّسائي في "عمل اليوم والليلة" (1063).


عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-:
أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أعرابي يَعُودُهُ -
قَالَ:- وَكَانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ
يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: ((لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ:
قُلْتَ طَهُورٌ، كَلاَّ بَلْ هي حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى
شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم
- فَنَعَمْ إِذًا)) أخرجه البخاري 4/246(3616)، والنَّسائي (7457)، وفي
"عمل اليوم والليلة" (1039).


أخرج الدينوري في "المجالسة" عن وهيب بن الورد: "يقول
الله - تعالى-: ( إني لا أخرج أحداً من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى
أوفيه بكل خطيئة كان عملها سقماً في جسده، ومصيبة في أهله، وضيقاً في
معاشه، وإقتاراً في رزقه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر، فإن بقي عليه شيء شددت
عليه الموت حتى يفضي إليّ كيوم ولدته أمه، وعزتي لا أخرج عبداً من الدنيا
وأنا أريد أن أعذبه حتى أوفيه بكل حسنة عملها صحة في جسده، وسعة في رزقه،
ورغداً في عيشه، وأمناً في سربه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر فإن بقي له شيء
هونت عليه الموت حتى يفضي إليّ وليس له حسنة يتقي بها النار)". (السيوطي:
شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور- 36).


2- سبب لرفع الدرجات:

والمرض يكون سبباً في تكثير الحسنات وفي رفع الدرجات،
وذلك إذا قابله المرء بالصبر والرضا وترك التسخط والشكايات، قال -تعالى-:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ
ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ
عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:83-84].


عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ
اللَّهِ -تعالى- الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَمَا يَزَالُ
يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبْلِغَُهُ إِيَّاهَا)) أخرجه أبو يعلى
في " مسنده " (4 / 1447)، وعنه أخرجه ابن حبان (693)، والحاكم (1 /
344)،الألباني"حسن"، انظر: حديث رقم: (1625) في صحيح الجامع.


قال مُطرِّف بن عبد الله الشخير: "أتيت عمران بن حصين
يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى. قال: فلا
تفعل، فوالله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله. وكان عمران بن الحصين قد استسقى
بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير
من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته. فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل
يبكي لما يراه من حاله فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة
العظيمة. قال: لا تبك فإن أحبه إلى الله -تعالى-، أحبه إليّ. ثم قال: أحدثك
حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم عليّ حتى أموت، إن الملائكة تزورني
فآنس بها، وتسلم عليّ فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة،
إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون
راضياً به؟!" (إحياء علوم الدين 4/349).


3- سبب لقرب العبد من ربه:

كما أن المرض يقرب العبد من ربه ويكون سبباً لنزول
الصلوات والرحمات، قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ
الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157].


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَقُولُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ:
يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ
أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ، يَا ابْنَ آدَمَ،
اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ
أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ
اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ
لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ،
اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ
وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ
تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي)) أخرجه
البخاري في "الأدب المفرد" (517)، ومسلم (6648)، وابن حِبَّان (269).


جاء في بعض الآثار: يا ابن آدم، البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك.

4- سبب لحصول المسرة والسعادة:

كذا فإن الأمراض تكون سبباً قي حصول السعادة والمسرات،
قال -تعالى-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].


وقال: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء:19].

وعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله -رضي الله عنهما- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَوَدُّ أَهْلُ
الْعَافِيَةِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ
الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا
بالْمَقَارِيضِ)) أخرجه التِّرْمِذِي (2402)، الألباني في "السلسلة
الصحيحة" (5/240).


وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ –رضي الله عنه-: أًنَّ
رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ،
قال الله: لِمَلاَئِكَتِهِ: قَبَضْتُم وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ:
نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولَونَ: نعَمْ.
فَيَقُولُ: مَاذَا قال عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاستَرْجَعَ.
فَيَقُولُ الله: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. وَسَمُّوهُ
بَيْتَ الْحَمْدِ)) أخرجه أحمد (4/415)، الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3/
398).


عَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه-" عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى
الله عليه وسلم– أَنَّهُ قَالَ: ((عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ
الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ
رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)) أخرجه ابن ماجة
(4031)، والتِّرْمِذِيّ (2396).


قال القرطبي في: (تفسيره: 3/35) قال الحسن: "لا تكرهوا
الملمات الواقعة، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أم تحبه فيه عطبك"، وأنشد
أبو سعيد الضرير:


رب أمر تتقيه *** جر أمرا ترتضيه

خفي المحبوب منه *** وبدا المكروه فيه

5- يخرج الكبر والعجب من قلب العبد:

والمرض يخرج الكبر والعجب من قلب من يطلب مرضاة رب
البريات، يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله -: "لولا محن الدنيا ومصائبها
لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه
عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من
أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء" (زاد المعاد: 4/173).


قال مالك بن دينار: "قال موسى -عليه السلام-: يا رب أين أبغيك؟ قال: أبغني عند المنكسرة قلوبهم". (حلية الأولياء: 2/364).

"عندما مرض هارون الرشيد ونام على فراش الموت، فنظر إلى
جاهه وماله وقال: ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه!! ثم قال: أريد أن أرى
قبري الذي سأدفن فيه!! فحملوه إلى قبره، فنظر هارون إلى القبر وبكى ونظر
إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه...ارحم من قد زال ملكه".


قال ابن الجوزي في "بحر الدموع ص: 12" ويروى عن المزني،
قال: "دخلت على الشافعي - رضي الله عنه - في علته التي مات منها، فقلت له:
كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولكأس المنيّة
شارباً، ولسوء عملي ملاقياً، وعلى الله وارداً، فلا أدري: أروحي تصير إلى
الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم بكى وأنشأ يقول:


ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ‍*** جعلت الرجا مني لعفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته ‍‍*** بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فما زلت تعفو عن الذنب لم تزل ‍‍*** تجود وتعفو منّة وتكرّما

فلولاك لم ينجو من إبليس عابد ‍*** وكيف وقد أغوى صفيّك آدما

6- انتظار المريض للفرج:

ومن فوائد المرض أن المريض ينتظر الفرج وفتح أبواب
الرحمات، قال - تعالى -: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا
يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف:110].


وعَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ
بِبَلاَءٍ فِي جَسَدِهِ، قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ
عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، فَإِنْ شَفَاهُ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ،
وَإِنْ قَبَضَهُ، غَفَرَ لَهُ، وَرَحِمَهُ.


- وفي رواية: مَا مِنْ مُسْلِمٍ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِي
جَسَدِهِ، إِلاَّ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ، مَا كَانَ
مَرِيضًا، فَإِنْ عَافَاهُ، أُرَاهُ قَالَ: عَسَلَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ،
غَفَرَ لَهُ)) أخرجه أحمد 3/148(12531) والبُخَارِي في "الأدب المفرد"
(501).


عَنْ عَبْد اللهِ بن مسعود –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ،
فَإِنَّ اللَّهَ -عز وجل - يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ
الْعِبَادَةِ: انْتِظَارُ الْفَرَجِ)) أخرجه الترمذي (3571)، الألباني:
ضعيف، الضعيفة (492).


كان صخر بن الشّريد أخو الخنساء خرج في غزوةٍ فقاتل فيها
قتالاً شديداً فأصابه جرحٌ رغيبٌ، فمرض فطال مرضه وعاده قومه، فقال عائدٌ
من عوّاده يوماً لامرأته سلمى: كيف أصبح صخرٌ اليوم؟ قالت: لا حيّا فيرجى
ولا ميتاً فينسى. فسمع صخرٌ كلامها فشقّ عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا
وكذا؟ قالت: نعم غير معتذرةٍ إليك. ثم قال عائدٌ آخر لأمّه: كيف أصبح صخرٌ
اليوم؟ فقالت: أصبح بحمد اللّه صالحاً ولا يزال بحمد اللّه بخيرٍ ما رأينا
سواده بيننا. فقال صخر:


أرى أمّ صخرٍ ما تملّ عيادتي *** وملّت سليمى مضجعي ومكاني

وما كنت أخشى أن أكون جنازةً *** عليك ومن يغترّ بالحدثان

فأيّ امرئٍ ساوى بأمٍّ حليلةً *** فلا عاش إلاّ في أذى وهوان

أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه *** وقد حيل بين العير والنّزوان

لعمري لقد أنبهت من كان نائماً *** وأسمعت من كانت له أذنان

اللهم إني أسألك إيماناً دائماً، وقلباً خاشعاً، وأسألك يقينا صادقاً، وأسألك علماً، وأسألك ديناً قيماً، وأسألك

العافية من كل بلية، وأسألك تمام العافية، وأسألك دوام العافية، وأسألك الشكر على العافية، وأسألك الغنى عن الناس.

description الأمراض كفارات Emptyرد: الأمراض كفارات

more_horiz
مشكور على موصوع

description الأمراض كفارات Emptyرد: الأمراض كفارات

more_horiz

السلام عليكم

العفو و شكرا على المرور

بالتوفيق للجميع



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي