بسم
الله الرحمن الرحيم
جزء من محاضرة من إلقاء مؤسس
علم الأقليات الإسلامية، ورائد الدعوة الإسلامية في أوروبا وأمريكا،
الأستاذ الدكتور الشهيد علي بن المنتصر الكتاني، رحمه الله تعالى، ألقاها
في جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة، حدود أكتوبر من عام 2000:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الموضوع حقيقة في غاية الأهمية، وشيق جدا، وأنا ابتدأت في التعرف عليه منذ
كنت مقيما في أميركا. وبصفة عامة؛ فالتاريخ – كما يقول الأميركان أنفسهم –
هو قصة المنتصرين: "History is a story of the rankers"، معناها: أنه عندما
نسمع باكتشاف أميركا من طرف كريستوف كولومب،
لولا أن بعد اكتشاف أميركا أصبح الأوروبيون بصفة عامة هم المهيمنين على
العالم؛ لكانت قصة اكتشاف أميركا من طرف الأوروبيين خرافة بديهة. لأنه لم
يكتشفها كريستوف
كولومب، بل كانت معروفة من لدن كثير من الشعوب، خاصة الشعوب الإسلامية.
وعرضي هذا سوف أبنيه على ثلاثة كتيبات:
الكتاب الأول: كتاب مهم جدا في طريق الصدور، والذي عندي هو نسخة عنه من
الإنترنت، مكتوبة بالإسبانية: "Africa versus America"، وكتبته لويزا
إيزابيل أل فيريس دو توليدو، "Luiza Isabel al ferris Do Tolido"، وهي دوقة
مدينة سيدونسا "Cedonia"، وهي سليلة إحدى أكبر العائلات الإسبانية، ولا
زالت تعيش في قصرها قريبا من مدينة سان لوقا دو باراميدا "San Luca De
Paramida"، قرب نهر الوادي الكبير في الأندلس، وعندها مكتبة ووثائق فريدة
من نوعها، بصفة عامة، عن تاريخ الأندلس، وبصفة خاصة عن الوجود الإسلامي في
أمريكا قبل
كريستوف كولومب، لأن أجدادها كانوا حكام إسبانيا وكانوا جنرالات في
الجيش الإسباني، وكانوا حكام الأندلس وأميرالات البحرية الإسبانية.
فالوثائق التي في ملكها تعتبر هامة جدا.
والكتاب الثاني: هو مجموعة مقالات استكتبتها أنا والدكتور مختار امبو
بتمويل من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ضمن موسوعة عن الوجود الإسلامي في
العالم اليوم، مجلدان منها عن الإسلام في أمريكا. أول مقال فيها كتبه عبد
الله الحكيم كويك، وهو أمريكي مسلم، أستاذ في جامعة طورنطو، وله تاريخ
نضالي في أمريكا. كان من مجموعة بلاك تايغرز "Black Tigers"، وكان من
المشهورين. ومقالاته هاته عن الإسلام في أمريكا قبل كريستوف كولومب،
وهي مقالات موثقة ومهمة جدا.
الكتاب الثالث: مهم جدا، بالإنجليزي، واسمه الميلنجر "The Malingers"، اسم
إذا رآه شخص لا يعيره اهتماما، يسمونهم أحيانا "The white of the
Appalachians"، جبال الأبالاش، تقع في شرق الولايات المتحدة، وبها سكان
يسمونهم "ميلونجونز"، أحدهم اسمه: "براند كينيدي" "Brand Kennedy"، كتب
كتابا عن أصول الميلونجونس بتمويل من جامعة فرجينيا الغربية، وتبين أن
أصولهم إسلامية من أندلسيي البرتغال، وبقيت فيهم عادات إسلامية إلى الآن،
ومن أهم الشخصيات التي تنتمي إلى هذه الطبقة من الناس: "أبراهام لينكولن"،
"Abraham Lincoln"، وتحرير أبراهام لينكولن للعبيد كان انتقاما للأندلس من
النصارى بطريقة غير مباشرة، إذ إن التاريخ لا يمسح بهذه السهولة.
بهذه المقدمة الشيقة أريد أن ألخص لكم أهم نقاط محاضرتي، وهي:
أولا: ما هي البراهين التي تثبت الوجود الإسلامي في
أمريكا قبل
كريستوف كولومب؟.
ثانيا: هل هذا
الوجود قبل
كريستوف كولومب مازالت له آثار إلى الآن، أم مسحت؟. وهذا السؤال ناتج
عن اهتمامي بمستقبل الإسلام حول العالم، وهو ما أسميه: "Residual Islam
around the world"، توجد شعوب بأكملها وهي من بقايا الإسلام في مختلف بقاع
القارات الخمس، ومعنى ذلك: أن رجوع الإسلام إليهم يعتبر من أسهل ما يكون،
ونأتي بأمثلة عن أمريكا.
بعد هذه المقدمة أريد أن أرجع إلى القول بأن اكتشاف أميركا من قبل كرستوف
كولومب إنما هو كذبة صريحة، لأن الآن هناك براهين مستفيضة بأن
الإسكندنافيين وصلوا إلى أمريكا ألف عام قبل كريستوف كولومب،
مثال ذلك تول هايير داليدا "Toll Hoyer Da lida"، الذي كما تعرفون خرج من
مدينة آسفي بالمغرب بباخرة صفها بورق البردي "Papyrus"، وقطع المحيط إلى
أميركا بسهولة، وبرهن بذلك أن قدماء المصريين ذهبوا كذلك إلى أميريكا.
إذا؛ فالعلاقات مع أميركا كانت متواصلة قبل الإسلام وبعده، وبصفة خاصة بعد
الإسلام من طرف الشعوب الإسلامية. إذن فإن لفظة "اكتشاف"، كلمة تعتبر خرافة
مرت علينا ونعلمها لأطفالها، وهذا الذي سأذكره لا يعلّم لأحد في المدارس
الإسلامية ولا في غيرها، إذ إن معظم الوثائق الباقية هي الآن في الغرب، ومع
الأسف الشديد فوثائقنا العربية ليس عندنا منها شيء، لأن باحثينا لم
يبحثوا، ولو بحثوا لوجدوا.
طبعا؛ سيجد الباحث صعوبة في البحث، لأنه في الوثائق القديمة لن يقولوا
"القارة الأمريكية"، إذ أنه لم يكن تقسيم القارات سابقا إلى قارات كما
نقسمها الآن، ففي الماضي كانوا يقسمون العالم إلى مناخ، مناخ كذا وكذا.
فعندما يتكلمون عن إفريقيا يتكلمون عن مناخها، ويعدون أمريكا من إفريقيا.
سأقسم حديثي عن
الوجود
الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب
إلى منطقتين اثنتين:
فالأولى: من المغرب والأندلس.
الثانية: من إفريقيا العربية الإسلامية، وكلها إسلامية طبعا.
المنطقة الأولى: المغرب والأندلس
أولا؛ القرائن والآثار الموجودة الآن في هذا الوقت، الكلمات، والآثار
اللغوية: ففي لغة الهنود الحمر هناك كلمات عربية وأمازيغية بكثرة، ولا يمكن
أن تكون موجودة إلا بسبب وجود عربي أو أمازيغي قديم هناك، القرائن
التاريخية التي جاءت في الكتب القديمة – العربية وغير العربية – والآثار
الموجودة إلى الآن رغم المجهود الكبير الذي عمل عليه الإسبان، بعد كريستوف كولومب
لمسح أي أثر للإسلام أو الوجود الإسلامي في
القارة الأميريكية، وذلك طبعا لتحريف التاريخ.
العرب قديما كانوا يسمون المحيط الأطلسي بحر الظلمات. إذا نظرنا إلى
القرائن الأركيويوجية (الأثرية)، نجد أنه اكتشفت كتابات كوفية في أميريكا
الجنوبية بالعربية، فمن أوصلها إلى هناك؟. واكتشفوا في عدة أماكن كنوزا
تحوي عملات ذهبية رومانية وأخرى إسلامية. وفي العادة إذا اكتشف كنز في محل
ما فإن تاريخ ضرب العملة الذي فيه يعتبر تاريخ وصول الكنز إلى المحل
المذكور، وذلك طبيعي في البحث العلمي. وآخر عملة اكتشفوها كانت للقرن
الثامن الميلادي، أي أن ثمة باخرة إسلامية وصلت في القرن الثامن الميلادي
إلى ذلك المحل وتركت ذهبها هناك.
دعنا نقارن ما ذكرناه - وما وهو إلا غيض من فيض أمثلة أخرى كثيرة - بما جاء
في بعض أمهات الكتب العربية. مثلا: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي؛ ذكر
في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" المكتوب عام 956 ميلادية، أن أحد
المغامرين من قرطبة اسمه الخشخاش بن سعيد بن الأسود، عبر بحر الظلمات مع
جماعة من أصحابه إلى أن وصل إلى الأرض وراء بحر الظلمات، ورجع سنة 889م،
ربما من قرأ هذا الكلام في زمنه اعتبر المؤلف مخرفا، وهنا عندي قطعة من
كلام المسعودي ربما أترجمها لكم لاحقا، وهو كلام متعلق بمغامرة الخشخاش.
وقال الخشخاش لما عاد من رحلته بأنه وجد أناسا في الأرض التي وصلها،
ووصفهم، بل لما رسم المسعودي خريطة للعالم، رسم بعد بحر الظلمات أرضا
سماها: الأرض المجهولة. فيكون رسم أرضا هناك ولم يدّع أنه ليس بعد بحر
الظلمات أي أرض، كما كان يدعيه الأوروبيون في خرائطهم وكتبهم.
أي إنه في القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يعرفون أن ثمة أرضا وراء بحر
الظلمات، وليست هي الهند كما ادعاه كريستوف كولومب،
والذي ذهب إلى تلك الأرض وعاد وعاش ومات، وهو يظن أنه إنما ذهب إلى الهند،
لم يظن قط أنه اكتشف أرضا جديدة. ولذلك فإلى يومنا هذا بكل جهل يسمي
الأوروبيون أمريكا بالهند الغربية "L’Inde Occidental. West India".
وثمة وثيقة تاريخية أخرى عندنا في التاريخ العربي؛ وهي قصة ذكرها عمر بن
القوطية، وهي حديثه عن رحلة ابن فروخ الأندلسي عام 999م، ومما يظهر من
كلامه: أن ابن فروخ لم يصل إلى أمريكا، غير أنه زار جزر كناريا "Canaries"،
في المحيط الأطلسي، وقطع منها إلى جزر أخرى في المحيط الأطلسي، ووصف أهالي
كناريا ثم عاد إلى الأندلس.
وثمة قصة مفصلة أكثر من جميع ما ذكرت، وربما يعرفها جميعنا، وهي قصة الشريف
الإدريسي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي بين 1099-1180م، والذي
كان من سبتة، شريفا حمّوديا إدريسيا، وكان هو العالم الجغرافي الذي اصطفاه
"روجر"، الملك النورماندي لصقلية، الذي كان يعد من الملوك الصقليين
المتفتحين تجاه الإسلام، ولم يضطهد المسلمين عندما احتل النورمانديون صقلية
وأخذوها من أيديهم.
ففي كتابه "الممالك والمسالك" جاء بقصة الشباب المغرورين؛ وهم: جماعة خرجوا
ببواخر من إشبونة "Lisbon"، وكانت في يد المسلمين وقتها، وقطع هؤلاء
المغامرون بحر الظلمات، ورجع بعضهم، وذكروا قصتهم وأنهم وصلوا إلى أرض
وصفوها ووصفوا ملوكها. والغريب في الأمر أنهم ذكروا أنهم وجدوا أناسا
يتكلمون بالعربية هناك.
وإذا كان أناس يتكلمون بالعربية هناك فهذا دليل على أن أناسا كثيرين وصلوا
قبلهم إلى هناك، حتى تعلم أهلها العربية ليكونوا ترجمانا بينهم وبين الملوك
المحليين، وعلى أنه كان هناك وجود إسلامي في ذلك التاريخ على تلك الأرض.
الوصف الذي أعطاه هؤلاء المغامرون يظهر أنه وصف للجزر الكارابية، كوبا أو
إسبانيولا، أو غيرهما من جزر البحر.
وهناك أمثلة أخرى في اللغة وغيرها. فأعطي في اللغة أمثلة كذلك: فالأوروبيون
رسموا خريطة لأمريكا، ومنها خريطة لفلوريدا، وذلك عام 1564م، ذكروا فيها
مدنا ذات أسماء توجد في الأندلس والمغرب. ولكي تكون أسماء عربية هناك،
فبالضروري كانت هجرة عربية قبل المائة أو المائتي عام على الأقل. مثلا: في
الخارطة هناك مدينة ميارقة، وواضح أنها تحريف لميورقة، وهي جزيرة من الجزر
الشرقية المسماة الآن بالبليار، ومدينة اسمها كاديكا، وهي تحريف لقادس
الواقعة جنوب الأندلس. وأخرى اسمها "مارّاكو" تساوي: مراكش...إلخ.
دوقة مدينة سيدونيا، بناء على وثائقها كتبت كتابا في غاية الأهمية على إثر
تشجيع مني، حيث إنني في دراساتي عن الموريسكيين اكتشفت شيئا غريبا جدا، ما
هو؟.
اكتشفت بأنه عام 1644م، قامت مؤامرة في الأندلس لتحريرها من إسبانيا،
وإعادة الدولة الإسلامية فيها، دخلت في هذه المؤامرة فئات أربع:
أولا: ملك البرتغال، وذلك أول استقلالها الذي كانت أضاعته من قبل بعد
هزيمتها في معركة واد المخازن، وانضمت إلى إسبانيا، وفي عام 1644م، أعادت
استقلالها.
ثانيا: شخصية من ولاية المرية اسمه "طاهر الحر"، لم تعط الوثائق اسمه
النصراني، وهو ينسب نفسه إلى بيت بني الأحمر. ثار هو وجماعة معه.
ثالثا: موريسكيو الرباط، في الوثائق المغربية يظنون بأنهم أرادوا التعاون
مع النصارى، غير أنهم في الحقيقة أرادوا تحرير الأندلس، حيث كان المقرر أن
يدخلوا مصب الوادي الكبير ببواخر ويحتلوا إشبيلية.
رابعها: وهذا هو الشاهد عندنا: دوق مدينة سيدونيا، والذي كان الحاكم باسم
ملك إسبانيا على منطقة الأندلس. فكيف دوق مدينة سيدونيا الذي يمثل السلطة
النصرانية (المسيحية) على الأندلس يقوم بمؤامرة من أجل تحرير الأندلس؟. لم
أفهم ذلك!!!.
فلما التقيت الدوقة الحالية لمدينة سيدونيا استدعتني في شاطوها (قصرها) قرب
مدينة سان لوقا دو باراميدا، قرب مصب الوادي الكبير، فقلت لها: "ما سبب
ذلك؟!". وإذا بجوابها كان أغرب مما كنت أتوقع، حيث أجابتني: "بديهي؛ لأن
أصلنا – عائلة دوق مدينة سيدونيا – مسلمون، بل أكثر من ذلك أننا كنا مسلمين
سرا". وقالت لي: "تعال أريك في قصرنا؛ كنت أدق حائطا وعندما أسقطته وجدت
أسفله مسجدا داخل القصر"، وفعلا صليت – أنا المحاضر – في ذلك المسجد داخل
القصر. فإذن؛ هذا الدوق - رحمه الله - قام بمجهود كبير لتحرير الأندلس.
والأهمية في دوقة مدينة سيدونيا؛ أن عندها مكتبة فاخرة مليئة بالوثائق منذ
ثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة عام، من ضمنها وثائق مسلمي أميركا الجنوبية!،
والبرهان على
الوجود
الإسلامي في أميريكا قبل أربعمائة عام من كريستوف كولومب.
وأخبرتني أنها خائفة من أنها إذا ماتت – وهي تبلغ حوالي سبعين عاما – من
أن تسرق وثائقها وتعدم، لأنها تقول بأنه: "لا ثقة في نصارى إسبانيا إلى
يومنا هذا"، وهي تقول بأنه: "إلى يومنا هذا يعدمون الوثائق التاريخية
المضادة لخرافاتهم التاريخية التي يحبون إقناع الناس بها".
قلت لها: "اكتبي كتابا وضعي هذه الوثائق فيه"، فكان ذلك السبب الأساس
لكتابتها هذا الكتاب، فهذا الكتاب الذي سمته: "من إفريقيا إلى أميركا"،
كتاب وثائقي رائع، موثق بالوثائق التي عندهم في مكتبة دوق مدينة سيدونيا،
هذا الكتاب صدر في هذا الشهر (نهاية سنة 2000)، ومن الضروري أن يترجم
للعربية، وإلى لغات أخرى، حيث هو مكتوب باللغة الإسبانية.
ومن المسائل المهمة التي لا نعرفها معاشر المغاربة، أن ياسين والد عبد الله
بن ياسين – مؤسس دولة المرابطين – قطع المحيط الأطلسي وذهب إلى المناطق
شمال البرازيل، وغينيا، ونشر فيها الإسلام. ذهب إلى هناك مع جماعات من
أتباعه، وأسس منطقة كبيرة كانت تابعة للدولة المرابطية. أي: إن الدولة
المرابطية لم تكن في شمال إفريقيا والأندلس والبرتغال فحسب، وإنما كانت
أيضا فيما يسمى الآن شمال البرازيل وغينيا، وهذا موثق بالوثائق التي تملكها
الدوقة المذكورة.
وفعلا، وإلى يومنا هذا؛ هناك مدن وقرى في تلك المناطق اسمها: فاس، مراكش،
تلمسان، سلا...وقد كنت أظن أن تلك الأسماء جاءت مع الرحالة الإسبان، غير
أنها قالت لي: "لا؛ بل كانت قبل مجيء الإسبان، إنما كانت مع وجود المسلمين
قبل أربعمائة عام من كريستوف
كولومب".
إذا؛ بصفة عامة وبتلخيص شديد: العلاقات بين المغرب والأندلس، وما يسمى
اليوم بأميريكا كانت متواصلة، وحسب معظم العلماء؛ فالآن – سواء من الطرف
الإسباني أو من الطرف الأميركي – فإنهم يعتقدون أن قبل كريستوف كولومب
كان الإسلام منتشرا في شمال أمريكا وفي جنوبها، وأن أول عمل قام به
كونكيسادور "Conquistador" – الإسبان النصارى – هو متابعة هجومهم على
الإسلام الذي كان في الأندلس، بالقضاء على الإسلام والقضاء على الوثائق
التي تبرهن أي وجود إسلامي في تلك القارة.
ورغم هذا المجهود الكبير لم يستطيعوا القضاء على كل شيء.
المنطقة الثانية: علاقة الدولة العثمانية وإفريقيا مع أميركا
الآن نرى علاقة الدولة العثمانية مع أميركا قبل كريستوف كولومب،
وسأكمل بذكر علاقات الممالك الإسلامية في إفريقيا الغربية مع أمريكا قبل كريستوف
كولومب.
عام 1929م، اكتشفت خريطة للمحيط الأطلسي رسمها بيري محيي الدين رايس، الذي
كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، وذلك سنة 919 هـ/ أي: حوالي:
1510-1515م، الخريطة الموجودة الآن: الغريب فيها أنها تعطي خريطة شواطيء
أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطيء
فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام: 1540-1560م،
فهذا يعني – وكما ذكر بيري رايس – بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين
خريطة له وللبحارين الأندلسيين والمغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو
المسلمون قبله سيكونون عرفوا قطعا تلك المناطق، وعرفوا اسمها قبل
الأوروبيين.
ومن ضمن المسائل في هذه الخريطة التي تدل على تقدمهم على الأوروبيين بكثير
في معرفتهم بالقارة الأمريكية: أنهم أظهروا جزرا في المحيط الأطلسي لم يكن
يعرفها الأوروبيون، بما فيها: جزر الرأس الأخضر "Cap Verde"، وماديرا، وجزر
الأزور، وبما فيهم جزر كناريا بالتفصيل، التي كنا نسميها "جزر الخالدات".
والغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال الأنتس التي هي جبال تشيلي غرب
قارة جنوب أميركا، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م، وأظهر أنهارا
في كولومبيا، ونهر الأمازون بالتفصيل، ومصبه الذيْن لم يكونا معروفين عند
الأوروبيين ولا موجودين في خرائطهم. وأظهر نهر الأمازون بالتفصيل، بحيث رسم
في مصب النهر المذكور بوضوح جزيرة يسمونها الآن "ماراجو"، وهي الآن موجودة
في الخريطة الحالية التي ما وصلها الأوروبيون إلا آخر القرن السادس عشر.
من بعد ذلك هناك خريطة للحاج أحمد العثماني عام 1559م، وهي تدل كذلك على
معرفة واضحة بالقارة الأميركية متفوقة على معرفة الأوروبيين. والحقيقة أن
الرعب الكبير الذي كان للأوروبيين في القرن السادس عشر أن تحتل الدولة
العثمانية أمريكا وتطردهم منها كان هاجسهم، ونذكر أنه في القرن السادس عشر
كان الوجود الإسلامي ما
يزال في إسبانيا، كان الموريسكيون مضطهدين محاربين، بيد أنهم كانوا ما
يزالون مقاومين.
أما الأفارقة؛ فكما قلت لكم: أظهر تول هايير داليدا عام 1969م، بالرحلة
التي قام بها من مدينة آسفي المغربية إلى البحر الكاريبي أنه بالإمكان أن
يكون قدماء المصريين قد أبحروا إلى أمريكا. لماذا؟. لأنهم وجدوا تشابها
كبيرا بين حضارة الأزتك والحضارة المصرية.
وفعلا؛ يظهر أن أول من قطع البحر من مسلمي إفريقيا الغربية كانوا من مملكة
مالي، لأن شهاب الدين العمري قال في كتاب "مسالك الأبصار وممالك الأمصار"
بأن سلطان مالي من سموسة (كلمة غير واضحة) لما ذهب للحج عام 1327م، ذهب
يوزع الذهب في طريقه لحد أن ثمن الذهب رخص في مصر بسبب ما وزعه من الذهب،
وأخبر بأن سلفه أنشأ مائتي سفينة وقطع المحيط الأطلسي نحو الضفة الأخرى
وأنابه عليه في حكم مالي ولم يعد قط. وبذلك بقي هو في الملك.
ووُجدت كتابات في البيرو والبرازيل وجنوب الولايات المتحدة تدل على الوجود الإفريقي
من كتابات إما بالحروف الإفريقية بلغة الماندينك؛ وهي لغة لشعب كله مسلم
الآن، يسمونهم: "الفلان"، أو بحروف كوفية عربية. وكذلك تركت اللغة
المانديكية آثارا لها في الهنود الحمر إلى يومنا هذا.
والحقيقة؛ انتشر المانديك من البحر الكاريبي إلى شمال وجنوب الأمريكتين،
وهناك قبائل هندية إلى يومنا هذا مازالت تكتب بحروف لغة الماندينك.
هل طمس الإسبان جميع الوجود الإسلامي
والوجود المانديكي وآثارهم ولم يبق من ذلك شيء؟!، هذا كثير، ولا يمكن. فإذا
رجعنا إلى كتابات المكتشفين الأوروبيين الأوائل بمن فيهم كريستوف كولومب؛
نجد بأنهم ذكروا
الوجود
الإسلامي في أميريكا.
فمثلا؛ في كتاب كتبه ليون فيرنيل عام 1920م، وكان أستاذا في جامعة هارفرد،
اسم الكتاب "إفريقيا واكتشاف أمريكا"، "Africa and the discovery of
America"، يقول فيه: "إن كريستوف كولومب
كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في
أمريكا"، وركز في براهينه على براهين زراعية ولغوية وثقافية، وقال بأن
المانديك بصفة خاصة انتشروا في وسط وشمال أمريكا، وتزاوجوا مع قبيلتين من
قبائل الهنود الحمر، وهما: "إيروكوا" و"الكونكير" في شمال أمريكا، وانتشروا
- كما ذكر - في البحر الكاريبي جنوب أمريكا، وشمالا حتى وصلوا إلى جهات
كندا.
بل وذكر كريستوف
كولومب نفسه بأنه وجد أفارقة في أمريكا. وكان يظن بأنهم من السكان
الأصليين، ولكن لا يوجد سكان أصليون جنوز في أمريكا. فمن أين أتوا؟!.
"جيم كوفين" كاتب فرنسي ذكر في كتابه "بربر أمريكا"، "Les Berberes
d’Amerique"، بأنه كانت تسكن في أمريكا قبيلة اسمها "المامي"، "Almami"،
وهي كلمة معروفة في إفريقيا الغربية معناها: "الإمام"، وهي تقال عن زعماء
المسلمين، وذكر بأن أكثريتهم كانت في الهندوراس في أمريكا الوسطى، وذلك قبل
كريستوف
كولومب.
كذلك في كتاب "التاريخ القديم لاحتلال المكسيك"، "Historia Antigua de la
conquesta de Mexico"، لمانويل إيروسكو إيبيرا، قال: "كانت أمريكا الوسطى
والبرازيل بصفة خاصة، مستعمرات لشعوب سود جاؤوا من إفريقيا وانتشروا في
أمريكا الوسطى والجنوبية والشمالية".
كما اكتشف الراهب فرانسسكو كارسيس، عام 1775م قبيلة من السود مختلطة مع
الهنود الحمر في نيوميكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية "المكسيك
الجديدة"، واكتشف تماثيل تظهر في الخريطة المرفقة تدل دلالة كاملة بأنها
للسود. وبما أنه لا يوجد في أمريكا سود، إذًا كانوا قادمين من إفريقيا.
وزيادة على كل ما ذكر، هناك آثار للوجود الإفريقي الإسلامي في
أمريكا، في شيئين هامين: تجارة الذهب الإفريقي، وتجارة القطن، قبل
كولومبوس. ومعروف أن التجارة مع المغرب وإفريقيا كانت كلها على الذهب عبر
الصحراء. وسيدي مولاي أحمد الذهبي السعدي – والذي لا يعجبني كثيرا – قطع
الصحراء إلى تومبوكتو لضرب دولة إسلامية مسكينة كي ينهب ذهبها ويسكت طلبات
المغاربة الذين كانوا يطالبونه بتحرير الموريسكيين في الأندلس.
من السهل معرفة الذهب الإفريقي في أي مكان كان، لأنه يرتكز على التحليل
التالي: لكل 32قسمة من الذهب يوجد 18 من الذهب، و6 من الفضة، و8 أقسام
نحاس، وهذه التركيبة من الذهب تدل على أن أصله إفريقي، وخاصة منذ القرن
الثالث عشر. وجد هذا الذهب عند الهنود الحمر بأمريكا.
ولكن هناك قرائن أكثر من القرائن المبنية على الذهب؛ هناك قرائن لغوية،
وقرائن شهود عيان.
القرائن اللغوية: أن الكلمات التي تطلق باللغة العربية، أو اللغات
الإفريقية على النقود، هي شبيهة بالكلمات التي تستعمل من طرف قبائل الهنود
الحمر، وهذه الكلمات لا يمكن أن تكون جاءت عن طريق الغزوين الإسباني أو
الأوروبي.
فمثلا: بالعربية: غنى، وغنية، وغنيمة. أصبحت بلغة الهنود الحمر: "غواني"
"Guani"، معناها: الذهب. كلمة كنقود، ونقية، ونحاس، أصبحت بلغتهم: "نيكاي"،
بمعنى: حلي من ذهب. كلمة "التبر"، صارت: "توب"، أي: الذهب. وكذلك لقبا
للملك من ملوكهم. أي: أن هذه الكلمات العربية لا يمكن أن تصل إليهم لولا
وجود عربي هناك.
تجارة القطن مهمة كذلك؛ لأنه لم يكن قطن في أمريكا، بل جاء من إفريقيا
الغربية، وتعجب كولومب نفسه في كتاباته حيث قال: "إن الهنود الحمر يلبسون
لباسا قطنيا شبيها باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات". وابنه
أكد ذلك الكلام كذلك.
والغريب في الأمر – وهو ما سأفصله من بعد إن شاء الله – أن قبيلة موجودة
الآن في أمريكا الوسطى اسمها: "كاليفونا" “Galifona” في غواتيمالا،
يسمونهم: "الهنود الحمر السود"، لأنهم هنود حمر غير أنهم سود الألوان، وهم
من بقايا المسلمين الماندينكا الذين كانوا هناك، وكثير من عاداتهم لا زالت
عادات إسلامية إلى الآن. سأتكلم عن هذا عند حديثي عن بقايا هذه الشعوب،
ماذا فُعل بها، وكيف كان مصيرها؟.
وقال "مييرا موس" في مقال في جريدة اسمها: "ديلي كلاريون"، "Daily
Clarion"، في "بيليز"، وهي إحدى الجمهوريات الصغيرة الموجودة في أميريكا
الوسطى، بتاريخ عام 1946م: "عندما اكتشف كريستوف كولومب
الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسا من البشر أبيض
اللون، خشن الشعر، اسمهم: "الكاريب"، كانوا مزارعين، وصيادين في البحر،
وكانوا شعبا موحدا ومسالما، يكرهون التعدي والعنف، وكان دينهم: الإسلام،
ولغتهم: العربية!". هكذا قال.
نحن في المدرسة لا يعلموننا هذا الشيء، يقولون: "كان الكاريب وانقرضوا". لم
ينقرضوا؛ بل أفنوهم!!. أفنوهم!. وإلى هذا اليوم تسمى تلك الجزر بالكاريبي،
في البحر الكاريبي، سميت عليهم.
والذين بقوا – وذلك لمخالطتهم للهنود الحمر – هم: "الكاليفونا"، وقد بقوا
إلى يومنا هذا في أمريكا الوسطى، ولا شك أن أصولهم إسلامية، لأن الكثير من
العادات الإسلامية لا زالت فيهم.
أين هي هذه الشعوب الآن؟.
كثير من الشباب المسلم أنشأ علاقات مع الكاليفونا، وكثير منهم رجع إلى
الإسلام، وأصبحت مساجد كثيرة تظهر في تلك الشواطيء بين هؤلاء الكاليفونا.
أما هؤلاء الميلونجونس، والذين هم مهاجرون من البرتغال في أوائل القرن
السادس عشر؛ فقد هربوا من محاكم التفتيش إلى البرازيل، فلما جاء
البرتغاليون واحتلوا البرازيل؛ تابعتهم محاكم التفتيش، فركبوا البواخر
وهربوا إلى أمريكا الشمالية، قبل أن يصلها الإنجليز، واختلطوا مع قبائل
الهنود الحمر. غير أن الإنجليز لما عادوا عاملوهم معاملة الهنود الحمر،
قتلا وإبادة، فهربوا إلى جبال الأبالاش. واحد منهم اسمه: "بروند كينيدي"،
"Brand Kennedy"، أخذ تمويلا من جامعة فرجينيا الغربية "West Virginia"،
لدراسة أصول هؤلاء القبائل، ومن أين أتوا، لأنه واحد منهم.
وبدءا من دراسة عاداتهم؛ اكتشف بأن أصولهم - كما ذكرت - من المسلمين
الأندلسيين. والغريب في الأمر أن التاريخ مخيف، فأي شعب يُضطهد إلا وينتقم
لنفسه بطريقة من الطرق:
أحد زعماء الولايات المتحدة، الذي هو سليل هذا الشعب، هو "أبراهام
لينكولن"، انظر إلى صورته وصورة أفراد الميلونجونز كيف يشبههم، وبذلك يظهر
بأن الجذور في تحرير السود هي كأنه يحرر نفسه، فانتقم بتلك الطريقة من
النصارى البيض.
وهذا الذي أهداني هذا الكتاب نفسه، والذي هو أستاذ في جامعة
طورنطو”Toronto”، أصله كذلك: من جهة ينتمي للميلونجونس، ومن الجهة الأخرى
للزنوج.
وخلاصة الأمر التي أردت أن أقولها بعد هذا التقديم الذي إنما أردت منه أن
أفتح شهيتكم الفكرية: أن هذا المجال – ومع الأسف الشديد – نحن المغاربة
نعاني من خصاص تجاهه، بالرغم من أننا نحن المعنيين بالأمر، وبهذه الحركة
تجاه أميركا الجنوبية نعاني من نقص كبير في جامعاتنا، كيف نبحث في تراثنا
عن هذا الشيء؟. ضروري أنه عندنا وثائق في هذا الشأن، وبالطبع لن يسموها
بأمريكا، لأنه لم يكن ذلك الوقت شيء اسمه "أمريكا"، كان لها اسم آخر بلا
شك، ما هو بالضبط؟. لا ندري. لكن كان من الممكن أن نبحث في وثائقنا لنعرف
هذه العلاقة التي كانت تربطنا بأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
والموضوع الثاني: أنه بصفة عامة، وخاصة ما يخص التاريخ، يجب أن نعتمد على
أنفسنا لمعرفة جذورنا. أنا أذكر أنه عندما كنت صغيرا كانوا يعلمونني في
المدرسة الفرنسية بأن العرب ليس لهم تاريخ، وذلك ليحطمونا، لأن الشعب الذي
لا تاريخ له لا هوية له، شعب فاقد لذكراه التاريخية. ولولا أن الوالد رحمه
الله كان ينبهني بأن تاريخنا كذا وكذا، وكان لأمتنا من المفاخر كذا وكذا،
لكبرت وعندي مركبات نقص فظيعة.
وإحدى الأسلحة القوية للشعوب المتغطرسة التي تريد أن تمحو وجود الشعوب
المستضعفة الأخرى: هي تحريف التاريخ. ولذلك فإنه من العار علينا أن نعتمد
في اكتشاف تاريخنا، أو تاريخ الإسلام، أو تاريخ المغاربة، أو غيره...على
الوثائق الغربية، وإن كنا نحمد الله على بقاء آثار إسلامية في الغرب مثل ما
عند دوقة مدينة سيدونيا، والتي أخرجت وثائقها وبرهنت على الوجود الإسلامي
أربعمائة وخمسمائة عام في أمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
أو يأتي واحد مثل "براند كينيدي"، ليثبت بأن شعبا كاملا من أمريكا
الشمالية ذو أصول إسلامية.
وبهذا أريد أن أوصي توصية واحدة؛ وهي: أنه واجب علينا أن نربط علاقات مع
هؤلاء الناس، ونحيي الأبحاث في هذا المجال. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي
ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الله الرحمن الرحيم
جزء من محاضرة من إلقاء مؤسس
علم الأقليات الإسلامية، ورائد الدعوة الإسلامية في أوروبا وأمريكا،
الأستاذ الدكتور الشهيد علي بن المنتصر الكتاني، رحمه الله تعالى، ألقاها
في جمعية الشرفاء الكتانيين للتعاون والثقافة، حدود أكتوبر من عام 2000:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الموضوع حقيقة في غاية الأهمية، وشيق جدا، وأنا ابتدأت في التعرف عليه منذ
كنت مقيما في أميركا. وبصفة عامة؛ فالتاريخ – كما يقول الأميركان أنفسهم –
هو قصة المنتصرين: "History is a story of the rankers"، معناها: أنه عندما
نسمع باكتشاف أميركا من طرف كريستوف كولومب،
لولا أن بعد اكتشاف أميركا أصبح الأوروبيون بصفة عامة هم المهيمنين على
العالم؛ لكانت قصة اكتشاف أميركا من طرف الأوروبيين خرافة بديهة. لأنه لم
يكتشفها كريستوف
كولومب، بل كانت معروفة من لدن كثير من الشعوب، خاصة الشعوب الإسلامية.
وعرضي هذا سوف أبنيه على ثلاثة كتيبات:
الكتاب الأول: كتاب مهم جدا في طريق الصدور، والذي عندي هو نسخة عنه من
الإنترنت، مكتوبة بالإسبانية: "Africa versus America"، وكتبته لويزا
إيزابيل أل فيريس دو توليدو، "Luiza Isabel al ferris Do Tolido"، وهي دوقة
مدينة سيدونسا "Cedonia"، وهي سليلة إحدى أكبر العائلات الإسبانية، ولا
زالت تعيش في قصرها قريبا من مدينة سان لوقا دو باراميدا "San Luca De
Paramida"، قرب نهر الوادي الكبير في الأندلس، وعندها مكتبة ووثائق فريدة
من نوعها، بصفة عامة، عن تاريخ الأندلس، وبصفة خاصة عن الوجود الإسلامي في
أمريكا قبل
كريستوف كولومب، لأن أجدادها كانوا حكام إسبانيا وكانوا جنرالات في
الجيش الإسباني، وكانوا حكام الأندلس وأميرالات البحرية الإسبانية.
فالوثائق التي في ملكها تعتبر هامة جدا.
والكتاب الثاني: هو مجموعة مقالات استكتبتها أنا والدكتور مختار امبو
بتمويل من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ضمن موسوعة عن الوجود الإسلامي في
العالم اليوم، مجلدان منها عن الإسلام في أمريكا. أول مقال فيها كتبه عبد
الله الحكيم كويك، وهو أمريكي مسلم، أستاذ في جامعة طورنطو، وله تاريخ
نضالي في أمريكا. كان من مجموعة بلاك تايغرز "Black Tigers"، وكان من
المشهورين. ومقالاته هاته عن الإسلام في أمريكا قبل كريستوف كولومب،
وهي مقالات موثقة ومهمة جدا.
الكتاب الثالث: مهم جدا، بالإنجليزي، واسمه الميلنجر "The Malingers"، اسم
إذا رآه شخص لا يعيره اهتماما، يسمونهم أحيانا "The white of the
Appalachians"، جبال الأبالاش، تقع في شرق الولايات المتحدة، وبها سكان
يسمونهم "ميلونجونز"، أحدهم اسمه: "براند كينيدي" "Brand Kennedy"، كتب
كتابا عن أصول الميلونجونس بتمويل من جامعة فرجينيا الغربية، وتبين أن
أصولهم إسلامية من أندلسيي البرتغال، وبقيت فيهم عادات إسلامية إلى الآن،
ومن أهم الشخصيات التي تنتمي إلى هذه الطبقة من الناس: "أبراهام لينكولن"،
"Abraham Lincoln"، وتحرير أبراهام لينكولن للعبيد كان انتقاما للأندلس من
النصارى بطريقة غير مباشرة، إذ إن التاريخ لا يمسح بهذه السهولة.
بهذه المقدمة الشيقة أريد أن ألخص لكم أهم نقاط محاضرتي، وهي:
أولا: ما هي البراهين التي تثبت الوجود الإسلامي في
أمريكا قبل
كريستوف كولومب؟.
ثانيا: هل هذا
الوجود قبل
كريستوف كولومب مازالت له آثار إلى الآن، أم مسحت؟. وهذا السؤال ناتج
عن اهتمامي بمستقبل الإسلام حول العالم، وهو ما أسميه: "Residual Islam
around the world"، توجد شعوب بأكملها وهي من بقايا الإسلام في مختلف بقاع
القارات الخمس، ومعنى ذلك: أن رجوع الإسلام إليهم يعتبر من أسهل ما يكون،
ونأتي بأمثلة عن أمريكا.
بعد هذه المقدمة أريد أن أرجع إلى القول بأن اكتشاف أميركا من قبل كرستوف
كولومب إنما هو كذبة صريحة، لأن الآن هناك براهين مستفيضة بأن
الإسكندنافيين وصلوا إلى أمريكا ألف عام قبل كريستوف كولومب،
مثال ذلك تول هايير داليدا "Toll Hoyer Da lida"، الذي كما تعرفون خرج من
مدينة آسفي بالمغرب بباخرة صفها بورق البردي "Papyrus"، وقطع المحيط إلى
أميركا بسهولة، وبرهن بذلك أن قدماء المصريين ذهبوا كذلك إلى أميريكا.
إذا؛ فالعلاقات مع أميركا كانت متواصلة قبل الإسلام وبعده، وبصفة خاصة بعد
الإسلام من طرف الشعوب الإسلامية. إذن فإن لفظة "اكتشاف"، كلمة تعتبر خرافة
مرت علينا ونعلمها لأطفالها، وهذا الذي سأذكره لا يعلّم لأحد في المدارس
الإسلامية ولا في غيرها، إذ إن معظم الوثائق الباقية هي الآن في الغرب، ومع
الأسف الشديد فوثائقنا العربية ليس عندنا منها شيء، لأن باحثينا لم
يبحثوا، ولو بحثوا لوجدوا.
طبعا؛ سيجد الباحث صعوبة في البحث، لأنه في الوثائق القديمة لن يقولوا
"القارة الأمريكية"، إذ أنه لم يكن تقسيم القارات سابقا إلى قارات كما
نقسمها الآن، ففي الماضي كانوا يقسمون العالم إلى مناخ، مناخ كذا وكذا.
فعندما يتكلمون عن إفريقيا يتكلمون عن مناخها، ويعدون أمريكا من إفريقيا.
سأقسم حديثي عن
الوجود
الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب
إلى منطقتين اثنتين:
فالأولى: من المغرب والأندلس.
الثانية: من إفريقيا العربية الإسلامية، وكلها إسلامية طبعا.
المنطقة الأولى: المغرب والأندلس
أولا؛ القرائن والآثار الموجودة الآن في هذا الوقت، الكلمات، والآثار
اللغوية: ففي لغة الهنود الحمر هناك كلمات عربية وأمازيغية بكثرة، ولا يمكن
أن تكون موجودة إلا بسبب وجود عربي أو أمازيغي قديم هناك، القرائن
التاريخية التي جاءت في الكتب القديمة – العربية وغير العربية – والآثار
الموجودة إلى الآن رغم المجهود الكبير الذي عمل عليه الإسبان، بعد كريستوف كولومب
لمسح أي أثر للإسلام أو الوجود الإسلامي في
القارة الأميريكية، وذلك طبعا لتحريف التاريخ.
العرب قديما كانوا يسمون المحيط الأطلسي بحر الظلمات. إذا نظرنا إلى
القرائن الأركيويوجية (الأثرية)، نجد أنه اكتشفت كتابات كوفية في أميريكا
الجنوبية بالعربية، فمن أوصلها إلى هناك؟. واكتشفوا في عدة أماكن كنوزا
تحوي عملات ذهبية رومانية وأخرى إسلامية. وفي العادة إذا اكتشف كنز في محل
ما فإن تاريخ ضرب العملة الذي فيه يعتبر تاريخ وصول الكنز إلى المحل
المذكور، وذلك طبيعي في البحث العلمي. وآخر عملة اكتشفوها كانت للقرن
الثامن الميلادي، أي أن ثمة باخرة إسلامية وصلت في القرن الثامن الميلادي
إلى ذلك المحل وتركت ذهبها هناك.
دعنا نقارن ما ذكرناه - وما وهو إلا غيض من فيض أمثلة أخرى كثيرة - بما جاء
في بعض أمهات الكتب العربية. مثلا: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي؛ ذكر
في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" المكتوب عام 956 ميلادية، أن أحد
المغامرين من قرطبة اسمه الخشخاش بن سعيد بن الأسود، عبر بحر الظلمات مع
جماعة من أصحابه إلى أن وصل إلى الأرض وراء بحر الظلمات، ورجع سنة 889م،
ربما من قرأ هذا الكلام في زمنه اعتبر المؤلف مخرفا، وهنا عندي قطعة من
كلام المسعودي ربما أترجمها لكم لاحقا، وهو كلام متعلق بمغامرة الخشخاش.
وقال الخشخاش لما عاد من رحلته بأنه وجد أناسا في الأرض التي وصلها،
ووصفهم، بل لما رسم المسعودي خريطة للعالم، رسم بعد بحر الظلمات أرضا
سماها: الأرض المجهولة. فيكون رسم أرضا هناك ولم يدّع أنه ليس بعد بحر
الظلمات أي أرض، كما كان يدعيه الأوروبيون في خرائطهم وكتبهم.
أي إنه في القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يعرفون أن ثمة أرضا وراء بحر
الظلمات، وليست هي الهند كما ادعاه كريستوف كولومب،
والذي ذهب إلى تلك الأرض وعاد وعاش ومات، وهو يظن أنه إنما ذهب إلى الهند،
لم يظن قط أنه اكتشف أرضا جديدة. ولذلك فإلى يومنا هذا بكل جهل يسمي
الأوروبيون أمريكا بالهند الغربية "L’Inde Occidental. West India".
وثمة وثيقة تاريخية أخرى عندنا في التاريخ العربي؛ وهي قصة ذكرها عمر بن
القوطية، وهي حديثه عن رحلة ابن فروخ الأندلسي عام 999م، ومما يظهر من
كلامه: أن ابن فروخ لم يصل إلى أمريكا، غير أنه زار جزر كناريا "Canaries"،
في المحيط الأطلسي، وقطع منها إلى جزر أخرى في المحيط الأطلسي، ووصف أهالي
كناريا ثم عاد إلى الأندلس.
وثمة قصة مفصلة أكثر من جميع ما ذكرت، وربما يعرفها جميعنا، وهي قصة الشريف
الإدريسي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي بين 1099-1180م، والذي
كان من سبتة، شريفا حمّوديا إدريسيا، وكان هو العالم الجغرافي الذي اصطفاه
"روجر"، الملك النورماندي لصقلية، الذي كان يعد من الملوك الصقليين
المتفتحين تجاه الإسلام، ولم يضطهد المسلمين عندما احتل النورمانديون صقلية
وأخذوها من أيديهم.
ففي كتابه "الممالك والمسالك" جاء بقصة الشباب المغرورين؛ وهم: جماعة خرجوا
ببواخر من إشبونة "Lisbon"، وكانت في يد المسلمين وقتها، وقطع هؤلاء
المغامرون بحر الظلمات، ورجع بعضهم، وذكروا قصتهم وأنهم وصلوا إلى أرض
وصفوها ووصفوا ملوكها. والغريب في الأمر أنهم ذكروا أنهم وجدوا أناسا
يتكلمون بالعربية هناك.
وإذا كان أناس يتكلمون بالعربية هناك فهذا دليل على أن أناسا كثيرين وصلوا
قبلهم إلى هناك، حتى تعلم أهلها العربية ليكونوا ترجمانا بينهم وبين الملوك
المحليين، وعلى أنه كان هناك وجود إسلامي في ذلك التاريخ على تلك الأرض.
الوصف الذي أعطاه هؤلاء المغامرون يظهر أنه وصف للجزر الكارابية، كوبا أو
إسبانيولا، أو غيرهما من جزر البحر.
وهناك أمثلة أخرى في اللغة وغيرها. فأعطي في اللغة أمثلة كذلك: فالأوروبيون
رسموا خريطة لأمريكا، ومنها خريطة لفلوريدا، وذلك عام 1564م، ذكروا فيها
مدنا ذات أسماء توجد في الأندلس والمغرب. ولكي تكون أسماء عربية هناك،
فبالضروري كانت هجرة عربية قبل المائة أو المائتي عام على الأقل. مثلا: في
الخارطة هناك مدينة ميارقة، وواضح أنها تحريف لميورقة، وهي جزيرة من الجزر
الشرقية المسماة الآن بالبليار، ومدينة اسمها كاديكا، وهي تحريف لقادس
الواقعة جنوب الأندلس. وأخرى اسمها "مارّاكو" تساوي: مراكش...إلخ.
دوقة مدينة سيدونيا، بناء على وثائقها كتبت كتابا في غاية الأهمية على إثر
تشجيع مني، حيث إنني في دراساتي عن الموريسكيين اكتشفت شيئا غريبا جدا، ما
هو؟.
اكتشفت بأنه عام 1644م، قامت مؤامرة في الأندلس لتحريرها من إسبانيا،
وإعادة الدولة الإسلامية فيها، دخلت في هذه المؤامرة فئات أربع:
أولا: ملك البرتغال، وذلك أول استقلالها الذي كانت أضاعته من قبل بعد
هزيمتها في معركة واد المخازن، وانضمت إلى إسبانيا، وفي عام 1644م، أعادت
استقلالها.
ثانيا: شخصية من ولاية المرية اسمه "طاهر الحر"، لم تعط الوثائق اسمه
النصراني، وهو ينسب نفسه إلى بيت بني الأحمر. ثار هو وجماعة معه.
ثالثا: موريسكيو الرباط، في الوثائق المغربية يظنون بأنهم أرادوا التعاون
مع النصارى، غير أنهم في الحقيقة أرادوا تحرير الأندلس، حيث كان المقرر أن
يدخلوا مصب الوادي الكبير ببواخر ويحتلوا إشبيلية.
رابعها: وهذا هو الشاهد عندنا: دوق مدينة سيدونيا، والذي كان الحاكم باسم
ملك إسبانيا على منطقة الأندلس. فكيف دوق مدينة سيدونيا الذي يمثل السلطة
النصرانية (المسيحية) على الأندلس يقوم بمؤامرة من أجل تحرير الأندلس؟. لم
أفهم ذلك!!!.
فلما التقيت الدوقة الحالية لمدينة سيدونيا استدعتني في شاطوها (قصرها) قرب
مدينة سان لوقا دو باراميدا، قرب مصب الوادي الكبير، فقلت لها: "ما سبب
ذلك؟!". وإذا بجوابها كان أغرب مما كنت أتوقع، حيث أجابتني: "بديهي؛ لأن
أصلنا – عائلة دوق مدينة سيدونيا – مسلمون، بل أكثر من ذلك أننا كنا مسلمين
سرا". وقالت لي: "تعال أريك في قصرنا؛ كنت أدق حائطا وعندما أسقطته وجدت
أسفله مسجدا داخل القصر"، وفعلا صليت – أنا المحاضر – في ذلك المسجد داخل
القصر. فإذن؛ هذا الدوق - رحمه الله - قام بمجهود كبير لتحرير الأندلس.
والأهمية في دوقة مدينة سيدونيا؛ أن عندها مكتبة فاخرة مليئة بالوثائق منذ
ثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة عام، من ضمنها وثائق مسلمي أميركا الجنوبية!،
والبرهان على
الوجود
الإسلامي في أميريكا قبل أربعمائة عام من كريستوف كولومب.
وأخبرتني أنها خائفة من أنها إذا ماتت – وهي تبلغ حوالي سبعين عاما – من
أن تسرق وثائقها وتعدم، لأنها تقول بأنه: "لا ثقة في نصارى إسبانيا إلى
يومنا هذا"، وهي تقول بأنه: "إلى يومنا هذا يعدمون الوثائق التاريخية
المضادة لخرافاتهم التاريخية التي يحبون إقناع الناس بها".
قلت لها: "اكتبي كتابا وضعي هذه الوثائق فيه"، فكان ذلك السبب الأساس
لكتابتها هذا الكتاب، فهذا الكتاب الذي سمته: "من إفريقيا إلى أميركا"،
كتاب وثائقي رائع، موثق بالوثائق التي عندهم في مكتبة دوق مدينة سيدونيا،
هذا الكتاب صدر في هذا الشهر (نهاية سنة 2000)، ومن الضروري أن يترجم
للعربية، وإلى لغات أخرى، حيث هو مكتوب باللغة الإسبانية.
ومن المسائل المهمة التي لا نعرفها معاشر المغاربة، أن ياسين والد عبد الله
بن ياسين – مؤسس دولة المرابطين – قطع المحيط الأطلسي وذهب إلى المناطق
شمال البرازيل، وغينيا، ونشر فيها الإسلام. ذهب إلى هناك مع جماعات من
أتباعه، وأسس منطقة كبيرة كانت تابعة للدولة المرابطية. أي: إن الدولة
المرابطية لم تكن في شمال إفريقيا والأندلس والبرتغال فحسب، وإنما كانت
أيضا فيما يسمى الآن شمال البرازيل وغينيا، وهذا موثق بالوثائق التي تملكها
الدوقة المذكورة.
وفعلا، وإلى يومنا هذا؛ هناك مدن وقرى في تلك المناطق اسمها: فاس، مراكش،
تلمسان، سلا...وقد كنت أظن أن تلك الأسماء جاءت مع الرحالة الإسبان، غير
أنها قالت لي: "لا؛ بل كانت قبل مجيء الإسبان، إنما كانت مع وجود المسلمين
قبل أربعمائة عام من كريستوف
كولومب".
إذا؛ بصفة عامة وبتلخيص شديد: العلاقات بين المغرب والأندلس، وما يسمى
اليوم بأميريكا كانت متواصلة، وحسب معظم العلماء؛ فالآن – سواء من الطرف
الإسباني أو من الطرف الأميركي – فإنهم يعتقدون أن قبل كريستوف كولومب
كان الإسلام منتشرا في شمال أمريكا وفي جنوبها، وأن أول عمل قام به
كونكيسادور "Conquistador" – الإسبان النصارى – هو متابعة هجومهم على
الإسلام الذي كان في الأندلس، بالقضاء على الإسلام والقضاء على الوثائق
التي تبرهن أي وجود إسلامي في تلك القارة.
ورغم هذا المجهود الكبير لم يستطيعوا القضاء على كل شيء.
المنطقة الثانية: علاقة الدولة العثمانية وإفريقيا مع أميركا
الآن نرى علاقة الدولة العثمانية مع أميركا قبل كريستوف كولومب،
وسأكمل بذكر علاقات الممالك الإسلامية في إفريقيا الغربية مع أمريكا قبل كريستوف
كولومب.
عام 1929م، اكتشفت خريطة للمحيط الأطلسي رسمها بيري محيي الدين رايس، الذي
كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، وذلك سنة 919 هـ/ أي: حوالي:
1510-1515م، الخريطة الموجودة الآن: الغريب فيها أنها تعطي خريطة شواطيء
أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطيء
فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام: 1540-1560م،
فهذا يعني – وكما ذكر بيري رايس – بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين
خريطة له وللبحارين الأندلسيين والمغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو
المسلمون قبله سيكونون عرفوا قطعا تلك المناطق، وعرفوا اسمها قبل
الأوروبيين.
ومن ضمن المسائل في هذه الخريطة التي تدل على تقدمهم على الأوروبيين بكثير
في معرفتهم بالقارة الأمريكية: أنهم أظهروا جزرا في المحيط الأطلسي لم يكن
يعرفها الأوروبيون، بما فيها: جزر الرأس الأخضر "Cap Verde"، وماديرا، وجزر
الأزور، وبما فيهم جزر كناريا بالتفصيل، التي كنا نسميها "جزر الخالدات".
والغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال الأنتس التي هي جبال تشيلي غرب
قارة جنوب أميركا، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م، وأظهر أنهارا
في كولومبيا، ونهر الأمازون بالتفصيل، ومصبه الذيْن لم يكونا معروفين عند
الأوروبيين ولا موجودين في خرائطهم. وأظهر نهر الأمازون بالتفصيل، بحيث رسم
في مصب النهر المذكور بوضوح جزيرة يسمونها الآن "ماراجو"، وهي الآن موجودة
في الخريطة الحالية التي ما وصلها الأوروبيون إلا آخر القرن السادس عشر.
من بعد ذلك هناك خريطة للحاج أحمد العثماني عام 1559م، وهي تدل كذلك على
معرفة واضحة بالقارة الأميركية متفوقة على معرفة الأوروبيين. والحقيقة أن
الرعب الكبير الذي كان للأوروبيين في القرن السادس عشر أن تحتل الدولة
العثمانية أمريكا وتطردهم منها كان هاجسهم، ونذكر أنه في القرن السادس عشر
كان الوجود الإسلامي ما
يزال في إسبانيا، كان الموريسكيون مضطهدين محاربين، بيد أنهم كانوا ما
يزالون مقاومين.
أما الأفارقة؛ فكما قلت لكم: أظهر تول هايير داليدا عام 1969م، بالرحلة
التي قام بها من مدينة آسفي المغربية إلى البحر الكاريبي أنه بالإمكان أن
يكون قدماء المصريين قد أبحروا إلى أمريكا. لماذا؟. لأنهم وجدوا تشابها
كبيرا بين حضارة الأزتك والحضارة المصرية.
وفعلا؛ يظهر أن أول من قطع البحر من مسلمي إفريقيا الغربية كانوا من مملكة
مالي، لأن شهاب الدين العمري قال في كتاب "مسالك الأبصار وممالك الأمصار"
بأن سلطان مالي من سموسة (كلمة غير واضحة) لما ذهب للحج عام 1327م، ذهب
يوزع الذهب في طريقه لحد أن ثمن الذهب رخص في مصر بسبب ما وزعه من الذهب،
وأخبر بأن سلفه أنشأ مائتي سفينة وقطع المحيط الأطلسي نحو الضفة الأخرى
وأنابه عليه في حكم مالي ولم يعد قط. وبذلك بقي هو في الملك.
ووُجدت كتابات في البيرو والبرازيل وجنوب الولايات المتحدة تدل على الوجود الإفريقي
من كتابات إما بالحروف الإفريقية بلغة الماندينك؛ وهي لغة لشعب كله مسلم
الآن، يسمونهم: "الفلان"، أو بحروف كوفية عربية. وكذلك تركت اللغة
المانديكية آثارا لها في الهنود الحمر إلى يومنا هذا.
والحقيقة؛ انتشر المانديك من البحر الكاريبي إلى شمال وجنوب الأمريكتين،
وهناك قبائل هندية إلى يومنا هذا مازالت تكتب بحروف لغة الماندينك.
هل طمس الإسبان جميع الوجود الإسلامي
والوجود المانديكي وآثارهم ولم يبق من ذلك شيء؟!، هذا كثير، ولا يمكن. فإذا
رجعنا إلى كتابات المكتشفين الأوروبيين الأوائل بمن فيهم كريستوف كولومب؛
نجد بأنهم ذكروا
الوجود
الإسلامي في أميريكا.
فمثلا؛ في كتاب كتبه ليون فيرنيل عام 1920م، وكان أستاذا في جامعة هارفرد،
اسم الكتاب "إفريقيا واكتشاف أمريكا"، "Africa and the discovery of
America"، يقول فيه: "إن كريستوف كولومب
كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في
أمريكا"، وركز في براهينه على براهين زراعية ولغوية وثقافية، وقال بأن
المانديك بصفة خاصة انتشروا في وسط وشمال أمريكا، وتزاوجوا مع قبيلتين من
قبائل الهنود الحمر، وهما: "إيروكوا" و"الكونكير" في شمال أمريكا، وانتشروا
- كما ذكر - في البحر الكاريبي جنوب أمريكا، وشمالا حتى وصلوا إلى جهات
كندا.
بل وذكر كريستوف
كولومب نفسه بأنه وجد أفارقة في أمريكا. وكان يظن بأنهم من السكان
الأصليين، ولكن لا يوجد سكان أصليون جنوز في أمريكا. فمن أين أتوا؟!.
"جيم كوفين" كاتب فرنسي ذكر في كتابه "بربر أمريكا"، "Les Berberes
d’Amerique"، بأنه كانت تسكن في أمريكا قبيلة اسمها "المامي"، "Almami"،
وهي كلمة معروفة في إفريقيا الغربية معناها: "الإمام"، وهي تقال عن زعماء
المسلمين، وذكر بأن أكثريتهم كانت في الهندوراس في أمريكا الوسطى، وذلك قبل
كريستوف
كولومب.
كذلك في كتاب "التاريخ القديم لاحتلال المكسيك"، "Historia Antigua de la
conquesta de Mexico"، لمانويل إيروسكو إيبيرا، قال: "كانت أمريكا الوسطى
والبرازيل بصفة خاصة، مستعمرات لشعوب سود جاؤوا من إفريقيا وانتشروا في
أمريكا الوسطى والجنوبية والشمالية".
كما اكتشف الراهب فرانسسكو كارسيس، عام 1775م قبيلة من السود مختلطة مع
الهنود الحمر في نيوميكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية "المكسيك
الجديدة"، واكتشف تماثيل تظهر في الخريطة المرفقة تدل دلالة كاملة بأنها
للسود. وبما أنه لا يوجد في أمريكا سود، إذًا كانوا قادمين من إفريقيا.
وزيادة على كل ما ذكر، هناك آثار للوجود الإفريقي الإسلامي في
أمريكا، في شيئين هامين: تجارة الذهب الإفريقي، وتجارة القطن، قبل
كولومبوس. ومعروف أن التجارة مع المغرب وإفريقيا كانت كلها على الذهب عبر
الصحراء. وسيدي مولاي أحمد الذهبي السعدي – والذي لا يعجبني كثيرا – قطع
الصحراء إلى تومبوكتو لضرب دولة إسلامية مسكينة كي ينهب ذهبها ويسكت طلبات
المغاربة الذين كانوا يطالبونه بتحرير الموريسكيين في الأندلس.
من السهل معرفة الذهب الإفريقي في أي مكان كان، لأنه يرتكز على التحليل
التالي: لكل 32قسمة من الذهب يوجد 18 من الذهب، و6 من الفضة، و8 أقسام
نحاس، وهذه التركيبة من الذهب تدل على أن أصله إفريقي، وخاصة منذ القرن
الثالث عشر. وجد هذا الذهب عند الهنود الحمر بأمريكا.
ولكن هناك قرائن أكثر من القرائن المبنية على الذهب؛ هناك قرائن لغوية،
وقرائن شهود عيان.
القرائن اللغوية: أن الكلمات التي تطلق باللغة العربية، أو اللغات
الإفريقية على النقود، هي شبيهة بالكلمات التي تستعمل من طرف قبائل الهنود
الحمر، وهذه الكلمات لا يمكن أن تكون جاءت عن طريق الغزوين الإسباني أو
الأوروبي.
فمثلا: بالعربية: غنى، وغنية، وغنيمة. أصبحت بلغة الهنود الحمر: "غواني"
"Guani"، معناها: الذهب. كلمة كنقود، ونقية، ونحاس، أصبحت بلغتهم: "نيكاي"،
بمعنى: حلي من ذهب. كلمة "التبر"، صارت: "توب"، أي: الذهب. وكذلك لقبا
للملك من ملوكهم. أي: أن هذه الكلمات العربية لا يمكن أن تصل إليهم لولا
وجود عربي هناك.
تجارة القطن مهمة كذلك؛ لأنه لم يكن قطن في أمريكا، بل جاء من إفريقيا
الغربية، وتعجب كولومب نفسه في كتاباته حيث قال: "إن الهنود الحمر يلبسون
لباسا قطنيا شبيها باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات". وابنه
أكد ذلك الكلام كذلك.
والغريب في الأمر – وهو ما سأفصله من بعد إن شاء الله – أن قبيلة موجودة
الآن في أمريكا الوسطى اسمها: "كاليفونا" “Galifona” في غواتيمالا،
يسمونهم: "الهنود الحمر السود"، لأنهم هنود حمر غير أنهم سود الألوان، وهم
من بقايا المسلمين الماندينكا الذين كانوا هناك، وكثير من عاداتهم لا زالت
عادات إسلامية إلى الآن. سأتكلم عن هذا عند حديثي عن بقايا هذه الشعوب،
ماذا فُعل بها، وكيف كان مصيرها؟.
وقال "مييرا موس" في مقال في جريدة اسمها: "ديلي كلاريون"، "Daily
Clarion"، في "بيليز"، وهي إحدى الجمهوريات الصغيرة الموجودة في أميريكا
الوسطى، بتاريخ عام 1946م: "عندما اكتشف كريستوف كولومب
الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسا من البشر أبيض
اللون، خشن الشعر، اسمهم: "الكاريب"، كانوا مزارعين، وصيادين في البحر،
وكانوا شعبا موحدا ومسالما، يكرهون التعدي والعنف، وكان دينهم: الإسلام،
ولغتهم: العربية!". هكذا قال.
نحن في المدرسة لا يعلموننا هذا الشيء، يقولون: "كان الكاريب وانقرضوا". لم
ينقرضوا؛ بل أفنوهم!!. أفنوهم!. وإلى هذا اليوم تسمى تلك الجزر بالكاريبي،
في البحر الكاريبي، سميت عليهم.
والذين بقوا – وذلك لمخالطتهم للهنود الحمر – هم: "الكاليفونا"، وقد بقوا
إلى يومنا هذا في أمريكا الوسطى، ولا شك أن أصولهم إسلامية، لأن الكثير من
العادات الإسلامية لا زالت فيهم.
أين هي هذه الشعوب الآن؟.
كثير من الشباب المسلم أنشأ علاقات مع الكاليفونا، وكثير منهم رجع إلى
الإسلام، وأصبحت مساجد كثيرة تظهر في تلك الشواطيء بين هؤلاء الكاليفونا.
أما هؤلاء الميلونجونس، والذين هم مهاجرون من البرتغال في أوائل القرن
السادس عشر؛ فقد هربوا من محاكم التفتيش إلى البرازيل، فلما جاء
البرتغاليون واحتلوا البرازيل؛ تابعتهم محاكم التفتيش، فركبوا البواخر
وهربوا إلى أمريكا الشمالية، قبل أن يصلها الإنجليز، واختلطوا مع قبائل
الهنود الحمر. غير أن الإنجليز لما عادوا عاملوهم معاملة الهنود الحمر،
قتلا وإبادة، فهربوا إلى جبال الأبالاش. واحد منهم اسمه: "بروند كينيدي"،
"Brand Kennedy"، أخذ تمويلا من جامعة فرجينيا الغربية "West Virginia"،
لدراسة أصول هؤلاء القبائل، ومن أين أتوا، لأنه واحد منهم.
وبدءا من دراسة عاداتهم؛ اكتشف بأن أصولهم - كما ذكرت - من المسلمين
الأندلسيين. والغريب في الأمر أن التاريخ مخيف، فأي شعب يُضطهد إلا وينتقم
لنفسه بطريقة من الطرق:
أحد زعماء الولايات المتحدة، الذي هو سليل هذا الشعب، هو "أبراهام
لينكولن"، انظر إلى صورته وصورة أفراد الميلونجونز كيف يشبههم، وبذلك يظهر
بأن الجذور في تحرير السود هي كأنه يحرر نفسه، فانتقم بتلك الطريقة من
النصارى البيض.
وهذا الذي أهداني هذا الكتاب نفسه، والذي هو أستاذ في جامعة
طورنطو”Toronto”، أصله كذلك: من جهة ينتمي للميلونجونس، ومن الجهة الأخرى
للزنوج.
وخلاصة الأمر التي أردت أن أقولها بعد هذا التقديم الذي إنما أردت منه أن
أفتح شهيتكم الفكرية: أن هذا المجال – ومع الأسف الشديد – نحن المغاربة
نعاني من خصاص تجاهه، بالرغم من أننا نحن المعنيين بالأمر، وبهذه الحركة
تجاه أميركا الجنوبية نعاني من نقص كبير في جامعاتنا، كيف نبحث في تراثنا
عن هذا الشيء؟. ضروري أنه عندنا وثائق في هذا الشأن، وبالطبع لن يسموها
بأمريكا، لأنه لم يكن ذلك الوقت شيء اسمه "أمريكا"، كان لها اسم آخر بلا
شك، ما هو بالضبط؟. لا ندري. لكن كان من الممكن أن نبحث في وثائقنا لنعرف
هذه العلاقة التي كانت تربطنا بأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
والموضوع الثاني: أنه بصفة عامة، وخاصة ما يخص التاريخ، يجب أن نعتمد على
أنفسنا لمعرفة جذورنا. أنا أذكر أنه عندما كنت صغيرا كانوا يعلمونني في
المدرسة الفرنسية بأن العرب ليس لهم تاريخ، وذلك ليحطمونا، لأن الشعب الذي
لا تاريخ له لا هوية له، شعب فاقد لذكراه التاريخية. ولولا أن الوالد رحمه
الله كان ينبهني بأن تاريخنا كذا وكذا، وكان لأمتنا من المفاخر كذا وكذا،
لكبرت وعندي مركبات نقص فظيعة.
وإحدى الأسلحة القوية للشعوب المتغطرسة التي تريد أن تمحو وجود الشعوب
المستضعفة الأخرى: هي تحريف التاريخ. ولذلك فإنه من العار علينا أن نعتمد
في اكتشاف تاريخنا، أو تاريخ الإسلام، أو تاريخ المغاربة، أو غيره...على
الوثائق الغربية، وإن كنا نحمد الله على بقاء آثار إسلامية في الغرب مثل ما
عند دوقة مدينة سيدونيا، والتي أخرجت وثائقها وبرهنت على الوجود الإسلامي
أربعمائة وخمسمائة عام في أمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
أو يأتي واحد مثل "براند كينيدي"، ليثبت بأن شعبا كاملا من أمريكا
الشمالية ذو أصول إسلامية.
وبهذا أريد أن أوصي توصية واحدة؛ وهي: أنه واجب علينا أن نربط علاقات مع
هؤلاء الناس، ونحيي الأبحاث في هذا المجال. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي
ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.