بسم الله الرحمن
الرحيم
والصلاة والسلام على
خير المرسلين
نبينا محمدا صلى الله
عليه وسلم
وعلى آله وأصحابة
اجميعين
أما بعد :
اخواني و اخواتي في
الله
أعضاء منتدى النور
الكرام
وزواره الاخيار
أقدم اليوم موضوعا قد
نكون كتبنا جميعا عنه
او قد نكون قرأناه
كثيرا
ولكني اليوم سأقدمه
لكم بطريقة جديدة وميسرة
ومستدلا بذلك من كتاب
لله وسنة نبييه صلى الله عليه وسلم
والله المعين على ذلك
يتحدّث الكثير من
الآباء والاُمّهات عن طاعة الأولاد لهم ووجوب الامتثـال لجميع أوامرهم ،
فتلك هي مسـؤوليّتهم . وإذا لم يستجيبوا للأوامر والطّلبات حتى ولو كانت
غريبة ، أو مُنافية للشّرع ، فإنّهم عُصاة متمرِّدون ، والحال أنّ الله
سبحانه وتعالى أراد للإنسان إبناً أو بنتاً أن يكونا محسنين بالوالدين ،
ولم يطلب منهما أن يطيعاهما إلاّ فيما هو طاعةٌ له . وهذه هي الأدلّة :
يقول تعالى: (وقضى ربّكَ ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاهُ وبالوالِدَينِ إحساناً
)(2).
فالعـبادة والطاعـة لله والإحسان للوالديـن . وكلمة ( الإحسان ) تنطوي على
جانب أخلاقي تربوي أكثر من انطوائها على الإلزام ، بل ليس فيها شيء من
الالزام ، على اعتبار
أنّ المحسن هو متطوِّع وليس مكلّفاً . ولذلك فإنّ الوالدين إذا أرادا إكراه
أو إجبار أحد من أبنائهم أو بناتهم على فعل أمر مرفـوض شرعاً ، فإنّ من
حقِّ هؤلاء أن لا يستجيبوا له ، بناءً على قوله تعالى : (وإن جاهداكَ على
أن تُشرِك بي ما ليسَ لك بهِ عِلْم فلا تُطِعْهُما وصاحِبْهُما في الدُّنيا
مَعْروفاً )(3) . فهو إحسان في قِبال إحسان ، فلقد أحسنَ الوالدان في
طفولة وصبا ، وعلى الأبناء أن يُحسنوا في هرم وشيخوخة ، وجزاء الاحسان ـ
كما هو معروف ـ الاحسان ، وعلى الأبناء والبنات أن يُقابلا إحسان الأبوين
بمثله أو أكبر منه ، وإن كان إحسان الوالدين ، مهما بلغ إحسان الأولاد
لا يُقاس ولا يُقارَن . وهذا هو قوله تعالى : (إمّا يبلغنّ عندكَ الكِبَر
أحـدهُما أو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُل
لَهُما قَوْلاً كَريماً ، واخْفض لَهُما جَـناحَ الذُّلِّ مِنَ الرّحْمَةِ ،
وقُلْ رَبِّ ارْحَـمْهُما كَما رَبّياني صَغيراً )(4) .
إنّ بعض الآباء وكثيراً من الاُمّهات يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم على ضوء
وجوب ردّ الجميل في الالتزام بالطاعة لهما ، ولعلّك تسمع منهم لهجة متشابهة
، فحواها : لقد أفنينا زهرة شبابنا من أجلهم ، فهل هذا هو جـزاؤنا ؟!
والحقيقة هي أ نّنا كما قال ذلك الحكيم : «زرعوا فحصدنا ، ونزرع فيحصدون» .
فتلك هي سنّة الحياة في الذين خلوا وفينا وفي الذين سيأتون من بعدنا .
فالحديث إذاً يدور دائماً عن عملية إحسان في رعاية وأخلاق مُهذّبة وكلمات
رقيقة دافئة ، وتعامل بالتي هي أحسن . وإلاّ فالحديث الشريف صريح في
الامتناع عن التنفيذ إن كان الأمر بالمعصية «لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالِق» .
أمّا الأمر بالطاعة لله ورسوله ولأوامر الدِّين الحنيف ، واجتناب المعاصي ،
فهو ليس أمراً والدياً ، وإنّما هو أمر بما أمر الله ، والطاعة هنا
مُفترَضة على الوالدين وعلى الأولاد على حدٍّ سواء .
وفي المحصِّـلة ، فإنّ المطلـوب من البنين والبنات ( الاحسان ) للوالدين
وليس ( الطاعة ) التي هي في قبال طاعة الله ، فالوالدان ليسا مشرِّعين ،
ولا يحقّ لهما فرض طاعة من الطاعات التي لم يقل بها الاسلام . أمّا ما جاء
في بعض الأحاديث من طاعة الوالدين ، فالمُراد به إطاعتهما فيما أراده الله
لا فيما يُخالف شريعته . وقد تكون الطاعة هنا بمعنى الاحسان والامتثال فيما
يُسمّى بالأوامر الاشفاقية ((5)) .
أمّا (رضا) الوالدين فهو لا يتنافى أو يتعارض مع رضا الله سبحانه وتعالى ،
فإذا كان تعامل الأولاد مع الوالدين بالإحسان ـ كما أراد الله تعالى ذلك ـ
فإنّ الاحسان والبرّ بهما
سوف يُدخِل السرور والرِّضا والشّكر في قلوب الوالدين ، وهذا مَدعاة لرضا
الله ، فلقد جاء في الحديث : «رضا الله في رضا الوالد ـ أمّاً أو أباً ـ ،
وسخط الله في سخط الوالد» . فالرِّضا والسّخط هنا متعلِّقان بـ ( البرّ )
وبـ ( العقوق ) ، فحتى الوالدان المشركان ينبغي أن يكون التعامل معهما
بإحسان (فلا تُطِعْهُما وصاحِـبْهُما في الدُّنيا مَعْروفاً )(6) ، الأمر
الذي يجـعلهما يرضـيان عن أبنائهما ، وبالتالي فإنّ ذلك قد يكون سبباً في
هدايتهما .
وفي قصّة زكريا بن ابراهيم ـ النصرانيّ الذي أسلمَ ـ درس في ذلك وعبرة .
فقد طلب من الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن يبقى مع والديه النصرانيين
لأنّ أمّه كفيفة البصر ، فأجابه الصادق (عليه السلام) إلى ذلك ، قائلاً :
لا بأسَ عليك ، فانظر أمّك وبرّها ، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك ، كُن
أنتَ الذي يقوم بشأنها (بتجهيزها) .
وعملَ زكريا بما أوصاهُ به جعفر ، فأخذ يُلاطف أمّه ويسبغ عليها من عطفه
وحنانه ويُحسن خدمتها أكثر من ذي قبل . فقالت له ذات يوم : يا بُنيّ ما
أراكَ كنتَ تصنعُ بي مثل هذا عندما كنتَ على دين النـصرانية ، فما الذي
أراهُ منـك منذُ تركتَ هذا الدِّيـن ودخلتَ في الاسلام ؟! فذكر لها ما
أوصاه به جعفر الصادق (عليه السلام) ، فقالت : يا بُنيّ ، دينكَ خير دين ،
أعرضهُ عليّ . فعرضه عليها ، فدخلت في الاسلام .. وصلّت يومها وماتت في
ليلتها . وفي الحديث : «برّ الوالدين من أكرم الطِّباع» ، وفيه أيضاً :
«برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم» .
بر الوالدين
كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما.
وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا
وصعبًا؛ حيث قال له: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}
[الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي
بقضائه: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}
[الصافات: 102].
وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك
إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء
الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً
لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107].
يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا
ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل
واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى
يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان
كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي،
وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا
من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى
طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا
اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه،
فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
ما هو بر الوالدين؟
بر الوالدين هو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله
للوالدين منزلة عظيمة لا تعدلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل
على رضاهما فرض عظيم، وذكره بعد الأمر بعبادته، فقال جلَّ شأنه: {وقضى ربك
ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].
وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}
[النساء: 36]. وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على
وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير} [لقمان: 14].
بر الوالدين بعد موتهما:
فالمسلم يبر والديه في حياتهما، ويبرهما بعد موتهما؛ بأن يدعو لهما بالرحمة
والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما.
يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة
عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما،
وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه].
وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات،
فقال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41]،
وقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات}
[نوح: 28].
فضل بر الوالدين:
بر الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله -سبحانه-، فقد جعل الله بر
الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم:
أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها).
قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل
الله) _[متفق عليه]. ومن فضائل بر الوالدين:
رضا الوالدين من رضا الله: المسلم يسعى دائمًا إلى رضا والديه؛ حتى ينال
رضا ربه، ويتجنب إغضابهما، حتى لا يغضب الله. قال صلى الله عليه وسلم: (رضا
الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) [الترمذي]، وقال صلى الله
عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله)
[البخاري].
الجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد
الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل
رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه. وفي
المرة الثالثة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك! الزم رِجْلَهَا
فثم الجنة) [ابن ماجه].
الفوز بمنزلة المجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني
أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل بقي من والديك
أحد؟). قال: أمي. قال: (فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ
ومعتمر ومجاهد) [الطبراني].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله
عليه وسلم: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (ففيهما
فجاهد) [مسلم].
وأقبل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة
والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (فهل من والديك
أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال صلى الله عليه وسلم: (فتبتغي الأجر من
الله؟). فقال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ
صُحْبَتَهُما) [مسلم].
الفوز ببرِّ الأبناء: إذا كان المسلم بارًّا بوالديه محسنًا إليهما، فإن
الله -تعالى- سوف يرزقه أولادًا يكونون بارين محسنين له، كما كان يفعل هو
مع والديه، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بِرُّوا آباءكم تَبرُّكم
أبناؤكم، وعِفُّوا تَعِفُّ نساؤكم) [الطبراني والحاكم].
الوالدان المشركان:
كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بارًّا بأمه، فلما أسلم قالت له أمه:
يا سعد، ما هذا الذي أراك؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت
فتُعَير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قال سعد: يا أمه، لا تفعلي، فإني لا أدع
ديني هذا لشيء. ومكثت أم سعد يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها
الجوع، فقال لها سعد: تعلمين -والله- لو كان لك مائة نَفْس فخرجت نَفْسًا
نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكُلِي، وإن شئتِ فلا تأكلي.
فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام أكلت. ونزل يؤيده قول الله تعالى:
{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في
الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. وهكذا يأمرنا الإسلام بالبر بالوالدين حتى
وإن كانا مشركين.
وتقول السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: قدمت على أمي وهي مشركة
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قلت: إن أمي قَدِمَتْ وهي راغبة (أي طامعة فيما عندي من بر)،
أفَأَصِلُ أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلي أمَّكِ) [متفق عليه].
عقوق الوالدين:
حذَّر الله -تعالى- المسلم من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما،
وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة (أف) أو بنظرة، يقول تعالى: {فلا
تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23]. ولا يدخل
عليهما الحزن ولو بأي سبب؛ لأن إدخال الحزن على الوالدين عقوق لهما، وقد
قال الإمام علي -رضي الله عنه-: مَنْ أحزن والديه فقد عَقَّهُمَا.
جزاء العقوق:
عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، بل من أكبر
الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا
أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) [متفق عليه].
والله -تعالى- يعَجِّل عقوبة العاقِّ لوالديه في الدنيا، قال صلى الله عليه
وسلم: (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق
الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) [البخاري].
أخوكم في الله
الرحيم
والصلاة والسلام على
خير المرسلين
نبينا محمدا صلى الله
عليه وسلم
وعلى آله وأصحابة
اجميعين
أما بعد :
اخواني و اخواتي في
الله
أعضاء منتدى النور
الكرام
وزواره الاخيار
أقدم اليوم موضوعا قد
نكون كتبنا جميعا عنه
او قد نكون قرأناه
كثيرا
ولكني اليوم سأقدمه
لكم بطريقة جديدة وميسرة
ومستدلا بذلك من كتاب
لله وسنة نبييه صلى الله عليه وسلم
والله المعين على ذلك
يتحدّث الكثير من
الآباء والاُمّهات عن طاعة الأولاد لهم ووجوب الامتثـال لجميع أوامرهم ،
فتلك هي مسـؤوليّتهم . وإذا لم يستجيبوا للأوامر والطّلبات حتى ولو كانت
غريبة ، أو مُنافية للشّرع ، فإنّهم عُصاة متمرِّدون ، والحال أنّ الله
سبحانه وتعالى أراد للإنسان إبناً أو بنتاً أن يكونا محسنين بالوالدين ،
ولم يطلب منهما أن يطيعاهما إلاّ فيما هو طاعةٌ له . وهذه هي الأدلّة :
يقول تعالى: (وقضى ربّكَ ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاهُ وبالوالِدَينِ إحساناً
)(2).
فالعـبادة والطاعـة لله والإحسان للوالديـن . وكلمة ( الإحسان ) تنطوي على
جانب أخلاقي تربوي أكثر من انطوائها على الإلزام ، بل ليس فيها شيء من
الالزام ، على اعتبار
أنّ المحسن هو متطوِّع وليس مكلّفاً . ولذلك فإنّ الوالدين إذا أرادا إكراه
أو إجبار أحد من أبنائهم أو بناتهم على فعل أمر مرفـوض شرعاً ، فإنّ من
حقِّ هؤلاء أن لا يستجيبوا له ، بناءً على قوله تعالى : (وإن جاهداكَ على
أن تُشرِك بي ما ليسَ لك بهِ عِلْم فلا تُطِعْهُما وصاحِبْهُما في الدُّنيا
مَعْروفاً )(3) . فهو إحسان في قِبال إحسان ، فلقد أحسنَ الوالدان في
طفولة وصبا ، وعلى الأبناء أن يُحسنوا في هرم وشيخوخة ، وجزاء الاحسان ـ
كما هو معروف ـ الاحسان ، وعلى الأبناء والبنات أن يُقابلا إحسان الأبوين
بمثله أو أكبر منه ، وإن كان إحسان الوالدين ، مهما بلغ إحسان الأولاد
لا يُقاس ولا يُقارَن . وهذا هو قوله تعالى : (إمّا يبلغنّ عندكَ الكِبَر
أحـدهُما أو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُل
لَهُما قَوْلاً كَريماً ، واخْفض لَهُما جَـناحَ الذُّلِّ مِنَ الرّحْمَةِ ،
وقُلْ رَبِّ ارْحَـمْهُما كَما رَبّياني صَغيراً )(4) .
إنّ بعض الآباء وكثيراً من الاُمّهات يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم على ضوء
وجوب ردّ الجميل في الالتزام بالطاعة لهما ، ولعلّك تسمع منهم لهجة متشابهة
، فحواها : لقد أفنينا زهرة شبابنا من أجلهم ، فهل هذا هو جـزاؤنا ؟!
والحقيقة هي أ نّنا كما قال ذلك الحكيم : «زرعوا فحصدنا ، ونزرع فيحصدون» .
فتلك هي سنّة الحياة في الذين خلوا وفينا وفي الذين سيأتون من بعدنا .
فالحديث إذاً يدور دائماً عن عملية إحسان في رعاية وأخلاق مُهذّبة وكلمات
رقيقة دافئة ، وتعامل بالتي هي أحسن . وإلاّ فالحديث الشريف صريح في
الامتناع عن التنفيذ إن كان الأمر بالمعصية «لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالِق» .
أمّا الأمر بالطاعة لله ورسوله ولأوامر الدِّين الحنيف ، واجتناب المعاصي ،
فهو ليس أمراً والدياً ، وإنّما هو أمر بما أمر الله ، والطاعة هنا
مُفترَضة على الوالدين وعلى الأولاد على حدٍّ سواء .
وفي المحصِّـلة ، فإنّ المطلـوب من البنين والبنات ( الاحسان ) للوالدين
وليس ( الطاعة ) التي هي في قبال طاعة الله ، فالوالدان ليسا مشرِّعين ،
ولا يحقّ لهما فرض طاعة من الطاعات التي لم يقل بها الاسلام . أمّا ما جاء
في بعض الأحاديث من طاعة الوالدين ، فالمُراد به إطاعتهما فيما أراده الله
لا فيما يُخالف شريعته . وقد تكون الطاعة هنا بمعنى الاحسان والامتثال فيما
يُسمّى بالأوامر الاشفاقية ((5)) .
أمّا (رضا) الوالدين فهو لا يتنافى أو يتعارض مع رضا الله سبحانه وتعالى ،
فإذا كان تعامل الأولاد مع الوالدين بالإحسان ـ كما أراد الله تعالى ذلك ـ
فإنّ الاحسان والبرّ بهما
سوف يُدخِل السرور والرِّضا والشّكر في قلوب الوالدين ، وهذا مَدعاة لرضا
الله ، فلقد جاء في الحديث : «رضا الله في رضا الوالد ـ أمّاً أو أباً ـ ،
وسخط الله في سخط الوالد» . فالرِّضا والسّخط هنا متعلِّقان بـ ( البرّ )
وبـ ( العقوق ) ، فحتى الوالدان المشركان ينبغي أن يكون التعامل معهما
بإحسان (فلا تُطِعْهُما وصاحِـبْهُما في الدُّنيا مَعْروفاً )(6) ، الأمر
الذي يجـعلهما يرضـيان عن أبنائهما ، وبالتالي فإنّ ذلك قد يكون سبباً في
هدايتهما .
وفي قصّة زكريا بن ابراهيم ـ النصرانيّ الذي أسلمَ ـ درس في ذلك وعبرة .
فقد طلب من الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن يبقى مع والديه النصرانيين
لأنّ أمّه كفيفة البصر ، فأجابه الصادق (عليه السلام) إلى ذلك ، قائلاً :
لا بأسَ عليك ، فانظر أمّك وبرّها ، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك ، كُن
أنتَ الذي يقوم بشأنها (بتجهيزها) .
وعملَ زكريا بما أوصاهُ به جعفر ، فأخذ يُلاطف أمّه ويسبغ عليها من عطفه
وحنانه ويُحسن خدمتها أكثر من ذي قبل . فقالت له ذات يوم : يا بُنيّ ما
أراكَ كنتَ تصنعُ بي مثل هذا عندما كنتَ على دين النـصرانية ، فما الذي
أراهُ منـك منذُ تركتَ هذا الدِّيـن ودخلتَ في الاسلام ؟! فذكر لها ما
أوصاه به جعفر الصادق (عليه السلام) ، فقالت : يا بُنيّ ، دينكَ خير دين ،
أعرضهُ عليّ . فعرضه عليها ، فدخلت في الاسلام .. وصلّت يومها وماتت في
ليلتها . وفي الحديث : «برّ الوالدين من أكرم الطِّباع» ، وفيه أيضاً :
«برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم» .
بر الوالدين
كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما.
وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا
وصعبًا؛ حيث قال له: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}
[الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي
بقضائه: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}
[الصافات: 102].
وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك
إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء
الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً
لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107].
يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا
ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل
واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى
يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان
كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي،
وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا
من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى
طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا
اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه،
فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
ما هو بر الوالدين؟
بر الوالدين هو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله
للوالدين منزلة عظيمة لا تعدلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل
على رضاهما فرض عظيم، وذكره بعد الأمر بعبادته، فقال جلَّ شأنه: {وقضى ربك
ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].
وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}
[النساء: 36]. وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على
وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير} [لقمان: 14].
بر الوالدين بعد موتهما:
فالمسلم يبر والديه في حياتهما، ويبرهما بعد موتهما؛ بأن يدعو لهما بالرحمة
والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما.
يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة
عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما،
وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه].
وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات،
فقال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41]،
وقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات}
[نوح: 28].
فضل بر الوالدين:
بر الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله -سبحانه-، فقد جعل الله بر
الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم:
أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها).
قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل
الله) _[متفق عليه]. ومن فضائل بر الوالدين:
رضا الوالدين من رضا الله: المسلم يسعى دائمًا إلى رضا والديه؛ حتى ينال
رضا ربه، ويتجنب إغضابهما، حتى لا يغضب الله. قال صلى الله عليه وسلم: (رضا
الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) [الترمذي]، وقال صلى الله
عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله)
[البخاري].
الجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد
الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل
رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه. وفي
المرة الثالثة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك! الزم رِجْلَهَا
فثم الجنة) [ابن ماجه].
الفوز بمنزلة المجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني
أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل بقي من والديك
أحد؟). قال: أمي. قال: (فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ
ومعتمر ومجاهد) [الطبراني].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله
عليه وسلم: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (ففيهما
فجاهد) [مسلم].
وأقبل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة
والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (فهل من والديك
أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال صلى الله عليه وسلم: (فتبتغي الأجر من
الله؟). فقال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ
صُحْبَتَهُما) [مسلم].
الفوز ببرِّ الأبناء: إذا كان المسلم بارًّا بوالديه محسنًا إليهما، فإن
الله -تعالى- سوف يرزقه أولادًا يكونون بارين محسنين له، كما كان يفعل هو
مع والديه، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بِرُّوا آباءكم تَبرُّكم
أبناؤكم، وعِفُّوا تَعِفُّ نساؤكم) [الطبراني والحاكم].
الوالدان المشركان:
كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بارًّا بأمه، فلما أسلم قالت له أمه:
يا سعد، ما هذا الذي أراك؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت
فتُعَير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قال سعد: يا أمه، لا تفعلي، فإني لا أدع
ديني هذا لشيء. ومكثت أم سعد يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها
الجوع، فقال لها سعد: تعلمين -والله- لو كان لك مائة نَفْس فخرجت نَفْسًا
نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكُلِي، وإن شئتِ فلا تأكلي.
فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام أكلت. ونزل يؤيده قول الله تعالى:
{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في
الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. وهكذا يأمرنا الإسلام بالبر بالوالدين حتى
وإن كانا مشركين.
وتقول السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: قدمت على أمي وهي مشركة
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قلت: إن أمي قَدِمَتْ وهي راغبة (أي طامعة فيما عندي من بر)،
أفَأَصِلُ أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلي أمَّكِ) [متفق عليه].
عقوق الوالدين:
حذَّر الله -تعالى- المسلم من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما،
وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة (أف) أو بنظرة، يقول تعالى: {فلا
تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23]. ولا يدخل
عليهما الحزن ولو بأي سبب؛ لأن إدخال الحزن على الوالدين عقوق لهما، وقد
قال الإمام علي -رضي الله عنه-: مَنْ أحزن والديه فقد عَقَّهُمَا.
جزاء العقوق:
عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، بل من أكبر
الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا
أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) [متفق عليه].
والله -تعالى- يعَجِّل عقوبة العاقِّ لوالديه في الدنيا، قال صلى الله عليه
وسلم: (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق
الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) [البخاري].
أخوكم في الله