قال
رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ :
"إنَّ اللهَ تعـالى حـرَّمَ عليكم عقوقَ الأمَّهات،
وَوَأْدَ البناتِ ومَنْعًا وَهَات، وَكَرِهَ لكم قِيلَ وقال، وكَثْرَةَ
السُّؤال، وإِضَاعَةَ الْمَال".
الحمدَ للهِ نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستهدِيهِ ونشكُرُه ونَستغفرُه
ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلّ لهُ ومَن
يُضلِلْ فلا هادِي لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلهَ
إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ
لهُ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضاءَ لهُ، تنَزّه ربِّي عن القُعودِ
والجُلوسِ والمكانِ، كانَ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليهِ كانَ، فهوَ
موجودٌ بلا مكانٍ. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا
وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُه مَن بعثَهُ
اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، بلَّغَ
الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمَّةَ، جزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى
نبيًّا منْ أنبيائِهِ، الصلاةُ والسلامُ عليكَ سيّدِي يا علَمَ الهُدى، يا
أبا القاسِمِ يا أبا الزهراءِ يا محمّد، يا حبيبَ قلبي وروحي وفؤادي يا
محمّد، يا محمّدُ ضاقتْ حيلَتُنا وأنت وسيلَتُنا أدرِكْنا يا رسولَ اللهِ،
أدرِكْنا بإذنِ الله.
يقول
الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ {2} إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}﴾. وروى الإمامُ مسلمٌ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ قال: "إنَّ اللهَ تعـالى حـرَّمَ عليكم عقوقَ الأمَّهات، وَوَأْدَ
البناتِ ومَنْعًا وَهَات، وَكَرِهَ لكم قِيلَ وقال، وكَثْرَةَ السُّؤال،
وإِضَاعَةَ الْمَال".
كثيرٌ من الناسِ يأخُذُونَ بِشِعاراتٍ واهيةٍ وهميَّةٍ لا
تُسمِنُ ولا تُغنِي من جوع، كثيرٌ من الأفرادِ يعتمدونَ حبائلَ واهيةً
وادّعاءاتٍ باطلة وكثيرٌ من الناسِ يجتمعونَ على مقالاتِ الشيطانِ
ويُعرِضون عما في القرءان، والنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ الذي بُعِثَ
رحمةً للعالمين جاءنا وبيّنَ لنا صراطَ اللهِ المستقيم، بُعِثَ
بالحَنِيفيَّةِ السَّمحاء، بيّنَ العقيدةَ الحقَّةَ التي جاء بها جميعُ
الأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلام، وكذلك عرّفنا بفروعِ الأحكامِ التي منها
بِرُّ الوالدَينِ، وبين لنا كيف يكون بِرُّ الأُمِّ وبين لنا كيف يكونُ
بِرُّ الوالِدِ، وبين لنا ما هو الحرامُ وما هو المكروهُ وما هو الواجب،
وقد قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلّمَ:" رِضَا اللهِ في رِضَا
الوَالِدِ"، وقد قال للذي سألَه مَن أحقُّ النَّاسِ بِحُسنِ
صحابَتِي يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: أُمُّك، قالَ ثُمَّ مَنْ؟ قالَ:أُمُّك،
قالَ ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: أُمُّك، قالَ ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: أَبوك.
كم وكم يبيتُ الأبُ باكيًا والدُّموعُ تَنهَمِرُ
من عَيْنَيْهِ، كم وكم يتفتَّتُ كَبِدُ الأمِ وتَكونُ طاويَةً باكيةً
حزينةً كئيبة، والسببُ في ذلك سوءُ تصرُّفِ الأولادِ معَ والِدَيهِم، السببُ في ذلك عُقُوقُ الوالِدَينِ
من الأولاد، فهل مجرَّدُ تقبيلِ اليدِ،
وهل مجرّدُ تقديمِ هدِيّةٍ للوالدةِ تُمحَى به الذُّنوبُ
وتُرفَعُ به الخطايا، ويصيرُ الولدُ بارًّا
بِأُمِّه؟! وقد كسر قلبَها عَشَراتِ المرَّاتِ
وقد ءاذاها باللسانِ
واليدِ عشَراتِ المرَّات. فبِرُّ الأمِّ لا يكونُ مرّةً في العامِ وفي
بقيَّةِ الأيامِ يكونُ يعمَلُ الولدُ الذّكَرُ أوِ الأُنثَى على إيذائِها
على شتمِها على منعِها حقَّها، مَن مِنّا إذا ما
أُنزِلَ حُفرةَ القبرِ ولم يكُن معَه ما يضيءُ
قبرَه من حسناتٍ وطاعاتٍ يتجرَّأُ على أن يقول سأُدافِعُ عن نفسي بمالي
وخَدَمي وحاشيَتي وشهاداتِي وسُمعَتي، هو الواحدُ منا إذا تُرِكَ في بيتٍ
من عدةِ غُرَفٍ وأُطفِأت عليه الأنوارُ والبيتُ بَيتُه وهو بعدُ في حياتِه
الدنيا يشعُرُ كأنَه سيأتيه من يأكُلُهُ والرعبُ
يتملَّكُ قلبَه، فما بالُنا بحالِ أهلِ القبورِ الذينَ أُظلِمَت عليهم قبورُهُم، بسوءِ
فِعالِهم، وعُقُوقِهِم لوالديهم، فليُحاسِبْ
كلٌّ منا نفسَه ماذا فعلتُ مع والدِي مما يسوؤه ماذا فعلتُ مع أبي مما
يُزعِجُهُ ويُبكيه، وتذكّر حديثَ رسولِ الله صلى الله
عليه وسلم: "أعظمُ
النَّاسِ حقًّا على المرأةِ زوجُها وأعظمُ الناسِ حقًّا على الرَّجُلِ
أمُّه"، وتذكّر حديثَ رسولِ الله
الذي رواهُ مسلمٌ:" إنَّ اللهَ تعالى حرَّمَ عليكم عقوقَ
الأمَّهات"، وليسَ معنى ذلك أن تظلِمَ زوجَتكَ، وليسَ معنى
ذلك أن تظلِمَ أباكَ تحقيقًا لرغبةِ أمِّكَ فيما لو كان بينهما مشاحنةٌ أو
تشاجُر، عُد إلى حُكمِ الشَّرعِ، أنتَ
طبِّق حكمَ الشرعِ، فإن كانت الأمُّ ظالمةً انصحْها،
وإن كانَ الأبُ ظالما انصحْهُ، وإن كانت
زوجَتُكَ ظالمةً انصحْها، ليسَ لكَ أنْ تكونَ مع
زوجتِكَ ضِدَّ أمِّكَ عَصَبِيَّةً، العصبيةُ دَعُوها فإنها نَتِنَة.
هنيئا
لمن تعلم شرع الله وطبّقَ على نفسه وطهَّرَ جوارِحَهُ وقلبَه من الأدرانِ
والآثامِ والذُّنوبِ والمعاصي، ونوَّرَ جوارحَه بطاعةِ ربِّه.