الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ...
أسال الله أن يبارك لي ولكم ولبلادنا ولأمة الإسلام في هذا العام الجديد، و أن يجعله عام خير وعز ونصر.
ونسأله أن يجعل من هلال المحرم فاتحة توفيق لهذه الأمة المحمدية.
ولقد جعل الله فاتحة العام شهراً مباركاً تشرع فيه الطاعة والعبادة، وكأنه يعلم عباده أن يستفتحوا كل أمر بطاعته وتقواه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله
المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) [مسلم:1163].
فهذا الحديث صريح الدلالة على تفضيل
الصوم في هذا الشهر المحرم، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من
شعبان أكثر مما يصوم من المحرم، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة منها:
1ـ أنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم بفضله إلا متأخراً ويشهد لذلك قوله: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) ثم لم يدرك عاشوراء القابل.
2ـ أنه كانت تعرض له فيه الأسفار والأشغال .
3ـ
أن المقصود بالفضل في المحرم الفضل المطلق، فأفضل الصيام المطلق صيام
المحرم، وأما صوم شعبان فهو متصل برمضان، فهو منه كالراتبة من الفريضة
وكذلك شوال، ومعلوم أن الرواتب أعظم قدرا من النافلة المطلقة. [لطائف
المعارف:ص82] .
* من أسماء شهر المحرم :
وكانوا يسمون شهر المحرم شهر الله
الأصم لشدة تحريمه. [لطائف:83]. قال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث
عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من
المحرم. [لطائف:84]. وقال قتادة: إن الفجر الذي أقسم الله به في أول
سورة الفجر هو فجر أول يوم من المحرم تنفجر منه السَنة. [فتح
القدير:5/429].
* ومما اختص به شهر الله المحرم يومه العاشر وهو يوم عاشوراء.
وهذا اليوم يوم مبارك معظم منذ القدم.
فاليهود ـ أتباع موسى عليه السلام ـ كانوا يعظمون يوم عاشوراء
ويصومونه ويتخذونه عيداً لهم، ويلبسون فيه نساءهم حليهم واللباس الحسن
الجميل ،، وسر ذلك- عندهم - أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه
السلام من فرعون.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. [البخاري ح 2004 ومسلم ح 1130].
وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم
هذا اليوم، والظاهر أنهم في هذا تبع لليهود، إذ أن كثيراً من شريعة موسى
عليه السلام لم ينسخ بشريعة عيسى بدليل قوله تعالى: وَلاِحِلَّ لَكُم
بَعْضَ الَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]. وتأمل كيف قال: بعض
إشعاراً بأن الكثير من الشرائع ظل كما هو عند موسى عليه السلام، قال ابن
القيم رحمه الله: (ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب
الذي قال الله فيه: وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاْلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء
مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء [الأعراف:145]. ولهذا كانت أمة موسى
أوسع علوماً ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا
بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمته محالون في الأحكام
عليها، والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن
الكتابين) [جلاء الأفهام:103].
وحتى قريش فإنها على وثنيتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه! تقول عائشة رضي الله عنها: (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية) [البخاري ح 2002 ومسلم ح 1129].
وأما سر صيامهم هذا، فلعله مما
ورثوه من الشرع السالف، وقد روى الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال:
(أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك).
* عاشوراء في الأسلام :
حين جاء الإسلام، وهاجر رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً
بنجاة موسى قال: ((أنا أحق بموسى منكم)) فصامه وأمر بصيامه. [متفق عليه].
وكان ذلك في أول السنة الثانية، فكان صيامه واجباً فلما فرض رمضان فوض
الأمر في صومه إلى التطوع ، وإذا علمنا أن صوم رمضان في السنة الثانية
للهجرة تبين لنا أن الأمر بصوم عاشوراء وجوباً لم يقع إلا في عام واحـد، تقول عائشة رضي الله عنها: (فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه ـ أي عاشوراء ـ وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) [البخاري].
* فضائل يوم عاشوراء :
1)
صيامه يكفر السنة الماضية : ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن
صيام عاشوراء فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). تحري
الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم: روى ابن عباس قال: (ما رأيت
النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء)
[البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)) [رواه
الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].
2)
وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه: عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد صيام
رمضان شهر الله المحرم)) ا[لترمذي وقال: حديث حسن].
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم
يصومون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل
النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء
إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً
فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن،
فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [البخاري].
وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء
في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري
يقول: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. [لطائف:121].
* والسنة في صوم هذا اليوم أن يصوم
يوماً قبله أو بعده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى
قابل لأصومن التاسع)) [مسلم ].
وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد ( 2/76) أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب :
1ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها .
2ـ صوم التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث .
3ـ صوم العاشر وحده. ولا يكره ـ على الصحيح ـ إفراد اليوم العاشر بالصوم كما قاله ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص101.
* بدع عاشوراء :
وأما ما ورد في بعض الأحاديث من استحباب الاختضاب والاغتسال والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء فكل ذلك لم يصح منه شيء، قال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء في من وسع على أهله يوم عاشوراء
فلم يره شيئاً. [لطائف:125]. وقال ابن تيمية : لم يرد في ذلك حديث صحيح
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة
المسلمين … ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً … لا صحيحاً ولا
ضعيفاً … ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. [مجموع
الفتاوى:25/299-317]. قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعل الرافضة
لأجل قتل الحسين فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه
يحسن صنعاً، وولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم
مأتماً فكيف بمن هو دونهم. [لطائف:126].
--------------------------------------------
قال تعالى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ...}
وقال تعالى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }
لقد يسر الله لعباده سبل
الخير، وفتح لهم أبواب الرحمة، وأنعم عليهم بمواسم البر والخيرات
واكتساب الأجر والمثوبة، ورتب الأجر الجزيل على العمل اليسير تكرماً
منه وفضلاً ومنَّة على عباده المؤمنين؛ ليستدركوا ما فاتهم ويكفروا عن
سيئاتهم، ومن مواسم الخير والمغفرة "يوم عاشوراء"، وهذه نبذة موجزة في
فضله وتاريخه وأحكامه، نسأل الله أن ينفع بها ويجعلها حجَّة لقارئها
بفضله وكرمه.
فضل شهر الله المحرم
أ ـ
قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ
شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُم..ْ } [التوبة/36].
ب ـ
وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الشهور للصوم بعد صيام
رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم،
وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل" (صحيح مسلم).
قال ابن رجب في "لطائف
المعارف": "وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله عزّ وجل: أنه
إشارة إلى تحريمه إلى الله عز وجل، ليس لأحد تبديله، كما كانت
الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفر، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه،
فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره.
ج ـ
وقد نقل ابن رجب في "لطائف المعارف" أن عثمان النهدي ذكر عن السلف
أنهم "كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر
الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم" اهـ.
د ـ
وقال ابن رجب: "وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم: شهر
الله. وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف
إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب
وغيرهم من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم وسلامه ــ إلى عبوديته، ونسب
إليه بيته وناقته" اهـ.
وـ
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/8/55) :" قوله صلى الله عليه
وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" تصريح بأنه أفضل
الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من
صوم شعبان دون المحرم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
الثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما" اهـ.
عاشوراء وقصته في التاريخ :
أـ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ماهذا؟ قالوا: هذا يوم
صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال:
فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه" (رواه البخاري 1865).
ب ـ
وفي رواية لمسلم: "هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق
فرعون وقومه" وقوله: "فصامه موسى" زاد مسلم في روايته: "شكراً لله
تعالى فنحن نصومه"، وفي رواية للبخاري: "ونحن نصومه تعظيماً له".
ورواه الإمام أحمد بزيادة: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على
الجودي فصامه نوح شكراً". وقوله "وأمر بصيامه" في رواية للبخاري
أيضاً: "فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا".
ج ـ وصيام عاشوراء
كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال
القرطبي: "لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه
السلام". وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه
بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود
يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر
بمخالفتهم في اتخاذه عيداً، كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه
قال: "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً". وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء
تعظمه اليهود وتتخذه عيداً". وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر
(اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (رواه البخاري). لكنه اسم
إسلامي لا يعرف في الجاهلية.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (شارتهم) الشارة: الرواء والمنظر والحسن والزينة.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه: محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
فضل عاشوراء
وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم عاشوراء، أذكر منها:
أـ عن
أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"صيام يـوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفر السنـة التي قبله"
(رواه مسلم:1976).
ب ـ عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء
فقال: "ما علمت (أنَّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب
فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر ــ يعني:
رمــضان ـ" (أخرجه البخــاري"4/215 ــ216 ومسلم:1132).
يخلق الله ما يشاء ويختار
قال عز الدين بن عبدالسلام: "وتفضيل
الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل
ديني، راجع إلى أنَّ الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين،
كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها
راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها" (قواعد الأحكام1/38).
متى هو يوم عاشوراء؟
أ ــ
قال ابن قدامة في المغني (3/174):"عاشوراء هو اليوم العاشر من
المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن).
أيهما أفضل: يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟
أـ قال ابن حجر في "فتح الباري" (4/315): "روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً: "إن يوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين".
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: "إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك كان أفضل" اهـ.
ب ــ وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (م2/ج4/ص293): "فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء.
الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم".
هل كان عاشوراء قبل أن يفرض رمضان واجباً أم مستحباً؟
"اختلف العلماء: هل كان صوم ذلك
اليوم واجباً أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما أنه كان
واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر
النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول (هذا يوم عاشوراء
يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين). ولما كان آخر عمره صلى الله
عليه وسلم، وبلغه أنّ اليهود يتخذونه عيداً، قال: "لئن عشت إلى
قابل لأصومن التاسع"؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً،)
اهـ.[ ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوي" (25/311)]
الحكمة من استحباب صيام اليوم التاسع
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في تعليقه
على حديث "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع": "ما همَّ به من صوم
التاسع يحتمل معناه أن لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر،
إما احتياطاً له، وإمَّا مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح،"(فتح
الباري 4/245).
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في عاشوراء؟
أ ــ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم عاشوراء
في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر
إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: "فمن
شاء صامه، ومن شاء تركه" (رواه البخاري/2002 ومسلم /112 واللفظ
لمسلم).
ب ــ
والنبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون
عاشوراء، وقالوا إنّ موسى صامه، وإنه اليوم الذي نجوا فيه من فرعون
وغرق فرعون، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وقال:
"نحن أحق بموسى منهم" (رواه مسلم).
قال ابن حجر: "وعلى كل فلم
يصمه النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك،
وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه
عنه" (فتح الباري4/291،288).
وقال النووي-رحمه الله- في
شرحه لصحيح مسلم: "قال القاضي عياض: وقد قال بعضهم: يحتمل أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل
الكتاب فصامه...ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما
تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي
أو تواتر أو اجتهاد، لا بمجرد إخبارهم، والله أعلم".
صيام التاسع والعاشر لمن عليه قضاء رمضان
من الأخطاء صيام اليوم التاسع
والعاشر وعليه قضاء رمضان، وهذا خطأ يجب التنبه إليه؛ لأن القضاء
فرض، وصيام اليوم التاسع والعاشر سنة، ولا يجوز تقديم السنة على
الفرض، فمن بقى عليه أيام رمضان وجب صيام ما عليه ثم يشرع بصيام ما
أراد من التطوع المنصوص عليه شرعاً، كيوم عاشوراء والتاسع مثله
مراتب صيام عاشوراء
أ ــ أن يصوم اليوم العاشر ويكون قد صام عاشوراء.
ب ــ أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
وكلما زاد الإنسان الصيام في شهر محرم كان أجره أعظم.
وأما حديث ابن عباس: "صوموا
يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً"
فالحديث ضعيف (ضعيف الجامع الصغير رقم3506).
عدم الاغترار بثواب الصيام
يغتر بعض الناس بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.
قال ابن القيم: " لم يدر هذا
المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة
ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان
إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويان على تكفير الكبائر.
ومن المغرورين من يظن أن
طاعاته أكثر من معاصيه؛ لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد
ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو
يسبح الله في اليوم مئة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم بما
لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمل في فضائل
التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين
والكذّابين والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك محض غرور"
(الموسوعة الفقهية ج31).
هذه نبذة من أحكام شهر الله المحرم ويوم عاشوراء، أسأل الله أن يجعله حجّة لنا لا علينا، والله هو حسبنا وحسيبنا .
المصدر: منتديات توات العربية العالمية - من قسم: الإسلاميات
أسال الله أن يبارك لي ولكم ولبلادنا ولأمة الإسلام في هذا العام الجديد، و أن يجعله عام خير وعز ونصر.
ونسأله أن يجعل من هلال المحرم فاتحة توفيق لهذه الأمة المحمدية.
ولقد جعل الله فاتحة العام شهراً مباركاً تشرع فيه الطاعة والعبادة، وكأنه يعلم عباده أن يستفتحوا كل أمر بطاعته وتقواه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله
المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) [مسلم:1163].
فهذا الحديث صريح الدلالة على تفضيل
الصوم في هذا الشهر المحرم، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من
شعبان أكثر مما يصوم من المحرم، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة منها:
1ـ أنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم بفضله إلا متأخراً ويشهد لذلك قوله: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) ثم لم يدرك عاشوراء القابل.
2ـ أنه كانت تعرض له فيه الأسفار والأشغال .
3ـ
أن المقصود بالفضل في المحرم الفضل المطلق، فأفضل الصيام المطلق صيام
المحرم، وأما صوم شعبان فهو متصل برمضان، فهو منه كالراتبة من الفريضة
وكذلك شوال، ومعلوم أن الرواتب أعظم قدرا من النافلة المطلقة. [لطائف
المعارف:ص82] .
* من أسماء شهر المحرم :
وكانوا يسمون شهر المحرم شهر الله
الأصم لشدة تحريمه. [لطائف:83]. قال أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث
عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من
المحرم. [لطائف:84]. وقال قتادة: إن الفجر الذي أقسم الله به في أول
سورة الفجر هو فجر أول يوم من المحرم تنفجر منه السَنة. [فتح
القدير:5/429].
* ومما اختص به شهر الله المحرم يومه العاشر وهو يوم عاشوراء.
وهذا اليوم يوم مبارك معظم منذ القدم.
فاليهود ـ أتباع موسى عليه السلام ـ كانوا يعظمون يوم عاشوراء
ويصومونه ويتخذونه عيداً لهم، ويلبسون فيه نساءهم حليهم واللباس الحسن
الجميل ،، وسر ذلك- عندهم - أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه
السلام من فرعون.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. [البخاري ح 2004 ومسلم ح 1130].
وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم
هذا اليوم، والظاهر أنهم في هذا تبع لليهود، إذ أن كثيراً من شريعة موسى
عليه السلام لم ينسخ بشريعة عيسى بدليل قوله تعالى: وَلاِحِلَّ لَكُم
بَعْضَ الَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]. وتأمل كيف قال: بعض
إشعاراً بأن الكثير من الشرائع ظل كما هو عند موسى عليه السلام، قال ابن
القيم رحمه الله: (ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب
الذي قال الله فيه: وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الاْلْوَاحِ مِن كُلّ شَىْء
مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء [الأعراف:145]. ولهذا كانت أمة موسى
أوسع علوماً ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا
بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمته محالون في الأحكام
عليها، والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن
الكتابين) [جلاء الأفهام:103].
وحتى قريش فإنها على وثنيتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه! تقول عائشة رضي الله عنها: (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية) [البخاري ح 2002 ومسلم ح 1129].
وأما سر صيامهم هذا، فلعله مما
ورثوه من الشرع السالف، وقد روى الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال:
(أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك).
* عاشوراء في الأسلام :
حين جاء الإسلام، وهاجر رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحاً
بنجاة موسى قال: ((أنا أحق بموسى منكم)) فصامه وأمر بصيامه. [متفق عليه].
وكان ذلك في أول السنة الثانية، فكان صيامه واجباً فلما فرض رمضان فوض
الأمر في صومه إلى التطوع ، وإذا علمنا أن صوم رمضان في السنة الثانية
للهجرة تبين لنا أن الأمر بصوم عاشوراء وجوباً لم يقع إلا في عام واحـد، تقول عائشة رضي الله عنها: (فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه ـ أي عاشوراء ـ وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) [البخاري].
* فضائل يوم عاشوراء :
1)
صيامه يكفر السنة الماضية : ففي صحيح مسلم أن رجلا سأل رسول الله عن
صيام عاشوراء فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). تحري
الرسول صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم: روى ابن عباس قال: (ما رأيت
النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء)
[البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء)) [رواه
الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].
2)
وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه: عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد صيام
رمضان شهر الله المحرم)) ا[لترمذي وقال: حديث حسن].
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم
يصومون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل
النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء
إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً
فليصم)) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن،
فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. [البخاري].
وكان بعض السلف يصومون يوم عاشوراء
في السفر، ومنهم ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري
يقول: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. [لطائف:121].
* والسنة في صوم هذا اليوم أن يصوم
يوماً قبله أو بعده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى
قابل لأصومن التاسع)) [مسلم ].
وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد ( 2/76) أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب :
1ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها .
2ـ صوم التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث .
3ـ صوم العاشر وحده. ولا يكره ـ على الصحيح ـ إفراد اليوم العاشر بالصوم كما قاله ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات ص101.
* بدع عاشوراء :
وأما ما ورد في بعض الأحاديث من استحباب الاختضاب والاغتسال والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء فكل ذلك لم يصح منه شيء، قال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء في من وسع على أهله يوم عاشوراء
فلم يره شيئاً. [لطائف:125]. وقال ابن تيمية : لم يرد في ذلك حديث صحيح
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة
المسلمين … ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً … لا صحيحاً ولا
ضعيفاً … ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. [مجموع
الفتاوى:25/299-317]. قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعل الرافضة
لأجل قتل الحسين فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه
يحسن صنعاً، وولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم
مأتماً فكيف بمن هو دونهم. [لطائف:126].
--------------------------------------------
قال تعالى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ...}
وقال تعالى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }
لقد يسر الله لعباده سبل
الخير، وفتح لهم أبواب الرحمة، وأنعم عليهم بمواسم البر والخيرات
واكتساب الأجر والمثوبة، ورتب الأجر الجزيل على العمل اليسير تكرماً
منه وفضلاً ومنَّة على عباده المؤمنين؛ ليستدركوا ما فاتهم ويكفروا عن
سيئاتهم، ومن مواسم الخير والمغفرة "يوم عاشوراء"، وهذه نبذة موجزة في
فضله وتاريخه وأحكامه، نسأل الله أن ينفع بها ويجعلها حجَّة لقارئها
بفضله وكرمه.
فضل شهر الله المحرم
أ ـ
قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ
شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُم..ْ } [التوبة/36].
ب ـ
وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الشهور للصوم بعد صيام
رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم،
وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل" (صحيح مسلم).
قال ابن رجب في "لطائف
المعارف": "وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله عزّ وجل: أنه
إشارة إلى تحريمه إلى الله عز وجل، ليس لأحد تبديله، كما كانت
الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفر، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه،
فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره.
ج ـ
وقد نقل ابن رجب في "لطائف المعارف" أن عثمان النهدي ذكر عن السلف
أنهم "كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر
الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم" اهـ.
د ـ
وقال ابن رجب: "وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم: شهر
الله. وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف
إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب
وغيرهم من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم وسلامه ــ إلى عبوديته، ونسب
إليه بيته وناقته" اهـ.
وـ
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/8/55) :" قوله صلى الله عليه
وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" تصريح بأنه أفضل
الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من
صوم شعبان دون المحرم، وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما علم فضله في آخر حياته.
الثاني: لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما" اهـ.
عاشوراء وقصته في التاريخ :
أـ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ماهذا؟ قالوا: هذا يوم
صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال:
فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه" (رواه البخاري 1865).
ب ـ
وفي رواية لمسلم: "هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق
فرعون وقومه" وقوله: "فصامه موسى" زاد مسلم في روايته: "شكراً لله
تعالى فنحن نصومه"، وفي رواية للبخاري: "ونحن نصومه تعظيماً له".
ورواه الإمام أحمد بزيادة: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على
الجودي فصامه نوح شكراً". وقوله "وأمر بصيامه" في رواية للبخاري
أيضاً: "فقال لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا".
ج ـ وصيام عاشوراء
كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية، فقد ثبت
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه". قال
القرطبي: "لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه
السلام". وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه
بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود
يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدم في الحديث، وأمر
بمخالفتهم في اتخاذه عيداً، كما جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه
قال: "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً". وفي رواية مسلم: "كان يوم عاشوراء
تعظمه اليهود وتتخذه عيداً". وفي رواية له أيضاً: "كان أهل خيبر
(اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" (رواه البخاري). لكنه اسم
إسلامي لا يعرف في الجاهلية.
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (شارتهم) الشارة: الرواء والمنظر والحسن والزينة.
وظاهر هذا أن الباعث على الأمر بصومه: محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
فضل عاشوراء
وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم عاشوراء، أذكر منها:
أـ عن
أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"صيام يـوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفر السنـة التي قبله"
(رواه مسلم:1976).
ب ـ عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء
فقال: "ما علمت (أنَّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب
فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر ــ يعني:
رمــضان ـ" (أخرجه البخــاري"4/215 ــ216 ومسلم:1132).
يخلق الله ما يشاء ويختار
قال عز الدين بن عبدالسلام: "وتفضيل
الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل
ديني، راجع إلى أنَّ الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين،
كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها
راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها" (قواعد الأحكام1/38).
متى هو يوم عاشوراء؟
أ ــ
قال ابن قدامة في المغني (3/174):"عاشوراء هو اليوم العاشر من
المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن).
أيهما أفضل: يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟
أـ قال ابن حجر في "فتح الباري" (4/315): "روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً: "إن يوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين".
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: "إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك كان أفضل" اهـ.
ب ــ وقال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (م2/ج4/ص293): "فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء.
الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم".
هل كان عاشوراء قبل أن يفرض رمضان واجباً أم مستحباً؟
"اختلف العلماء: هل كان صوم ذلك
اليوم واجباً أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما أنه كان
واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر
النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول (هذا يوم عاشوراء
يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين). ولما كان آخر عمره صلى الله
عليه وسلم، وبلغه أنّ اليهود يتخذونه عيداً، قال: "لئن عشت إلى
قابل لأصومن التاسع"؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً،)
اهـ.[ ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوي" (25/311)]
الحكمة من استحباب صيام اليوم التاسع
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في تعليقه
على حديث "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع": "ما همَّ به من صوم
التاسع يحتمل معناه أن لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر،
إما احتياطاً له، وإمَّا مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح،"(فتح
الباري 4/245).
أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في عاشوراء؟
أ ــ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم عاشوراء
في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر
إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: "فمن
شاء صامه، ومن شاء تركه" (رواه البخاري/2002 ومسلم /112 واللفظ
لمسلم).
ب ــ
والنبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون
عاشوراء، وقالوا إنّ موسى صامه، وإنه اليوم الذي نجوا فيه من فرعون
وغرق فرعون، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، وقال:
"نحن أحق بموسى منهم" (رواه مسلم).
قال ابن حجر: "وعلى كل فلم
يصمه النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك،
وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه
عنه" (فتح الباري4/291،288).
وقال النووي-رحمه الله- في
شرحه لصحيح مسلم: "قال القاضي عياض: وقد قال بعضهم: يحتمل أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل
الكتاب فصامه...ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما
تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي
أو تواتر أو اجتهاد، لا بمجرد إخبارهم، والله أعلم".
صيام التاسع والعاشر لمن عليه قضاء رمضان
من الأخطاء صيام اليوم التاسع
والعاشر وعليه قضاء رمضان، وهذا خطأ يجب التنبه إليه؛ لأن القضاء
فرض، وصيام اليوم التاسع والعاشر سنة، ولا يجوز تقديم السنة على
الفرض، فمن بقى عليه أيام رمضان وجب صيام ما عليه ثم يشرع بصيام ما
أراد من التطوع المنصوص عليه شرعاً، كيوم عاشوراء والتاسع مثله
مراتب صيام عاشوراء
أ ــ أن يصوم اليوم العاشر ويكون قد صام عاشوراء.
ب ــ أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.
وكلما زاد الإنسان الصيام في شهر محرم كان أجره أعظم.
وأما حديث ابن عباس: "صوموا
يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً وبعده يوماً"
فالحديث ضعيف (ضعيف الجامع الصغير رقم3506).
عدم الاغترار بثواب الصيام
يغتر بعض الناس بالاعتماد على مثل صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة، حتى يقول بعضهم: صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.
قال ابن القيم: " لم يدر هذا
المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجلّ من صيام يوم عرفة
ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان
إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويان على تكفير الكبائر.
ومن المغرورين من يظن أن
طاعاته أكثر من معاصيه؛ لأنه لا يحاسب نفسه على سيئاته، ولا يتفقد
ذنوبه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو
يسبح الله في اليوم مئة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم بما
لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبداً يتأمل في فضائل
التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين
والكذّابين والنمّامين، إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك محض غرور"
(الموسوعة الفقهية ج31).
هذه نبذة من أحكام شهر الله المحرم ويوم عاشوراء، أسأل الله أن يجعله حجّة لنا لا علينا، والله هو حسبنا وحسيبنا .
المصدر: منتديات توات العربية العالمية - من قسم: الإسلاميات