مما لا شك فيه أن النية شرط لصحة العمل، وأن العمل الخالي من النية لا تترتب عليه آثاره الشرعية لقول الله - عز وجل -: â وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ á (سورة البينة آية 5)، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ( .
وفي موضوع محل النية مسائل ثلاث:
المسألة الأولى: محل النية:
أجمع العلماء على أن محل النية القلب، لأن النية: القصد والعزم على فعل الشيء ومصدر ذلك القلب، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ( ، ولم ينازع في ذلك أحد إذ إنه أمر متفق عليه بين العقلاء.
ولكن جرى الخلاف في حكم التلفظ بالنية، هل ذلك شرط أم سنة؟ وهل ذلك سرا أم جهرا؟ وهل هو في كل العبادات أم بعضها دون بعض؟ أو أن التلفظ بها بدعة في الدين؟
وهذا النزاع كله حادث، ولم يعرف في عهد الصحابة ولا التابعين من أوجب التلفظ بها أو استحبه، ونقل ابن تيمية اتفاق الأئمة على ذلك وأنه لم يقل بالتلفظ إلا بعض المتأخرين من أصحاب الإمام أبي حنيفة والشافعي، وعلى هذا فلم يذهب إلى استحباب التلفظ بالنية، أو اشتراطه إلا المتأخرون من أرباب المذاهب الأربعة، وهم محجوجون بالسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث لم ينقل في ذلك شيء، والعبادات على التوقيف، ومحجوجون أيضا بأن أئمتهم لم يذهبوا إلى مشروعية التلفظ بالنية.
المسألة الثانية: الجهر بالنية:
وأما الجهر بالنية فشيء أحدثه عوام الناس، إذ لم يعرف عند القائلين بمشروعية التلفظ بالنية استحباب الجهر بها، وعلى هذا فإن التلفظ بالنية والجهر بها أمر محدث في الدين، لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وفي حديث عائشة الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( ، فكل بدعة في الدين مردودة، ولا يقبلها إلا من لا علم عنده، قال ابن تيمية مبدعا من ذهب إلى جواز الجهر بالنية: "والجهر بها وتكريرها منهي عنه، وفاعله مسيء وإن اعتقده دينا فقد خرج عن إجماع المسلمين يُعَرَّفُ ذلك فإن أصر قتل، ويجب تعريفه ذلك، ولو قال: كان يعمل في دينه ما يشتهي فهي كلمة عظيمة يجب أن يستتاب منها أيضا، فإن أصر على الجهر بالنية عزر وإن عزل عن الإمامة إذا لم ينته كان لعزله وجه، فقد عزل النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما لأجل بزاقه في القبلة".
وقد شنع ابن القيم على من استحب التلفظ بالنية، أو الجهر بها، وقال بأن هذا أمر اتخذه الشيطان مدخلا للوسوسة، والشكوك على كثير من الناس في عباداتهم، وربما صير بعضهم إلى الخبل، والجنون، وما ذكره ابن القيم أمر واقع ومشاهد، ولا شك أن هذا بلوى الابتداع في الدين، والتقليد الأعمى، قال ابن القيم: النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب، لا تعلق باللسان أصلا، ولذلك لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في النية لفظ بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك، وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة، والصلاة، قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوساوس يحبسهم عندها، ويعذبهم فيها، ويوقعهم في طلب تصحيحها.
المسألة الثالثة: العبادات التي يشرع التلفظ بنيتها:
لقد ذكرنا في المسألة السابقة إجماع العلماء على أن محل النية القلب، وأنه لا يشرع التلفظ بها في الجملة، ولكن يبقى سؤال في مسألتين:
1. النية عند الدخول في الإحرام.
2. النية عند ذبح النسك أو الأضحية.
النية عند الدخول في الإحرام:
صرح فقهاء المذاهب الأربعة في أغلب كتبهم باستحباب التلفظ عند الإحرام بالنسك الذي يريد الدخول فيه.
قال النووي: (قال أصحابنا: ينبغي لمريد الإحرام أن ينويه بقلبه ويتلفظ بذلك بلسانه، ويلبي فيقوله بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم لبيك إلى آخر التلبية فهذا أكمل ما ينبغي له).
فإذا قيل: إن ما ذكره الفقهاء المراد به إعلان التلبية فصحيح لكنهم لم يقولوا ذلك، وإنما صرحوا بالتلفظ بالنية، فإن احتج أحد بحديث ضباعة، وهو أنها قالت: ) يا رسول الله، إني أريد الحج أفأشترط؟ قال: نعم، قالت: كيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك محلي من الأرض حيث تحبسني ( ، فالجواب أن حديث ضباعة دليل على جواز الاشتراط، والأولى أن يكون الاشتراط أيضا من شاكٍ، أو من في حكم الشاكي، كما في قصة ضباعة، أما أن يجعل دليلا على مشروعية التلفظ بالنية عند الإحرام فبعيد، والذين ذهبوا إلى استحباب التلفظ بالنية لم يذكروا دليلا، وإنما ذكروا تعليلا مثل قولهم: لتطابق اللسان مع الجنان، وإذا كان الأمر كذلك فإن على المسلم أن يحرص كل الحرص على اقتفاء سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه الكامل.
التلفظ بالنية عند النسك أو الأضحية:
التلفظ بالنية عند ذبح الهدي أو الأضحية، فإنا نذكر فيه حديث جابر بن عبد الله قال:
) ذَبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ ( ، وهذا تلفظ بما نوى.
فالتلفظ بالنية عند ذبح النسك سنة، ولم نقل بوجوبه لاتفاق أهل العلم على أن محل النية القلب، وأنه لا يشرع التلفظ إلا فيما ورد، كعند إرادة ذبح النسك والله أعلم.
وفي موضوع محل النية مسائل ثلاث:
المسألة الأولى: محل النية:
أجمع العلماء على أن محل النية القلب، لأن النية: القصد والعزم على فعل الشيء ومصدر ذلك القلب، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ( ، ولم ينازع في ذلك أحد إذ إنه أمر متفق عليه بين العقلاء.
ولكن جرى الخلاف في حكم التلفظ بالنية، هل ذلك شرط أم سنة؟ وهل ذلك سرا أم جهرا؟ وهل هو في كل العبادات أم بعضها دون بعض؟ أو أن التلفظ بها بدعة في الدين؟
وهذا النزاع كله حادث، ولم يعرف في عهد الصحابة ولا التابعين من أوجب التلفظ بها أو استحبه، ونقل ابن تيمية اتفاق الأئمة على ذلك وأنه لم يقل بالتلفظ إلا بعض المتأخرين من أصحاب الإمام أبي حنيفة والشافعي، وعلى هذا فلم يذهب إلى استحباب التلفظ بالنية، أو اشتراطه إلا المتأخرون من أرباب المذاهب الأربعة، وهم محجوجون بالسنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث لم ينقل في ذلك شيء، والعبادات على التوقيف، ومحجوجون أيضا بأن أئمتهم لم يذهبوا إلى مشروعية التلفظ بالنية.
المسألة الثانية: الجهر بالنية:
وأما الجهر بالنية فشيء أحدثه عوام الناس، إذ لم يعرف عند القائلين بمشروعية التلفظ بالنية استحباب الجهر بها، وعلى هذا فإن التلفظ بالنية والجهر بها أمر محدث في الدين، لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وفي حديث عائشة الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( ، فكل بدعة في الدين مردودة، ولا يقبلها إلا من لا علم عنده، قال ابن تيمية مبدعا من ذهب إلى جواز الجهر بالنية: "والجهر بها وتكريرها منهي عنه، وفاعله مسيء وإن اعتقده دينا فقد خرج عن إجماع المسلمين يُعَرَّفُ ذلك فإن أصر قتل، ويجب تعريفه ذلك، ولو قال: كان يعمل في دينه ما يشتهي فهي كلمة عظيمة يجب أن يستتاب منها أيضا، فإن أصر على الجهر بالنية عزر وإن عزل عن الإمامة إذا لم ينته كان لعزله وجه، فقد عزل النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما لأجل بزاقه في القبلة".
وقد شنع ابن القيم على من استحب التلفظ بالنية، أو الجهر بها، وقال بأن هذا أمر اتخذه الشيطان مدخلا للوسوسة، والشكوك على كثير من الناس في عباداتهم، وربما صير بعضهم إلى الخبل، والجنون، وما ذكره ابن القيم أمر واقع ومشاهد، ولا شك أن هذا بلوى الابتداع في الدين، والتقليد الأعمى، قال ابن القيم: النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب، لا تعلق باللسان أصلا، ولذلك لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في النية لفظ بحال، ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك، وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة، والصلاة، قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوساوس يحبسهم عندها، ويعذبهم فيها، ويوقعهم في طلب تصحيحها.
المسألة الثالثة: العبادات التي يشرع التلفظ بنيتها:
لقد ذكرنا في المسألة السابقة إجماع العلماء على أن محل النية القلب، وأنه لا يشرع التلفظ بها في الجملة، ولكن يبقى سؤال في مسألتين:
1. النية عند الدخول في الإحرام.
2. النية عند ذبح النسك أو الأضحية.
النية عند الدخول في الإحرام:
صرح فقهاء المذاهب الأربعة في أغلب كتبهم باستحباب التلفظ عند الإحرام بالنسك الذي يريد الدخول فيه.
قال النووي: (قال أصحابنا: ينبغي لمريد الإحرام أن ينويه بقلبه ويتلفظ بذلك بلسانه، ويلبي فيقوله بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم لبيك إلى آخر التلبية فهذا أكمل ما ينبغي له).
فإذا قيل: إن ما ذكره الفقهاء المراد به إعلان التلبية فصحيح لكنهم لم يقولوا ذلك، وإنما صرحوا بالتلفظ بالنية، فإن احتج أحد بحديث ضباعة، وهو أنها قالت: ) يا رسول الله، إني أريد الحج أفأشترط؟ قال: نعم، قالت: كيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك محلي من الأرض حيث تحبسني ( ، فالجواب أن حديث ضباعة دليل على جواز الاشتراط، والأولى أن يكون الاشتراط أيضا من شاكٍ، أو من في حكم الشاكي، كما في قصة ضباعة، أما أن يجعل دليلا على مشروعية التلفظ بالنية عند الإحرام فبعيد، والذين ذهبوا إلى استحباب التلفظ بالنية لم يذكروا دليلا، وإنما ذكروا تعليلا مثل قولهم: لتطابق اللسان مع الجنان، وإذا كان الأمر كذلك فإن على المسلم أن يحرص كل الحرص على اقتفاء سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه الكامل.
التلفظ بالنية عند النسك أو الأضحية:
التلفظ بالنية عند ذبح الهدي أو الأضحية، فإنا نذكر فيه حديث جابر بن عبد الله قال:
) ذَبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ ( ، وهذا تلفظ بما نوى.
فالتلفظ بالنية عند ذبح النسك سنة، ولم نقل بوجوبه لاتفاق أهل العلم على أن محل النية القلب، وأنه لا يشرع التلفظ إلا فيما ورد، كعند إرادة ذبح النسك والله أعلم.