قال الله عز وجل:
أعددت لعبادي ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على
قلب بشر. فاقرءوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جزاءاًبما كانوا يعملون [السجدة:17] } [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه،
وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم،
وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل
عيب وآفة ونقص.
فإن سألت: عن أرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران.
وإن سألت: عن سقفها، فهو عرش الرحمن.
وإن سألت: عن بلاطها، فهو المسك الأذفر.
وإن سألت: عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت: عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب.
وإن سألت: عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب.
وإن سألت: عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من ال**د وأحلى من العسل.
وإن سألت: عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت: عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه،
وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
وإن سألت: عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت: عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل .
وإن سألت: عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألت: عن سعت أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام،
وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها.
وإن سألت: عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع
في ظلها مئة عام لا يقطعها.
وإن سألت: عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها
ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألت: عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية،
تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت: عن إرتفاعها، فانظر إلى الكواكب ، أو الغارب في الأفق
الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت: عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب.
وإن سألت: عن فرشها، فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألت: عن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات،
وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب، فما لها من فروج ولا خلال.
وإن سألت: عن أسنانهم، فأبناء ثلاثة وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام،
أبي البشر.
وإن سألت: عن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر.
وإن سألت: عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه
سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله
مما شاء، تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
وإن سألت: عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس
ملابس التيجان.
وإن سألت: عن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.
وإن سألت: عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب،
اللائي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح
ما لبسته الخدود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللدقة
واللطافة ما دارت عليه الخصور.
تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيئ البرق
من بين ثناياها إذا تبسمت، وإذا قابلت حبها فقل ما شئت
في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك في محادثة الحبيبين،
وإن ظمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها،
كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها [الصيقل: جلاء السيوف،
والمقصود هنا تشبيه وجه الحوراء بالمرآة التي جلاها ولمعها منظفها
ختى بدت أنظف وأجلى ما يكون]، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم،
ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها.
لو أطلت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً،
ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيراً و تسبيحاً، ولتزخرف لها
ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين،
ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم،
ولآمن كل من رآها على وجه الأرض بالله الحي القيوم،
ونصيفها (الخمار) على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
ووصاله أشهى إليها من جميع أمانيها، لا تزداد على تطاول الأحقاب
إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً،
مبرأة من الحبل (الحمل) والولادة والحيض والنفاس،
مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس.
لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها،
ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها،
فلا تطمح لأحد سواه، وقصرت طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه،
إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته
فهو معها في غاية الأماني والأمان.
هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً،
وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت: عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب.
وإن سألت: عن الحسن، فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت: عن الحدق (سواد العيون) فأحسن سواد، في أصفى بياض،
في أحسن حور (أي: شدة بياض العين مع قوة سوادها).
وإن سألت: عن القدود، فهل رأيت أحسن الأغصان.
وإن سألت: عن اللون، فكأنه الياقوت والمرجان.
وإن سألت: عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع
لهن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر،
فهن أفراح النفوس وقرة النواظر.
وإن سألت: عن حسن العشرة، ولذة ما هنالك:
فهن العروب المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل،
التي تمتزج بالزوج أي امتزاج.
فما ظنك بإمرأة إذا ضحكت بوجه زوجها أضاءة الجنة من ضحكها،
وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقل في بروج فلكها،
وإذا حاضرت زوجها فياحسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته
فيالذت تلك المعانقة والمخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملي وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز
إن غنت فيا لذت الأبصار والأسماع، وإن آنست وأنفعت
فياحبذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلت فلا شيء أشها إليه
من ذلك التقبيل، وإن نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.
هذا، وإن سألت: عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد،
ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة
والقمر ليلة البدر، كما تواتر النقل فيه عن الصادق المصدوق،
وذلك موجود في الصحاح، والسنن المسانيد، ومن رواية جرير،
وصهيب، وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد،
فاستمع يوم ينادي المنادي:
يا أهل الجنة
إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيى على زيارته،
فيقولون سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين،
فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين،
حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداّ،
وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحداً،
أمر الرب سبحانه وتعالى بكرسية فنصب هناك،
ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ،
ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم - وحاشاهم
أن يكون بينهم دنئ - على كثبان المسك، ما يرون أصحاب الكراسي
فوقهم العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم
أماكنهم، نادى المنادي:
يا أهل الجنة
سلام عليكم.:
فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام،
ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب
تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول:
يا أهل الجنة
*******
فيكون أول ما يسمعون من تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني
بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد. فيجتمعون على كلمة واحدة:
أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول:
يا أهل الجنة
إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد،
فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة:
أرنا وجهك ننظر إليه.
فيكشف الرب جل جلاله الحجب، ويتجلا لهم فيغشاهم من نوره
ما لو لا أن الله سبحانه وتعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا.
ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة،
حتى إنه يقول:
يا فلان، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا،
فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟
فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذت الأسماع بتلك المحاضرة.
ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة.
ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة.
قال تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25]
منقول من كتاب ابن القيم رحمه الله [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص355-360)].
جعلني الله واياكم من أهل الجنه ورزقنا النظر الى وجهه الكريم - اللهم آمين
أعددت لعبادي ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على
قلب بشر. فاقرءوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جزاءاًبما كانوا يعملون [السجدة:17] } [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه،
وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم،
وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل
عيب وآفة ونقص.
فإن سألت: عن أرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران.
وإن سألت: عن سقفها، فهو عرش الرحمن.
وإن سألت: عن بلاطها، فهو المسك الأذفر.
وإن سألت: عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت: عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب.
وإن سألت: عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب.
وإن سألت: عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من ال**د وأحلى من العسل.
وإن سألت: عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت: عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه،
وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
وإن سألت: عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت: عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل .
وإن سألت: عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألت: عن سعت أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام،
وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها.
وإن سألت: عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع
في ظلها مئة عام لا يقطعها.
وإن سألت: عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها
ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألت: عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية،
تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت: عن إرتفاعها، فانظر إلى الكواكب ، أو الغارب في الأفق
الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت: عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب.
وإن سألت: عن فرشها، فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألت: عن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات،
وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب، فما لها من فروج ولا خلال.
وإن سألت: عن أسنانهم، فأبناء ثلاثة وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام،
أبي البشر.
وإن سألت: عن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر.
وإن سألت: عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه
سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله
مما شاء، تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
وإن سألت: عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس
ملابس التيجان.
وإن سألت: عن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.
وإن سألت: عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب،
اللائي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح
ما لبسته الخدود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللدقة
واللطافة ما دارت عليه الخصور.
تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيئ البرق
من بين ثناياها إذا تبسمت، وإذا قابلت حبها فقل ما شئت
في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك في محادثة الحبيبين،
وإن ظمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها،
كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها [الصيقل: جلاء السيوف،
والمقصود هنا تشبيه وجه الحوراء بالمرآة التي جلاها ولمعها منظفها
ختى بدت أنظف وأجلى ما يكون]، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم،
ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها.
لو أطلت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً،
ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيراً و تسبيحاً، ولتزخرف لها
ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين،
ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم،
ولآمن كل من رآها على وجه الأرض بالله الحي القيوم،
ونصيفها (الخمار) على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
ووصاله أشهى إليها من جميع أمانيها، لا تزداد على تطاول الأحقاب
إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً،
مبرأة من الحبل (الحمل) والولادة والحيض والنفاس،
مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس.
لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها،
ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها،
فلا تطمح لأحد سواه، وقصرت طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه،
إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته
فهو معها في غاية الأماني والأمان.
هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً،
وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت: عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب.
وإن سألت: عن الحسن، فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت: عن الحدق (سواد العيون) فأحسن سواد، في أصفى بياض،
في أحسن حور (أي: شدة بياض العين مع قوة سوادها).
وإن سألت: عن القدود، فهل رأيت أحسن الأغصان.
وإن سألت: عن اللون، فكأنه الياقوت والمرجان.
وإن سألت: عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع
لهن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر،
فهن أفراح النفوس وقرة النواظر.
وإن سألت: عن حسن العشرة، ولذة ما هنالك:
فهن العروب المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل،
التي تمتزج بالزوج أي امتزاج.
فما ظنك بإمرأة إذا ضحكت بوجه زوجها أضاءة الجنة من ضحكها،
وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقل في بروج فلكها،
وإذا حاضرت زوجها فياحسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته
فيالذت تلك المعانقة والمخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملي وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز
إن غنت فيا لذت الأبصار والأسماع، وإن آنست وأنفعت
فياحبذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلت فلا شيء أشها إليه
من ذلك التقبيل، وإن نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.
هذا، وإن سألت: عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد،
ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة
والقمر ليلة البدر، كما تواتر النقل فيه عن الصادق المصدوق،
وذلك موجود في الصحاح، والسنن المسانيد، ومن رواية جرير،
وصهيب، وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد،
فاستمع يوم ينادي المنادي:
يا أهل الجنة
إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيى على زيارته،
فيقولون سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين،
فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، فيستوون على ظهورها مسرعين،
حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداّ،
وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحداً،
أمر الرب سبحانه وتعالى بكرسية فنصب هناك،
ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ،
ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم - وحاشاهم
أن يكون بينهم دنئ - على كثبان المسك، ما يرون أصحاب الكراسي
فوقهم العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم، واطمأنت بهم
أماكنهم، نادى المنادي:
يا أهل الجنة
سلام عليكم.:
فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام،
ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب
تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول:
يا أهل الجنة
*******
فيكون أول ما يسمعون من تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني
بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد. فيجتمعون على كلمة واحدة:
أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول:
يا أهل الجنة
إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد،
فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة:
أرنا وجهك ننظر إليه.
فيكشف الرب جل جلاله الحجب، ويتجلا لهم فيغشاهم من نوره
ما لو لا أن الله سبحانه وتعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا.
ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة،
حتى إنه يقول:
يا فلان، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا،
فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟
فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذت الأسماع بتلك المحاضرة.
ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة.
ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة.
قال تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25]
منقول من كتاب ابن القيم رحمه الله [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص355-360)].
جعلني الله واياكم من أهل الجنه ورزقنا النظر الى وجهه الكريم - اللهم آمين