كيف تصبح شاعرا كبيرا في سبعة أيام!
كان يحز في نفسه انه شاعر مهمش لا يتناوله النقاد بكلمة خير أو شر، ولا يقترب منه متعهدو المقابلات الصحفية، ولا يستدعيه وزير الثقافة أو اتحاد الأدباء لحضور مهرجان، مع انه اصدر كتبا ونشر في افضل الصحف والمجلات، وحصل مرة على عشرين دولارا لقصيدة له من رياض نجيب الريس!
قلت له: هذا لا يكفي.
قال: ماذا افعل أذن لاكون شاعرا كبيرا، فأنا افضل بكثير من هؤلاء النصابين الذين يملأون الساحة؟!
قلت له: ولو أن الأمر كله لا يستحق منك هذه المعاناة، لكنك لو اتبعت ما سأقول لك فستصبح شاعرا كبيرا في سبعة أيام!
قال: هات يا حبيب.. كلي آذان صاغية!
قلت له: أول ما عليك فعله أن تجد لك صاحبا من محرري الصفحات الثقافية إياهم وأخر من مفبركي المقابلات الصحفية وثالثا في لجنة المهرجانات والجوائز في الوزارة أو الاتحاد، أو حتى في أمانة العاصمة، وتجعلهم يطلقون عليك الشاعر الكبير، بمناسبة ومن دون مناسبة، حتى يرسخ ذلك في أذهان المثقفين، وهم بعد هذا يعرفون شغلهم في تسويقك، خاصة بعد أن يصدقوا ذلك أنفسهم، ويرون انك أصبحت ذا نفع لهم أنت أيضا، بطريقة أو بأخرى!
وعندما تذهب إلى اتحاد الأدباء أو فقراء بلا حدود أو مقهى الشابندر، ترتدي نظارة معتمة وتنزوي قريبا من الواجهة بطريقة تجعل الحاضرين يفكرون بانك، ولا بد، أديب ومعقد وفي حالة غثيان ستتمخض عن شيء! ولا بد لك بعدها من مريدين يلتفون حولك ويفغرون أفواههم عندما تتحدث وأنت تنظر إلى نقطة ما من هذا الكون الأحدب وتستخدم ألفاظا لا معنى لها مثل (أنا احك من الجرب وأنت من الشبق)، وحية ودرج، والوجه الامبادوقليسي، لتجعلهم يظنون بك الظنون وانك عميق وصعب الفهم وستضفي عليهم أهمية بتكأكئهم عليك! ومن المفيد ايضا، بعد هذا، ان تكون لك علامة فارقة تميزك وسط هذا الخليط من الشعراء المتشابهين مثل الماء.. شيء يجعل لك بعدا فلكلوريا ينفعك حتى في المستقبل كسفير للنوايا الحسنة عندما تنضب القريحة ويبهت العطاء.
قال: لم افهم.. تقصد أن اسبق اسمي بزائدة (أ.د)، مثلا؟
قلت له: لا.. لم يعد هذا مفيدا في جلب الأضواء، ربما في النشر ومكافآته المالية، لكن ليس في المكانة الاعتبارية، فالشعراء الكبار ليسوا بحاجة لمثل هذه الزوائد الدودية.. إنما اقصد أن ترتدي في الصيف، مثلا، معطف لنكات من اللباد وتخرج في الشتاء عاريا إلا من الفانيلة وأنت تبحث عن موضوع في شوارع المدينة، أو أن تموت على الرصيف كما فعل عقيل علي، أو أن تستخدم الدراجة في تنقلاتك وتكره المواصلات كما كان يفعل إبراهيم الحريري، أو أن تنفش شعرك من دون سبب ثوري وتجعله ناصع البياض مثل غسيل الأموال، وان كنت أرى أن تعتمر، في هذه المرحلة من تاريخنا المجيد، السدارة الفيصلية فتثير الذكريات الجميلة لدى الناس وتجعلهم يحترمون فيك هذه العراقية الظاهرة عليك وربما يرشحونك لأمارة الشعر أو للجمعية الوطنية القادمة! وأنت تتذكر بالطبع طاقية الجواهري التي ربما لم يكن ليصبح في أذهاننا ذلك الجواهري الكبير لولاها التي ظلت لغزا غامضا تكتنفه الأسرار وتختلف فيه الروايات كابتسامة الموناليزا!
قال: أني ما أزال يا أخي لا افهم لحد الآن كيف كان الجواهري يثبتها على رأسه الكث.. رحمه الله!
قلت متغاضيا عن ملاحظته الخرقاء هذه: ليس هذا هو المهم.. المهم أن تكون قد استوعبت ما اقول، فتتوكل على الله، وستكون في بحر سبعة أيام شاعرا كبيرا يشار له بالبنان وسيجد لديك فاضل ثامر وياسين النصير وصابر عبيد ما لا تجده أنت في نفسك من إبداع وتجليات ارتوازية خارقة للعادة!
وبالفعل، اتبع صاحبي وصفتي تلك، وها هو اليوم واحد من شعراء البلد الكبار المعدودين حتى انه لم يذكرني بنسخة واحدة من إصداراته الحديثة قائلا إن ما يصله، يا اخي، من الناشر في عمان نسخ قليلة جدا ويمكنني أن اشتري لي نسخة من المكتبات وهو مستعد للتوقيع عليها عندما تسمح له الظروف بذلك!
كان يحز في نفسه انه شاعر مهمش لا يتناوله النقاد بكلمة خير أو شر، ولا يقترب منه متعهدو المقابلات الصحفية، ولا يستدعيه وزير الثقافة أو اتحاد الأدباء لحضور مهرجان، مع انه اصدر كتبا ونشر في افضل الصحف والمجلات، وحصل مرة على عشرين دولارا لقصيدة له من رياض نجيب الريس!
قلت له: هذا لا يكفي.
قال: ماذا افعل أذن لاكون شاعرا كبيرا، فأنا افضل بكثير من هؤلاء النصابين الذين يملأون الساحة؟!
قلت له: ولو أن الأمر كله لا يستحق منك هذه المعاناة، لكنك لو اتبعت ما سأقول لك فستصبح شاعرا كبيرا في سبعة أيام!
قال: هات يا حبيب.. كلي آذان صاغية!
قلت له: أول ما عليك فعله أن تجد لك صاحبا من محرري الصفحات الثقافية إياهم وأخر من مفبركي المقابلات الصحفية وثالثا في لجنة المهرجانات والجوائز في الوزارة أو الاتحاد، أو حتى في أمانة العاصمة، وتجعلهم يطلقون عليك الشاعر الكبير، بمناسبة ومن دون مناسبة، حتى يرسخ ذلك في أذهان المثقفين، وهم بعد هذا يعرفون شغلهم في تسويقك، خاصة بعد أن يصدقوا ذلك أنفسهم، ويرون انك أصبحت ذا نفع لهم أنت أيضا، بطريقة أو بأخرى!
وعندما تذهب إلى اتحاد الأدباء أو فقراء بلا حدود أو مقهى الشابندر، ترتدي نظارة معتمة وتنزوي قريبا من الواجهة بطريقة تجعل الحاضرين يفكرون بانك، ولا بد، أديب ومعقد وفي حالة غثيان ستتمخض عن شيء! ولا بد لك بعدها من مريدين يلتفون حولك ويفغرون أفواههم عندما تتحدث وأنت تنظر إلى نقطة ما من هذا الكون الأحدب وتستخدم ألفاظا لا معنى لها مثل (أنا احك من الجرب وأنت من الشبق)، وحية ودرج، والوجه الامبادوقليسي، لتجعلهم يظنون بك الظنون وانك عميق وصعب الفهم وستضفي عليهم أهمية بتكأكئهم عليك! ومن المفيد ايضا، بعد هذا، ان تكون لك علامة فارقة تميزك وسط هذا الخليط من الشعراء المتشابهين مثل الماء.. شيء يجعل لك بعدا فلكلوريا ينفعك حتى في المستقبل كسفير للنوايا الحسنة عندما تنضب القريحة ويبهت العطاء.
قال: لم افهم.. تقصد أن اسبق اسمي بزائدة (أ.د)، مثلا؟
قلت له: لا.. لم يعد هذا مفيدا في جلب الأضواء، ربما في النشر ومكافآته المالية، لكن ليس في المكانة الاعتبارية، فالشعراء الكبار ليسوا بحاجة لمثل هذه الزوائد الدودية.. إنما اقصد أن ترتدي في الصيف، مثلا، معطف لنكات من اللباد وتخرج في الشتاء عاريا إلا من الفانيلة وأنت تبحث عن موضوع في شوارع المدينة، أو أن تموت على الرصيف كما فعل عقيل علي، أو أن تستخدم الدراجة في تنقلاتك وتكره المواصلات كما كان يفعل إبراهيم الحريري، أو أن تنفش شعرك من دون سبب ثوري وتجعله ناصع البياض مثل غسيل الأموال، وان كنت أرى أن تعتمر، في هذه المرحلة من تاريخنا المجيد، السدارة الفيصلية فتثير الذكريات الجميلة لدى الناس وتجعلهم يحترمون فيك هذه العراقية الظاهرة عليك وربما يرشحونك لأمارة الشعر أو للجمعية الوطنية القادمة! وأنت تتذكر بالطبع طاقية الجواهري التي ربما لم يكن ليصبح في أذهاننا ذلك الجواهري الكبير لولاها التي ظلت لغزا غامضا تكتنفه الأسرار وتختلف فيه الروايات كابتسامة الموناليزا!
قال: أني ما أزال يا أخي لا افهم لحد الآن كيف كان الجواهري يثبتها على رأسه الكث.. رحمه الله!
قلت متغاضيا عن ملاحظته الخرقاء هذه: ليس هذا هو المهم.. المهم أن تكون قد استوعبت ما اقول، فتتوكل على الله، وستكون في بحر سبعة أيام شاعرا كبيرا يشار له بالبنان وسيجد لديك فاضل ثامر وياسين النصير وصابر عبيد ما لا تجده أنت في نفسك من إبداع وتجليات ارتوازية خارقة للعادة!
وبالفعل، اتبع صاحبي وصفتي تلك، وها هو اليوم واحد من شعراء البلد الكبار المعدودين حتى انه لم يذكرني بنسخة واحدة من إصداراته الحديثة قائلا إن ما يصله، يا اخي، من الناشر في عمان نسخ قليلة جدا ويمكنني أن اشتري لي نسخة من المكتبات وهو مستعد للتوقيع عليها عندما تسمح له الظروف بذلك!