صُحبة الأخيار مَغْنَم ومَرْبَح ..
وصُحبة الأشرار مَغْرَم وخُسْران ..
ويكون ذلك في أوضح صُوَرِه في الآخرة .. حيث تَنْقَلِب صُحبة الأشرار وخُلّتهم إلى عداوة (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) .
وتَشْتدّ مُناشَدة المؤمنين لِربّهم شفاعة في حقّ إخوانهم ..
وفي الحديث : حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، َيَحُجُّونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ .. الحديث . رواه البخاري ومسلم .
وفي مُقابِل هذه الشفاعة بين المؤمنين بعضهم لِبعض .. يَقِف الأشرار يتلاعنون .. ويُلقي بعضهم باللائمة على بعض .. في مَشْهَد كلّه عِبَر وعِظات .. (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ..
الموضوع الأصلى من هنا قبل أن تقول : يا ليتني كنت معهم | من موقع : منتديات المعهد العربي
وفي مشهَد آخر لِلّوم والـنَّدَم والتلاعن بين الأشرار .. (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ) .
وفي مشْهَد ثالث .. بعد أن تَدَارَك الجميع في دَرَكات النار ، وتساوى السَّادَة بالأتْبَاع .. وتتابَعَت الأُمَم في النار .. وأيسُوا مِن الخروج منها (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ..
وتتابَع الْمَشَاهِد ، وتتكرر المواقِف .. تملؤها الحسرة ، وتَنْضَح بالـنَّدَم ..
ففي مَشْهَد رابع .. يَتَحَاجّ أهل النار .. فيتساءل الأتْبَاع ، ويَسْألون السَّادَة : أمُغْنون عنهم مِن عذاب الله مِن شيء ؟!
(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) .
لأجل ذلك وغيره جاء الأمْر بِصُحبة الأخيار والتحذير مِن صُحبة الأشرار .. فإن الظَّالِم يَعضّ على كِلتا يَديه حسْرَة ونَدَامة (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً) .
وجاء الأمْر تِلْو الأمْر بأن يكون الإنسان مع الأخيار ، وأن يَتَّصِف بِصِفَاتِهم ..
فَجَاء الإعلام بأن الله مع المتّقين (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، وأنه مع المحسنين (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ، وفيه الإشارة إلى الأمْر بِأن نكون مع المتّقين .. لأن " مَن كان الله مَعه لم يَغلبه شيء ؛ لأن الله مع مَن اتَّـقَاه فَخَافَه وأطاعه فِيمَا كَلَّفَه مِن أمْرِه ونَهْيه " ، كما قال ابن جرير في التفسير .
وسَبَق الأمْر إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بأن يكون مع الشاكرين ، فقال الله تعالى له : (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
وقيل لِنبينا صلى الله عليه وسلم : (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
وقيل للمؤمنين عموما : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ..
فَمَن كان مع الصادقين ، وكان مِن الشاكرين ، فهو (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) ؛ لأن تِلك مِن صِفات الأنبياء والصّدّيقين والشهداء والصالحين ، إذ الْجَميع صَدَقوا مع الله ، وشكَرُوا نِعَم الله ..
فَكُونُوا معهم ، وكُونُوا مِثلهم ..
فإن صُحبة الأخيار تنفَع وتَشْفَع ..
وبالأخيار أُمْرِنا أن نقتدي (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
وإن صُحبة الأشرار تَضُرّ وتُعْدِي وتُؤذِي !
قال سعيد بن المسيب : وَضَع عُمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثمانية عشر كلمة ، كلها حِكَم ، قال :
ما كافأت مَن يَعْصي الله فيك بِمِثل أن تُطيع الله فيه .
و ضَعْ أمْر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يَغلبك .
و لا تَظُنّن بِكَلمة خَرَجت مِن مُسْلم شَرًّا وأنت تَجِد لها في الخير مَحْمَلا .
و مَن تَعَرض للتّهمة فلا يَلومن مَن أساء به الظن .
و مَن كَتَم سِرّه كانت الخيرة في يديه .
و عليك بإخوان الصِّدق ، فَعِش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعُدّة في البلاء .
و عليك بِالصِّدْق وإن قَتَلك الصِّدْق .
و لا تَعرض لِمَا لا يَعنيك .
و لا تسأل عما لم يكن ، فإن فيما كان شُغلا عَمّا لم يكن .
و لا تَطلبن حاجتك إلى مَن لا يُحب لك نجاحها .
و لا تَصْحَبَنّ الفَاجِر ، فَتَعَلَّم فُجُوره .و اعْتزل عَدوك .
واحْذر صديقك إلاَّ الأمين ، ولا أمين إلاَّ مَن خَشي الله .
و تَخَشّع عند القول .
وذُلّ عند الطاعة .
واعتصم عند المعصية .
[وَلَا تَهَاوَنْ بِالْحَلِفِ فَيُهِينَكَ اللهُ]
واسْتَشِر في أمْرك الذين يَخشون الله ، فإن الله يقول : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " والبيهقي في " الشُّعَب " بِنحوه ، وما بين المعكوفتين زيادة مِن " الشُّعب " .
فَكُنُ مِن الشاكرين ومعهم
وكُن مع الصادقين ومنهم
وكُن مِن المتّقين ومعهم ..
قبل (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .
أوْ تَقول نفس تَخَلّفَت عن ركْب الْمُتّـقِين : (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. وذلك حينما تَرَى ما فاز به المتّقون ، فَتَتَمَنَّى على الله الأماني ..
وصُحبة الأشرار مَغْرَم وخُسْران ..
ويكون ذلك في أوضح صُوَرِه في الآخرة .. حيث تَنْقَلِب صُحبة الأشرار وخُلّتهم إلى عداوة (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) .
وتَشْتدّ مُناشَدة المؤمنين لِربّهم شفاعة في حقّ إخوانهم ..
وفي الحديث : حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، يَقُولُونَ : رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ، وَيُصَلُّونَ ، َيَحُجُّونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ .. الحديث . رواه البخاري ومسلم .
وفي مُقابِل هذه الشفاعة بين المؤمنين بعضهم لِبعض .. يَقِف الأشرار يتلاعنون .. ويُلقي بعضهم باللائمة على بعض .. في مَشْهَد كلّه عِبَر وعِظات .. (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ..
الموضوع الأصلى من هنا قبل أن تقول : يا ليتني كنت معهم | من موقع : منتديات المعهد العربي
وفي مشهَد آخر لِلّوم والـنَّدَم والتلاعن بين الأشرار .. (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ) .
وفي مشْهَد ثالث .. بعد أن تَدَارَك الجميع في دَرَكات النار ، وتساوى السَّادَة بالأتْبَاع .. وتتابَعَت الأُمَم في النار .. وأيسُوا مِن الخروج منها (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ..
وتتابَع الْمَشَاهِد ، وتتكرر المواقِف .. تملؤها الحسرة ، وتَنْضَح بالـنَّدَم ..
ففي مَشْهَد رابع .. يَتَحَاجّ أهل النار .. فيتساءل الأتْبَاع ، ويَسْألون السَّادَة : أمُغْنون عنهم مِن عذاب الله مِن شيء ؟!
(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) .
لأجل ذلك وغيره جاء الأمْر بِصُحبة الأخيار والتحذير مِن صُحبة الأشرار .. فإن الظَّالِم يَعضّ على كِلتا يَديه حسْرَة ونَدَامة (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً) .
وجاء الأمْر تِلْو الأمْر بأن يكون الإنسان مع الأخيار ، وأن يَتَّصِف بِصِفَاتِهم ..
فَجَاء الإعلام بأن الله مع المتّقين (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، وأنه مع المحسنين (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ، وفيه الإشارة إلى الأمْر بِأن نكون مع المتّقين .. لأن " مَن كان الله مَعه لم يَغلبه شيء ؛ لأن الله مع مَن اتَّـقَاه فَخَافَه وأطاعه فِيمَا كَلَّفَه مِن أمْرِه ونَهْيه " ، كما قال ابن جرير في التفسير .
وسَبَق الأمْر إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بأن يكون مع الشاكرين ، فقال الله تعالى له : (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
وقيل لِنبينا صلى الله عليه وسلم : (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
وقيل للمؤمنين عموما : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ..
فَمَن كان مع الصادقين ، وكان مِن الشاكرين ، فهو (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) ؛ لأن تِلك مِن صِفات الأنبياء والصّدّيقين والشهداء والصالحين ، إذ الْجَميع صَدَقوا مع الله ، وشكَرُوا نِعَم الله ..
فَكُونُوا معهم ، وكُونُوا مِثلهم ..
فإن صُحبة الأخيار تنفَع وتَشْفَع ..
وبالأخيار أُمْرِنا أن نقتدي (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
وإن صُحبة الأشرار تَضُرّ وتُعْدِي وتُؤذِي !
قال سعيد بن المسيب : وَضَع عُمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثمانية عشر كلمة ، كلها حِكَم ، قال :
ما كافأت مَن يَعْصي الله فيك بِمِثل أن تُطيع الله فيه .
و ضَعْ أمْر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يَغلبك .
و لا تَظُنّن بِكَلمة خَرَجت مِن مُسْلم شَرًّا وأنت تَجِد لها في الخير مَحْمَلا .
و مَن تَعَرض للتّهمة فلا يَلومن مَن أساء به الظن .
و مَن كَتَم سِرّه كانت الخيرة في يديه .
و عليك بإخوان الصِّدق ، فَعِش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعُدّة في البلاء .
و عليك بِالصِّدْق وإن قَتَلك الصِّدْق .
و لا تَعرض لِمَا لا يَعنيك .
و لا تسأل عما لم يكن ، فإن فيما كان شُغلا عَمّا لم يكن .
و لا تَطلبن حاجتك إلى مَن لا يُحب لك نجاحها .
و لا تَصْحَبَنّ الفَاجِر ، فَتَعَلَّم فُجُوره .و اعْتزل عَدوك .
واحْذر صديقك إلاَّ الأمين ، ولا أمين إلاَّ مَن خَشي الله .
و تَخَشّع عند القول .
وذُلّ عند الطاعة .
واعتصم عند المعصية .
[وَلَا تَهَاوَنْ بِالْحَلِفِ فَيُهِينَكَ اللهُ]
واسْتَشِر في أمْرك الذين يَخشون الله ، فإن الله يقول : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " والبيهقي في " الشُّعَب " بِنحوه ، وما بين المعكوفتين زيادة مِن " الشُّعب " .
فَكُنُ مِن الشاكرين ومعهم
وكُن مع الصادقين ومنهم
وكُن مِن المتّقين ومعهم ..
قبل (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .
أوْ تَقول نفس تَخَلّفَت عن ركْب الْمُتّـقِين : (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. وذلك حينما تَرَى ما فاز به المتّقون ، فَتَتَمَنَّى على الله الأماني ..