الانتفاضات الشعبية التي تعيشها مختلف المناطق الجزائرية
هذه الأيام تندرج في إطار العنف السياسي و العنف السياسي المضاد، أي بمعنى
أن انتشار ظاهرة العنف السياسي في الجزائر بأشكاله المختلفة، سواء ما
يطلق عليه العنف السياسي الشعبي الممارس من المواطنين ضد النظام السياسي
القائم، أو ما يطلق عليه العنف السياسي السلطوي الممارس من طرف أجهزة
الدولة المختلفة ضد المواطنين، أو السياسيين المعارضين، هي ظاهرة يكتنفها
الكثير من الغموض في مختلف جوانبها و تتطلب مزيد من البحث و التحليل في
جذور ومسببات الأزمة.
وعليه يمكن صياغة المشكلة على النحو التالي :
هل ما يجري اليوم في الجزائر من مواجهات بين المواطنين
و رجال الأمن هو نتيجة لتناقضات في مواقف وتصورات القوى السياسية
الموجودة على المسرح السياسي، أم أن هناك عدد من المتغيرات المختلفة التي
أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار ظاهرة الاحتجاجات العنيفة بين
أبناء الوطن الواحد؟.
من هنا يستوجب التركيز على إبراز العوامل المختلفة
التي أدت إلى انتشار العنف السياسي ظاهرة وسلوكاً في الجزائر وكذلك البحث
في أساسيات المشكلة التي وصلت إلى مرحلة جد متقدمة منذ سنة 2004 إلى غاية
اليوم :
1-الأسباب السياسية :
-رئيس جمهورية خالف اليمين الدستورية و لا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب الجزائري.
-مجالس غير شعبية بانتخابات مزورة (بلديات، ولايات، برلمان).
-تحالف رئاسي لخدمة المصالح الشخصية للبعض و ضد مصلحة الشعب.
-تعديل دستور من أجل رئاسة على مدى الحياة.
-البقاء على حكومة فاشلة لا تخدم المصلحة العامة للبلاد و العباد.
-الحرمان من الحق في تأسيس الأحزاب و الجمعيات و النقابات و الجرائد و تنظيم التظاهرات و الإضرابات و المسيرات السلمية.
-البقاء على حالة الطوارئ منذ سنة 1992 قصد القمع و الاستبداد و انتهاك الحقوق
و الحريات.
-إقصاء الشركاء السياسيين و الاجتماعيين و رفض مبدأ التداول على السلطة.
-اعتماد الجهوية و الولاء في تعيين الإطارات السامية مقابل إبعاد آلاف
الإطارات النزيهة الشاغلة لوظائف و مناصب عليا في الدولة و الرمي بهم و
بعائلاتهم في الشارع.
-التضييق على الحريات الدينية و الإعلامية و حقوق المواطنة و غيرها من حقوق الإنسان.
-احتكار الإعلام العمومي و المؤسسات الدينية و حزب جبهة التحرير
الوطني و الإتحاد العام للعمال الجزائريين و الكشافة الإسلامية و كل
التراث الثقافي و التاريخي المشترك من طرف أقلية مشكوك في ماضيها.
-جعل أكثر من 90 بالمائة من الذكور الجزائريين الراشدين ذوي سوابق
عدلية، بما فيهم الإطارات الجامعية الشابة و النزيهة المرشحين لمنافسة
القياديين الحاليين في مراكزهم.
-خنق وسائل الإعلام الرسمية و حرمان المواطن الذي يتحمل فاتورتها من خدماتها.
2-الأسباب الإجتماعية :
-ارتفاع القدرة الشرائية و غلاء المعيشة نتيجة عدم التوازن في توزيع
الموارد الوطنية، بحيث هناك من يتقاضى 2.5 مليون دينار شهريا، و هناك من
يتقاضى الحد الأدنى من الأجور 15 ألف دينار، و هناك من لا يتقاضى و لا
دينار واحد من أغلبية الجزائريين.
-انتشار البطالة و الزيادة في وثيرة التسريح التعسفي من مناصب الشغل دون أدنى الحقوق.
-أزمة حادة للسكن مقابل وجود حظيرة هائلة من السكنات الشاغرة التي تتسبب في خسائر معتبرة للخزينة العمومية بسبب عدم استغلالها.
-تفشي و تعميم ظاهرة البيروقراطية في كل المؤسسات و الإدارات و الهيئات العمومية.
-تورط كبار المسؤولين في عمليات فساد رهيب دون محاسبة و لا محاكمة و لا حتى إبعاد من مناصبهم.
-عدالة نائمة و حقرة قائمة، أي كل مستضعف يريد اللجوء للعدالة عليه أن
يضع في الحسيان التحول من شاهد إلى متهم أو من ضحية ظلم هذا إلى ضحية ظلم
ذاك.
-خيرات تنهب و ثروات تسلب أمام أعين حامي بلد غني و سكانه فقراء.
-الاختناق المروري نتيجة غياب خريطة مرورية و وجود حواجز أمنية في جميع الطرق السيارة و حتى على مستوى الطرق الأخرى.
-قانون مروري ردعي يعتمد على التجريد من حقوق مكتسبة خارج المحاكم
(مثل : سحب رخصة السياقة) إلى جانب عقوبات مالية خيالية دون التفكير في
إنشاء حظائر للتوقف
و طرقات تليق بالمقام.
-افتقار المواطن لمنظومة صحية تحميه من الموت البطيء في صمت كما هو حاصل اليوم.
-افتعال مشاكل للحرمان حتى من وثائق إثبات الهوية، كما هو الشأن بخصوص
الإجراءات التعجيزية المتعلقة بجواز السفر البيومتري و بطاقة التعريف و
شهادة الميلاد الأصلية
و غيرها.
-خلق منظومة إعلامية و سياسية لا تهمها مصلحة الشعب بقدر ما يهمها التموقع و الولاء للسلطان قصد تقاسم الغنيمة.
-حملة هدم السكنات بدعوى عدم المطابقة و الافتقار إلى الشرعية الإدارية.
الخلاصة :
خلاصة القول أن مهمة الحكومة الحالية تكمن في إصدار نصوص تشريعية و
تنظيمية تعرقل كل نشاط يريد المواطن أن يتنفس من خلاله، فهي التي تختار و
ترشح ممثلي الشعب، و هي ضد الباعة المتجولين، و ضد من يريد أن يمارس
التجارة أو مهنة حرة، و ضد من يبحث عن وظيفة عمومية، و ضد من يريد أن يكون
نجما في مجال اختصاصه، و ضد من يبيع السجائر، و ضد من يمارس الصحافة أو
يناضل في الأحزاب و الجمعيات، و ضد السائق
و البناء و البطال و الباحث و الإمام و العالم و كل من يتحرك فوق التراب الجزائري.
هذه هي يوميات المواطن و أهم المشاكل التي فجرت الوضع في الجزائر و
على الرئيس بوتفليقة، إذا كان يرغب في البقاء و في إيجاد الحل أن يعجل
باتخاذ الإجراءات التالية :
-حل الحكومة و تبديلها بوجوه جديدة قادرة على التناغم مع انشغالات الشارع.
-محاكمة كل مسؤول سامي متورط في الفساد.
-حل المجالس البلدية و الولائية و البرلمان.
-رفع حالة الطوارئ و فتح المجال السياسي و النقابي و الجمعوي لكل الجزائريين.
[right]المنسق العام للشبكة الجزائرية لحقوق الإنسان
الأستاذ : طمين عبدالله
[/right