إبطالُ نسبة قصيدة :
دع الأيام تفعل ما تشاء = وطب نفساً إذا حكم القضاء
عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي
رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عبده المجتبى ، وخليله المصطفى ، وعلى آله وأصحابه ومن لنهجهم اقتفى .
أما بعد .
فمن منا لم يسمع بتلكم الأبيات المشهورة التي تنسب إلى الإمام الكبير محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة ؟
وهي :
دع الأيام تفعل ما تشاء = وطب نفساً إذا حكم القضاء
عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي
رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عبده المجتبى ، وخليله المصطفى ، وعلى آله وأصحابه ومن لنهجهم اقتفى .
أما بعد .
فمن منا لم يسمع بتلكم الأبيات المشهورة التي تنسب إلى الإمام الكبير محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة ؟
وهي :
doPoem(0)
دع الأيــــام تـفـعــل مـــــا تــشـــاء وطـب نفسـاً إذا حكـم القضـاء |
ولا تـــجـــزع لــحــادثــه الـلــيــالــي فــمـــا لـــحـــوادث الــدنــيــا بـــقـــاء |
وكن رجلاً عن الأهـوال جلـداً وشـيـمـتــك الـسـمـاحــة والـــوفـــاء |
وأن كثـرت عيوبـك فـي البرايـا وسَــرَّك أنْ يـكـون لـهـا غـطــاء |
تـسـتـر بالـسـخـاء فـكــل عــيــبٍ يـغـطـيــه كــمـــا قــيـــل الــســخــاء |
ولا تـــــرى لــلأعـــادي قـــــط ذلاً فـــــإن شـمــاتــه الأعــــــدا بــــــلاء |
ولا تــرج السمـاحـة مــن بخـيـل فـمـا فــي الـنــار للـظـمـآن مـــاء |
ورزقــك لـيـس ينـقـصـه الـتـأنـي وليس يزيـد فـي الـرزق العنـاء |
ولا حــــــزن يــــــدوم ولا ســــــرور ولا بــــــؤس عــلــيــك ولا رخــــــاء |
إذا مــــا كــنــت ذا قــلــب قــنـــوعٍ فــأنــت ومــالـــك الـدنــيــا ســـــواء |
ومـــن نـزلــت بسـاحـتـه المـنـايـا فــــــلا أرض تــقــيــه ولا ســـمـــاء |
وأرض الله واســـــعــــــة ولـــــكــــــن إذا نزل القضا ضاق الفضاء |
دع الأيـــام تــغــدر كــــل حــيــن فمـا يغنـي عـن المـوت الــدواء |
ومع أنَّ في هذه الأبيات ما هو جميل وبديع ، إلا أنَّ فيها ما هو مخالف للشرع .
جاء في أول أبيات هذه القصيدة إسناد الفعلِ والمشيئة إلى الأيام ، وهي في حقيقتها لا فعل لها ولا مشيئة ، وإنما الذي يفعل ما يشاء هو الله سبحانه وتعالى ، ويعني قائل تلك الأبيات - بلا شك - فِعلَ ما يُسيء ويَقْبُحُ ، كما هو واضح
وخاتمة هذه القصيدة : دع الأيام تغِدر كل حين .............
وفي هذا وصم للأيام بالغدر !! .
ومما هو ثابت في الشرع حرمة ذلك ، إذ فيه نسبةُ السوء لمن لا يوصفُ بفعل ما يُذم به ، أو يمدحُ عليه ، وفي نسبة ذلك إلى الأيام – وهي الدهر - تقرير ممن صدر منه الذم أو المدح ، أنها تضر وتنفع ، وهو شرك ، وإلا فهو سَبٌ يؤذي الله سبحانه ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
فالله سبحانه هو مقلب الليل والنهار ، المعطي المانع ، الخافض الرافع ، المعز المذل .
أخرج البخاري في صحيحه ( 8 /574 رقم 4826 مع الفتح ) ومسلم ( 4/1762 ) وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يَسُبُّ الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أُقلب الليل والنهار )) .
وهذه الأبيات مذكورة في ديوان الإمام الشافعي المطبوع ، جمع وتعليق محمد عفيف الزعبي ص (15ـ17) وأحال إلى جواهر الأدب للهاشمي (2/426) وهي في الجواهر طبعة دار الفكر ص (665) ، ولعل الهاشمي استقاها من خزانة الأدب للبغدادي ، فقد أوردها فيها ، كما أفاد بعض الكُتّاب ، وليست الخزانة تحت يديّ لأُطالعها ، ولم أجد الأبيات مسنـدةً بعد بحثٍ ، وكذا لم يذكرها :
ابنُ أبي حاتم في كتاب : آداب الشافعي ومناقبه .
والبيهقيُّ في كتاب : مناقب الشافعي .
والحافظ ابن حجر في كتاب : توالي التأنيس
وكم من قصيدة أو بيت نُسب إلى شخص ، ولم ينطق بحرف واحد منه ، وإن كان الأمر في هذا سهلاً ، غير أنه إذا تعلق بنسبةِ أمر لا يحسن نسبته لشخص ، عقيدة أو أخلاقاً ، أونحو ذلك ، فلا بد من تبيين ما هو حق ، وبالأخص إذا كان من نسب إليه ذلك القول إمامٌ من الأئمة الأجلاء .
ومما ينبغي أن يشار إليه ، أنَّ في ديوان الإمام الشافعي المطبوع ، بعضَ ما يجب النظر في نسبته إليه ، لبعد أنْ يصدر ممن هو دون الإمام ، فضلاً أن يصدر عنه .
ومن أمثلة ذلك :
ما جاء فيه ص ( 43 ، 44 ) وهو معزو لأبي نعيم في حلية الأولياء ( 9/131 ) :
doPoem(0)
عـــلـــيَّ ثـــيـــاب لـــــــو تـــبــــاعُ جـمـيـعــهــا بـفَــلْــسٍ لــكـــان الـفَــلْــسُ مـنــهــنَّ أكـــثـــرا |
وفـيـهــنَّ نــفـــسٌ لـــــو تُــقـــاسُ بـبـعـضـهـا نـفــوس الـــورى كـانــت أََجَــــلَّ وأكــبــرا |
وما ضَرَّ نَصلَ السيف إخلاقُ غِمْدِه إذا كــان عَضْـبـاً حـيـثُ وجَّـهـتَـهُ فـــرى |
فـــــــإنْ تـــكــــنِ الأيــــــــامُ أزْرَتْ بــبـــزتـــي فـكـم مـــن حـســام فـــي غـــلاف تـكـسّـرا |
وسندها في الحلية ضعيف إلى الشافعي ، فيه إبهام لبعض رواته .
وحاشا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، أن يتفوه بمثل هذا القول ، وأخصُّ البيت الثاني ، فإن قائله قد جعل بعض نفسه أجلَّ وأكبرَ من نفوس الورى !!
وفي الحلية : لو يقاس بمثلها ، بدل : ببعضها .
والبيت الرابع يتسق مع ما سبق في الأبيات من ذمِّ الأيام .
جاء في اللسان (14 /356) عن ابن سيده : أزرى به بالألف إزراءً : قصّرَ به وحقره وهوّنه .
وقوله : ببزتي ، أي : بثيابي .
ومما أسنده البيهقيُّ في المناقب (2/84،83) من شعر الإمام الشافعي ـ وهو في ديوانه المطبوع ص (82) مُقْتَصِراً على بعض مافي المناقب من أبيات ـ مما يخالف تلكمُ الأبيات المنسوبة إليه قوله :
doPoem(0)
نـعـيـب زمـانـنـا والـعـيـبُ فـيـنــا ومــــا لـزمـانـنـا عــيـــبٌ ســوانـــا |
وقد نَهْجوا الزمان بغير جُرْمٍ ولو نَطَـقَ الزمـانُ بـه هَجانـا |
وذكر باقي الأبيات .
وفي سندها من الرواة مَنْ لم أجده ، وقد نُسبتْ هذه الأبياتُ لأبي العباس محمد بن شادل الهاشمي ، أسندها عنه البيهقي في الزهد الكبير ص (124) .
ومما ينبغي التنبيه عليه والتحذير منه :
أنَّ كثيراً من الشعراء قديماً وحديثاً قد وقعوا في هذه المخالفة .
وكثير منهم يجهل أن ذلك محرم ، ولعلَّ بعضهم يظنَّ أنَّ المنهي عنه هو ذمُ الدهر فقط دون لفظ : الزمان والعمر ، وكذا بعض أجزاء الدهر : كالليالي والأيام وساعاتهما ، والأسابيع والشهور والسنين .
وهذا من الجهل بالشرع ولا حول ولا قوة إلا بالله !!
وكم سمعنا مَنْ يسب شخصاً بلعنه للساعة أو اليوم الذي تعَرَّفَ عليه أو رآه فيه !!
وما أشبه هذه الألفاظ التي هي سَبٌ لله سبحانه وتعالى وإيذاء له ، يجب على المسلم أن يتجنبها ويحذرها .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ويجعلنا ممن حفظ لسانه عما يسخطه سبحانه فسلم وغنم ، والحمد لله رب العالمين .
للمرور
