وكل مخبأ مستتر تعجز حواس الكائنات العاقلة إدراكه يعتبر غيب . وينقسم لنوعين غيب مطلقة وغيب نسبي . فالغيب المطلق محجوب عن إدراك الجهاز الحسي لكنه قد يكون محسوس معنوي يقبل العقل تصديقه , فالله سبحانه أول مراتب الغيب المطلق المقيم داخل قلوب المؤمنين الذين لم يشاهدوا الله ذاته. وتصديق الرسل والأنبياء يعد غيب مطلق لاقتناع البشر بنزول الوحي عليهم من السماء . والغيب المطلق هو ماضي وحاضر ومستقبل , فالله أول بلا بداية وأخر بلا نهاية . ولا يتكشف الغيب المطلق للإدراك نهائيا في عالمنا الحياة الدنيا كعذاب ونعيم الموتى في قبورهم. ولا يطلق على الشخص انه مؤمن إلا إذا صدق بالغيب المطلق كما كفر من اشترط انكشاف الغيب المطلق اليه .
وعن النوع الثاني وهو الغيب النسبي , فقد اختص الله بعض من اصطفى وارتضى بمعرفة الغيب النسبي مثل السيد المسيح عيسى عليه السلام الذي كان يخبر الناس بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم, كما قال سبحانه {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} , وسيدنا محمد (صل الله عليه وسلم) الذي أخبر بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات ألا وهو انتصار الروم علي الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات كما حدد موقع المعركة هو أدنى مكان بالكرة الأرضية وقد اثبت العلم حديثا صدقه كما قال سبحانه (غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴿3﴾
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُوَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴿4﴾) ومما تقدم فالغيب النسبي للرسل والأنبياء فقط ومن ادعى معرفته للغيب المطلق أو النسبي فقد وقع في نار جهنم ما لم يكن نبي أو رسول حيث انتهى زمن الرسل والأنبياء بخاتم المرسلين سيدنا محمد (صل الله عليه وسلم) .
فلا وجه للتشابه بين الغيب النسبي والرؤية المحققة , حيث الرؤية المحققة يدخل الشك بتحققها من عدمه مستقبلا.
وعن النوع الأخير وهو المستقبل . ويختلف المستقبل عن الغيب بإمكانية احتمال توقع حدوثه بالدراسة والوسائل العلمية , كحساب سرعة الرياح والمنخفضات والارتفاعات الجوية لأحتمال سقوط أمطار أو هبوب عواصف في ساعة بيوم تم تحديده مسبقا . ولا يتناف أو يتعارض التوقع المدروس للمستقبل مع الشرائع السماوية التي تحثنا على الأخذ بالأسباب للنجاة من الكوارث والمهالك . مصداقا لقوله سبحانه (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقال سبحانه (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) لكن الذي يتنافى مع الدين والشريعة هو الشعوذة والتكهن المبنى على الخرافات والنصب , فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم (من أتى كاهناً أو عرافاً، فسأله عن شيء فصدقه، فقدكفر بما أنزل على
محمد) أو كما قال صل الله عليه وسلم
وأخيرا عزيزي القارئ سواء كان غيب مطلق أو نسبى أو مستقبل فسوف يتجلى واقعا يوم القيامة من ملائكة مرحبين بأهل الجنة وملائكة أخرى تقذف بالكافرين من الإنس والجن ليكونوا رفقاء الشياطين بجهنم , ومن قبل هذا فسوف يقف جميع الخلائق أمام أعلى مراتب الغيب المطلق وهو الله للحساب .
بقلم / يحيى حسن حسانين
اللهم ارحم أمواتنا جميعا واجمعنا بهم في خير يوم نصير إلي ما صاروا إليه