القعقاع بن عمرو بين الحقيقة والخيال
للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد جرت العادة أنّ حال أكثر النّاس دائر بين الإفراط والتّفريط، والإغراق والتّقصير، والحقّ هو ملازمة الإنصاف، بعيدا عن الغلوّ أو الإجحاف.
وممّن تناولته الألسنة بالحديث هذه الأيّام، علم من الأعلام، وفارس من الفرسان الكرام، ألا وهو: القعقاع بن عمرو التّميميّ رحمه الله.
ولمّا
كان لكلّ قوم عادة، فعادتي قبل أن أخطّ حرفا، أو أنبِس ببنت شفة، فإنّي
أبحث عن دواعي حديث النّاس، وتطايُره بين الأجناس ! فإذا بالدّاعي إلى ذلك
هو: ذيوع صِيت إنتاج سينمائيّ عربيّ ! يَعرِض فيها حياة البطل التّميميّ.
فتمخّض جبل الإعلام، فولد كثيرا من الكلام، فتسمع هذا يفْصِل في صحبته فصلا .. وتقرأ لآخر ينفي وجوده أصلا .. وثالث ينسُب النّفي للرّافضة ! وغير ذلك.
والصّواب - والله أعلم - هو التوسّط في المسألة، والّذي أعتقده:
أنّ القعقاع بن عمروٍ رحمه الله
كان من سادة الرّجال، والمجاهدين الأبطال، وكان له الأثر البليغ في
الإطاحة بدولة الفرس في معركة القادسيّة وغيرها، فكان عنوانا للشّجاعة
والإقدام، ومثالا يقتدِي به أبناء الإسلام.
وقد روى غير واحدٍ من أهل السّير والتّاريخ أنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه قال فيه:"صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل". والله أعلم بصحّة ذلك.
فهو رحمه الله من خيرة التّابعين، وليس صحابيّا؛ وقد ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله في " الاستيعاب " أنّه هو وأخاه عاصمَ بن عمرو " لا يصحّ لهما عند أهل الحديث صحبة ولا لقاء ولا رواية ".
وأفاد أنّ الّذي ذكر أنّ له صحبةً إنّما هو سيف بن عمرو التّميمي، وسيف لا يخفى حاله على طالب الحديث، فهو متروك.
وقال ابن عساكر رحمه الله بصيغة التّمريض:" يقال إن له صحبة "، ولا شكّ أنّ الصّحبة لا تثبت بمثل ذلك.
فالمُثبِت لصحبته رحمه الله هو المُطالب بالدّليل على ذلك، لأنّ النّافي باقٍ على الأصل.
وربّما ساعد على انتشار هذا الخطأ، أنّ هناك من الصّحابة من اسمه القعقاع، وهو من بني تميم أيضا، ففي صحيح البخاري:
أنّه قدم ركبٌ منْ بني تميمٍ على النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أَمِّرْ القعقاعَ بنَ معْبدِ بنِ زُرارةَ. قال عمر: بل أَمِّرْ الأَقْرعَ بنَ حابسٍ ... فنزل في ذلك قوله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
فالتباس الأسماء والأنساب، إذا أضيف إليه رواية سيف بن عمرو، والسّهو الّذي لا يسلم منه أحد، يؤدّي كلّ ذلك إلى شيوع الخطأ.
أمّا
من توسّع ونفى وجود شخص بهذا الاسم فغير سديد؛ لأنّه خلاف ما جرى عليه عمل
أهل العلم بالسّير والأخبار المشهود لهم بالتحرّي والتثبّت.
والله تعالى أعلم.
للشيخ الفاضل أبي جابر عبد الحليم توميات حفظه الله
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد جرت العادة أنّ حال أكثر النّاس دائر بين الإفراط والتّفريط، والإغراق والتّقصير، والحقّ هو ملازمة الإنصاف، بعيدا عن الغلوّ أو الإجحاف.
وممّن تناولته الألسنة بالحديث هذه الأيّام، علم من الأعلام، وفارس من الفرسان الكرام، ألا وهو: القعقاع بن عمرو التّميميّ رحمه الله.
ولمّا
كان لكلّ قوم عادة، فعادتي قبل أن أخطّ حرفا، أو أنبِس ببنت شفة، فإنّي
أبحث عن دواعي حديث النّاس، وتطايُره بين الأجناس ! فإذا بالدّاعي إلى ذلك
هو: ذيوع صِيت إنتاج سينمائيّ عربيّ ! يَعرِض فيها حياة البطل التّميميّ.
فتمخّض جبل الإعلام، فولد كثيرا من الكلام، فتسمع هذا يفْصِل في صحبته فصلا .. وتقرأ لآخر ينفي وجوده أصلا .. وثالث ينسُب النّفي للرّافضة ! وغير ذلك.
والصّواب - والله أعلم - هو التوسّط في المسألة، والّذي أعتقده:
أنّ القعقاع بن عمروٍ رحمه الله
كان من سادة الرّجال، والمجاهدين الأبطال، وكان له الأثر البليغ في
الإطاحة بدولة الفرس في معركة القادسيّة وغيرها، فكان عنوانا للشّجاعة
والإقدام، ومثالا يقتدِي به أبناء الإسلام.
وقد روى غير واحدٍ من أهل السّير والتّاريخ أنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه قال فيه:"صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل". والله أعلم بصحّة ذلك.
فهو رحمه الله من خيرة التّابعين، وليس صحابيّا؛ وقد ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله في " الاستيعاب " أنّه هو وأخاه عاصمَ بن عمرو " لا يصحّ لهما عند أهل الحديث صحبة ولا لقاء ولا رواية ".
وأفاد أنّ الّذي ذكر أنّ له صحبةً إنّما هو سيف بن عمرو التّميمي، وسيف لا يخفى حاله على طالب الحديث، فهو متروك.
وقال ابن عساكر رحمه الله بصيغة التّمريض:" يقال إن له صحبة "، ولا شكّ أنّ الصّحبة لا تثبت بمثل ذلك.
فالمُثبِت لصحبته رحمه الله هو المُطالب بالدّليل على ذلك، لأنّ النّافي باقٍ على الأصل.
وربّما ساعد على انتشار هذا الخطأ، أنّ هناك من الصّحابة من اسمه القعقاع، وهو من بني تميم أيضا، ففي صحيح البخاري:
أنّه قدم ركبٌ منْ بني تميمٍ على النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أَمِّرْ القعقاعَ بنَ معْبدِ بنِ زُرارةَ. قال عمر: بل أَمِّرْ الأَقْرعَ بنَ حابسٍ ... فنزل في ذلك قوله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
فالتباس الأسماء والأنساب، إذا أضيف إليه رواية سيف بن عمرو، والسّهو الّذي لا يسلم منه أحد، يؤدّي كلّ ذلك إلى شيوع الخطأ.
أمّا
من توسّع ونفى وجود شخص بهذا الاسم فغير سديد؛ لأنّه خلاف ما جرى عليه عمل
أهل العلم بالسّير والأخبار المشهود لهم بالتحرّي والتثبّت.
والله تعالى أعلم.