محمد مفتاح، فنان مغربي من طراز خاص، بدأ رحلته الفنية في بداية السبعينات من القرن الماضي بالسينما الأمريكية من خلال الفيلم الهوليوودي “الشيء المستحيل” ثم تعددت أدواره مع كبار المخرجين العرب والأجانب. عن هذا الفيلم، ومحطاته الفنية المختلفة التي جاب بها العديد من البلدان وشارك خلالها في عدد من الأعمال الدرامية السورية، كان معه الحوار التالي في دمشق. ينتمي الممثل المغربي محمد مفتاح الى فئة الاشخاص الذين بمجرد النظر اليهم يكتشف المرء انهم يملكون ملامح الشخصية السينمائية، أي انهم ليسوا بحاجة الى اثبات ذلك امام كاميرا المخرجين، فقد ساعدته قامته الطويلة، وسمرته وشعره المسترسل ولحيته القصيرة ونظرات عينيه الحادة لأن يصبح احد الوجوه المألوفة والمشهورة في السينما العالمية قبل المغربية، الى ان سرقته الدراما التلفزيونية السورية ليصبح النجم المغربي الوحيد، الذي تسند له ادوار البطولة فيها، باعتباره اول ممثل مغربي يشارك في مسلسل سوري، وكان ذلك في عام 1999، في مسلسل «الفصول الاربعة» للمخرج حاتم علي، حيث مثل دور طبيب مغربي سافر الى سورية للبحث عن احد افراد عائلته الذي شارك مع الجنود المغاربة في حرب الجولان، مؤكدا ان الامر كله تم بالصدفة، ذلك لانه لم يكن يخطط أو يحلم بالتمثيل في سورية. كانت بداية مفتاح من خلال مسرح الهواة نهاية عقد الستينات من القرن الماضي، ومن خلاله تعلم تقنيات الاداء والانارة والملابس والفضاء المسرحي، قبل ان يحترف التمثيل مع فرقة المسرح البلدي بالدار البيضاء، وفي عام 1965 عمل مع المسرحي الطيب الصديقي، وقدم معه اشهر مسرحياته من بينها: «مومو بوخرصة»، و«سيدي ياسين»، و«مدينة النحاس» و«ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب»، و«كان يامكان»، و«مقامات بديع الزمان الهمداني».
ومن المسرح انتقل مفتاح الى التلفزيون ثم الى السينما، وكان اول فيلم مثله هو «الشيء المستحيل» عام 1973 مع المخرج الاميركي جون فرانكين هايمر، حيث ادى دور شاب مغربي فقير تقع في حبه امرأة ارستقراطية اجنبية. وكان الدور الثاني في الفيلم، الا انه لم يشاهد هذا الفيلم إلا صدفة عام 1976 في دار عرض في باريس، حيث اكتشف ان اعلانات الفيلم لا تشير الى اسمه بتاتا، وبعد سنوات طويلة التقى مفتاح، المخرج الاميركي واستفسر عن سر غياب اسمه، فأوضح له ان المنتج الاسرائيلي رفض ان تتضمن اعلانات الفيلم اسم محمد. وشارك مفتاح بعد ذلك في عدة افلام اجنبية، ايطالية، وانجليزية، وفرنسية، كما شارك في معظم الافلام السينمائية المغربية من بينها: «جارات ابي موسى» لمحمد عبد الرحمن التازي، و«ياقوت» لجمال بلمجذوب، و«وبعد» لمحمد اسماعيل، و«طيف نزار» لكمال كمال، و«عطلة نهاية الاسبوع» لداوود اولاد السيد، وغيرها من الافلام التي اتقن فيها اداء وتقمص شخصيات متنوعة، حيث لم يصنف مفتاح في ادوار نمطية سواء في التلفزيون او السينما، ويبقى حلمه ان يجسد دور الزعيم التاريخي المغربي عبد الكريم الخطابي. ودخل مفتاح اخيرا مجال الاخراج والانتاج، حيث قدم ثلاثة مشاريع افلام طويلة هي «أحرف وحجر»، و«خذني معك»، و«أحلام عطيل»، الذي يتطرق الى موضوع الهجرة بين الشباب. واعلن انه سيشرك ممثلين وفنيين من سوريا في افلامه. سقط مفتاح بدوره في فخ الكوميديا المغربية، والاعمال الفكاهية التي تصور على استعجال للعرض خلال رمضان، حيث شارك في سلسلتين هما «الهاربان» للمخرج سعيد بنتاشفين، و«عش نهار تسمع خبار» للمخرج حسن غنجة، كان حظهما الفشل الذريع مثل غالبية هذا النوع من الاعمال التلفزيونية التي تتميز بالسطحية، ولم يتردد مفتاح في التعبير عن استيائه من هذه المشاركة.
شكلت الدراما التلفزيونية السورية مرحلة تحول كبير في حياة مفتاح، حيث سطع نجمه على المستوى العربي، حتى اضحى الاسم المغربي الوحيد الذي يعرفه المشارقة في مجال التمثيل.
ويدين مفتاح بشهرته العربية للمخرج حاتم علي، الذي قدمه في عدة اعمال ناجحة، وأسند له ادوارا رئيسية في مسلسلاته التاريخية التي صورت معظم مشاهدها في المدن المغربية، حيث عثر على ديكور حقيقي للاجواء الاندلسية، مثل مسلسلاته التي تطرقت للوجود العربي في الاندلس، وهي: «صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف»، الذي برع فيه في تجسيد دور الوزير «ابي عمار»، وغيرها من الادوار الرئيسية. ويقول مفتاح: «حاتم علي له فضل تقديمي للسوريين والعرب بشكل عام، فهو الذي أتى بي إلى الشام، وعملت معه في مسلسلات تعتبر من الروائع في تاريخ الدراما العربية، وكانت أدواري من أروع الأدوار التي لعبتها في حياتي، اذ لم أجد مثله في عمله وانضباطه»، وهو برأيه «متفرج وقارئ جيد وقليلون هم المخرجون الذين على هذا الشكل».
لم تكن مشاركة مفتاح في الانتاج التلفزيوني السوري يسيرة وسهلة منذ الوهلة الاولى. ويقول في هذا الصدد انه وجد صعوبة كبيرة في تشخيص دوره باللغة العربية الفصحى، والملاحظة التي كانت توجه له هي انه لم يستطع التخلص من اللكنة المغربية، شأنه في ذلك شأن العديد من الممثلين المغاربة، وبالتالي كان اداؤه يبدو غير منسجم الى حد كبير مع باقي الممثلين، لكنه استطاع بعد مدة قصيرة، كما قال، التخلص من لكنته، والتأقلم مع الدور بشكل جيد. مضيفا ان الممثل المغربي لديه طاقات كبيرة في مجال التمثيل، ولا تنقصه سوى التجربة التي يمكن اكتسابها من خلال المشاركة في اعمال ذات مستوى جيد.
ويتذكر مفتاح قائلا: «عندما ذهبت لأول مرة إلى التصوير، لم أكن أعرف أن المخرجين السوريين يعتمدون طريقة العد من 5 الى 2 للبدء في التصوير، وكنت متعوداً على الأسلوب الغربي وهو كلمة (أكشن)، وعندما بدأ العد لم أتحرك فسمعت ضحكات الممثلين حولي».
وهذه الصعوبات واجهت العديد من الممثلين المغاربة الذين شاركوا في اعمال سورية لدرجة ان بعضهم كان ينسحب بعد وقوفه امام الكاميرا لانهم يتحدثون بالفصحى بلكنة مغربية، كما ان اختلاف المصطلحات التقنية بين العربية عند السوريين، والفرنسية عند المغاربة، كان يتسبب احيانا في عدم التواصل بشكل جيد. النجاح الذي حققه مفتاح، مع حاتم علي، لم يكن بجانبه عندما شارك في مسلسلات لمخرجين آخرين، حيث كانت له عدة تجارب سيئة لم يتردد كعادته، في انتقادها، الى حد الندم على القبول بالمشاركة فيها، من بينها مسلسل «خالد بن الوليد» للمخرج غسان بن عبد الله، حيث مثل دورالقعقاع بن عمرو. وانتقد مفتاح المسلسل بشدة قائلا: «أرسلوا لي حلقتين من المسلسل للاطلاع عليهما، فوجدت أنهما جيدتان وبالإمكان البناء عليهما والتعديل في مكان التصوير، ولكن اكتشفت بعد ذلك أن النص سيئ، وظروف الإنتاج سيئة، والمخرج أسوأ، فسقط العمل سقوطاً مريعا»، على حد تعبيره، ولقي نفس المصير مسلسل «الليلة الثانية بعد الالف»، الذي شارك فيه الى جانب عابد فهد، وامل عرفة. وتدور احداث المسلسل في حقبة تاريخية قديمة مع اسقاطات على الواقع المعاصر. وارجع مفتاح سبب فشل هذا العمل الى ظروف الانتاج. ومثل مفتاح ايضا في المسلسلات التي تناولت قضايا الارهاب والتطرف في العالم العربي، من خلال مسلسل «دعاة على ابواب جهنم» للمخرجين، الأردني إياد الخزوز، والسوري رضوان شاهين، والذي عرض قبل عامين، الا ان المسلسل وكغيره من المسلسلات التي تطرقت الى ظاهرة الارهاب لم يكن متميزا وقدم رؤية سطحية لهذه القضية. واعترف مفتاح ان المسلسل كان ضعيفا من الناحية الفنية والأدبية، بسبب التغيير الذي ادخل على النص الأصلي للعمل، منتقدا الظروف السيئة للتصوير والانتاج والاخراج.
وفي هذا السياق، يؤكد مفتاح ان «الممثل يخطئ أحياناً في اختياراته، وأحياناً يضطر للعمل لكي لا يبقى جالساً في البيت، لأن عليه واجبات تجاه بيته وأسرته وحياته الشخصية، وأحياناً كثيرة يدخل في مشاريع فنية، مخرجوها أو الممثلون فيها غير متمكنين فيكون مصيرها الفشل». ورغم كل شيء يواصل مفتاح حضوره في الدراما السورية، حيث شارك في اخر الاعمال التلفزيونية للمخرج حاتم علي، التي لم تعرض بعد وهي «صراع على الرمال»، و«ايام الثأر» الذي صور في مدينة ورزازات المغربية بمشاركة عبد المنعم عمايري، وتيم حسن، وصبا مبارك.
لقد كثر الحديث في السنوات الاخيرة عن الصراع الدائر والمنافسة القائمة بين الدراما السورية والمصرية، واستقطاب الاخيرة للنجوم السوريين لعلهم يعيدون البريق الى مسلسلاتهم التي فقدت شعبيتها منذ مدة، الا ان هناك من رأى انها «مؤامرة» يتم تدبيرها ضد الانتاج التلفزيوني السوري. والممثل مفتاح احد الذين يؤيدون نظرية المؤامرة هذه حيث يقول: «الدراما السورية كانت تعيش حالة من القوة التصاعدية حتى عام 2005 عندما بدأت تدخل رؤوس أموال عربية وشركات جديدة مجال العمل في الدراما السورية، وهذا شيء مهم فيما يخص الصناعة، ولكنه أضر بها، لأن الدراما السورية يجب أن تبقى سفيرة سورية للعالم العربي، وتخاطب الوجدان والعقل، والمجتمعات. ويبدو لي أن هناك مؤامرة على الدراما السورية، وأنا لا أتهم أحداً بعينه، ولكن مستوى النصوص من الناحية الفكرية والقيمة الفنية بدأ في التدني، مضيفا: «أنا قلق على الدراما السورية ليس من السوريين، ولكن من المنتجين القادمين من خارج سورية وأنا أطلب من الفنانين السوريين وخاصة النجوم، عدم المشاركة في أعمال هابطة ومن يوافق على ذلك مقابل المال، فسيكون قد خان الدراما في بلاده».
وخلافا للهجوم الذي تعرض له الممثلون السوريون، الذين شاركوا في المسلسلات المصرية، من الطرفين، قال مفتاح ان السوريين رحبوا بوجوده معهم: «كنت موفقاً لأنني التقيت بأهم الفنانين السوريين منذ بداية تجربتي، مثل حاتم علي، وجمال سليمان، وبسام كوسا، وخالد تاجا، وسلمى المصري، ونبيلة النابلسي، وكانوا رائعين، وكانت علاقتي معهم جميلة، وتعدت حدود الزمالة إلى علاقات تواصل إنساني»، وكان النجم جمال سليمان قد قال: «في المغرب ممثلون متميزون ويكفي ذكر الفنان محمد مفتاح الذي اشتغلت معه في أكثر من عمل للتدليل على هذه الحقيقة».
واذا كان مفتاح قد حالفه الحظ لكي يصبح النجم المغربي في الدراما السورية، الا ان كثيرين انتقدوا تحويل عدد من الممثلين المغاربة المعروفين الى مجرد «كومبارس» في الاعمال السورية، التي صورت في المغرب، ومن بينهم اسماء معروفة ولها تاريخها الفني، بيد انهم «برروا» قبولهم بهذه المشاركة «العابرة» بانها «رغبة في اكتساب الخبرة والتجربة».
حوار مع الفنان المغربي محمد مفتاح يتحدث في عن مساره الفني
حدثنا عن بدايتك في عالم الفن؟
- بداياتي الحقيقية كانت في المسرح أواخر الستينات ومن خلاله تعلمت تقنيات الأداء والإنارة والملابس والفضاء المسرحي، ومن المسرح انتقلت إلى التلفزيون ثم السينما، وكان أول فيلم مثلته “الشيء المستحيل” عام 1973 مع المخرج الأمريكي “جون فرانكين هايمر” واختارني لأداء دور شاب مغربي فقير تحبه امرأة ارستقراطية أجنبية وكان الدور الثاني في الفيلم، وبعده قمت بما يقارب الستة والثلاثين دوراً في أفلام أجنبية إيطالية وانجليزية وفرنسية واشتغلت مع مخرجين مغربيين، وشاركت في معظم أفلام السينما المغربية ولي رصيد كبير منها إضافة إلى عشرات الأعمال التلفزيونية والكثير من الأعمال المسرحية.
كيف تنظر إلى السينما السورية؟
- السينما السورية عالية الجودة. وأفلامها عظيمة في المجمل، وتشهد على ذلك الجوائز التي تنالها في المهرجانات العربية والدولية، وما أتمناه مستقبلاً أن تزيد من انتاج أفلامها، والا يقتصر الأمر على فيلمين في العام، لا سيما في ظل وجود أعداد كبيرة من الفنانين الموهوبين سواء في التمثيل أو الإخراج أو حتى وجود التقنيين الآخرين، ومثلاً نحن في المغرب ننتج ما يقارب 10 أفلام سنوياً.
ماذا عن تجربتك في المسرح؟
- البداية في مسرح الهواة، وكنت في المرحلة الابتدائية، ثم في مرحلة متقدمة احترفت التمثيل مع فرقة المسرح البلدي في الدار البيضاء، وهي تابعة للمجلس البلدي ومن خلال هذه الفرقة تعلمت تقنيات المسرح وتفاصيله الفنية فمثلاً تعلمت التجارة والصناعة ومزج الألوان وصناعة الأقنعة وغير ذلك كثير، وفي عام ،1965 وكانت نقطة التحول الكبرى في حياتي. حيث كان لي الشرف في التعاون مع المخرج المسرحي الكبير “الطيب الصديقي” ومن المسرحيات التي قدمتها من إخراجه: عمو بوخرسة، وهي ذات طابع سياسي، وتتألف من أربعة فصول ثم “سيدي ياسين” وهي من أروع المسرحيات التي قدمتها مع الطيب الصديقي، وحولها الصديقي فيما بعد إلى فيلم سينمائي بعنوان “الزفت” ومن المسرحيات “مدينة النحاس” و”ديوان سيدي عبدالرحمن المجذوب” و”السيفون، وكان يا ماكان”، ومقامات بديع الزمان الهمذاني و”أبو حيان التوحيدي” و”الشامات السبع”، أما المسرحيات الأولى في فرقة الهواة فكانت: “الخزينة”، و”البغلة هذا شهرها”، و”كركون سيدنا الشيخ”، “وصقر”.. وغيرها.
ماذا يمثل لك الطيب الصديقي؟
- الطيب الصديقي أستاذي ولولاه ما كنت الفنان الذي يجلس معك الآن، فأنا مدين له بأشياء كثيرة.
ننتقل معك إلى السينما المغربية، ما الأفلام التي شاركت بتمثيلها حتى الآن؟
- البداية كانت عام 1970 من خلال فيلم قصير بعنوان “البراق” ثم صورت فيلماً قصيراً آخر بعنوان “الغابة” وهما بالأبيض والأسود، ثم اختارني المخرج الأمريكي “جون فرانكين هايمر” للمشاركة في فيلمه السينمائي الهوليوودي “الشيء المستحيل” إلى جانب الممثل الانجليزي “آلان بايك” والممثلة الفرنسية المقيمة في الولايات المتحدة “دومينيك اكساندا” وكنت العربي الوحيد في الفيلم، وصور معظمه في منطقة أصيلة وعلى شاطئها الجميل، إضافة إلى مدن أخرى في المغرب، ومشاهد قليلة منه في القصور القديمة في لندن، ويشاء القدر أن أرى الفيلم مصادفة في أواخر عام ،1976 حيث لفت نظري اعلانات الفيلم مصادفة على دار عرض في باريس، وفوجئت ان اسمي غير مكتوب على افيشاته، وعندما شاهدت الفيلم أعجبت بنفسي كثيراً ولاسيما أن مشاهدي احتلت ثلاثة أرباع الفيلم “فأنا البطل الأول فيه، ومع ذلك لم أقرأ اسمي عند بداية عرضه، وفي العام ،1991 اتصل بي العاملون في المركز السينمائي المغربي وقالوا لي إن علي أن أذهب إلى هوليوود لملاقاة المخرج الامريكي جون فرانكين هايمر وطلبوا مني القدوم إلى المركز لاخذ تذكرة الطائرة إلى هوليوود، وتزامن ذلك مع مهرجان السينما الوطنية الثالث في مدينة مكناس المغربية، الذي كان سيفتتح فعالياته بعد أيام قليلة من هذا الخبر واخترت الذهاب إلى هوليوود لأنها فرصة لا تعوض بالنسبة لأي فنان، وحلم كل ممثل في العالم وبعد طيران 8 ساعات وجدت المخرج الأمريكي بانتظاري مع زوجته.
وكان استقباله لي رائعاً جداً وعرفني الى نخبة كبيرة من الفنانين في هوليوود، وعرض علي المشاركة في فيلم من إخراجه ولكن من دون أن أتفوه بكلمة واحدة. بمعنى أن دوري كان صامتاً بلا حوار، ومثلت الفيلم خلال 15 يوماً، وقبل أن أغادر سألته عن سبب إغفال اسمي في الفيلم الأول “الشيء المستحيل” فصارحني قائلاً إن المنتج كان صهيونياً، ولم يقبل أن يكون في الفيلم اسم “محمد” ولهذا السبب بالذات طلبت منك أن تعمل معي في الفيلم الجديد كنوع من الاعتذار عما حصل في السابق.
وعموماً اشتغلت في السينما الايطالية والفرنسية والانجليزية وكذلك مع مخرجين مغربيين وحصيلتي حتى الآن ما يزيد على الثلاثين فيلماً سينمائياً.
ومن المسرح انتقل مفتاح الى التلفزيون ثم الى السينما، وكان اول فيلم مثله هو «الشيء المستحيل» عام 1973 مع المخرج الاميركي جون فرانكين هايمر، حيث ادى دور شاب مغربي فقير تقع في حبه امرأة ارستقراطية اجنبية. وكان الدور الثاني في الفيلم، الا انه لم يشاهد هذا الفيلم إلا صدفة عام 1976 في دار عرض في باريس، حيث اكتشف ان اعلانات الفيلم لا تشير الى اسمه بتاتا، وبعد سنوات طويلة التقى مفتاح، المخرج الاميركي واستفسر عن سر غياب اسمه، فأوضح له ان المنتج الاسرائيلي رفض ان تتضمن اعلانات الفيلم اسم محمد. وشارك مفتاح بعد ذلك في عدة افلام اجنبية، ايطالية، وانجليزية، وفرنسية، كما شارك في معظم الافلام السينمائية المغربية من بينها: «جارات ابي موسى» لمحمد عبد الرحمن التازي، و«ياقوت» لجمال بلمجذوب، و«وبعد» لمحمد اسماعيل، و«طيف نزار» لكمال كمال، و«عطلة نهاية الاسبوع» لداوود اولاد السيد، وغيرها من الافلام التي اتقن فيها اداء وتقمص شخصيات متنوعة، حيث لم يصنف مفتاح في ادوار نمطية سواء في التلفزيون او السينما، ويبقى حلمه ان يجسد دور الزعيم التاريخي المغربي عبد الكريم الخطابي. ودخل مفتاح اخيرا مجال الاخراج والانتاج، حيث قدم ثلاثة مشاريع افلام طويلة هي «أحرف وحجر»، و«خذني معك»، و«أحلام عطيل»، الذي يتطرق الى موضوع الهجرة بين الشباب. واعلن انه سيشرك ممثلين وفنيين من سوريا في افلامه. سقط مفتاح بدوره في فخ الكوميديا المغربية، والاعمال الفكاهية التي تصور على استعجال للعرض خلال رمضان، حيث شارك في سلسلتين هما «الهاربان» للمخرج سعيد بنتاشفين، و«عش نهار تسمع خبار» للمخرج حسن غنجة، كان حظهما الفشل الذريع مثل غالبية هذا النوع من الاعمال التلفزيونية التي تتميز بالسطحية، ولم يتردد مفتاح في التعبير عن استيائه من هذه المشاركة.
شكلت الدراما التلفزيونية السورية مرحلة تحول كبير في حياة مفتاح، حيث سطع نجمه على المستوى العربي، حتى اضحى الاسم المغربي الوحيد الذي يعرفه المشارقة في مجال التمثيل.
ويدين مفتاح بشهرته العربية للمخرج حاتم علي، الذي قدمه في عدة اعمال ناجحة، وأسند له ادوارا رئيسية في مسلسلاته التاريخية التي صورت معظم مشاهدها في المدن المغربية، حيث عثر على ديكور حقيقي للاجواء الاندلسية، مثل مسلسلاته التي تطرقت للوجود العربي في الاندلس، وهي: «صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، و«ملوك الطوائف»، الذي برع فيه في تجسيد دور الوزير «ابي عمار»، وغيرها من الادوار الرئيسية. ويقول مفتاح: «حاتم علي له فضل تقديمي للسوريين والعرب بشكل عام، فهو الذي أتى بي إلى الشام، وعملت معه في مسلسلات تعتبر من الروائع في تاريخ الدراما العربية، وكانت أدواري من أروع الأدوار التي لعبتها في حياتي، اذ لم أجد مثله في عمله وانضباطه»، وهو برأيه «متفرج وقارئ جيد وقليلون هم المخرجون الذين على هذا الشكل».
لم تكن مشاركة مفتاح في الانتاج التلفزيوني السوري يسيرة وسهلة منذ الوهلة الاولى. ويقول في هذا الصدد انه وجد صعوبة كبيرة في تشخيص دوره باللغة العربية الفصحى، والملاحظة التي كانت توجه له هي انه لم يستطع التخلص من اللكنة المغربية، شأنه في ذلك شأن العديد من الممثلين المغاربة، وبالتالي كان اداؤه يبدو غير منسجم الى حد كبير مع باقي الممثلين، لكنه استطاع بعد مدة قصيرة، كما قال، التخلص من لكنته، والتأقلم مع الدور بشكل جيد. مضيفا ان الممثل المغربي لديه طاقات كبيرة في مجال التمثيل، ولا تنقصه سوى التجربة التي يمكن اكتسابها من خلال المشاركة في اعمال ذات مستوى جيد.
ويتذكر مفتاح قائلا: «عندما ذهبت لأول مرة إلى التصوير، لم أكن أعرف أن المخرجين السوريين يعتمدون طريقة العد من 5 الى 2 للبدء في التصوير، وكنت متعوداً على الأسلوب الغربي وهو كلمة (أكشن)، وعندما بدأ العد لم أتحرك فسمعت ضحكات الممثلين حولي».
وهذه الصعوبات واجهت العديد من الممثلين المغاربة الذين شاركوا في اعمال سورية لدرجة ان بعضهم كان ينسحب بعد وقوفه امام الكاميرا لانهم يتحدثون بالفصحى بلكنة مغربية، كما ان اختلاف المصطلحات التقنية بين العربية عند السوريين، والفرنسية عند المغاربة، كان يتسبب احيانا في عدم التواصل بشكل جيد. النجاح الذي حققه مفتاح، مع حاتم علي، لم يكن بجانبه عندما شارك في مسلسلات لمخرجين آخرين، حيث كانت له عدة تجارب سيئة لم يتردد كعادته، في انتقادها، الى حد الندم على القبول بالمشاركة فيها، من بينها مسلسل «خالد بن الوليد» للمخرج غسان بن عبد الله، حيث مثل دورالقعقاع بن عمرو. وانتقد مفتاح المسلسل بشدة قائلا: «أرسلوا لي حلقتين من المسلسل للاطلاع عليهما، فوجدت أنهما جيدتان وبالإمكان البناء عليهما والتعديل في مكان التصوير، ولكن اكتشفت بعد ذلك أن النص سيئ، وظروف الإنتاج سيئة، والمخرج أسوأ، فسقط العمل سقوطاً مريعا»، على حد تعبيره، ولقي نفس المصير مسلسل «الليلة الثانية بعد الالف»، الذي شارك فيه الى جانب عابد فهد، وامل عرفة. وتدور احداث المسلسل في حقبة تاريخية قديمة مع اسقاطات على الواقع المعاصر. وارجع مفتاح سبب فشل هذا العمل الى ظروف الانتاج. ومثل مفتاح ايضا في المسلسلات التي تناولت قضايا الارهاب والتطرف في العالم العربي، من خلال مسلسل «دعاة على ابواب جهنم» للمخرجين، الأردني إياد الخزوز، والسوري رضوان شاهين، والذي عرض قبل عامين، الا ان المسلسل وكغيره من المسلسلات التي تطرقت الى ظاهرة الارهاب لم يكن متميزا وقدم رؤية سطحية لهذه القضية. واعترف مفتاح ان المسلسل كان ضعيفا من الناحية الفنية والأدبية، بسبب التغيير الذي ادخل على النص الأصلي للعمل، منتقدا الظروف السيئة للتصوير والانتاج والاخراج.
وفي هذا السياق، يؤكد مفتاح ان «الممثل يخطئ أحياناً في اختياراته، وأحياناً يضطر للعمل لكي لا يبقى جالساً في البيت، لأن عليه واجبات تجاه بيته وأسرته وحياته الشخصية، وأحياناً كثيرة يدخل في مشاريع فنية، مخرجوها أو الممثلون فيها غير متمكنين فيكون مصيرها الفشل». ورغم كل شيء يواصل مفتاح حضوره في الدراما السورية، حيث شارك في اخر الاعمال التلفزيونية للمخرج حاتم علي، التي لم تعرض بعد وهي «صراع على الرمال»، و«ايام الثأر» الذي صور في مدينة ورزازات المغربية بمشاركة عبد المنعم عمايري، وتيم حسن، وصبا مبارك.
لقد كثر الحديث في السنوات الاخيرة عن الصراع الدائر والمنافسة القائمة بين الدراما السورية والمصرية، واستقطاب الاخيرة للنجوم السوريين لعلهم يعيدون البريق الى مسلسلاتهم التي فقدت شعبيتها منذ مدة، الا ان هناك من رأى انها «مؤامرة» يتم تدبيرها ضد الانتاج التلفزيوني السوري. والممثل مفتاح احد الذين يؤيدون نظرية المؤامرة هذه حيث يقول: «الدراما السورية كانت تعيش حالة من القوة التصاعدية حتى عام 2005 عندما بدأت تدخل رؤوس أموال عربية وشركات جديدة مجال العمل في الدراما السورية، وهذا شيء مهم فيما يخص الصناعة، ولكنه أضر بها، لأن الدراما السورية يجب أن تبقى سفيرة سورية للعالم العربي، وتخاطب الوجدان والعقل، والمجتمعات. ويبدو لي أن هناك مؤامرة على الدراما السورية، وأنا لا أتهم أحداً بعينه، ولكن مستوى النصوص من الناحية الفكرية والقيمة الفنية بدأ في التدني، مضيفا: «أنا قلق على الدراما السورية ليس من السوريين، ولكن من المنتجين القادمين من خارج سورية وأنا أطلب من الفنانين السوريين وخاصة النجوم، عدم المشاركة في أعمال هابطة ومن يوافق على ذلك مقابل المال، فسيكون قد خان الدراما في بلاده».
وخلافا للهجوم الذي تعرض له الممثلون السوريون، الذين شاركوا في المسلسلات المصرية، من الطرفين، قال مفتاح ان السوريين رحبوا بوجوده معهم: «كنت موفقاً لأنني التقيت بأهم الفنانين السوريين منذ بداية تجربتي، مثل حاتم علي، وجمال سليمان، وبسام كوسا، وخالد تاجا، وسلمى المصري، ونبيلة النابلسي، وكانوا رائعين، وكانت علاقتي معهم جميلة، وتعدت حدود الزمالة إلى علاقات تواصل إنساني»، وكان النجم جمال سليمان قد قال: «في المغرب ممثلون متميزون ويكفي ذكر الفنان محمد مفتاح الذي اشتغلت معه في أكثر من عمل للتدليل على هذه الحقيقة».
واذا كان مفتاح قد حالفه الحظ لكي يصبح النجم المغربي في الدراما السورية، الا ان كثيرين انتقدوا تحويل عدد من الممثلين المغاربة المعروفين الى مجرد «كومبارس» في الاعمال السورية، التي صورت في المغرب، ومن بينهم اسماء معروفة ولها تاريخها الفني، بيد انهم «برروا» قبولهم بهذه المشاركة «العابرة» بانها «رغبة في اكتساب الخبرة والتجربة».
حوار مع الفنان المغربي محمد مفتاح يتحدث في عن مساره الفني
حدثنا عن بدايتك في عالم الفن؟
- بداياتي الحقيقية كانت في المسرح أواخر الستينات ومن خلاله تعلمت تقنيات الأداء والإنارة والملابس والفضاء المسرحي، ومن المسرح انتقلت إلى التلفزيون ثم السينما، وكان أول فيلم مثلته “الشيء المستحيل” عام 1973 مع المخرج الأمريكي “جون فرانكين هايمر” واختارني لأداء دور شاب مغربي فقير تحبه امرأة ارستقراطية أجنبية وكان الدور الثاني في الفيلم، وبعده قمت بما يقارب الستة والثلاثين دوراً في أفلام أجنبية إيطالية وانجليزية وفرنسية واشتغلت مع مخرجين مغربيين، وشاركت في معظم أفلام السينما المغربية ولي رصيد كبير منها إضافة إلى عشرات الأعمال التلفزيونية والكثير من الأعمال المسرحية.
كيف تنظر إلى السينما السورية؟
- السينما السورية عالية الجودة. وأفلامها عظيمة في المجمل، وتشهد على ذلك الجوائز التي تنالها في المهرجانات العربية والدولية، وما أتمناه مستقبلاً أن تزيد من انتاج أفلامها، والا يقتصر الأمر على فيلمين في العام، لا سيما في ظل وجود أعداد كبيرة من الفنانين الموهوبين سواء في التمثيل أو الإخراج أو حتى وجود التقنيين الآخرين، ومثلاً نحن في المغرب ننتج ما يقارب 10 أفلام سنوياً.
ماذا عن تجربتك في المسرح؟
- البداية في مسرح الهواة، وكنت في المرحلة الابتدائية، ثم في مرحلة متقدمة احترفت التمثيل مع فرقة المسرح البلدي في الدار البيضاء، وهي تابعة للمجلس البلدي ومن خلال هذه الفرقة تعلمت تقنيات المسرح وتفاصيله الفنية فمثلاً تعلمت التجارة والصناعة ومزج الألوان وصناعة الأقنعة وغير ذلك كثير، وفي عام ،1965 وكانت نقطة التحول الكبرى في حياتي. حيث كان لي الشرف في التعاون مع المخرج المسرحي الكبير “الطيب الصديقي” ومن المسرحيات التي قدمتها من إخراجه: عمو بوخرسة، وهي ذات طابع سياسي، وتتألف من أربعة فصول ثم “سيدي ياسين” وهي من أروع المسرحيات التي قدمتها مع الطيب الصديقي، وحولها الصديقي فيما بعد إلى فيلم سينمائي بعنوان “الزفت” ومن المسرحيات “مدينة النحاس” و”ديوان سيدي عبدالرحمن المجذوب” و”السيفون، وكان يا ماكان”، ومقامات بديع الزمان الهمذاني و”أبو حيان التوحيدي” و”الشامات السبع”، أما المسرحيات الأولى في فرقة الهواة فكانت: “الخزينة”، و”البغلة هذا شهرها”، و”كركون سيدنا الشيخ”، “وصقر”.. وغيرها.
ماذا يمثل لك الطيب الصديقي؟
- الطيب الصديقي أستاذي ولولاه ما كنت الفنان الذي يجلس معك الآن، فأنا مدين له بأشياء كثيرة.
ننتقل معك إلى السينما المغربية، ما الأفلام التي شاركت بتمثيلها حتى الآن؟
- البداية كانت عام 1970 من خلال فيلم قصير بعنوان “البراق” ثم صورت فيلماً قصيراً آخر بعنوان “الغابة” وهما بالأبيض والأسود، ثم اختارني المخرج الأمريكي “جون فرانكين هايمر” للمشاركة في فيلمه السينمائي الهوليوودي “الشيء المستحيل” إلى جانب الممثل الانجليزي “آلان بايك” والممثلة الفرنسية المقيمة في الولايات المتحدة “دومينيك اكساندا” وكنت العربي الوحيد في الفيلم، وصور معظمه في منطقة أصيلة وعلى شاطئها الجميل، إضافة إلى مدن أخرى في المغرب، ومشاهد قليلة منه في القصور القديمة في لندن، ويشاء القدر أن أرى الفيلم مصادفة في أواخر عام ،1976 حيث لفت نظري اعلانات الفيلم مصادفة على دار عرض في باريس، وفوجئت ان اسمي غير مكتوب على افيشاته، وعندما شاهدت الفيلم أعجبت بنفسي كثيراً ولاسيما أن مشاهدي احتلت ثلاثة أرباع الفيلم “فأنا البطل الأول فيه، ومع ذلك لم أقرأ اسمي عند بداية عرضه، وفي العام ،1991 اتصل بي العاملون في المركز السينمائي المغربي وقالوا لي إن علي أن أذهب إلى هوليوود لملاقاة المخرج الامريكي جون فرانكين هايمر وطلبوا مني القدوم إلى المركز لاخذ تذكرة الطائرة إلى هوليوود، وتزامن ذلك مع مهرجان السينما الوطنية الثالث في مدينة مكناس المغربية، الذي كان سيفتتح فعالياته بعد أيام قليلة من هذا الخبر واخترت الذهاب إلى هوليوود لأنها فرصة لا تعوض بالنسبة لأي فنان، وحلم كل ممثل في العالم وبعد طيران 8 ساعات وجدت المخرج الأمريكي بانتظاري مع زوجته.
وكان استقباله لي رائعاً جداً وعرفني الى نخبة كبيرة من الفنانين في هوليوود، وعرض علي المشاركة في فيلم من إخراجه ولكن من دون أن أتفوه بكلمة واحدة. بمعنى أن دوري كان صامتاً بلا حوار، ومثلت الفيلم خلال 15 يوماً، وقبل أن أغادر سألته عن سبب إغفال اسمي في الفيلم الأول “الشيء المستحيل” فصارحني قائلاً إن المنتج كان صهيونياً، ولم يقبل أن يكون في الفيلم اسم “محمد” ولهذا السبب بالذات طلبت منك أن تعمل معي في الفيلم الجديد كنوع من الاعتذار عما حصل في السابق.
وعموماً اشتغلت في السينما الايطالية والفرنسية والانجليزية وكذلك مع مخرجين مغربيين وحصيلتي حتى الآن ما يزيد على الثلاثين فيلماً سينمائياً.