الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين،
وبعد،
يؤلمني، كما يؤلم كلَّ غيورٍ على دينِ الله، فُشُو ظاهرة التطاولِ على أهلِ العِلم، فكَثُرَ ((مَن
يتتبعون عثرات العلماء ويتصيدون زلاتهم، ويفرحون بها ويستثمرونها في
تأثيمهم والتشهير بهم والتشنيع عليهم، لإهدار قدرهم وإسقاط منزلتهم وإحباط
محاسنهم وجحود فضائلهم، بدافع التعصب الأعمى أو التحزب الجاهلي، أو التآمر
لتحطيم قِمم الإسلام ورموز نهضته)) [الإعلام بحُرمةِ أهل العِلم والإسلام – محمد إسماعيل المقدم (ص368)].
فقد
يتطاول الجاهلُ على العلماء لفتوى لهم خالفت هواه، أو موقفٍ منهم استعصى
عليه فهمه لقِلة علمه، أو لبُغضٍ مفضوح لدينِ الله والذي يمثله هؤلاء
العلماء. ومِن العجيب أنَّ هذا الداء لم يقتصر على أعداء الدينِ ولا حتى
عَوَام الناس، بل أصابت العدوى بعض مَن ينتسبون زوراً لطلب العِلم، والعِلم
منهم براء.
ولا
أجدُ لتلك الظاهرةِ تفسيراً إلا نقصِ العِلْمِ وانتشار الجهلِ بين
المسلمين، فَقَلَّ الآن مَن يوَقِّر العالِمَ ويُنزِله مَنزلته التي
يستحقها، وإنَّا لله وإنَّ إليه راجعون.
ولهذا
كانت هذه الكلمات اليسيرة، نُصحاً للأُمَّة، ورداً لغيبة علمائنا ودفاعاً
عن أعراضهم، عرفاناً بالجميل الذي طَوَّقوا به أعناقنا.
§ مكانة العِلم والعلماء
قال سفيان الثَوْري: ((لا أعلم مِن العبادة شيئاً أفضل مِن أنْ تُعلِّم الناس العِلم)) [جامع بيان العِلم وفضله- عُمَر بن عبد البَّر (ج1/ص211)].
ولقد حَثَّ الإسلامُ على طلبِ العِلم، وأثنى على العلماءِ ومَدَحَهم، قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [سورة المجادلة – الآية 11]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكم مَن تَعَلَّم القُرآنَ وعَلَّمَه)) [صحيح البخاري – (5027)].
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [سورة فاطر – الآية 28]، قال السعدي في تفسيره لهذه الآية: ((وهذا دليلٌ على فضيلة العِلم، فإنه داعٍ إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته)).
وفَرَّقَ الإسلام بين العلماء وبين غيرهم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [سورة الزمر – الآية 9]،
و العلماء هُم مَن أراد اللهُ بهم الخير؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِد اللهُ به خيراً يُفَقِّهه في الدِّين)) [صحيح البخاري - 71].
والعِلم طريقٌ إلى الجنة، وهو إرث الأنبياء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن
سلك طريقاً يلتمس فيه عِلماً سَهَّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإنَّ
الملائكة لتضع أجنحتها رِضاً لطالب العلم، وإنَّ طالب العلم يستغفر له مَن
في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإنَّ فضل العالم على العابد كفضلِ
القمر على سائر الكواكب، إنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم
يوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثوا العِلم فمَن أخذه أخذ بحظٍ
وافر)) [صحيح ابن ماجة - الألباني (183)].
والعِلم ينفع المسلم بعد موته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا مِن ثلاثة؛ إلا مِن صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) [صحيح مسلم - 1631].
ومَثَل
العلماء في الأمة كمَثَل النجوم في السماء الحالكة، فهم منارات على سبيل
الهدى، ووظيفتهم النُّصح للأمة ورفع الجهل عنها وتذكيرها بالله؛ قال الله
تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل – الآية 43]، وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا
نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ﴾ [سورة التوبة – الآية 122].
§ التأدب مع أهل العِلم وتوقيرهم
مِن الأدب مع العلماء إنزالهم المنزِلة التي يستحقونها، فحِفظ منازل الكِرام مِن شِيَم النبلاء، ولا يبخس حقَّهم إلا الجهلاء.
ومِن الأدب معهم الإقرار بفضلهم، قال الشاعر:
((إذا أفادك إنسانٌ بفائدةٍ مِن العلوم فأدْمِن شكرَه أبداً
وقُل فُلانٌ جزاه الله صالحةً أفادنيها وألقِ الكِبْر والحسد))
[ذيل طبقات الحنابلة (ج2/ص87)].
ومِن الأدب معهم كثرة مخالطتهم، والانتفاع بعِلمهم وسَمتهم، والاقتداء بهَدْيهم؛ قال الشاعر:
((فخالِط رواة العِلم واصحب خيارَهم فصحبتهم زين وخلطتهم غنم
ولا تَعْدُوَنَّ عيناك عنهم فإنهم نجومٌ إذا ما غاب نجمٌ بدا نجم))
[جامع بيان العِلم وفضله - عُمَر بن عبد البر (ج1/ص220)].
ومِن الأدب معهم حفظ حُرمتهم ورد غيبتهم، وهذا حقُّ الأُخُوَّة، وأهل العِلم أولى به.
ومِن الأدب معهم حُسْن الظن بهم، والتماس الأعذار لهم، والنُّصحِ لهم بلا تجريح ولا تشهير.
§ شؤم الإساءة لأهل العِلم
اعلم رحمك الله أنَّ لحوم العلماءِ مسمومة، وأنَّ لأهلِ العِلم حُرمةٌ لا ينبغي انتهاكها.
واعلم أننا مسؤلون عن كل ما نقول، قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق – الآية 18].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ
العبد ليتكلم بالكلمة مِن رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفع الله بها
درجات، وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة مِن سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي
بها في جهنم)) [صحيح البخاري - 6478].
واعلم أيضاً أن الطعن في العلماء طعنٌ في الدين، قال مالِك بن دينار: ((كفى بالمرءِ شراً أنْ لا يكون صالحاً، وهو يقعُ في الصالحين)) [شُعَب الإيمان - البيهقي (ج5/ص316)].
وقال عبد الله بن المبارك: ((مَن اسْتَخَفَ بالعلماء ذهبت آخرته))، [سِيَر أعلام النبلاء - الذهبي (ج8/ص408)].
وقال ابن الأذرعي: ((الوقيعة في أهل العِلم ولا سيما أكابرهم مِن أكابر الذنوب))، [الرد الوافر (ص197)].
§ أدب الخلاف
يجب التفريق بين مسائل الاختلاف ومسائل الافتراق، وبين ما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ فيه، وينبغي معرفة فِقه الإنكار على المخالِف.
فكثيرٌ مِن المسائلِ تَقْبَلُ الاجتهاد وتَعَدُّد الآراء، بخلاف المسائلِ الثابتةِ بنصٍ قاطِعٍ فلا يُقْبلُ فيها أكثر مِن قَوْل.
والخَلْط بين تلك الأمور والجهل بها يُعَدُّ مِن أهم أسباب الخلل والشطط.
وإنْ
أخطأ العالِم الثقة المشهود له بالصَّلاح والديانة في مسألةٍ ما، فلا
يُترَك ما عنده مِن خيرٍ وعِلمٍ بسسب زلته، بل يُقتدى به فيما أصاب فيه
ويُطرح ما سواه، مع حِفْظ ما لذلك العالِم مِن قَدْر وحشمة.
§ نصيحة أخيرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلْيَقُلْ خيراً أو لِيَصْمُتْ))، [صحيح البخاري - 6136].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض مِن شيء أحوج إلى طول سِجن مِن لسان)) [رواه الإمام أحمد في الزُهد - 162].
فإمساك اللسان عن السوء نجاة للمؤمنين، وأهلُ العِلم والفضل أولى بإمساك ألسنتنا عنهم.
وينبغي التثبت مِن الأخبار وعدم نَقْل كل ما يُسمَع، فلا يورِثُ ذلك إلا الندامة، قال الله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [سورة الحُجُرات – الآية 6].
وأختِمُ بتلك الأبيات التي نُسِبَت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
((ما لفَضْلٍ إلا لأهلِ العِلم إنهم على الهُدى لمن استهدى أدِلاء
وقَدْر كل امريء ما كان يُحسنه وللرجال على الأفعال أسماء
وضد كل امريء ما كان يجهله والجاهلون لأهل العِلم أعداء))
[جامع بيان العِلم وفضله - عمر بن عبد البر (ج1/ص218-219)].
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
يؤلمني، كما يؤلم كلَّ غيورٍ على دينِ الله، فُشُو ظاهرة التطاولِ على أهلِ العِلم، فكَثُرَ ((مَن
يتتبعون عثرات العلماء ويتصيدون زلاتهم، ويفرحون بها ويستثمرونها في
تأثيمهم والتشهير بهم والتشنيع عليهم، لإهدار قدرهم وإسقاط منزلتهم وإحباط
محاسنهم وجحود فضائلهم، بدافع التعصب الأعمى أو التحزب الجاهلي، أو التآمر
لتحطيم قِمم الإسلام ورموز نهضته)) [الإعلام بحُرمةِ أهل العِلم والإسلام – محمد إسماعيل المقدم (ص368)].
فقد
يتطاول الجاهلُ على العلماء لفتوى لهم خالفت هواه، أو موقفٍ منهم استعصى
عليه فهمه لقِلة علمه، أو لبُغضٍ مفضوح لدينِ الله والذي يمثله هؤلاء
العلماء. ومِن العجيب أنَّ هذا الداء لم يقتصر على أعداء الدينِ ولا حتى
عَوَام الناس، بل أصابت العدوى بعض مَن ينتسبون زوراً لطلب العِلم، والعِلم
منهم براء.
ولا
أجدُ لتلك الظاهرةِ تفسيراً إلا نقصِ العِلْمِ وانتشار الجهلِ بين
المسلمين، فَقَلَّ الآن مَن يوَقِّر العالِمَ ويُنزِله مَنزلته التي
يستحقها، وإنَّا لله وإنَّ إليه راجعون.
ولهذا
كانت هذه الكلمات اليسيرة، نُصحاً للأُمَّة، ورداً لغيبة علمائنا ودفاعاً
عن أعراضهم، عرفاناً بالجميل الذي طَوَّقوا به أعناقنا.
§ مكانة العِلم والعلماء
قال سفيان الثَوْري: ((لا أعلم مِن العبادة شيئاً أفضل مِن أنْ تُعلِّم الناس العِلم)) [جامع بيان العِلم وفضله- عُمَر بن عبد البَّر (ج1/ص211)].
ولقد حَثَّ الإسلامُ على طلبِ العِلم، وأثنى على العلماءِ ومَدَحَهم، قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [سورة المجادلة – الآية 11]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكم مَن تَعَلَّم القُرآنَ وعَلَّمَه)) [صحيح البخاري – (5027)].
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [سورة فاطر – الآية 28]، قال السعدي في تفسيره لهذه الآية: ((وهذا دليلٌ على فضيلة العِلم، فإنه داعٍ إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته)).
وفَرَّقَ الإسلام بين العلماء وبين غيرهم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [سورة الزمر – الآية 9]،
و العلماء هُم مَن أراد اللهُ بهم الخير؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِد اللهُ به خيراً يُفَقِّهه في الدِّين)) [صحيح البخاري - 71].
والعِلم طريقٌ إلى الجنة، وهو إرث الأنبياء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن
سلك طريقاً يلتمس فيه عِلماً سَهَّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإنَّ
الملائكة لتضع أجنحتها رِضاً لطالب العلم، وإنَّ طالب العلم يستغفر له مَن
في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإنَّ فضل العالم على العابد كفضلِ
القمر على سائر الكواكب، إنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم
يوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثوا العِلم فمَن أخذه أخذ بحظٍ
وافر)) [صحيح ابن ماجة - الألباني (183)].
والعِلم ينفع المسلم بعد موته؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا مِن ثلاثة؛ إلا مِن صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) [صحيح مسلم - 1631].
ومَثَل
العلماء في الأمة كمَثَل النجوم في السماء الحالكة، فهم منارات على سبيل
الهدى، ووظيفتهم النُّصح للأمة ورفع الجهل عنها وتذكيرها بالله؛ قال الله
تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل – الآية 43]، وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا
نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ﴾ [سورة التوبة – الآية 122].
§ التأدب مع أهل العِلم وتوقيرهم
مِن الأدب مع العلماء إنزالهم المنزِلة التي يستحقونها، فحِفظ منازل الكِرام مِن شِيَم النبلاء، ولا يبخس حقَّهم إلا الجهلاء.
ومِن الأدب معهم الإقرار بفضلهم، قال الشاعر:
((إذا أفادك إنسانٌ بفائدةٍ مِن العلوم فأدْمِن شكرَه أبداً
وقُل فُلانٌ جزاه الله صالحةً أفادنيها وألقِ الكِبْر والحسد))
[ذيل طبقات الحنابلة (ج2/ص87)].
ومِن الأدب معهم كثرة مخالطتهم، والانتفاع بعِلمهم وسَمتهم، والاقتداء بهَدْيهم؛ قال الشاعر:
((فخالِط رواة العِلم واصحب خيارَهم فصحبتهم زين وخلطتهم غنم
ولا تَعْدُوَنَّ عيناك عنهم فإنهم نجومٌ إذا ما غاب نجمٌ بدا نجم))
[جامع بيان العِلم وفضله - عُمَر بن عبد البر (ج1/ص220)].
ومِن الأدب معهم حفظ حُرمتهم ورد غيبتهم، وهذا حقُّ الأُخُوَّة، وأهل العِلم أولى به.
ومِن الأدب معهم حُسْن الظن بهم، والتماس الأعذار لهم، والنُّصحِ لهم بلا تجريح ولا تشهير.
§ شؤم الإساءة لأهل العِلم
اعلم رحمك الله أنَّ لحوم العلماءِ مسمومة، وأنَّ لأهلِ العِلم حُرمةٌ لا ينبغي انتهاكها.
واعلم أننا مسؤلون عن كل ما نقول، قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق – الآية 18].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ
العبد ليتكلم بالكلمة مِن رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفع الله بها
درجات، وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة مِن سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي
بها في جهنم)) [صحيح البخاري - 6478].
واعلم أيضاً أن الطعن في العلماء طعنٌ في الدين، قال مالِك بن دينار: ((كفى بالمرءِ شراً أنْ لا يكون صالحاً، وهو يقعُ في الصالحين)) [شُعَب الإيمان - البيهقي (ج5/ص316)].
وقال عبد الله بن المبارك: ((مَن اسْتَخَفَ بالعلماء ذهبت آخرته))، [سِيَر أعلام النبلاء - الذهبي (ج8/ص408)].
وقال ابن الأذرعي: ((الوقيعة في أهل العِلم ولا سيما أكابرهم مِن أكابر الذنوب))، [الرد الوافر (ص197)].
§ أدب الخلاف
يجب التفريق بين مسائل الاختلاف ومسائل الافتراق، وبين ما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ فيه، وينبغي معرفة فِقه الإنكار على المخالِف.
فكثيرٌ مِن المسائلِ تَقْبَلُ الاجتهاد وتَعَدُّد الآراء، بخلاف المسائلِ الثابتةِ بنصٍ قاطِعٍ فلا يُقْبلُ فيها أكثر مِن قَوْل.
والخَلْط بين تلك الأمور والجهل بها يُعَدُّ مِن أهم أسباب الخلل والشطط.
وإنْ
أخطأ العالِم الثقة المشهود له بالصَّلاح والديانة في مسألةٍ ما، فلا
يُترَك ما عنده مِن خيرٍ وعِلمٍ بسسب زلته، بل يُقتدى به فيما أصاب فيه
ويُطرح ما سواه، مع حِفْظ ما لذلك العالِم مِن قَدْر وحشمة.
§ نصيحة أخيرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلْيَقُلْ خيراً أو لِيَصْمُتْ))، [صحيح البخاري - 6136].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض مِن شيء أحوج إلى طول سِجن مِن لسان)) [رواه الإمام أحمد في الزُهد - 162].
فإمساك اللسان عن السوء نجاة للمؤمنين، وأهلُ العِلم والفضل أولى بإمساك ألسنتنا عنهم.
وينبغي التثبت مِن الأخبار وعدم نَقْل كل ما يُسمَع، فلا يورِثُ ذلك إلا الندامة، قال الله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [سورة الحُجُرات – الآية 6].
وأختِمُ بتلك الأبيات التي نُسِبَت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
((ما لفَضْلٍ إلا لأهلِ العِلم إنهم على الهُدى لمن استهدى أدِلاء
وقَدْر كل امريء ما كان يُحسنه وللرجال على الأفعال أسماء
وضد كل امريء ما كان يجهله والجاهلون لأهل العِلم أعداء))
[جامع بيان العِلم وفضله - عمر بن عبد البر (ج1/ص218-219)].
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.