بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه . أما بعد:.
فالتأني والحلم والرفق والوقار ومجاهدة النفس دليل رجاحة العقل واتزان النفس وعلي العكس و النقيض فإن التهور و الاندفاع و الطيش والهوي و السفه و العجلة دليل خفة العقل وجهالة النفس ، وقد يظهر ذلك في سرعة الغضب من يسير الأمور، والمبادرة بالطيش، و الإيقاع بالمؤذي، و السرف في العقوبة ، وإظهار الجزع من أدني ضرر، والسب الفاحش، أو استعمال العبد قواه فيما لا ينبغي وكما لا ينبغي ، والتهور خلق مستقبح من كل أحد إلا أنه من الملوك و الرؤساء أقبح ، وعلى هذا فإذا ترتب على الطيش محرم كان محرماً و إذا ترتب عليه مكروه كان مكروهاً ، وهو على كل حال مستقبح وفي كل وقت مسترذل ، فكم من اندفاعة في غير موضعها أورثت حزناً طويلا ،ً وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة وألقي به في عداد الظلمة الفسقة . ومن ذلك إساءة الظن بالمسلمين وعدم التثبت في نقل الأخبار و إشاعة الاتهام في حق الأبرياء دون بينة أوضح من شمس النهار ، قال تعالي : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15).
وفي صحيح مسلم " أن المسيح عليه السلام – رأي رجلاً يسرق فقال : سرقت ، فقال الرجل : والله ما سرقت ، فقال المسيح: آمنت بالله وكذبت عيني ". ومن ذلك التهور في تكفير المسلمين الذين ورثوا الإسلام و جهلوا معانيه بزعم التحاكم للطاغوت وغير ذلك من شبهات غلاة التكفير ، ومن المعلوم أن الإنسان متي خرج من الملة لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يورث و يفسخ عقده مع امرأته و يفقد ولايته على أولاده .... إلى غير ذلك من الأمور التي تدعو إلى التثبت و السعي في درء الشبهات و إقامة الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها على يد عالم أو ذي سلطان مطاع .
من صور التهور
ومن ذلك التهور في إيقاع الطلاق مع الاستثارة أو وقت الانفعال و الغضب ثم الندم بعد فوات الأوان و تخريب البيوت وتشريد الأولاد ، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون مراعاة الضوابط الشرعية ، فتجد من ينصب نفسه قاضياً وجلاداً ومجنياً عليه في نفس الوقت ، ومن يتصرف كأنه دولة داخل دولة فيقيم الحدود الشرعية بلا ضابط ولا رابط مع كثرة الشبهات وواقع الغربة وانجرار المفاسد الكبيرة من وراء ذلك . والثالث قد يكسر عضوا أو يقبح أو يضرب الوجه بزعم أن الزوجة أو الولد ارتكب كذا أو صنع كذا و كأن الغاية تبرر الوسيلة ، والرابع قد يهدم قبراً مشرفاً ويعاد بناؤه في نفس اليوم وينسب من فعل ذلك لانتهاك حرمة الموتى ، ويتعدى الأذى إلى الأبرياء من الأهل والإخوان و الأصدقاء ، وقد تستثمر هذه السلوكيات في التنفير من الدعوة وفي الصد عن سبيل الله ، وبالجملة فصور التهور والاندفاع كثيرة ومن شانها أن تستجلب المضرة والمفسدة وتفوت المصلحة ، وفي الحديث : " إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ، ما لا يعطي على الخرق ، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق ، وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا ". (رواه الطبراني). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " التأني من الله والعجلة من الشيطان ، وما أحد اكثر معاذير من الله ".( رواه البيهقي، و حسنه الألباني) ، وورد في الحديث: " يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان ( صغار ) سفهاء الأحلام ( ضعفاء العقول ) يقولون من قول خير البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ". ( رواه البخاري) . وقد ظهر الخوارج بهذه الصفات وقاتلهم علي رضي الله عنه .
السلف يحذرون من التهور:
و لما اشتكى بعض الرعية من عمال عمر ، فأمرهم أن يوافوه ، فلما أتوه قام ، فحمد الله و أثنى عليه ، قال : " أيها الناس ، أيتها الرعية ، إن لنا عليكم حقاً ، النصيحة بالغيب و المعاونة على الخير ، أيها الرعاة إن للرعية عليكم حقا فاعلموا أنه لا شئ أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام و رفقه ، و ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام و خرقه ".
و قال أبو منصور : "الأناة حصن السلامة، والعجلة مفتاح الندامة ". و قال : " التأني مع الخيبة خير من التهور مع النجاح " .و قال " السباب مظنة الجهل و مطية الذنوب ".
فالتهور والاندفاع قريب من الشباب و صغر السن وبسبب الجهل الملازم لهذه المرحلة في الأعم الأغلب ، و لذلك قالوا : تفقهوا قبل أن ترأسوا ، و قالوا : تفقهوا قبل أن تسودوا، و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول لأهل زمانه : "أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمر ، و سيأتي على الناس زمان خيرهم المتوقف المتثبت لكثرة الشبهات ". فالإنسان طبعه العجلة " : ( وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً) (الإسراء: من الآية11) . فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير، و يؤثر العاجل و إن قل على الآجل و إن جل ، و قد يفعل الشيء قبل وقته اللائق ، و لذلك ذمت العجلة التي هي من مقتضيات الشهوة في جميع القرآن حتى قيل : العجلة من الشيطان ، بعكس ما كان في طلب الآخرة فهو محمود ، قال تعالى عن نبيه موسى: ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طـه: من الآية84). و قال عمر بن الخطاب : "التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة ". و قد عد الحافظ ابن حجرالعجلة و ترك التثبت في الأمور من الكبائر و جاء في الحديث " العجلة من الشيطان " لأن عندها يروج شره على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل و تروى عند الإقدام على عمل يريده فإنه تحصل له بصيرة به و متى لم تحصل تلك البصيرة فلا ينبغي الاستعجال بل حتى فيما يتعلق بالصالحات فالعجلة تفوت قدراً من الأجر و الثواب ، و لذلك قالوا : رحم الله عبداً وقف مع أول همه فإن كان لله أمضاه و إن كان لغيره توقف ، و العجلة دليل على عدم تقدير الأمور و الجهل بحقائقها ، يوضح ذلك قوله تعالى: (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ). (الشعراء:204).وقوله : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (العنكبوت:54). وقوله : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل:1)
. و عن أبى هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي ". ( رواه البخاري و مسلم) و في حديث أم زرع قالت الثالثة : " زوجي العشنق ( طول بلا نفع ) إن أنطق أطلق ( إن ذكرت عيوبه طلقها لطيشه ) و إن أسكت أعلق ( تركها لا عزباء ولا مزوجة ) ..." الحديث، (رواه البخاري و مسلم). وقال الحسن بن علي – رضي الله عنهما - : اعلموا أن الحلم زينة ،والوفاء مروءة ، والعجلة سفه ، و السفر ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، و مخالطة أهل الفسق ريبة ". و قالوا : لا يستحق أحد اسم الرئاسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء : العقل و العلم و المنطق، ثم يتعرى عن ستة أشياء : عن الحدة و العجلة و الحسد و الهوى والكذب و ترك المشورة . و عاب مالك العجلة في الأمور و قال : قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين ( بمعنى أنه جمع فيها العلم و العمل معاً كما هو منهج الصحابة رضي الله عنهم ) و قال أيضاً : العجلة نوع من الجهل . و قال أبو حاتم : العجلة تكون من الحدة ، و صاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محموداً ، و إن أخطأها كان مذموماً ، و العَجِل لا يسير إلا مناكباً للقصد ، منحرفاً عن الجادة ، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مساراً ، يحكم حكم الورهاء ( الحمق ) يناسب أخلاق النساء ، وإن العجلة موكل بها الندم ، و ما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمة ؛ لأن الزلل مع العجل ، ولا يكون المذموم محموداً أبداً . و في وصية الخطاب ابن المعلى المخزومي القرشي لابنه قال فيها : يا بني عليك بتقوى الله و طاعته و تجنب محارمه باتباع سنته و معالمه حتى تصحح عيوبك ، و تقر عينك ، فإنها لا تخفى على الله خافية ، و إني قد وسمت لك وسماً ، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك و انقاد لك به الصعلوك و لم تزل مرتجى مشرفاً يحتاج إليك ، و يرغب إلى ما في يديك ... إلى أن قال : والعجلة شؤم و سوء التدبير وهن.
فالحذر الحذر من التهور و الاندفاع فهو دليل على السفه و ضعف العقل ، و يتسبب في كثرة الزلل و الوقوع في الخطأ ، و صاحبه محروم من السيادة و مواقع القيادة والريادة ، يجلب لنفسه الضرر ، و يوقعها في مواضع الندم ، حيث لا ينفع الندم ، فلابد من وقفة تريث و تمهل و تثبت لنكون على بصيرة من أمرنا و أمر الناس حتى تُستوضح مواضع الأقدام و تحمد العاقبة .
فالتأني والحلم والرفق والوقار ومجاهدة النفس دليل رجاحة العقل واتزان النفس وعلي العكس و النقيض فإن التهور و الاندفاع و الطيش والهوي و السفه و العجلة دليل خفة العقل وجهالة النفس ، وقد يظهر ذلك في سرعة الغضب من يسير الأمور، والمبادرة بالطيش، و الإيقاع بالمؤذي، و السرف في العقوبة ، وإظهار الجزع من أدني ضرر، والسب الفاحش، أو استعمال العبد قواه فيما لا ينبغي وكما لا ينبغي ، والتهور خلق مستقبح من كل أحد إلا أنه من الملوك و الرؤساء أقبح ، وعلى هذا فإذا ترتب على الطيش محرم كان محرماً و إذا ترتب عليه مكروه كان مكروهاً ، وهو على كل حال مستقبح وفي كل وقت مسترذل ، فكم من اندفاعة في غير موضعها أورثت حزناً طويلا ،ً وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة وألقي به في عداد الظلمة الفسقة . ومن ذلك إساءة الظن بالمسلمين وعدم التثبت في نقل الأخبار و إشاعة الاتهام في حق الأبرياء دون بينة أوضح من شمس النهار ، قال تعالي : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15).
وفي صحيح مسلم " أن المسيح عليه السلام – رأي رجلاً يسرق فقال : سرقت ، فقال الرجل : والله ما سرقت ، فقال المسيح: آمنت بالله وكذبت عيني ". ومن ذلك التهور في تكفير المسلمين الذين ورثوا الإسلام و جهلوا معانيه بزعم التحاكم للطاغوت وغير ذلك من شبهات غلاة التكفير ، ومن المعلوم أن الإنسان متي خرج من الملة لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يورث و يفسخ عقده مع امرأته و يفقد ولايته على أولاده .... إلى غير ذلك من الأمور التي تدعو إلى التثبت و السعي في درء الشبهات و إقامة الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها على يد عالم أو ذي سلطان مطاع .
من صور التهور
ومن ذلك التهور في إيقاع الطلاق مع الاستثارة أو وقت الانفعال و الغضب ثم الندم بعد فوات الأوان و تخريب البيوت وتشريد الأولاد ، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون مراعاة الضوابط الشرعية ، فتجد من ينصب نفسه قاضياً وجلاداً ومجنياً عليه في نفس الوقت ، ومن يتصرف كأنه دولة داخل دولة فيقيم الحدود الشرعية بلا ضابط ولا رابط مع كثرة الشبهات وواقع الغربة وانجرار المفاسد الكبيرة من وراء ذلك . والثالث قد يكسر عضوا أو يقبح أو يضرب الوجه بزعم أن الزوجة أو الولد ارتكب كذا أو صنع كذا و كأن الغاية تبرر الوسيلة ، والرابع قد يهدم قبراً مشرفاً ويعاد بناؤه في نفس اليوم وينسب من فعل ذلك لانتهاك حرمة الموتى ، ويتعدى الأذى إلى الأبرياء من الأهل والإخوان و الأصدقاء ، وقد تستثمر هذه السلوكيات في التنفير من الدعوة وفي الصد عن سبيل الله ، وبالجملة فصور التهور والاندفاع كثيرة ومن شانها أن تستجلب المضرة والمفسدة وتفوت المصلحة ، وفي الحديث : " إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ، ما لا يعطي على الخرق ، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق ، وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا ". (رواه الطبراني). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " التأني من الله والعجلة من الشيطان ، وما أحد اكثر معاذير من الله ".( رواه البيهقي، و حسنه الألباني) ، وورد في الحديث: " يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان ( صغار ) سفهاء الأحلام ( ضعفاء العقول ) يقولون من قول خير البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ". ( رواه البخاري) . وقد ظهر الخوارج بهذه الصفات وقاتلهم علي رضي الله عنه .
السلف يحذرون من التهور:
و لما اشتكى بعض الرعية من عمال عمر ، فأمرهم أن يوافوه ، فلما أتوه قام ، فحمد الله و أثنى عليه ، قال : " أيها الناس ، أيتها الرعية ، إن لنا عليكم حقاً ، النصيحة بالغيب و المعاونة على الخير ، أيها الرعاة إن للرعية عليكم حقا فاعلموا أنه لا شئ أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام و رفقه ، و ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام و خرقه ".
و قال أبو منصور : "الأناة حصن السلامة، والعجلة مفتاح الندامة ". و قال : " التأني مع الخيبة خير من التهور مع النجاح " .و قال " السباب مظنة الجهل و مطية الذنوب ".
فالتهور والاندفاع قريب من الشباب و صغر السن وبسبب الجهل الملازم لهذه المرحلة في الأعم الأغلب ، و لذلك قالوا : تفقهوا قبل أن ترأسوا ، و قالوا : تفقهوا قبل أن تسودوا، و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول لأهل زمانه : "أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمر ، و سيأتي على الناس زمان خيرهم المتوقف المتثبت لكثرة الشبهات ". فالإنسان طبعه العجلة " : ( وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً) (الإسراء: من الآية11) . فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير، و يؤثر العاجل و إن قل على الآجل و إن جل ، و قد يفعل الشيء قبل وقته اللائق ، و لذلك ذمت العجلة التي هي من مقتضيات الشهوة في جميع القرآن حتى قيل : العجلة من الشيطان ، بعكس ما كان في طلب الآخرة فهو محمود ، قال تعالى عن نبيه موسى: ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طـه: من الآية84). و قال عمر بن الخطاب : "التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة ". و قد عد الحافظ ابن حجرالعجلة و ترك التثبت في الأمور من الكبائر و جاء في الحديث " العجلة من الشيطان " لأن عندها يروج شره على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل و تروى عند الإقدام على عمل يريده فإنه تحصل له بصيرة به و متى لم تحصل تلك البصيرة فلا ينبغي الاستعجال بل حتى فيما يتعلق بالصالحات فالعجلة تفوت قدراً من الأجر و الثواب ، و لذلك قالوا : رحم الله عبداً وقف مع أول همه فإن كان لله أمضاه و إن كان لغيره توقف ، و العجلة دليل على عدم تقدير الأمور و الجهل بحقائقها ، يوضح ذلك قوله تعالى: (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ). (الشعراء:204).وقوله : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (العنكبوت:54). وقوله : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل:1)
. و عن أبى هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي ". ( رواه البخاري و مسلم) و في حديث أم زرع قالت الثالثة : " زوجي العشنق ( طول بلا نفع ) إن أنطق أطلق ( إن ذكرت عيوبه طلقها لطيشه ) و إن أسكت أعلق ( تركها لا عزباء ولا مزوجة ) ..." الحديث، (رواه البخاري و مسلم). وقال الحسن بن علي – رضي الله عنهما - : اعلموا أن الحلم زينة ،والوفاء مروءة ، والعجلة سفه ، و السفر ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، و مخالطة أهل الفسق ريبة ". و قالوا : لا يستحق أحد اسم الرئاسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء : العقل و العلم و المنطق، ثم يتعرى عن ستة أشياء : عن الحدة و العجلة و الحسد و الهوى والكذب و ترك المشورة . و عاب مالك العجلة في الأمور و قال : قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين ( بمعنى أنه جمع فيها العلم و العمل معاً كما هو منهج الصحابة رضي الله عنهم ) و قال أيضاً : العجلة نوع من الجهل . و قال أبو حاتم : العجلة تكون من الحدة ، و صاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محموداً ، و إن أخطأها كان مذموماً ، و العَجِل لا يسير إلا مناكباً للقصد ، منحرفاً عن الجادة ، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مساراً ، يحكم حكم الورهاء ( الحمق ) يناسب أخلاق النساء ، وإن العجلة موكل بها الندم ، و ما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمة ؛ لأن الزلل مع العجل ، ولا يكون المذموم محموداً أبداً . و في وصية الخطاب ابن المعلى المخزومي القرشي لابنه قال فيها : يا بني عليك بتقوى الله و طاعته و تجنب محارمه باتباع سنته و معالمه حتى تصحح عيوبك ، و تقر عينك ، فإنها لا تخفى على الله خافية ، و إني قد وسمت لك وسماً ، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك و انقاد لك به الصعلوك و لم تزل مرتجى مشرفاً يحتاج إليك ، و يرغب إلى ما في يديك ... إلى أن قال : والعجلة شؤم و سوء التدبير وهن.
فالحذر الحذر من التهور و الاندفاع فهو دليل على السفه و ضعف العقل ، و يتسبب في كثرة الزلل و الوقوع في الخطأ ، و صاحبه محروم من السيادة و مواقع القيادة والريادة ، يجلب لنفسه الضرر ، و يوقعها في مواضع الندم ، حيث لا ينفع الندم ، فلابد من وقفة تريث و تمهل و تثبت لنكون على بصيرة من أمرنا و أمر الناس حتى تُستوضح مواضع الأقدام و تحمد العاقبة .