يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبد الله سمك: نعم عذاب القبر
صحيح قَالَ تعالى : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ،
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }.وَقَالَ
تعالى : { فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ
يُصْعَقُونَ، يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ، وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } .وَهَذَا يُحْتَمَلُ
أَنْ يُرَادَ به عَذَابُهُمْ بِالْقَتْلِ وغيره في الدُّنْيَا، وَأَنْ
يُرَادَ به عَذَابُهُمْ في الْبَرْزَخِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ
كَثِيرًا مِنْهُمْ مَاتَ وَلَمْ يُعَذَّبْ في الدُّنْيَا، أَوِ الْمُرَادُ
أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ .وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله
عنه، قَالَ : « كُنَّا في جِنَازَة في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَه، كَأَنَّ
على رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَهُوَ يُلْحَدُ له، فَقَالَ : " أعُوذُ بالله
مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ "، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ
الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ في إِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَة
وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، نَزَلَتْ إليه الْمَلَائِكَة، كَأَنَّ على
وُجُوهِهِمُ الشَّمْسَ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّة،
وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّة، فَجَلَسُوا منه مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ
يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِه، فَيَقُولُ : يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَة، اخْرُجِي إلى مَغْفِرَة مِنَ الله
وَرِضْوَانٍ "،قَالَ : " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ
الْقَطْرَة مِنْ في السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ
يَدَعُوهَا في يَدِه طَرْفَة عَيْنٍ، حتى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا في
ذَلِكَ الْكَفَنِ وَذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَتَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ
نَفْحَة مِسْكٍ وُجِدَتْ على وَجْه الْأَرْضِ "، قَالَ : " فَيَصْعَدُونَ
بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا، - يعني على مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَة -،
إِلَّا قَالُوا : مَا هذه الرُّوحُ الطَّيِّبَة ؟ فَيَقُولُونَ : فُلَانُ
ابْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِه التي كَانُوا يُسَمُّونَه بِهَا في
الدُّنْيَا، حتى يَنْتَهُوا بِهَا إلى السَّمَاءِ، فَيَسْتَفْتِحُونَ له،
فَيُفْتَحُ له، فَيُشَيِّعُه مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا، إلى
السَّمَاءِ التي تَلِيهَا، حتى يُنْتَهَى بِهَا إلى السَّمَاءِ التي فيها
الله .فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي
في عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوه إلى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا
خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَة أخرى
. قَالَ : فَتُعَادُ رُوحُه في جَسَدِه، فَيَأْتِيه مَلَكَانِ،
فَيُجْلِسَانِه، فَيَقُولَانِ له : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّي
الله، فَيَقُولَانِ له : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِي الْإِسْلَامُ،
فَيَقُولَانِ له : مَا هَذَا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ :
هُوَ رَسُولُ الله، فَيَقُولَانِ له : مَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ :
قَرَأْتُ كِتَابَ الله فَآمَنْتُ به وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ
السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوه مِنَ الْجَنَّة،
وَافْتَحُوا له بَابًا إلى الْجَنَّة، قَالَ : فَيَأْتِيه مِنْ رَوْحِهَا
وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ له في قَبْرِه مَدَّ بَصَرِه، قَالَ : وَيَأْتِيه
رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْه، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ
: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الذي كُنْتَ تُوعَدُ،
فَيَقُولُ له : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْه الذي يَجِيءُ
بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ : يَا
رَبُّ، أَقِمِ السَّاعَة حتى أَرْجِعَ إلى أَهْلِي وَمَالِي " .وَقَدْ
تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ في
ثُبُوتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِه لِمَنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا،
وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ ثُبُوتِ ذَلِكَ
وَالْإِيمَانُ به، وَلَا يَتَكَلَّمُ في كَيْفِيَّتِه، إِذْ لَيْسَ
لِلْعَقْلِ وُقُوفٌ على كَيْفِيَّتِه، لِكَوْنِه لَا عَهْدَ له به في هذه
الدَّارِ، وَالشَّرْعُ لَا يأتي بِمَا تُحِيلُه الْعُقُولُ، وَلَكِنَّه
قَدْ يأتي بِمَا تَحَارُ فيه الْعُقُولُ . فَإِنَّ عَوْدَ الرُّوحِ إلى
الْجَسَدِ لَيْسَ على الْوَجْه الْمَعْهُودِ في الدُّنْيَا، بَلْ تُعَادُ
الرُّوحُ إليه إِعَادَة غَيْرَ الْإِعَادَة الْمَأْلُوفَة في الدُّنْيَا .فَالرُّوحُ لَهَا بِالْبَدَنِ خَمْسَة أَنْوَاعٍ مِنَ التَّعَلُّقِ، مُتَغَايِرَة الْأَحْكَامِ :
أَحَدُهَا : تَعَلُّقُهَا به في بَطْنِ الْأُمِّ جَنِينًا .
الثاني : تَعَلُّقُهَا به بَعْدَ خُرُوجِه إلى وَجْه الْأَرْضِ .
الثَّالِثُ : تَعَلُّقُهَا به في حَالِ النَّوْمِ، فَلَهَا به تَعَلُّقٌ مِنْ وَجْه، وَمُفَارَقَة مِنْ وَجْه .
الرَّابِعُ : تَعَلُّقُهَا به في الْبَرْزَخِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ
فَارَقَتْه وَتَجَرَّدَتْ عنه فَإِنَّهَا لَمْ تُفَارِقْه فِرَاقًا
كُلِّيًّا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا إليه الْتِفَاتٌ أَلْبَتَّة، فإنه
وَرَدَ رَدُّهَا إليه وَقْتَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ، وَوَرَدَ أنه يَسْمَعُ
خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عنه، وَهَذَا الرَّدُّ إِعَادَة
خَاصَّة، لَا يُوجِبُ حَيَاة الْبَدَنِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة .
الْخَامِسُ : تَعَلُّقُهَا به يَوْمَ بَعْثِ الْأَجْسَادِ، وَهُوَ
أَكْمَلُ أَنْوَاعِ تَعَلُّقِهَا بِالْبَدَنِ، وَلَا نِسْبَة لِمَا قبله
مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَلُّقِ إليه، إِذْ هُوَ تَعَلُّقٌ لَا يَقْبَلُ
الْبَدَنُ معه مَوْتًا وَلَا نَوْمًا وَلَا فَسَادًا، فَالنَّوْمُ أَخُو
الْمَوْتِ .
والمراد بالبرزخ هاهنا : الحاجز بين الدنيا والآخرة ، قال العلماء :
وله زمان ومكان وحال ، فزمانه من حين الموت إلى يوم القيامة ، وحاله
الأرواح ، ومكانه من القبر إلى علّيّين لأرواح أهل السّعادة ، أمّا أهل
الشّقاوة فلا تفتح لأرواحهم أبواب السّماء ، بل هي في سجّين مسجونة ،
وبلعنة اللّه مصفودة ،
قال ابن القيّم : إنّه ينبغي أن يعلم أنّ عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه ، وهو ما بين الدنيا والآخرة . قال تعالى : « وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » .هذا وقد اختلف العلماء في السؤال في القبر ، هل يقع على البدن أم على الروح أو عليهما معاً ، وذلك على أربعة أقوال :الأوّل
: لجمهور علماء أهل السنّة ، وهو أنّ الروح تعاد إلى الجسد أو بعضه ، ولا
يمنع من ذلك كون الميّت قد تتفرّق أجزاؤه ، لأنّ اللّه قادر على أن يعيد
الحياة إلى جزء من الجسد ، ويقع عليه السؤال ، كما هو قادر على أن يجمع
أجزاءه ،
قال ابن حجر الهيتمي : ويجوز أن ترجع الروح في حال آخر وأمر ثان ،
وبعودها يرجع الميّت حيّاً ، وهو المعبَّر عنه بحياة القبر عند إتيان
الملكين للسؤال ، فإذا ردَّت إليه الحياة ، للجسم والروح ، تبعتها
الإدراكات المشروطة بها ، فيتوجّه حينئذٍ على الميّت السؤال ، ويتصوَّر
منه الجواب .وقال
ابن حجر العسقلاني : المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة
المستقرّة المعهودة في الدنيا الّتي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره
وتصرفه ، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرّد إعادة لفائدة
الامتحان الّذي وردت به الأحاديث الصّحيحة ، فهي إعادة عارضة .الثّاني
: لأبي حنيفة والغزاليّ : وهو التّوقف . قال الغنيميّ الحنفي : واعلم أنّ
أهل الحقّ اتّفقوا على أنّ اللّه يخلق في الميّت نوع حياة في القبر ، قدر
ما يتألّم ويلتذَّ ، لكن اختلفوا في أنّه هل تعاد الروح إليه أم لا ؟.والمنقول
عن الإمام أبي حنيفة التّوقف ، وقال الغزالي : ولا يبعد أن تعاد الروح إلى
الجسد في القبر ، ولا يبعد أن تؤخّر إلى يوم البعث ، واللّه أعلم بما حكم
به على عبد من عباده .الثّالث : لابن جرير وجماعة ، وهو أنّه يقع على البدن فقط ، وأنّ اللّه يخلق فيه إدراكاً بحيث يسمع ويعلم ويلتذ ويألم .الرّابع : لابن هبيرة وغيره : وهو أنّ السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد.وقد
تفرّع عن ذلك الخلاف اختلاف العلماء في نعيم القبر وعذابه في الحياة
البرزخيّة ، هل يقع على الروح فقط أم على الجسد أم على كليهما ؟
فذهب ابن هبيرة والغزالي إلى أنّ التّنعيم والتّعذيب إنّما هو على الروح وحدها .
وقال جمهور أهل السنّة والجماعة من المتكلّمين والفقهاء : هو على الروح والجسد .قال
النّووي : النّعيم والعذاب للجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو
إلى جزء منه ، وقال ابن تيميّة : العذاب والنّعيم على النّفس والبدن
جميعاً باتّفاق أهل السنّة والجماعة ، تنعّم النّفس وتعذّب منفردةً عن
البدن ، وتعذّب متّصلةً بالبدن ، والبدن متّصل بها ، فيكون النّعيم
والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين ، كما يكون للروح منفردةً عن البدن .وذهب ابن جرير إلى أنّ الميّت يعذّب في قبره من غير أن تردّ الروح إليه ، ويحس بالألم وإن كان غير حي .
واعلم أن فائدة الأعمال بعد الموت : رفع الدرجات وتكفير السيئات ففي
الحديث الشريف : إن الرجل لترفع درجته فى الجنة فيقول يا رب أنى لى هذا
فيقول باستغفار ولدك لك ( أخرجه أحمد، وابن ماجه، والبيهقى عن أبى هريرة).
صحيح قَالَ تعالى : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ،
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }.وَقَالَ
تعالى : { فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ
يُصْعَقُونَ، يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ، وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } .وَهَذَا يُحْتَمَلُ
أَنْ يُرَادَ به عَذَابُهُمْ بِالْقَتْلِ وغيره في الدُّنْيَا، وَأَنْ
يُرَادَ به عَذَابُهُمْ في الْبَرْزَخِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ
كَثِيرًا مِنْهُمْ مَاتَ وَلَمْ يُعَذَّبْ في الدُّنْيَا، أَوِ الْمُرَادُ
أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ .وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله
عنه، قَالَ : « كُنَّا في جِنَازَة في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَه، كَأَنَّ
على رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَهُوَ يُلْحَدُ له، فَقَالَ : " أعُوذُ بالله
مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ "، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ
الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ في إِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَة
وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، نَزَلَتْ إليه الْمَلَائِكَة، كَأَنَّ على
وُجُوهِهِمُ الشَّمْسَ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّة،
وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّة، فَجَلَسُوا منه مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ
يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حتى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِه، فَيَقُولُ : يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَة، اخْرُجِي إلى مَغْفِرَة مِنَ الله
وَرِضْوَانٍ "،قَالَ : " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ
الْقَطْرَة مِنْ في السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ
يَدَعُوهَا في يَدِه طَرْفَة عَيْنٍ، حتى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا في
ذَلِكَ الْكَفَنِ وَذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَتَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ
نَفْحَة مِسْكٍ وُجِدَتْ على وَجْه الْأَرْضِ "، قَالَ : " فَيَصْعَدُونَ
بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا، - يعني على مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَة -،
إِلَّا قَالُوا : مَا هذه الرُّوحُ الطَّيِّبَة ؟ فَيَقُولُونَ : فُلَانُ
ابْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِه التي كَانُوا يُسَمُّونَه بِهَا في
الدُّنْيَا، حتى يَنْتَهُوا بِهَا إلى السَّمَاءِ، فَيَسْتَفْتِحُونَ له،
فَيُفْتَحُ له، فَيُشَيِّعُه مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا، إلى
السَّمَاءِ التي تَلِيهَا، حتى يُنْتَهَى بِهَا إلى السَّمَاءِ التي فيها
الله .فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي
في عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوه إلى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا
خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَة أخرى
. قَالَ : فَتُعَادُ رُوحُه في جَسَدِه، فَيَأْتِيه مَلَكَانِ،
فَيُجْلِسَانِه، فَيَقُولَانِ له : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّي
الله، فَيَقُولَانِ له : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِي الْإِسْلَامُ،
فَيَقُولَانِ له : مَا هَذَا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ :
هُوَ رَسُولُ الله، فَيَقُولَانِ له : مَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ :
قَرَأْتُ كِتَابَ الله فَآمَنْتُ به وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ
السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوه مِنَ الْجَنَّة،
وَافْتَحُوا له بَابًا إلى الْجَنَّة، قَالَ : فَيَأْتِيه مِنْ رَوْحِهَا
وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ له في قَبْرِه مَدَّ بَصَرِه، قَالَ : وَيَأْتِيه
رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْه، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ
: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الذي كُنْتَ تُوعَدُ،
فَيَقُولُ له : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْه الذي يَجِيءُ
بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ : يَا
رَبُّ، أَقِمِ السَّاعَة حتى أَرْجِعَ إلى أَهْلِي وَمَالِي " .وَقَدْ
تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ في
ثُبُوتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِه لِمَنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا،
وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ ثُبُوتِ ذَلِكَ
وَالْإِيمَانُ به، وَلَا يَتَكَلَّمُ في كَيْفِيَّتِه، إِذْ لَيْسَ
لِلْعَقْلِ وُقُوفٌ على كَيْفِيَّتِه، لِكَوْنِه لَا عَهْدَ له به في هذه
الدَّارِ، وَالشَّرْعُ لَا يأتي بِمَا تُحِيلُه الْعُقُولُ، وَلَكِنَّه
قَدْ يأتي بِمَا تَحَارُ فيه الْعُقُولُ . فَإِنَّ عَوْدَ الرُّوحِ إلى
الْجَسَدِ لَيْسَ على الْوَجْه الْمَعْهُودِ في الدُّنْيَا، بَلْ تُعَادُ
الرُّوحُ إليه إِعَادَة غَيْرَ الْإِعَادَة الْمَأْلُوفَة في الدُّنْيَا .فَالرُّوحُ لَهَا بِالْبَدَنِ خَمْسَة أَنْوَاعٍ مِنَ التَّعَلُّقِ، مُتَغَايِرَة الْأَحْكَامِ :
أَحَدُهَا : تَعَلُّقُهَا به في بَطْنِ الْأُمِّ جَنِينًا .
الثاني : تَعَلُّقُهَا به بَعْدَ خُرُوجِه إلى وَجْه الْأَرْضِ .
الثَّالِثُ : تَعَلُّقُهَا به في حَالِ النَّوْمِ، فَلَهَا به تَعَلُّقٌ مِنْ وَجْه، وَمُفَارَقَة مِنْ وَجْه .
الرَّابِعُ : تَعَلُّقُهَا به في الْبَرْزَخِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ
فَارَقَتْه وَتَجَرَّدَتْ عنه فَإِنَّهَا لَمْ تُفَارِقْه فِرَاقًا
كُلِّيًّا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا إليه الْتِفَاتٌ أَلْبَتَّة، فإنه
وَرَدَ رَدُّهَا إليه وَقْتَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ، وَوَرَدَ أنه يَسْمَعُ
خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عنه، وَهَذَا الرَّدُّ إِعَادَة
خَاصَّة، لَا يُوجِبُ حَيَاة الْبَدَنِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة .
الْخَامِسُ : تَعَلُّقُهَا به يَوْمَ بَعْثِ الْأَجْسَادِ، وَهُوَ
أَكْمَلُ أَنْوَاعِ تَعَلُّقِهَا بِالْبَدَنِ، وَلَا نِسْبَة لِمَا قبله
مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَلُّقِ إليه، إِذْ هُوَ تَعَلُّقٌ لَا يَقْبَلُ
الْبَدَنُ معه مَوْتًا وَلَا نَوْمًا وَلَا فَسَادًا، فَالنَّوْمُ أَخُو
الْمَوْتِ .
والمراد بالبرزخ هاهنا : الحاجز بين الدنيا والآخرة ، قال العلماء :
وله زمان ومكان وحال ، فزمانه من حين الموت إلى يوم القيامة ، وحاله
الأرواح ، ومكانه من القبر إلى علّيّين لأرواح أهل السّعادة ، أمّا أهل
الشّقاوة فلا تفتح لأرواحهم أبواب السّماء ، بل هي في سجّين مسجونة ،
وبلعنة اللّه مصفودة ،
قال ابن القيّم : إنّه ينبغي أن يعلم أنّ عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه ، وهو ما بين الدنيا والآخرة . قال تعالى : « وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » .هذا وقد اختلف العلماء في السؤال في القبر ، هل يقع على البدن أم على الروح أو عليهما معاً ، وذلك على أربعة أقوال :الأوّل
: لجمهور علماء أهل السنّة ، وهو أنّ الروح تعاد إلى الجسد أو بعضه ، ولا
يمنع من ذلك كون الميّت قد تتفرّق أجزاؤه ، لأنّ اللّه قادر على أن يعيد
الحياة إلى جزء من الجسد ، ويقع عليه السؤال ، كما هو قادر على أن يجمع
أجزاءه ،
قال ابن حجر الهيتمي : ويجوز أن ترجع الروح في حال آخر وأمر ثان ،
وبعودها يرجع الميّت حيّاً ، وهو المعبَّر عنه بحياة القبر عند إتيان
الملكين للسؤال ، فإذا ردَّت إليه الحياة ، للجسم والروح ، تبعتها
الإدراكات المشروطة بها ، فيتوجّه حينئذٍ على الميّت السؤال ، ويتصوَّر
منه الجواب .وقال
ابن حجر العسقلاني : المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة
المستقرّة المعهودة في الدنيا الّتي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره
وتصرفه ، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرّد إعادة لفائدة
الامتحان الّذي وردت به الأحاديث الصّحيحة ، فهي إعادة عارضة .الثّاني
: لأبي حنيفة والغزاليّ : وهو التّوقف . قال الغنيميّ الحنفي : واعلم أنّ
أهل الحقّ اتّفقوا على أنّ اللّه يخلق في الميّت نوع حياة في القبر ، قدر
ما يتألّم ويلتذَّ ، لكن اختلفوا في أنّه هل تعاد الروح إليه أم لا ؟.والمنقول
عن الإمام أبي حنيفة التّوقف ، وقال الغزالي : ولا يبعد أن تعاد الروح إلى
الجسد في القبر ، ولا يبعد أن تؤخّر إلى يوم البعث ، واللّه أعلم بما حكم
به على عبد من عباده .الثّالث : لابن جرير وجماعة ، وهو أنّه يقع على البدن فقط ، وأنّ اللّه يخلق فيه إدراكاً بحيث يسمع ويعلم ويلتذ ويألم .الرّابع : لابن هبيرة وغيره : وهو أنّ السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد.وقد
تفرّع عن ذلك الخلاف اختلاف العلماء في نعيم القبر وعذابه في الحياة
البرزخيّة ، هل يقع على الروح فقط أم على الجسد أم على كليهما ؟
فذهب ابن هبيرة والغزالي إلى أنّ التّنعيم والتّعذيب إنّما هو على الروح وحدها .
وقال جمهور أهل السنّة والجماعة من المتكلّمين والفقهاء : هو على الروح والجسد .قال
النّووي : النّعيم والعذاب للجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو
إلى جزء منه ، وقال ابن تيميّة : العذاب والنّعيم على النّفس والبدن
جميعاً باتّفاق أهل السنّة والجماعة ، تنعّم النّفس وتعذّب منفردةً عن
البدن ، وتعذّب متّصلةً بالبدن ، والبدن متّصل بها ، فيكون النّعيم
والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين ، كما يكون للروح منفردةً عن البدن .وذهب ابن جرير إلى أنّ الميّت يعذّب في قبره من غير أن تردّ الروح إليه ، ويحس بالألم وإن كان غير حي .
واعلم أن فائدة الأعمال بعد الموت : رفع الدرجات وتكفير السيئات ففي
الحديث الشريف : إن الرجل لترفع درجته فى الجنة فيقول يا رب أنى لى هذا
فيقول باستغفار ولدك لك ( أخرجه أحمد، وابن ماجه، والبيهقى عن أبى هريرة).