مقدمة:
ليس هذا بحثًا في تُراث فِلَسْطين، ولا بحثًا عنه، ولكنه بَحْث له، أو من أجْلِه؛ يهدف إلى عدة أمور، أهمها أنَّ ثمة خطرًا ينبغي أن ننتَبِه له، وأن هذا الخطر واقع هناك على أرض فِلَسْطين، وأنه ليس ما نُشاهده مما يَقَعُ على إنسانِ تلك الأرض الذي تربطنا به روابط الدِّين واللغة، والتاريخ والجغرافيا، فذلك أمْرٌ مكْشُوف ليس بحاجةٍ إلى إشارة أو تنْبيهٍ، بل هو أمرٌ آخر متَّصِل بذلك الإنسان، وأعني ذاكرته التي تَتَمَثَّل في تراثِه، والتراثُ مفهوم متسِع يشمل أشياء كثيرةً، سيتم حصرها، أو محاولة ذلك، وإذا كان الخطرُ يُهَدِّد هذا التراث، ويجعله ويجعلنا في مِحْنة، فإنَّ منَ الحق القولَ: إنَّه أيضًا "منحة"، لم نَقُمْ بحقِّ شُكرها.
السياسة والثقافة:
الإنسانُ مادةٌ وروح، أو جسَد وذاكرة، ونعني بالذاكرة: العقل والفكر والتاريخ، وهذا كله مستهدَف؛ فإنَّ فيه تهديدًا لمن يحاول صك "شرعيةٍ" ما زورًا، بل إنه الهدَف الأهم؛ لأنَّ الجسد وحده لا يخيف إذا مَحَوْنا أو شَوَّهْنا العقل أو الذاكرة، إذ يستحيل الإنسان مجردًا من ذلك إلى آلة يُمكن استئناسها أو تسْييرها من قِبَل الآخر، أما مع العقل أو الذاكرة فالأمرُ مختلف؛ إذ يرفض الإنسان الاستئناس أو التسيير من ناحية، ويمتلك من ناحية أخرى قُدرةً غير عادية على بَعْث الحياة في الجسد، ونفخ الروح فيه للدِّفاع والمقاومة من ناحية أخرى، ويظل الجسد قادرًا ما دامت الذاكرةُ حيةً متوَثِّبة، فإذا ذهبتْ هذه الأخيرة أو طُمِسَت، أو شوِّهَت، أو عُبث فيها، شُلَّ الجسدُ، وتَيَبَّس، ومات.
والحرب التي تدور الآن في فِلَسْطين ولا تزال حربان: حرب الأرض والناس، وحرب أخرى على الذاكرة؛ الأولى: سياسية، والأخرى: ثقافية.
السياسية:
تَسْتَخْدم الرشَّاش والمدفع والدبابة والطائرة والصاروخ، والثقافيَّةُ: وسائلها القلم والمخطوط والكتاب والأثر والوثيقة، واختلاف الآلات والوسائل وحده يُقيم هذا الحد بين الحربَيْن، ويعطي لكلٍّ منهما اسمها، أما إذا نَظَرْنا إلى الغاية، فإنَّ الحربين حرب واحدة، هدفُها السيطرةُ على الناس ومصالحهم.
ولكلٍّ من الحربين سمات، أهمها: أن الحرب السياسية ظاهرة، والثقافية خفية أو مخفية، الأولى: بسيطة، والثانية: مُركبة، الأولى: تحصد الأجساد، والثانية: تحصد العقول، الأولى: تنتهي فتَتَوَقَّف الرشاشات وتسكت المدافع، والثانية: مستمرة ما استمر وجود صاحب الحق.
وانشغالنا بالأولى لا يجوز أن يلهينا عن الثانية؛ لأنهما قائمتان معًا، ففي الوقت الذي يقوم فيه جُندي صِهْيَوْني بإطلاق الرصاص من سلاحه على رأس فِلَسْطيني أو صدره، تكون هناك كتيبة من الجنود تدك مسجدًا أو تحرق كنيسة، أو تسوِّي مكتبة تاريخية بالأرض.
كما يكون هناك آخرون لا يلبسون ملابس عسكرية، ولا يحملون أسلحة، يقومون بعملٍ من نوع آخر، يُحَرِّفون كتابًا أو وثيقةً، أو يطمسون حجَّة أوقاف، فيرتكبون بين السطور والكلمات والأختام قتلاً من نوع مختلف، تزيد خطورته بالتأكيد على طلقة البندقية، ودانة المدفع، وقنبلة الطائرة.
لقد حكى القرآنُ الكريم لنا كيف كان بنو إسرائيل يقتلون الأنبياء بيدٍ، ويحرفون كتبهم السماوية باليد الأخرى، ذلك أن ذكاءَهم "الشيطاني" دلَّهُم على خطر الكلمة وتأثيرها، وأنَّ بإمكانهم عن طريقها أن يَصِلُوا إلى مآربهم، ولنا أن نَتَصَوَّر بساطة أن يعبثوا بحقوق الناس بعد أن اتخذوا كلمات الله هُزُوًا، فغيَّرُوها وبدَّلُوها.
وإذًا؛ فمحو الثقافة جزءٌ من اللعبة السياسية؛ سعيًا لتحقيق مصالح المعْتَدي والمستكبر والمغتصب للأرض، وهذا يفرض علينا أن نفتحَ أَعْيُن المثقفين وجموع الأمة على ما يجري؛ ليَفْهَمُوا أصول اللعبة وأبعادها، ويهبطوا مِنْ أَبْراجِهم العاجية التي يعيشون فيها، ويُسْهِمُوا بدَوْرِهم في المواجهة، وهي من نوع الحرب الثقافية التي سلفت الإشارة إليها.
فلسطين: المكان والمكانة:
شُغِل المؤرخون والجغرافيون والمفكِّرون بالبحث عن شخصية بلدانهم[1]، فإذا كان لكل إنسان "شخصيته" التي تتمَيَّز ملامحها الخاصة، ولا تشتبه بــ"شخصية" أخرى، فإنَّ الأمكنة كذلك، وقد كان البحث في هذا الاتجاه من أرقى الأعمال التي قام بها هؤلاء؛ لأنهم تجاوزا بذلك الخصائص المرئية للمكان إلى فلسفته، ونفذوا إلى ما يميزه ويعطيه تفرده وُصُولاً إلى عبقريته، من خلال نظرةٍ تركيبيةٍ عميقة، ربطتْ بين الأرض والناس، والمادي والروحي، والماضي والحاضر.
وفِلَسْطين[2] على الرغم من محدودية مساحتها، وقلَّة سكانها "شخصيةٌ" ذات قيمة عالية، تجعل منها نموذجًا لا يقل عن أمكنة أخرى مجاورة، أكبر مساحة، وأكثر عددًا، فالمسألةُ ليستْ مساحة وسكانًا فحسب، ولكنها مسألة صلابة وقدرة على التفاعل مع الذات، ومع الكون بكلِّ ما فيه.
فلسطين - إذا استعرنا مصطلح الجغرافيين - شخصيةٌ إقليمية نموذجية، قلبت المقاييس المتعارَف عليها، وانفردتْ بكونها من أغنى الشخصيات الإقليمية، دون أن تتوافرَ فيها بعضُ العناصر التي قد يراها بعضُهم هامة وضرورية.
وأحسب أننا لسنا بحاجةٍ إلى أدلة، وبخاصة أننا نُشاهد بعيوننا عظمة الإنسان الذي يَحْيا على تلك الأرض وصلابته، وقدرته على المواجَهة والمقاومة والفداء والاستشهاد، وعدم اليأس أو القنوط، والصبر على الجوع والفقر والموت، كل ذلك في ظل حالةِ تَهَاوُنٍ عربية وإسلامية وعالمية، لا يمكن تفسيرُها، ولا تسويغها.
إذا أردنا أن نُلَخِّص الشخصية الإقليمية لفِلَسْطين في كلمات قليلة، ونرسمها بإيجاز، فإنه يمكننا أن نقول: فِلَسْطين جارة أربع دول عربية، هي: مصر، وسورية، والأردن، ولبنان، مصر أكبر منها بـ 37 مرة، وأكثر منها سكانًا بما يزيد على عشرات مرات، وسورية تكبرها بـــ 7 مرات، ويزيد سكانها أكثر من الضِّعْف، ومساحة الأردن أكبر منها بأكثر مِن ثلاث مرات، وإن كان عدد سكانها أقل (6 %)، أما لبنان فمساحته أقل بنسبة 38 %، وعدد سكانه أقل بنسبة 45 %[3].
وقد أسال موقع فِلَسْطين الجغرافي لُعاب الطامعين عبر التاريخ، فنحن نعرف أن الهكسوس انطلقوا منها إلى مصر، ومنها دخل نابليون إلى الشام، وانطلق منها المسلمون لنَشْر الدعوة الإسلامية في مصر وشمالي إفريقية وبلاد الأندلس، واختارتها بريطانيا لتكونَ تحت انتدابها؛ تأمينًا لطرق مواصلاتها إلى الهند عبر قناة السويس.
وننظر في التاريخ فتتوالى الصورُ سريعة، فعلى أرضها التقت الدياناتُ السماوية الثلاثة؛ اليهودية، والمسيحية، والإسلام، وبها وُلِد المسيح، وفيها كنيسة القيامة، وهناك الكثير من الآثار والأمكنة المسيحية المقدسة التي تضرب في عُمْق التاريخ، وتربط بين الإنسانِ والمكان، وتجعل منهما شيئًا واحدًا لا يقبل التجزئة ولا الانفصام.
وفيها المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وفيها البقعةُ التي بارك الله حولها؛ المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى التي توجهوا إليها في المراحل الأولى من الدعوة الإسلامية، ثم استجاب الله دعوة نبيه الذي قلَّب وجْهه في السماء متحيرًا، موزع القلْب بين بيت الله الحرام في مكة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، فأَمَرَهُ بالتوجه إلى الكعبة الشريفة؛ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، لكن تَحْويل القبلة عن المسجد الأقصى لم ينلْ من مكانته، ففي الحديث الشريف: ((لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))[4].
ونترك الموقع "الجغرافيا" والمكانة التاريخية والدينية، لنلحظ طبيعة الأرض التي وصفتْ بأنها مليئة بالعوائق والموانع التي تعين على الدِّفاع عنها، يقول آدم سميث: "ولا تجدي معها الجيوش الكبيرة، ولا تستطيع أن تفعلَ شيئًا"[5]، هذه الصلابة والمنعة والقدسية المستمدة انعكستْ على الإنسان، وهذا ثابت ومُقَرَّر علميًّا.
بعد ذلك أراني أود أن أكثِّفَ شخصية فِلَسْطين بوصفها مكانًا، وأخْتزلها في كلمَتَيْن "أرض الحياة"، والحياة هنا تتجاوز مناقضة الموت إلى وصف آخر أعلى وأغنى هو منحُ الحياة لإنسانها، وإعطاؤها القدرة على مُواجَهة الموت، وانتزاع حقه ممن يريد أن يسلبه هذا الحق أو يعتدي عليه.
مثلُ هذه الأرض، ومثل هذا الإنسان، لا بد أن يكون لهما عطاء عظيم ممتد على مدى التاريخ على مختلف الأصعدة، ولا شك أن هذا العطاء سيتجلى في تراث يُمَثِّل ذاكرة الأرض والناس.
تراث فلسطين أو ذاكرتها:
تمتلك فلسطين تراثًا كبيرًا، وغنيًّا، كمًّا ونوعًا وتنوُّعًا، يمثِّل جزءًا مهمًّا من ذاكرتنا العربية والإسلامية من ناحية، وجزءًا مهمًّا أيضًا من الذاكرة الإنسانية، ويتعرض اليوم لحرب متوحشة، تشنها إسرائيل، ونحن غافلون غفلةً غير مفهومة، متخلين بذلك عن واحد من أهم الأسلحة، ولا يخفى أنه سلاح ذُبِحْنَا به ونذبح، في الوقت الذي كان يمكن أن يكون في أيدينا، نَدْرأ به عن أنفسنا، ونثبت به حقوقنا.
ويتَمَثَّل ذلك التراث في تلك الآثار المشاهدة القائمة على الأرض من عمائر ونقوش وحفريات، وما يتصل بها من قطع أثرية وأحجار وعملات وشواهد وصور، وتلك الوثائق التاريخية والشرعية التي تحكي حياة الناس وتقيد معاملاتهم وعلاقاتهم مع بعضهم ومع غيرهم، مع أنفسهم ومؤسساتهم وحكامهم، مع أصدقائهم وأعدائهم، وتلك الحجج والدفاتر والسجلات التي تؤكد الحق في الأرض والبيت والمسجد والكنيسة والمكتبة والمدرسة والسبيل والمنشأة.
كما يَتَمَثَّل في ذلك التراث الفكري، الأدبي واللغوي، والتاريخي والعلمي، والمدون في مخطوطات تكشف عن نتاج عقول الناس على تلك الأرض.
وليس المقصود بــ"تراث فلسطين" ما هو موجود فقط في فِلَسْطين، بل هو أكبر وأشمل من ذلك بكثير، فعطاء فلسطين ليس مقصورًا على الموجود داخلها، كما أنه ليس ما أنتجه أبناؤُها فقط، إنه يشمل - من وجهة نظري:
تراثًا في فلسطين.
وتراثًا عن فلسطين.
وتراثًا من فلسطين.
وتراثًا لفلسطين.
هذه الأنواع الأربعة معًا هي تراث فِلَسْطين أو ذاكرتها، وينبغي أن نبذل كل ما في وسعنا للعناية بها ورعايتها، وتوظيفها.
ونلاحظ في القسمة السابقة دور حروف الجر، فلنبين ما نريد:
1 - التراث في فلسطين: هو ذلك الذي ما زال موجودًا على أرضها، سواء كان لدى السلطة الفلسطينية، أو وضع عليه المحتل يدَه الآثمة، بغضِّ النظر عن موضوعه، وهو جزء من الذاكرة العربية والإسلامية التي هي الذاكرة الكلية لفِلَسْطين.
2 - التراث عن فلسطين: هو كل ما يتصل بها، أيًّا كانت درجة الاتصال، لكنه خارجٌ جغرافيًّا، وقد يكون موجودًا داخل الوطن العربي، أو في العالم الإسلامي، وقد يكون بأقلام أبنائها، أو إخوتهم من العرب والمسلمين، ولكنه ليس بأقلام الآخرين.
3 - التراث من فِلَسْطين: وأعني به ذلك الذي أفرَزَتْه تلك البقعة، سواء ارتبط بها أم لم يرتبط، أقصد سواء كانت فلسطين موضوعًا له، أم لم تكن، وأوضح أكثر فأقول: إنه نتاج أبناء فلسطين أو الذين تعلموا فيها، أو عاشوا على أرضها، من مخطوطات في المتاحف والأديرة، وعملات أثرية، ومكاتبات، وأدب وغيره، مما يعكس عبقرية المكان.
4 - التراث لفلسطين: ويراد به ذلك المرتبط بفلسطين، ومصدره الآخرون في الماضي والحاضر، وإنما فصلته عن "التراث عن فلسطين"؛ لأنه محتاج إلى درجة أعلى من الحذر في التعامل معه، وإنما عددته ضمن تراث فِلَسْطين؛ لأن لها دورًا في إنتاجه بوصفها موضوعًا له، كما أن له دورًا في فهم ما يدور في عقول الآخرين عنها، وما يترتب على ذلك من توظيفه في خدمة الغاية التي نسعى إليها.
فالتراثُ في فلسطين وعنها، بُعْده جغرافي، ولا يخفى أن هذا البُعد أو هذه الدائرة الجغرافية ليست مرتبطة بالحدود السياسية لفلسطين الحالية، وعليه فإن هذه الدائرة تتسع لتشمل المناطق المحاذية لفلسطين؛ إذ هي امتدادات طبيعية للدائرة الأساسية، فنحن لا نستطيع أن نغفل تخوم فلسطين، ونضرب مثلاً بجنوبي فِلَسْطين، حيث مكتبة دير سانت كاترين التي تحتوي على كثير من المخطوطات والوثائق، وفيها الكثيرُ من المعلومات المهمة المتصلة بالامتدادات البشرية لسكان فلسطين، وتحركاتهم ونشاطاتهم، ورحلاتهم.
فلسطين بكل اللغات:
وإذا كانت القضية هي "فلسطين"، التي نريد أن ننفذ إلى روحها عبر التاريخ والمكان والبشر لنحمي ذاكرتها وحقنا فيها، فإن مسألة اللغة تصبح وسيلة لا غرضًا، بمعنى: أننا ونحن نخدم فلسطين ونحميها، نلجأ إلى كل اللغات، ولا نقتصر على ما كُتِب بلغتنا القومية، وهذا يعني أن تتسع الدائرة اللغوية التي نتحرك في البحث والتوثيق فيها؛ لتشمل لغات عديدة تاريخية وحية، منقوشة ومكتوبة، ولنا أن نتصور حجم العِبْء الملْقَى على الأمة ورجالها المخلصين، فلدينا بالإضافة إلى العربية السريانيةُ والآرامية والبيزنطية أو اللاتينية، ولدينا التركية واليونانية والقبطية.. وغيرها.
وثمة أولويات في التعامل مع كل نوع من أنواع تراث فلسطين:
الموجود داخل فلسطين أولويته أن ننقذه عن طريق المطالبة به وجمعه، وصيانته وترميمه، وتوفير المكان الملائم له؛ نظرًا للأوضاع التي يعاني منها.
في حين أن أولوية التراث عن فلسطين تتمثل في جمعه في مكان واحد، ولفت الانتباه إلى ما يحتويه من معلومات هامة للإفادة منها، واستخراج ما يعضد الحق العربي في تلك الأرض.
والتراث من فلسطين أولويته في درسه والتنقيب عنه أيضًا.
والتراث لفلسطين أولويته في تبويبه وإتاحته للباحثين.
ويجمع ذلك كله أننا محتاجون حقًّا إلى ما يمكن تسميته: "المكتبة الفلسطينية الكبرى"، التي تُشَكِّل ذاكرة كاملة لتلك الأرض[6]، إنه عبء حضاري وتاريخي وقومي وديني ثقيل.
محنة التراث في فلسطين:
بدأت محنةُ التراث في فلسطين مع محنة أصحابه، في سنة 1948، فقد نزحت أعداد كبيرة من الفلسطينيين أو طردوا، وكان لهذا أو ذاك أثرهما الكبير على المجموعات الخطية التي تمتلكها الأسر، وتبلغ المحنة ذروتها، ففلسطين اليوم تحت الحصار، وتراثُها يَتَعَرَّض للإبادة، شأنه شأن أصحابه.
ويهمنا هنا أن نخص بالحديث ذلك الجزء الموجود داخل فلسطين؛ نظرًا لأنه حالة حرجة، وهو موزع على المكتبات العامة والخاصة والجامعات والمساجد والكنائس والأديرة[7]، وبعضه لا يزال مخبوءًا، وبخاصة في الكنائس والأديرة.
ومهما يكنْ فإن عدد هذه الجهات لا يزال رقمًا مجهولاً، على الرغم من جهود عظيمة تُبذل هنا وهناك، وتشير بعض التقارير والإحصاءات إلى ما يقرب من (24) مكتبة مُوَزَّعة على مختلف المدن الفلسطينية (11 مدينة)، منها (12) مكتبة في القدس؛ بعضها قديم، وبعضها مستحدث، وعدد لا بأس به من الرقم الإجمالي مكتبات خاصة، والباقي موزع على الجامعات والجمعيات والمؤسسات ومراكز البحث والأوقاف والبلديات والمساجد والأديرة والكنائس.
وإنما قلنا: "رقم مجهول"؛ لأن الذين يرصدون المكتبات يغفلون عن مكتباتٍ اندثرت، مثل مكتبة حسن صدقي الدجاني، ومكتبة عائلة جار الله، ومكتبة عبدالله مخلص، وكلها في القدس، ومكتبة سعيد الكرمي في طولكرم.
وإذا كان عددُ المكتبات مجهولاً، فإن عدد المخطوطات مجهول بدرجة أكبر، وتذكر التقارير أنه كان يقدر قبل الاحتلال بنحو خمسين ألف مخطوطة أصلية، لم يبقَ منها الآن سوى نحو ثمانية آلاف مخطوطة[8]، على أحسن الفروض؛ أي: نحو 18 %، ونحن بالطبع نتحدث هنا عن المخطوطات، وليست لدينا بيانات عن السجلات والوثائق والأوقاف، فتلك مسألة أكثر تعقيدًا وخطورة.
وأهم المكتبات وأغناها حتى اليوم:
المكتبة الخالدية، ومكتبة المسجد الأقصى، ومكتبة دار إسعاف النشاشيبي، وهي جميعًا في القدس، وفي الآونة الأخيرة ظهرت مكتبات أنشأتها دولة إسرائيل، وأطلقت عليها أسماءها، أما ما فيها فهو للفلسطينيين؛ إذ هم أصحاب الأرض وما عليها، ومن تلك المكتبات: مكتبة جامعة حيفا، والمكتبة الوطنية، ومكتبة الجامعة العبرية (القدس الغربية)، وهذه الأخيرة فيها كَمٌّ لا بأس به من المصاحف والمخطوطات بالفارسية والتركية العثمانية والعربية (2143 مخطوطة)، ومتحف ذكرى مائير (بالقدس الغربية أيضًا)، والمتحف الإسرائيلي، ومكتبة جامعة تل أبيب.
إن محنة التراث في فلسطين تَتَلَخَّص في ما يلي:
1 - الاستيلاء ووضع اليد عليه.
2 - سرقته، فقد اختفتْ مجموعات منه من أماكنها الأصلية، وظهرتْ في أماكن أخرى في ظروف غريبة، وهذه نقطة موضع تفصيل سيأتي لاحقًا.
3 - التضييق على أصحابه ومحاصرتهم - إذا صح التعبير - اقتصاديًّا، حتى لا يَتَمَكَّنوا من الإنفاق عليه والاهتمام به.
4 - مصادرة الأوقاف التي كان ينفق منها عليه.
5 - انتقاء بعض نصوص غير ذات القيمة علميًّا، والتركيز على ما فيها من إسرائيليات وأكاذيب، وترهات ومبالغات، لا يقبلها العقل، ولَيّ عنق المادة العلمية؛ لتَتَوَافَق مع الأغراض المشبوهة التي يرمون إليها، وسنضرب مثالاً على ذلك.
بدأت المحنة مع الكارثة سنة 1948، فقد سقطتْ مع الأرض أشياء كثيرة، منها عشرات المكتبات بما فيها من المخْطُوطات والوثائق والكُتُب والدفاتر، وكما فعل المغول من قبلُ في بغداد، فعلوا، وكان تركيزهم شديدًا على القدس، فقد وضَعُوا أيديهم على مخطوطاتها ووثائقها.
وجاءتْ نكبة 1967 لتكتملَ فُصُول الرواية المأساوية، وتَمْتَدُّ الأيدي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، تعبث في كلِّ شيء.
وتبدو تفاصيل الجريمة واضحة، فقد قامُوا بترويع الإنسان حتى ينشغلَ عن تراثه بالجهاد من أجل البقاء، فنهبوا واغتَصَبُوا، وأحرقوا ودمروا، واضطهدوا الإنسان وأَفْقَرُوه، وتجاوزوا ذلك كله إلى ما اعتادوا عليه عبر تاريخهم، فانتقوا بعض المخطوطات التي تخدم أغراضهم في سرقة الأرض والمقدسات، وتمجيد ماضيهم، وتعظيم أعمالهم، أو التي يمكن لهم أن يلْووا الكلام فيها عن وجهه، وهم - كما نعلم - محترفو تزويرها وتبديل وتزييف، وقد ازدادوا احترافًا وتمكُّنًا بعد أن أتيحت لهم فرصة امتلاك التكنولوجيا والسيطرة على وسائل الإعلام، بما فيها من قدرة غير محدودةٍ على تغيير الحقائق، وتبديلها وتزويرها وتحريفها، وإلباس الأكاذيب لبوس الصدق والرصانة والعلم.
ولنستعرض بعض ما جرى لمكتَبَتَيْن فلسطينيتَيْن:
المكتبة الخالدية في القدس:
تُعَدُّ مِن أغنى المكتبات وأعرقها، وتذكر المصادر - كما سلف - أنَّ بها نحو ألفي مخطوطة، وعدة آلاف من الوثائق، اكتشفت تحت سقفها صدفة عام 1987، أثناء عمليات ترميمها، هذه المكتبة تعرَّضتْ لحرب حقيقية؛ عسكرية وقانونية واقتصادية، شنَّها الجيش الإسرائيلي وبلدية القدس، والمستوطنون المسلحون، واستمرَّتْ عقودًا (بدأت عام 1967).
من الجيش جاء (غورين) كبير الحاخامات سابقًا، واحتل الطابق العلوي، واستقدم تلاميذ مدرسة باشيفا التلمودية المتطرفة، رافعًا راية إعادة بناء الهيكل في ساحة الحرَم القدسي.
لكن المحاولات جميعًا باءتْ بالفشل، بفضل عناية الله، وصلابة الأسرة الخالدية، وبخاصة الآنسة (هيفاء بنت حيدر كامل الخالدي)، لقد قامت الأسرة بدءًا من مطالع الثمانينيات بجمع الهبات، ولجأتْ إلى المحاكم المحلية، وكوَّنت جمعية لأصدقاء المكتبة في أميركا، واستخدمت كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية والإعلامية، واستعانتْ باليونسكو والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، وبعض الدول والأفراد المنْصفين للحفاظ على المقتنيات.
المكتبة الأحمدية في عكا:
ليس فيها الآن سوى 80 مخطوطة، ولدينا شاهدٌ حي، فثمة مخطوطة فريدة، (ضمن مجموعة منها أربعة عشر كتابًا ورسالة مخطوطة)، من مقتنيات هذه المكتبة تحت عنوان: "فضائل البيت المقدس"؛ لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي المقدسي، (من رجال القرن الخامس الهجري)، ظهرت فجأة في مكتبة الجامعة العِبْرية[9].
وقد كان منَ الممكن ألاَّ يدري أحدٌ بهذه السرقة، لولا أن باحثًا إسرائيليًّا يدعى إسحاق حسون تقدَّم بها محقَّقَةً إلى جامعته (الجامعة العبرية)؛ لينال بها درجة الماجستير عام 1969م، ولتصدر مطبوعة في عام 1979م عن الجامعة نفسها[10].
القصة حكاها مفصلة الأستاذ عصام الشنطي في بَحْثٍ له نشر في مجلة معهد المخطوطات العربية[11]، وسنَتَوَقف عند سؤالين:
لماذا اختار الباحث هذه المخطوطة؟ وكيف حقَّقها ودرسها؟
أما لماذا؟ فلأنها - شأنها أغلب كُتُب الفضائل - مليئة بالإسرائيليات، والأحاديث الغريبة، والضعيفة، والمنْكَرة، والموضوعة، والمكذوبة، والمبالغات والخرافات، والحكايات والأساطير التي يرفضها العقل، وترجع إلى أعمال القصَّاصين، بالإضافة إلى نصوص محرَّفة من التوراة[12]، ومن خلال ذلك سعى إلى تمجيد تاريخ اليهود وتعظيم رجالهم.
ولم يكن ذلك الباحث محقِّقًا ولا دارسًا، بل كان جنديًّا لقومه، يبرز ما يحبون، ويُخفي ما يكرهون، ويعبث بالنصوص، ويقتطع منها، ويركِّز على بعضها، ويلوي عُنُق بعضها الآخر، ليصل إلى أغراضه، ويخدم أهواءَه.
جوانب أخرى:
وثمة جوانب أخرى للمحنة، أو وجه آخر لها، فإذا كان أولئك هم أعداء تُراثنا وذاكرتنا، ونحن نعرفهم وندرك أغراضهم، فإنَّ المفارقة الخطيرة أننا - نحن العرب والمسلمين - نقوم بدور في هذه اللعبة، ونسهم فيها.
وأبرز تجلِّيات هذا الإسهام إهمال تُراثنا، وترَكْه نهبًا للحشرات، والفطريات، والرطوبة والحرارة وفساد الهواء، حتى يصبحَ هشيمًا تآكلتْ أوراقُه وجلودُه، وتلاشتْ سطوره وكلماته، وضاع ما فيه من تاريخٍ وعلْم وحُقُوق.
ويوازي ذلك وربما يزيد عليه أن يخيمَ علينا الجهل، فنظن أن احترام التراث يكون بإخفائه عن العيون، وإبعاده عن الأيدي، وتحويله إلى أحْراز وأحْجِبة، ومصدر للبَرَكة واستجلاب للخير، بدلاً من أن يكون مصدرًا للنُّور والعلم، وإحقاق الحق وإزالة الباطل.
وقريب مما سبق أن نبيعه للغرباء؛ طلبًا لحفنة من المال، لا نلبث أن ننفقها على متَعِنا.
ويلحق بذلك ألاَّ نتخِذَ الاحتياطات اللازمة لحمايتِه، فيستولي عليه أعداؤنا الذين يدمِّرونه، أو يفيدون مما فيه وينسبونه لأنفسهم، أو يعبثون فيه ويُحَرِّفونه كما فعلوا بكتبهم السماوية، أو يقتطعون منه ما يخدم أغراضهم، ويقنعون العالَم بآرائهم المريضة، وحقوقهم الدعيَّة، ويُشَوِّهُون صورتنا في الوقت نفسه.
خيوط مضيئة:
هي صورة قاتمة حقًّا، لكن ثناياها خيوط ضوء، لا نستطيع إغفالَها؛ حتى لا يكون كلامنا دعوة لليأس والقنوط، ونوعًا من الانهزام والهروب، خيوط النور هذه تَتَمَثَّل في الجهود التي بذلتْ وتُبْذَل هنا وهناك، وتصلح أن نبني عليها، ونؤسس صرحًا عاليًا يخدم تراث فِلَسْطين ويحتفظ بأرضها وناسها.
لقد بدأتْ بذور الوعي بأهمية تراث فِلَسْطين في مطالع القرن العشرين في صورة جهود أفراد علماء، واتخذت طابع التعريف[13] به، وعلى الصعيد المؤسسي كان هناك غياب تامٌّ، لعله يرجع إلى الاستعمار والانتداب وكارثة الكيان المصطنع الذي أعطوه الوعد المشؤوم، على أن ثمة وعيًا بالتراث في عمومه، تجلَّى في إنشاء معهد المخطوطات العربيَّة في إطار الجامعة العربية في عام 1946م، وقد التفتَ هذا المعهد إلى فِلَسْطين في بادرة تتجاوز البحوث والدراسات المتفَرِّقة، وتفوقها أهمية، وهي إيفاد بعثة تصوير، أنقذتْ جزءًا - ولو قليلاً - من تراث فِلَسْطين المخطوط[14]، وكان ينبغي أن يتعمَّق هذا الاتجاه، لكن ذلك لم يَحْدُث.
وهناك جُهد حقيقي، وإن كان متأخرًا ينبغي التوقُّف عنده، هو جهد الجامعة الأردنية[15]، وإنما قلنا: "جهد حقيقي"؛ لأنه يتسم بثلاث سمات هامة:
أولها: الحجم: فقد قامت الجامعة بحملة تصوير واسعة، شملت الكثير من مكتبات فلسطين.
وثانيها: التنوع: فقد عُنيتْ بسجلات المحاكم الشرعية والأوقاف، ودفاتر الأحوال الشخصية، والرحلات الخاصة ببلاد الشام عمومًا، وفلسطين خصوصًا، وتقارير القناصل الإنجليزية والأمريكيين والألمان والفرنسيين.
وثالثها: الاتساع: فقد مدت الجامعة نظرها إلى خارج فلسطين، وبخاصة تركيا، وتحديدًا إستانبول وأنقرة، مركِّزة على جزء هام جدًّا من تراث فلسطين، هو السجلات والدفاتر العثمانية التي تخص فلسطين (250 ألف صفحة)، ونشرها بالتعاوُن مع المركز الإسلامي في إستانبول، كما عنيت بالصحف في القرنين التاسع عشر والعشرين، سواء الأهلية أو الرسمية.
وهناك جهود مهمَّة أخرى للمؤسَّسات الأردنية، مثل: مؤسسة آل البيت التي عنيت بالنقوش والحفريات جميعًا وتبويبها، ومجمع اللغة العربية الأردني.
وثمة جُهد إقليمي، هو جُهد المنَظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم، سواء بنفسِها أو عبر جهازها المتخصص (معهد المخطوطات العربي)، فقد تَبَنَّتْ مشروعًا لصيانة التراث الثقافي في القدس، وعقدتْ ندوة خاصة بتراث فِلَسطين[16]، وأثارتْ موضوع هذا التُّراث وساندتْه غير مرة، عبر الهيئات والآليات التي تقوم عليها، مثل الهيئة المشتركة لخدمة التراث العربي[17]، ودوراتها المتخصِّصة (دربتْ عددًا من أبناء فِلَسْطين على ترميم المخطوطات وصيانتها).
وقد بدأت المراكز والمؤسسات الخاصة الشبيهة تقوم بدور لا يقل أهمية عن المؤسسات الرسمية والإقليمية.
استشراف المستقبل:
نحن الآن بحاجة إلى:
رسم خريطة واضحة التضاريس والمعالم لتراث فلسطين.
حملة تصوير شاملة للتراث بمفهومه الواسع داخل فلسطين أولاً، ثم في تخوم فلسطين، ثم في المكتبات العربية والعالمية.
فهرس شامل لتراث فلسطين بمفهومه الواسع أيضًا.
مكتبة مركزية عربيَّة لتراث فلسطين، ولكل ما نشر عنها.
مؤسسة بحثيَّة عربية تُعنَى بهذا التراث، وتوظِّفُه لتأييد الحق العربي.
وإذا ما صدقت النوايا، وسخا الجهد، وتوحدت الأيدي، نجح السعي.
إننا لسنا بحاجة إلى أكثر من حجر مثقف، كذلك الذي يحمله طفلٌ فلسطيني، فأطفال فلسطين اليوم هم الطيور الأبابيل التي تحمل حجارةً من سجيل، ومثل هذا الحجر "السجيلي" أقوى مما نتصور؛ لأنه يخترق قُرُونًا من الحضارة والعطاء والعلم، مثل هذا الحجر قادر بعَوْن الله على مواجهة مخربي الحضارة ومزَيفي التاريخ.
والمعادلة بسيطة سهلة، مفاتيح حلها بأيدينا: إيمان بالحق، وشيء من الصبر.
ــــــــــــــــــــــ
[1] لعل أقرب ألوان هذا البحث ما قام به المرحوم جمال حمدان في "شخصية مصر".
[2] فِلَسْطين تاريخيًّا جزء من بلاد الشام، وبتعبير القدماء: كورة من كورها أو جند مِنْ أجْنادها، ولها حدود مذكورة في كتب البلدان - انظر مثلاً: "معجم البلدان" فلسطين - وتختلف هذه الحدود عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الأولى على أيدي فرنسا وبريطانيا، ثم هذه الرقعة من الأرض هي الآن موضع نزاع ظالم - كما نعلم - بين أصحابها، وأولئك الذين وُطِّنوا فيها، وهذا ما جعل محرر العرض الخاص بفِلَسْطين ضمن "المخطوطات الإسلامية في العالم - مسح الفرقان"، يقدِّم ملاحظة مبدئية مفادها: أن العرض يشمل المنطقة بمفهومها بعد الحرب العالمية، إلى أن يتم ترسيم الحدود بين الفِلَسْطينيين والإسرائيليين، أما حديثنا هذا فهو عن تراث فِلَسْطين، كل فلسطين، بغَضِّ النظر عما يحدث الآن، أو يُخَطَّط له.
[3] فلسطين الموقع والموضع، د. فتحي عبدالله فياض، (ضمن أعمال ندوة فلسطين عبر عصور التاريخ)، القاهرة: مركز البحوث والدِّارسات التاريخية، 1996.
[4] حديث صحيح، انظره في الصحاح الستة.
[5] بحث فلسطين: الموقع والموضع، ص 42، مصدر سابق.
[6] انظر: دليل مكتبات المخطوطات 183 - 199، والمخطوطات الإسلامية في العالم 3/413 - 462، والتراث العربي المخطوط في فلسطين 73 - 105.
[7] انظر: دليل مكتبات المخطوطات 183 - 199، والمخطوطات الإسلامية في العالم 3/413 - 462، والتراث العربي المخطوط في فلسطين 73 - 105.
[8] المخطوطات الإسلامية في العالم 3/414.
[9] من حسن الحظ أن منها مصورة في دار الكُتُب المصرية تحت رقم 781 مجاميع، وأخرى من مصورة الدار في معهد المخطوطات العربية تحت رقم 751 تاريخ.
[10] انظر وصف الطبعة في مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد 36، جـ1، 2، ص12.
[11] المصدر السابق، ص9، 42.
[12] انظر ما كتبته الشنطي في مباحث الكتاب ومصادره في المصدر السابق ص 24، وما بعدها.
[13] جهود مبكرة في التعريف بمخطوطات فِلَسْطين، عصام محمد الشنطي، (بحث ضمن كتاب التُّراث العربي المخطوط في فلسطين)، القاهرة: معهد المخطوطات العربية، 2001م.
[14] قضية إنقاذ المخطوطات: ما تحقق وما لم يتحقق، د. محمود محمد الطناحي، (بحث ضمن مجلة المعهد مج4، ج1).
[15] جهود الأردن في خدمة مخطوطات فلسطين، د. محمد عدنان البخيت، (بحث ضمن كتاب التراث العربي المخطوط في فلسطين جـ 1، ص 177)، مصدر سابق.
[16] يومي 23، 24 من أكتوبر 2000م، وصدرت بحوثها ومداخلاتها في كتاب مستقلٍّ عن المعهد، عام 2001م.
[17] إنقاذ مخطوطات فلسطين كان بندًا دائمًا على جدول أعمال الهيئة منذ أول اجتماع لها في الكويت، عام 1982م، ثم الاجتماع الثاني (عام 96)، فالثالث (عام 98)، فالرابع (عام 2001)، وأخيرًا الخامس (عام 2002).
ليس هذا بحثًا في تُراث فِلَسْطين، ولا بحثًا عنه، ولكنه بَحْث له، أو من أجْلِه؛ يهدف إلى عدة أمور، أهمها أنَّ ثمة خطرًا ينبغي أن ننتَبِه له، وأن هذا الخطر واقع هناك على أرض فِلَسْطين، وأنه ليس ما نُشاهده مما يَقَعُ على إنسانِ تلك الأرض الذي تربطنا به روابط الدِّين واللغة، والتاريخ والجغرافيا، فذلك أمْرٌ مكْشُوف ليس بحاجةٍ إلى إشارة أو تنْبيهٍ، بل هو أمرٌ آخر متَّصِل بذلك الإنسان، وأعني ذاكرته التي تَتَمَثَّل في تراثِه، والتراثُ مفهوم متسِع يشمل أشياء كثيرةً، سيتم حصرها، أو محاولة ذلك، وإذا كان الخطرُ يُهَدِّد هذا التراث، ويجعله ويجعلنا في مِحْنة، فإنَّ منَ الحق القولَ: إنَّه أيضًا "منحة"، لم نَقُمْ بحقِّ شُكرها.
السياسة والثقافة:
الإنسانُ مادةٌ وروح، أو جسَد وذاكرة، ونعني بالذاكرة: العقل والفكر والتاريخ، وهذا كله مستهدَف؛ فإنَّ فيه تهديدًا لمن يحاول صك "شرعيةٍ" ما زورًا، بل إنه الهدَف الأهم؛ لأنَّ الجسد وحده لا يخيف إذا مَحَوْنا أو شَوَّهْنا العقل أو الذاكرة، إذ يستحيل الإنسان مجردًا من ذلك إلى آلة يُمكن استئناسها أو تسْييرها من قِبَل الآخر، أما مع العقل أو الذاكرة فالأمرُ مختلف؛ إذ يرفض الإنسان الاستئناس أو التسيير من ناحية، ويمتلك من ناحية أخرى قُدرةً غير عادية على بَعْث الحياة في الجسد، ونفخ الروح فيه للدِّفاع والمقاومة من ناحية أخرى، ويظل الجسد قادرًا ما دامت الذاكرةُ حيةً متوَثِّبة، فإذا ذهبتْ هذه الأخيرة أو طُمِسَت، أو شوِّهَت، أو عُبث فيها، شُلَّ الجسدُ، وتَيَبَّس، ومات.
والحرب التي تدور الآن في فِلَسْطين ولا تزال حربان: حرب الأرض والناس، وحرب أخرى على الذاكرة؛ الأولى: سياسية، والأخرى: ثقافية.
السياسية:
تَسْتَخْدم الرشَّاش والمدفع والدبابة والطائرة والصاروخ، والثقافيَّةُ: وسائلها القلم والمخطوط والكتاب والأثر والوثيقة، واختلاف الآلات والوسائل وحده يُقيم هذا الحد بين الحربَيْن، ويعطي لكلٍّ منهما اسمها، أما إذا نَظَرْنا إلى الغاية، فإنَّ الحربين حرب واحدة، هدفُها السيطرةُ على الناس ومصالحهم.
ولكلٍّ من الحربين سمات، أهمها: أن الحرب السياسية ظاهرة، والثقافية خفية أو مخفية، الأولى: بسيطة، والثانية: مُركبة، الأولى: تحصد الأجساد، والثانية: تحصد العقول، الأولى: تنتهي فتَتَوَقَّف الرشاشات وتسكت المدافع، والثانية: مستمرة ما استمر وجود صاحب الحق.
وانشغالنا بالأولى لا يجوز أن يلهينا عن الثانية؛ لأنهما قائمتان معًا، ففي الوقت الذي يقوم فيه جُندي صِهْيَوْني بإطلاق الرصاص من سلاحه على رأس فِلَسْطيني أو صدره، تكون هناك كتيبة من الجنود تدك مسجدًا أو تحرق كنيسة، أو تسوِّي مكتبة تاريخية بالأرض.
كما يكون هناك آخرون لا يلبسون ملابس عسكرية، ولا يحملون أسلحة، يقومون بعملٍ من نوع آخر، يُحَرِّفون كتابًا أو وثيقةً، أو يطمسون حجَّة أوقاف، فيرتكبون بين السطور والكلمات والأختام قتلاً من نوع مختلف، تزيد خطورته بالتأكيد على طلقة البندقية، ودانة المدفع، وقنبلة الطائرة.
لقد حكى القرآنُ الكريم لنا كيف كان بنو إسرائيل يقتلون الأنبياء بيدٍ، ويحرفون كتبهم السماوية باليد الأخرى، ذلك أن ذكاءَهم "الشيطاني" دلَّهُم على خطر الكلمة وتأثيرها، وأنَّ بإمكانهم عن طريقها أن يَصِلُوا إلى مآربهم، ولنا أن نَتَصَوَّر بساطة أن يعبثوا بحقوق الناس بعد أن اتخذوا كلمات الله هُزُوًا، فغيَّرُوها وبدَّلُوها.
وإذًا؛ فمحو الثقافة جزءٌ من اللعبة السياسية؛ سعيًا لتحقيق مصالح المعْتَدي والمستكبر والمغتصب للأرض، وهذا يفرض علينا أن نفتحَ أَعْيُن المثقفين وجموع الأمة على ما يجري؛ ليَفْهَمُوا أصول اللعبة وأبعادها، ويهبطوا مِنْ أَبْراجِهم العاجية التي يعيشون فيها، ويُسْهِمُوا بدَوْرِهم في المواجهة، وهي من نوع الحرب الثقافية التي سلفت الإشارة إليها.
فلسطين: المكان والمكانة:
شُغِل المؤرخون والجغرافيون والمفكِّرون بالبحث عن شخصية بلدانهم[1]، فإذا كان لكل إنسان "شخصيته" التي تتمَيَّز ملامحها الخاصة، ولا تشتبه بــ"شخصية" أخرى، فإنَّ الأمكنة كذلك، وقد كان البحث في هذا الاتجاه من أرقى الأعمال التي قام بها هؤلاء؛ لأنهم تجاوزا بذلك الخصائص المرئية للمكان إلى فلسفته، ونفذوا إلى ما يميزه ويعطيه تفرده وُصُولاً إلى عبقريته، من خلال نظرةٍ تركيبيةٍ عميقة، ربطتْ بين الأرض والناس، والمادي والروحي، والماضي والحاضر.
وفِلَسْطين[2] على الرغم من محدودية مساحتها، وقلَّة سكانها "شخصيةٌ" ذات قيمة عالية، تجعل منها نموذجًا لا يقل عن أمكنة أخرى مجاورة، أكبر مساحة، وأكثر عددًا، فالمسألةُ ليستْ مساحة وسكانًا فحسب، ولكنها مسألة صلابة وقدرة على التفاعل مع الذات، ومع الكون بكلِّ ما فيه.
فلسطين - إذا استعرنا مصطلح الجغرافيين - شخصيةٌ إقليمية نموذجية، قلبت المقاييس المتعارَف عليها، وانفردتْ بكونها من أغنى الشخصيات الإقليمية، دون أن تتوافرَ فيها بعضُ العناصر التي قد يراها بعضُهم هامة وضرورية.
وأحسب أننا لسنا بحاجةٍ إلى أدلة، وبخاصة أننا نُشاهد بعيوننا عظمة الإنسان الذي يَحْيا على تلك الأرض وصلابته، وقدرته على المواجَهة والمقاومة والفداء والاستشهاد، وعدم اليأس أو القنوط، والصبر على الجوع والفقر والموت، كل ذلك في ظل حالةِ تَهَاوُنٍ عربية وإسلامية وعالمية، لا يمكن تفسيرُها، ولا تسويغها.
إذا أردنا أن نُلَخِّص الشخصية الإقليمية لفِلَسْطين في كلمات قليلة، ونرسمها بإيجاز، فإنه يمكننا أن نقول: فِلَسْطين جارة أربع دول عربية، هي: مصر، وسورية، والأردن، ولبنان، مصر أكبر منها بـ 37 مرة، وأكثر منها سكانًا بما يزيد على عشرات مرات، وسورية تكبرها بـــ 7 مرات، ويزيد سكانها أكثر من الضِّعْف، ومساحة الأردن أكبر منها بأكثر مِن ثلاث مرات، وإن كان عدد سكانها أقل (6 %)، أما لبنان فمساحته أقل بنسبة 38 %، وعدد سكانه أقل بنسبة 45 %[3].
وقد أسال موقع فِلَسْطين الجغرافي لُعاب الطامعين عبر التاريخ، فنحن نعرف أن الهكسوس انطلقوا منها إلى مصر، ومنها دخل نابليون إلى الشام، وانطلق منها المسلمون لنَشْر الدعوة الإسلامية في مصر وشمالي إفريقية وبلاد الأندلس، واختارتها بريطانيا لتكونَ تحت انتدابها؛ تأمينًا لطرق مواصلاتها إلى الهند عبر قناة السويس.
وننظر في التاريخ فتتوالى الصورُ سريعة، فعلى أرضها التقت الدياناتُ السماوية الثلاثة؛ اليهودية، والمسيحية، والإسلام، وبها وُلِد المسيح، وفيها كنيسة القيامة، وهناك الكثير من الآثار والأمكنة المسيحية المقدسة التي تضرب في عُمْق التاريخ، وتربط بين الإنسانِ والمكان، وتجعل منهما شيئًا واحدًا لا يقبل التجزئة ولا الانفصام.
وفيها المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وفيها البقعةُ التي بارك الله حولها؛ المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى التي توجهوا إليها في المراحل الأولى من الدعوة الإسلامية، ثم استجاب الله دعوة نبيه الذي قلَّب وجْهه في السماء متحيرًا، موزع القلْب بين بيت الله الحرام في مكة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، فأَمَرَهُ بالتوجه إلى الكعبة الشريفة؛ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، لكن تَحْويل القبلة عن المسجد الأقصى لم ينلْ من مكانته، ففي الحديث الشريف: ((لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))[4].
ونترك الموقع "الجغرافيا" والمكانة التاريخية والدينية، لنلحظ طبيعة الأرض التي وصفتْ بأنها مليئة بالعوائق والموانع التي تعين على الدِّفاع عنها، يقول آدم سميث: "ولا تجدي معها الجيوش الكبيرة، ولا تستطيع أن تفعلَ شيئًا"[5]، هذه الصلابة والمنعة والقدسية المستمدة انعكستْ على الإنسان، وهذا ثابت ومُقَرَّر علميًّا.
بعد ذلك أراني أود أن أكثِّفَ شخصية فِلَسْطين بوصفها مكانًا، وأخْتزلها في كلمَتَيْن "أرض الحياة"، والحياة هنا تتجاوز مناقضة الموت إلى وصف آخر أعلى وأغنى هو منحُ الحياة لإنسانها، وإعطاؤها القدرة على مُواجَهة الموت، وانتزاع حقه ممن يريد أن يسلبه هذا الحق أو يعتدي عليه.
مثلُ هذه الأرض، ومثل هذا الإنسان، لا بد أن يكون لهما عطاء عظيم ممتد على مدى التاريخ على مختلف الأصعدة، ولا شك أن هذا العطاء سيتجلى في تراث يُمَثِّل ذاكرة الأرض والناس.
تراث فلسطين أو ذاكرتها:
تمتلك فلسطين تراثًا كبيرًا، وغنيًّا، كمًّا ونوعًا وتنوُّعًا، يمثِّل جزءًا مهمًّا من ذاكرتنا العربية والإسلامية من ناحية، وجزءًا مهمًّا أيضًا من الذاكرة الإنسانية، ويتعرض اليوم لحرب متوحشة، تشنها إسرائيل، ونحن غافلون غفلةً غير مفهومة، متخلين بذلك عن واحد من أهم الأسلحة، ولا يخفى أنه سلاح ذُبِحْنَا به ونذبح، في الوقت الذي كان يمكن أن يكون في أيدينا، نَدْرأ به عن أنفسنا، ونثبت به حقوقنا.
ويتَمَثَّل ذلك التراث في تلك الآثار المشاهدة القائمة على الأرض من عمائر ونقوش وحفريات، وما يتصل بها من قطع أثرية وأحجار وعملات وشواهد وصور، وتلك الوثائق التاريخية والشرعية التي تحكي حياة الناس وتقيد معاملاتهم وعلاقاتهم مع بعضهم ومع غيرهم، مع أنفسهم ومؤسساتهم وحكامهم، مع أصدقائهم وأعدائهم، وتلك الحجج والدفاتر والسجلات التي تؤكد الحق في الأرض والبيت والمسجد والكنيسة والمكتبة والمدرسة والسبيل والمنشأة.
كما يَتَمَثَّل في ذلك التراث الفكري، الأدبي واللغوي، والتاريخي والعلمي، والمدون في مخطوطات تكشف عن نتاج عقول الناس على تلك الأرض.
وليس المقصود بــ"تراث فلسطين" ما هو موجود فقط في فِلَسْطين، بل هو أكبر وأشمل من ذلك بكثير، فعطاء فلسطين ليس مقصورًا على الموجود داخلها، كما أنه ليس ما أنتجه أبناؤُها فقط، إنه يشمل - من وجهة نظري:
تراثًا في فلسطين.
وتراثًا عن فلسطين.
وتراثًا من فلسطين.
وتراثًا لفلسطين.
هذه الأنواع الأربعة معًا هي تراث فِلَسْطين أو ذاكرتها، وينبغي أن نبذل كل ما في وسعنا للعناية بها ورعايتها، وتوظيفها.
ونلاحظ في القسمة السابقة دور حروف الجر، فلنبين ما نريد:
1 - التراث في فلسطين: هو ذلك الذي ما زال موجودًا على أرضها، سواء كان لدى السلطة الفلسطينية، أو وضع عليه المحتل يدَه الآثمة، بغضِّ النظر عن موضوعه، وهو جزء من الذاكرة العربية والإسلامية التي هي الذاكرة الكلية لفِلَسْطين.
2 - التراث عن فلسطين: هو كل ما يتصل بها، أيًّا كانت درجة الاتصال، لكنه خارجٌ جغرافيًّا، وقد يكون موجودًا داخل الوطن العربي، أو في العالم الإسلامي، وقد يكون بأقلام أبنائها، أو إخوتهم من العرب والمسلمين، ولكنه ليس بأقلام الآخرين.
3 - التراث من فِلَسْطين: وأعني به ذلك الذي أفرَزَتْه تلك البقعة، سواء ارتبط بها أم لم يرتبط، أقصد سواء كانت فلسطين موضوعًا له، أم لم تكن، وأوضح أكثر فأقول: إنه نتاج أبناء فلسطين أو الذين تعلموا فيها، أو عاشوا على أرضها، من مخطوطات في المتاحف والأديرة، وعملات أثرية، ومكاتبات، وأدب وغيره، مما يعكس عبقرية المكان.
4 - التراث لفلسطين: ويراد به ذلك المرتبط بفلسطين، ومصدره الآخرون في الماضي والحاضر، وإنما فصلته عن "التراث عن فلسطين"؛ لأنه محتاج إلى درجة أعلى من الحذر في التعامل معه، وإنما عددته ضمن تراث فِلَسْطين؛ لأن لها دورًا في إنتاجه بوصفها موضوعًا له، كما أن له دورًا في فهم ما يدور في عقول الآخرين عنها، وما يترتب على ذلك من توظيفه في خدمة الغاية التي نسعى إليها.
فالتراثُ في فلسطين وعنها، بُعْده جغرافي، ولا يخفى أن هذا البُعد أو هذه الدائرة الجغرافية ليست مرتبطة بالحدود السياسية لفلسطين الحالية، وعليه فإن هذه الدائرة تتسع لتشمل المناطق المحاذية لفلسطين؛ إذ هي امتدادات طبيعية للدائرة الأساسية، فنحن لا نستطيع أن نغفل تخوم فلسطين، ونضرب مثلاً بجنوبي فِلَسْطين، حيث مكتبة دير سانت كاترين التي تحتوي على كثير من المخطوطات والوثائق، وفيها الكثيرُ من المعلومات المهمة المتصلة بالامتدادات البشرية لسكان فلسطين، وتحركاتهم ونشاطاتهم، ورحلاتهم.
فلسطين بكل اللغات:
وإذا كانت القضية هي "فلسطين"، التي نريد أن ننفذ إلى روحها عبر التاريخ والمكان والبشر لنحمي ذاكرتها وحقنا فيها، فإن مسألة اللغة تصبح وسيلة لا غرضًا، بمعنى: أننا ونحن نخدم فلسطين ونحميها، نلجأ إلى كل اللغات، ولا نقتصر على ما كُتِب بلغتنا القومية، وهذا يعني أن تتسع الدائرة اللغوية التي نتحرك في البحث والتوثيق فيها؛ لتشمل لغات عديدة تاريخية وحية، منقوشة ومكتوبة، ولنا أن نتصور حجم العِبْء الملْقَى على الأمة ورجالها المخلصين، فلدينا بالإضافة إلى العربية السريانيةُ والآرامية والبيزنطية أو اللاتينية، ولدينا التركية واليونانية والقبطية.. وغيرها.
وثمة أولويات في التعامل مع كل نوع من أنواع تراث فلسطين:
الموجود داخل فلسطين أولويته أن ننقذه عن طريق المطالبة به وجمعه، وصيانته وترميمه، وتوفير المكان الملائم له؛ نظرًا للأوضاع التي يعاني منها.
في حين أن أولوية التراث عن فلسطين تتمثل في جمعه في مكان واحد، ولفت الانتباه إلى ما يحتويه من معلومات هامة للإفادة منها، واستخراج ما يعضد الحق العربي في تلك الأرض.
والتراث من فلسطين أولويته في درسه والتنقيب عنه أيضًا.
والتراث لفلسطين أولويته في تبويبه وإتاحته للباحثين.
ويجمع ذلك كله أننا محتاجون حقًّا إلى ما يمكن تسميته: "المكتبة الفلسطينية الكبرى"، التي تُشَكِّل ذاكرة كاملة لتلك الأرض[6]، إنه عبء حضاري وتاريخي وقومي وديني ثقيل.
محنة التراث في فلسطين:
بدأت محنةُ التراث في فلسطين مع محنة أصحابه، في سنة 1948، فقد نزحت أعداد كبيرة من الفلسطينيين أو طردوا، وكان لهذا أو ذاك أثرهما الكبير على المجموعات الخطية التي تمتلكها الأسر، وتبلغ المحنة ذروتها، ففلسطين اليوم تحت الحصار، وتراثُها يَتَعَرَّض للإبادة، شأنه شأن أصحابه.
ويهمنا هنا أن نخص بالحديث ذلك الجزء الموجود داخل فلسطين؛ نظرًا لأنه حالة حرجة، وهو موزع على المكتبات العامة والخاصة والجامعات والمساجد والكنائس والأديرة[7]، وبعضه لا يزال مخبوءًا، وبخاصة في الكنائس والأديرة.
ومهما يكنْ فإن عدد هذه الجهات لا يزال رقمًا مجهولاً، على الرغم من جهود عظيمة تُبذل هنا وهناك، وتشير بعض التقارير والإحصاءات إلى ما يقرب من (24) مكتبة مُوَزَّعة على مختلف المدن الفلسطينية (11 مدينة)، منها (12) مكتبة في القدس؛ بعضها قديم، وبعضها مستحدث، وعدد لا بأس به من الرقم الإجمالي مكتبات خاصة، والباقي موزع على الجامعات والجمعيات والمؤسسات ومراكز البحث والأوقاف والبلديات والمساجد والأديرة والكنائس.
وإنما قلنا: "رقم مجهول"؛ لأن الذين يرصدون المكتبات يغفلون عن مكتباتٍ اندثرت، مثل مكتبة حسن صدقي الدجاني، ومكتبة عائلة جار الله، ومكتبة عبدالله مخلص، وكلها في القدس، ومكتبة سعيد الكرمي في طولكرم.
وإذا كان عددُ المكتبات مجهولاً، فإن عدد المخطوطات مجهول بدرجة أكبر، وتذكر التقارير أنه كان يقدر قبل الاحتلال بنحو خمسين ألف مخطوطة أصلية، لم يبقَ منها الآن سوى نحو ثمانية آلاف مخطوطة[8]، على أحسن الفروض؛ أي: نحو 18 %، ونحن بالطبع نتحدث هنا عن المخطوطات، وليست لدينا بيانات عن السجلات والوثائق والأوقاف، فتلك مسألة أكثر تعقيدًا وخطورة.
وأهم المكتبات وأغناها حتى اليوم:
المكتبة الخالدية، ومكتبة المسجد الأقصى، ومكتبة دار إسعاف النشاشيبي، وهي جميعًا في القدس، وفي الآونة الأخيرة ظهرت مكتبات أنشأتها دولة إسرائيل، وأطلقت عليها أسماءها، أما ما فيها فهو للفلسطينيين؛ إذ هم أصحاب الأرض وما عليها، ومن تلك المكتبات: مكتبة جامعة حيفا، والمكتبة الوطنية، ومكتبة الجامعة العبرية (القدس الغربية)، وهذه الأخيرة فيها كَمٌّ لا بأس به من المصاحف والمخطوطات بالفارسية والتركية العثمانية والعربية (2143 مخطوطة)، ومتحف ذكرى مائير (بالقدس الغربية أيضًا)، والمتحف الإسرائيلي، ومكتبة جامعة تل أبيب.
إن محنة التراث في فلسطين تَتَلَخَّص في ما يلي:
1 - الاستيلاء ووضع اليد عليه.
2 - سرقته، فقد اختفتْ مجموعات منه من أماكنها الأصلية، وظهرتْ في أماكن أخرى في ظروف غريبة، وهذه نقطة موضع تفصيل سيأتي لاحقًا.
3 - التضييق على أصحابه ومحاصرتهم - إذا صح التعبير - اقتصاديًّا، حتى لا يَتَمَكَّنوا من الإنفاق عليه والاهتمام به.
4 - مصادرة الأوقاف التي كان ينفق منها عليه.
5 - انتقاء بعض نصوص غير ذات القيمة علميًّا، والتركيز على ما فيها من إسرائيليات وأكاذيب، وترهات ومبالغات، لا يقبلها العقل، ولَيّ عنق المادة العلمية؛ لتَتَوَافَق مع الأغراض المشبوهة التي يرمون إليها، وسنضرب مثالاً على ذلك.
بدأت المحنة مع الكارثة سنة 1948، فقد سقطتْ مع الأرض أشياء كثيرة، منها عشرات المكتبات بما فيها من المخْطُوطات والوثائق والكُتُب والدفاتر، وكما فعل المغول من قبلُ في بغداد، فعلوا، وكان تركيزهم شديدًا على القدس، فقد وضَعُوا أيديهم على مخطوطاتها ووثائقها.
وجاءتْ نكبة 1967 لتكتملَ فُصُول الرواية المأساوية، وتَمْتَدُّ الأيدي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، تعبث في كلِّ شيء.
وتبدو تفاصيل الجريمة واضحة، فقد قامُوا بترويع الإنسان حتى ينشغلَ عن تراثه بالجهاد من أجل البقاء، فنهبوا واغتَصَبُوا، وأحرقوا ودمروا، واضطهدوا الإنسان وأَفْقَرُوه، وتجاوزوا ذلك كله إلى ما اعتادوا عليه عبر تاريخهم، فانتقوا بعض المخطوطات التي تخدم أغراضهم في سرقة الأرض والمقدسات، وتمجيد ماضيهم، وتعظيم أعمالهم، أو التي يمكن لهم أن يلْووا الكلام فيها عن وجهه، وهم - كما نعلم - محترفو تزويرها وتبديل وتزييف، وقد ازدادوا احترافًا وتمكُّنًا بعد أن أتيحت لهم فرصة امتلاك التكنولوجيا والسيطرة على وسائل الإعلام، بما فيها من قدرة غير محدودةٍ على تغيير الحقائق، وتبديلها وتزويرها وتحريفها، وإلباس الأكاذيب لبوس الصدق والرصانة والعلم.
ولنستعرض بعض ما جرى لمكتَبَتَيْن فلسطينيتَيْن:
المكتبة الخالدية في القدس:
تُعَدُّ مِن أغنى المكتبات وأعرقها، وتذكر المصادر - كما سلف - أنَّ بها نحو ألفي مخطوطة، وعدة آلاف من الوثائق، اكتشفت تحت سقفها صدفة عام 1987، أثناء عمليات ترميمها، هذه المكتبة تعرَّضتْ لحرب حقيقية؛ عسكرية وقانونية واقتصادية، شنَّها الجيش الإسرائيلي وبلدية القدس، والمستوطنون المسلحون، واستمرَّتْ عقودًا (بدأت عام 1967).
من الجيش جاء (غورين) كبير الحاخامات سابقًا، واحتل الطابق العلوي، واستقدم تلاميذ مدرسة باشيفا التلمودية المتطرفة، رافعًا راية إعادة بناء الهيكل في ساحة الحرَم القدسي.
لكن المحاولات جميعًا باءتْ بالفشل، بفضل عناية الله، وصلابة الأسرة الخالدية، وبخاصة الآنسة (هيفاء بنت حيدر كامل الخالدي)، لقد قامت الأسرة بدءًا من مطالع الثمانينيات بجمع الهبات، ولجأتْ إلى المحاكم المحلية، وكوَّنت جمعية لأصدقاء المكتبة في أميركا، واستخدمت كل الوسائل الدبلوماسية والقانونية والإعلامية، واستعانتْ باليونسكو والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، وبعض الدول والأفراد المنْصفين للحفاظ على المقتنيات.
المكتبة الأحمدية في عكا:
ليس فيها الآن سوى 80 مخطوطة، ولدينا شاهدٌ حي، فثمة مخطوطة فريدة، (ضمن مجموعة منها أربعة عشر كتابًا ورسالة مخطوطة)، من مقتنيات هذه المكتبة تحت عنوان: "فضائل البيت المقدس"؛ لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي المقدسي، (من رجال القرن الخامس الهجري)، ظهرت فجأة في مكتبة الجامعة العِبْرية[9].
وقد كان منَ الممكن ألاَّ يدري أحدٌ بهذه السرقة، لولا أن باحثًا إسرائيليًّا يدعى إسحاق حسون تقدَّم بها محقَّقَةً إلى جامعته (الجامعة العبرية)؛ لينال بها درجة الماجستير عام 1969م، ولتصدر مطبوعة في عام 1979م عن الجامعة نفسها[10].
القصة حكاها مفصلة الأستاذ عصام الشنطي في بَحْثٍ له نشر في مجلة معهد المخطوطات العربية[11]، وسنَتَوَقف عند سؤالين:
لماذا اختار الباحث هذه المخطوطة؟ وكيف حقَّقها ودرسها؟
أما لماذا؟ فلأنها - شأنها أغلب كُتُب الفضائل - مليئة بالإسرائيليات، والأحاديث الغريبة، والضعيفة، والمنْكَرة، والموضوعة، والمكذوبة، والمبالغات والخرافات، والحكايات والأساطير التي يرفضها العقل، وترجع إلى أعمال القصَّاصين، بالإضافة إلى نصوص محرَّفة من التوراة[12]، ومن خلال ذلك سعى إلى تمجيد تاريخ اليهود وتعظيم رجالهم.
ولم يكن ذلك الباحث محقِّقًا ولا دارسًا، بل كان جنديًّا لقومه، يبرز ما يحبون، ويُخفي ما يكرهون، ويعبث بالنصوص، ويقتطع منها، ويركِّز على بعضها، ويلوي عُنُق بعضها الآخر، ليصل إلى أغراضه، ويخدم أهواءَه.
جوانب أخرى:
وثمة جوانب أخرى للمحنة، أو وجه آخر لها، فإذا كان أولئك هم أعداء تُراثنا وذاكرتنا، ونحن نعرفهم وندرك أغراضهم، فإنَّ المفارقة الخطيرة أننا - نحن العرب والمسلمين - نقوم بدور في هذه اللعبة، ونسهم فيها.
وأبرز تجلِّيات هذا الإسهام إهمال تُراثنا، وترَكْه نهبًا للحشرات، والفطريات، والرطوبة والحرارة وفساد الهواء، حتى يصبحَ هشيمًا تآكلتْ أوراقُه وجلودُه، وتلاشتْ سطوره وكلماته، وضاع ما فيه من تاريخٍ وعلْم وحُقُوق.
ويوازي ذلك وربما يزيد عليه أن يخيمَ علينا الجهل، فنظن أن احترام التراث يكون بإخفائه عن العيون، وإبعاده عن الأيدي، وتحويله إلى أحْراز وأحْجِبة، ومصدر للبَرَكة واستجلاب للخير، بدلاً من أن يكون مصدرًا للنُّور والعلم، وإحقاق الحق وإزالة الباطل.
وقريب مما سبق أن نبيعه للغرباء؛ طلبًا لحفنة من المال، لا نلبث أن ننفقها على متَعِنا.
ويلحق بذلك ألاَّ نتخِذَ الاحتياطات اللازمة لحمايتِه، فيستولي عليه أعداؤنا الذين يدمِّرونه، أو يفيدون مما فيه وينسبونه لأنفسهم، أو يعبثون فيه ويُحَرِّفونه كما فعلوا بكتبهم السماوية، أو يقتطعون منه ما يخدم أغراضهم، ويقنعون العالَم بآرائهم المريضة، وحقوقهم الدعيَّة، ويُشَوِّهُون صورتنا في الوقت نفسه.
خيوط مضيئة:
هي صورة قاتمة حقًّا، لكن ثناياها خيوط ضوء، لا نستطيع إغفالَها؛ حتى لا يكون كلامنا دعوة لليأس والقنوط، ونوعًا من الانهزام والهروب، خيوط النور هذه تَتَمَثَّل في الجهود التي بذلتْ وتُبْذَل هنا وهناك، وتصلح أن نبني عليها، ونؤسس صرحًا عاليًا يخدم تراث فِلَسْطين ويحتفظ بأرضها وناسها.
لقد بدأتْ بذور الوعي بأهمية تراث فِلَسْطين في مطالع القرن العشرين في صورة جهود أفراد علماء، واتخذت طابع التعريف[13] به، وعلى الصعيد المؤسسي كان هناك غياب تامٌّ، لعله يرجع إلى الاستعمار والانتداب وكارثة الكيان المصطنع الذي أعطوه الوعد المشؤوم، على أن ثمة وعيًا بالتراث في عمومه، تجلَّى في إنشاء معهد المخطوطات العربيَّة في إطار الجامعة العربية في عام 1946م، وقد التفتَ هذا المعهد إلى فِلَسْطين في بادرة تتجاوز البحوث والدراسات المتفَرِّقة، وتفوقها أهمية، وهي إيفاد بعثة تصوير، أنقذتْ جزءًا - ولو قليلاً - من تراث فِلَسْطين المخطوط[14]، وكان ينبغي أن يتعمَّق هذا الاتجاه، لكن ذلك لم يَحْدُث.
وهناك جُهد حقيقي، وإن كان متأخرًا ينبغي التوقُّف عنده، هو جهد الجامعة الأردنية[15]، وإنما قلنا: "جهد حقيقي"؛ لأنه يتسم بثلاث سمات هامة:
أولها: الحجم: فقد قامت الجامعة بحملة تصوير واسعة، شملت الكثير من مكتبات فلسطين.
وثانيها: التنوع: فقد عُنيتْ بسجلات المحاكم الشرعية والأوقاف، ودفاتر الأحوال الشخصية، والرحلات الخاصة ببلاد الشام عمومًا، وفلسطين خصوصًا، وتقارير القناصل الإنجليزية والأمريكيين والألمان والفرنسيين.
وثالثها: الاتساع: فقد مدت الجامعة نظرها إلى خارج فلسطين، وبخاصة تركيا، وتحديدًا إستانبول وأنقرة، مركِّزة على جزء هام جدًّا من تراث فلسطين، هو السجلات والدفاتر العثمانية التي تخص فلسطين (250 ألف صفحة)، ونشرها بالتعاوُن مع المركز الإسلامي في إستانبول، كما عنيت بالصحف في القرنين التاسع عشر والعشرين، سواء الأهلية أو الرسمية.
وهناك جهود مهمَّة أخرى للمؤسَّسات الأردنية، مثل: مؤسسة آل البيت التي عنيت بالنقوش والحفريات جميعًا وتبويبها، ومجمع اللغة العربية الأردني.
وثمة جُهد إقليمي، هو جُهد المنَظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم، سواء بنفسِها أو عبر جهازها المتخصص (معهد المخطوطات العربي)، فقد تَبَنَّتْ مشروعًا لصيانة التراث الثقافي في القدس، وعقدتْ ندوة خاصة بتراث فِلَسطين[16]، وأثارتْ موضوع هذا التُّراث وساندتْه غير مرة، عبر الهيئات والآليات التي تقوم عليها، مثل الهيئة المشتركة لخدمة التراث العربي[17]، ودوراتها المتخصِّصة (دربتْ عددًا من أبناء فِلَسْطين على ترميم المخطوطات وصيانتها).
وقد بدأت المراكز والمؤسسات الخاصة الشبيهة تقوم بدور لا يقل أهمية عن المؤسسات الرسمية والإقليمية.
استشراف المستقبل:
نحن الآن بحاجة إلى:
رسم خريطة واضحة التضاريس والمعالم لتراث فلسطين.
حملة تصوير شاملة للتراث بمفهومه الواسع داخل فلسطين أولاً، ثم في تخوم فلسطين، ثم في المكتبات العربية والعالمية.
فهرس شامل لتراث فلسطين بمفهومه الواسع أيضًا.
مكتبة مركزية عربيَّة لتراث فلسطين، ولكل ما نشر عنها.
مؤسسة بحثيَّة عربية تُعنَى بهذا التراث، وتوظِّفُه لتأييد الحق العربي.
وإذا ما صدقت النوايا، وسخا الجهد، وتوحدت الأيدي، نجح السعي.
إننا لسنا بحاجة إلى أكثر من حجر مثقف، كذلك الذي يحمله طفلٌ فلسطيني، فأطفال فلسطين اليوم هم الطيور الأبابيل التي تحمل حجارةً من سجيل، ومثل هذا الحجر "السجيلي" أقوى مما نتصور؛ لأنه يخترق قُرُونًا من الحضارة والعطاء والعلم، مثل هذا الحجر قادر بعَوْن الله على مواجهة مخربي الحضارة ومزَيفي التاريخ.
والمعادلة بسيطة سهلة، مفاتيح حلها بأيدينا: إيمان بالحق، وشيء من الصبر.
ــــــــــــــــــــــ
[1] لعل أقرب ألوان هذا البحث ما قام به المرحوم جمال حمدان في "شخصية مصر".
[2] فِلَسْطين تاريخيًّا جزء من بلاد الشام، وبتعبير القدماء: كورة من كورها أو جند مِنْ أجْنادها، ولها حدود مذكورة في كتب البلدان - انظر مثلاً: "معجم البلدان" فلسطين - وتختلف هذه الحدود عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الأولى على أيدي فرنسا وبريطانيا، ثم هذه الرقعة من الأرض هي الآن موضع نزاع ظالم - كما نعلم - بين أصحابها، وأولئك الذين وُطِّنوا فيها، وهذا ما جعل محرر العرض الخاص بفِلَسْطين ضمن "المخطوطات الإسلامية في العالم - مسح الفرقان"، يقدِّم ملاحظة مبدئية مفادها: أن العرض يشمل المنطقة بمفهومها بعد الحرب العالمية، إلى أن يتم ترسيم الحدود بين الفِلَسْطينيين والإسرائيليين، أما حديثنا هذا فهو عن تراث فِلَسْطين، كل فلسطين، بغَضِّ النظر عما يحدث الآن، أو يُخَطَّط له.
[3] فلسطين الموقع والموضع، د. فتحي عبدالله فياض، (ضمن أعمال ندوة فلسطين عبر عصور التاريخ)، القاهرة: مركز البحوث والدِّارسات التاريخية، 1996.
[4] حديث صحيح، انظره في الصحاح الستة.
[5] بحث فلسطين: الموقع والموضع، ص 42، مصدر سابق.
[6] انظر: دليل مكتبات المخطوطات 183 - 199، والمخطوطات الإسلامية في العالم 3/413 - 462، والتراث العربي المخطوط في فلسطين 73 - 105.
[7] انظر: دليل مكتبات المخطوطات 183 - 199، والمخطوطات الإسلامية في العالم 3/413 - 462، والتراث العربي المخطوط في فلسطين 73 - 105.
[8] المخطوطات الإسلامية في العالم 3/414.
[9] من حسن الحظ أن منها مصورة في دار الكُتُب المصرية تحت رقم 781 مجاميع، وأخرى من مصورة الدار في معهد المخطوطات العربية تحت رقم 751 تاريخ.
[10] انظر وصف الطبعة في مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد 36، جـ1، 2، ص12.
[11] المصدر السابق، ص9، 42.
[12] انظر ما كتبته الشنطي في مباحث الكتاب ومصادره في المصدر السابق ص 24، وما بعدها.
[13] جهود مبكرة في التعريف بمخطوطات فِلَسْطين، عصام محمد الشنطي، (بحث ضمن كتاب التُّراث العربي المخطوط في فلسطين)، القاهرة: معهد المخطوطات العربية، 2001م.
[14] قضية إنقاذ المخطوطات: ما تحقق وما لم يتحقق، د. محمود محمد الطناحي، (بحث ضمن مجلة المعهد مج4، ج1).
[15] جهود الأردن في خدمة مخطوطات فلسطين، د. محمد عدنان البخيت، (بحث ضمن كتاب التراث العربي المخطوط في فلسطين جـ 1، ص 177)، مصدر سابق.
[16] يومي 23، 24 من أكتوبر 2000م، وصدرت بحوثها ومداخلاتها في كتاب مستقلٍّ عن المعهد، عام 2001م.
[17] إنقاذ مخطوطات فلسطين كان بندًا دائمًا على جدول أعمال الهيئة منذ أول اجتماع لها في الكويت، عام 1982م، ثم الاجتماع الثاني (عام 96)، فالثالث (عام 98)، فالرابع (عام 2001)، وأخيرًا الخامس (عام 2002).