قال الله تعالى : ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وقال تعالى : وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وقال تعالى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وقال تعالى : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - ( باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم ) ، فالمسلم له حق على أخيه المسلم بل له حقوق متعددة ، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة . منها : إذا لقيه فليسلم عليه ، يلقي # عليه السلام ، يقول : السلام عليك أو السلام عليكم ، ولا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيركما الذي يبدأ بالسلام . ولكن لك أن تهجره لمدة ثلاثة أيام ، إذا رأيت في هذا مصلحة ، ولك أن تهجره أكثر إذا رأيته على معصية أصر عليها ولم يتب منها ، فرأيت أن هجره يحمله على التوبة ، ولهذا كان القول الصحيح في الهجر أنهم رخصوا فيه خلال ثلاثة أيام ، وما زاد على ذلك فينظر فيه للمصلحة ، إن كان فيه خير فليفعل ، وإلا فلا ، حتى لو جهر بالمعصية ، فإذا لم يكن في هجره مصلحة فلا تهجره . ثم ساق المؤلف عدة آيات منها قوله تعالى : وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ من يعظم حرماته : أي ما جعله محترماً من الأماكن أو الأزمان أو الأشخاص ، فالذي يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ، ومن كان يكره أو يشق عليه تعظيم هذا المكان كالحرمين مثلاً والمساجد ، أو الزمان كالأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وما أشبه ذلك ، فليحمل على نفسه وليكرهها على التعظيم . ومن ذلك : تعظيم إخوانه المسلمين ، وتنزيلهم منزلتهم ، فإن المسلم لا يحل له أن يحقر أخاه المسلم ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم بحسب الباء هنا زائدة والمعنى : حسبه من الشر أن يحقر أخاه المسلم بقلبه ، أو أن يتعدى فوق ذلك بلسانه أو بيده على أخيه المسلم ، فإن ذلك حسبه من الإثم والعياذ بالله ، وكذلك أيضاً تعظيم ما حرمه الله عز وجل في المعاهدات التي تكون بين المسلمين وبين الكفار ، فإنه لا يحل لأحد أن ينقض عهداً بينه وبين غيره من الكفار . ولكن المعاهدون ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم : أتموا عهدهم فهؤلاء نتمم عهدهم . وقسم آخر : خانوا أو نقضوا قال تعالى : فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فهؤلاء ينتقض عهدهم كما فعلت قريش في الصلح الذي جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ، فإنهم وضعوا الحرب بينهم عشر سنين ، ولكن قريشاً نقضوا العهد فهؤلاء ينتقض عهدهم ، ولا يكون بيننا بينهم عهد ، وهؤلاء قال الله فيهم : أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ والقسم الثالث : من لم ينقض العهد لكن نخاف منه أن ينقض العهد ، فهؤلاء نخبرهم بألا عهد بيننا وبينهم ، كما قال تعالي : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ فهذه من حرمات الله عز وجل ، وكل شيء جعله الله محترماً من زمان أو مكان أو عيان فهو من حرمات الله عز وجل ، فإن الواجب على المسلم أن يحترمه ، ولهذا قال تعالى : وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وقال وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الشعائر : العبادات الظاهرة سواء كانت كبيرة أم صغيرة ، مثل الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، والأذان والإقامة وغيرهما من شعائر الإسلام ، فإنها إذا عظمها الإنسان كان ذلك دليلاً على تقواه ، فإن التقوى هي التي تحمل العبد على تعظيم الشعائر . أما الآية الثالثة : فهي قوله تعالى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وفي الآية الأخرى : لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمعنى تذلل لهم ولن لهم في المقال والفعال ؛ لأن المؤمن مع أخيه المؤمن رحيم به ، شفيق به ، كما قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وفي قوله : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين دليل على أن الإنسان مأمور بالتواضع لإخوانه ، وإن كان رفيع المنزلة ، كما يرتفع الطير بجناحيه ، فإنه وإن كان رفيع المنزلة فليخفض جناحه وليتذلل وليتطامن لإخوانه ، وليعلم أن من تواضع لله رفعه عز وجل ، والإنسان ربما يقول : لو تواضعت للفقير وكلمت الفقير ، أو تواضعت للصغير وكلمته أو ما أشبه ذلك ، فربما يكون في هذا وضع لي ، وتنزيل من رتبتي ، ولكن هذا من وساوس الشيطان ، فالشيطان يدخل على الإنسان في كل شيء ، قال تعالى عنه : فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( 16 ) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ فالشيطان يأتي الإنسان ويقول له : كيف تتواضع لهذا الفقير ؟ كيف تتواضع لهذا الصغير ؟ كيف تكلم فلاناً ؟ كيف تمشي مع فلان ؟ ولكن من تواضع لله رفعه الله عز وجل ، حتى وإن كان عالماً أو كبيراً أو غنياً ، فإنه ينبغي أن يتواضع لمن كان مؤمنا ، أما من كان كافراً فإن الإنسان لا يجوز له أن يخفض جناحه ، لكن يجب عليه أن يخضع للحق بدعوته إلى الدين ، ولا يستنكف عنه ، ويستكبر فلا يدعوه ، بل يدعوه ولكن بعزة وكرامة ، دون إهانة له فهذا معنى قوله : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ . وفي الآية الثانية : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ، فهذه وظيفة المسلم مع إخوانه ، أن يكون هيناً ليناً بالقول والفعل ؛ لأن هذا مما يوجب المودة والألفة بين الناس ، وهذه الألفة والمودة أمر مطلوب للشرع ، ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كل ما يوجب العداوة والبغضاء ، مثل البيع على بيع المسلم ، والسوم على سوم المسلم ، وغير ذلك مما هو معروف لكثير من الناس والله الموفق . وقال تعالى : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - ( باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم ) ، فالمسلم له حق على أخيه المسلم بل له حقوق متعددة ، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة . منها : إذا لقيه فليسلم عليه ، يلقي # عليه السلام ، يقول : السلام عليك أو السلام عليكم ، ولا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيركما الذي يبدأ بالسلام . ولكن لك أن تهجره لمدة ثلاثة أيام ، إذا رأيت في هذا مصلحة ، ولك أن تهجره أكثر إذا رأيته على معصية أصر عليها ولم يتب منها ، فرأيت أن هجره يحمله على التوبة ، ولهذا كان القول الصحيح في الهجر أنهم رخصوا فيه خلال ثلاثة أيام ، وما زاد على ذلك فينظر فيه للمصلحة ، إن كان فيه خير فليفعل ، وإلا فلا ، حتى لو جهر بالمعصية ، فإذا لم يكن في هجره مصلحة فلا تهجره . ثم ساق المؤلف عدة آيات منها قوله تعالى : وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ من يعظم حرماته : أي ما جعله محترماً من الأماكن أو الأزمان أو الأشخاص ، فالذي يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ، ومن كان يكره أو يشق عليه تعظيم هذا المكان كالحرمين مثلاً والمساجد ، أو الزمان كالأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وما أشبه ذلك ، فليحمل على نفسه وليكرهها على التعظيم . ومن ذلك : تعظيم إخوانه المسلمين ، وتنزيلهم منزلتهم ، فإن المسلم لا يحل له أن يحقر أخاه المسلم ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم بحسب الباء هنا زائدة والمعنى : حسبه من الشر أن يحقر أخاه المسلم بقلبه ، أو أن يتعدى فوق ذلك بلسانه أو بيده على أخيه المسلم ، فإن ذلك حسبه من الإثم والعياذ بالله ، وكذلك أيضاً تعظيم ما حرمه الله عز وجل في المعاهدات التي تكون بين المسلمين وبين الكفار ، فإنه لا يحل لأحد أن ينقض عهداً بينه وبين غيره من الكفار . ولكن المعاهدون ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم : أتموا عهدهم فهؤلاء نتمم عهدهم . وقسم آخر : خانوا أو نقضوا قال تعالى : فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فهؤلاء ينتقض عهدهم كما فعلت قريش في الصلح الذي جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ، فإنهم وضعوا الحرب بينهم عشر سنين ، ولكن قريشاً نقضوا العهد فهؤلاء ينتقض عهدهم ، ولا يكون بيننا بينهم عهد ، وهؤلاء قال الله فيهم : أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ والقسم الثالث : من لم ينقض العهد لكن نخاف منه أن ينقض العهد ، فهؤلاء نخبرهم بألا عهد بيننا وبينهم ، كما قال تعالي : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ فهذه من حرمات الله عز وجل ، وكل شيء جعله الله محترماً من زمان أو مكان أو عيان فهو من حرمات الله عز وجل ، فإن الواجب على المسلم أن يحترمه ، ولهذا قال تعالى : وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وقال وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الشعائر : العبادات الظاهرة سواء كانت كبيرة أم صغيرة ، مثل الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، والأذان والإقامة وغيرهما من شعائر الإسلام ، فإنها إذا عظمها الإنسان كان ذلك دليلاً على تقواه ، فإن التقوى هي التي تحمل العبد على تعظيم الشعائر . أما الآية الثالثة : فهي قوله تعالى : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وفي الآية الأخرى : لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمعنى تذلل لهم ولن لهم في المقال والفعال ؛ لأن المؤمن مع أخيه المؤمن رحيم به ، شفيق به ، كما قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه : أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وفي قوله : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين دليل على أن الإنسان مأمور بالتواضع لإخوانه ، وإن كان رفيع المنزلة ، كما يرتفع الطير بجناحيه ، فإنه وإن كان رفيع المنزلة فليخفض جناحه وليتذلل وليتطامن لإخوانه ، وليعلم أن من تواضع لله رفعه عز وجل ، والإنسان ربما يقول : لو تواضعت للفقير وكلمت الفقير ، أو تواضعت للصغير وكلمته أو ما أشبه ذلك ، فربما يكون في هذا وضع لي ، وتنزيل من رتبتي ، ولكن هذا من وساوس الشيطان ، فالشيطان يدخل على الإنسان في كل شيء ، قال تعالى عنه : فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( 16 ) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ فالشيطان يأتي الإنسان ويقول له : كيف تتواضع لهذا الفقير ؟ كيف تتواضع لهذا الصغير ؟ كيف تكلم فلاناً ؟ كيف تمشي مع فلان ؟ ولكن من تواضع لله رفعه الله عز وجل ، حتى وإن كان عالماً أو كبيراً أو غنياً ، فإنه ينبغي أن يتواضع لمن كان مؤمنا ، أما من كان كافراً فإن الإنسان لا يجوز له أن يخفض جناحه ، لكن يجب عليه أن يخضع للحق بدعوته إلى الدين ، ولا يستنكف عنه ، ويستكبر فلا يدعوه ، بل يدعوه ولكن بعزة وكرامة ، دون إهانة له فهذا معنى قوله : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ . وفي الآية الثانية : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ، فهذه وظيفة المسلم مع إخوانه ، أن يكون هيناً ليناً بالقول والفعل ؛ لأن هذا مما يوجب المودة والألفة بين الناس ، وهذه الألفة والمودة أمر مطلوب للشرع ، ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كل ما يوجب العداوة والبغضاء ، مثل البيع على بيع المسلم ، والسوم على سوم المسلم ، وغير ذلك مما هو معروف لكثير من الناس والله الموفق . وقال تعالى : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا